باب: إِذَا وَهَبَ هِبَةً أَوْ وَعَدَ عِدَةً ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ أَنْ تَصِلَ إِلَيْهِ
 
وَقَالَ عَبِيدَةُ: "إِنْ مَاتَ وَكَانَتْ فُصِلَتْ الْهَدِيَّةُ وَالْمُهْدَى لَهُ حَيٌّ فَهِيَ لِوَرَثَتِهِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ فُصِلَتْ فَهِيَ لِوَرَثَةِ الَّذِي أَهْدَى" وَقَالَ الْحَسَنُ: "أَيُّهُمَا مَاتَ قَبْلُ فَهِيَ لِوَرَثَةِ الْمُهْدَى لَهُ إِذَا قَبَضَهَا الرَّسُولُ"
2598- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُنْكَدِرِ سَمِعْتُ جَابِرًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ لِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَوْ جَاءَ مَالُ الْبَحْرَيْنِ أَعْطَيْتُكَ هَكَذَا "ثَلاَثًا" فَلَمْ يَقْدَمْ حَتَّى تُوُفِّيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَمَرَ
(5/221)

أَبُو بَكْرٍ مُنَادِيًا فَنَادَى مَنْ كَانَ لَهُ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِدَةٌ أَوْ دَيْنٌ فَلْيَأْتِنَا فَأَتَيْتُهُ فَقُلْتُ إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَدَنِي فَحَثَى لِي ثَلاَثًا"
قوله: "باب إذا وهب هبة أو وعد ثم مات قبل أن تصل إليه" أي الهدية، وفي رواية الكشميهني: "أو وعد عدة" قال الإسماعيلي: هذه الترجمة لا تدخل في الهبة بحال. قلت: قال ذلك بناء على أن الهبة لا تصح إلا بالقبض، وإلا فليست هبة، هذا مقتضى مذهبه، لكن من يقول إنها تصح بدون القبض يسميها هبة، وكأن البخاري جنح إلى ذلك، وسأذكر نقل الخلاف فيه في الباب الذي يليه. وقال ابن بطال: لم يرو عن أحد من السلف وجوب القضاء بالعدة أي مطلقا، وإنما نقل عن مالك أنه يجب منه ما كان بسبب انتهى. وغفل عما ذكره ابن عبد البر عن عمر بن عبد العزيز، وعما نقله هو عن أصبغ، وعما سيأتي في البخاري الذي تصدى لشرحه في "باب من أمر بإنجاز الوعد" في أواخر الشهادات، وسيأتي نقل ما فيه والبحث فيه في مكانه إن شاء الله تعالى. قوله: "وقال عبيدة" بفتح أوله وهو ابن عمرو السلماني بفتح المهملة وسكون اللام، قوله: "إن ماتا" أي المهدي والمهدى إليه إلخ، وتفصيله بين أن تكون انفصلت أم لا مصير منه إلى أن قبض الرسول يقوم مقام قبض المهدى إليه. وذهب الجمهور إلى أن الهدية لا تنتقل إلى المهدى إليه إلا بأن يقبضها أو وكيله. قوله: "وقال الحسن: أيهما مات قبل فهي لورثة المهدى له إذا قبضها الرسول" قال ابن بطال: قال مالك كقول الحسن، وقال أحمد وإسحاق: إن كان حاملها رسول المهدي رجعت إليه، وإن كان حاملها رسول المهدى إليه فهي لورثته. وفي معنى قول عبيدة وتفصيله حديث رواه أحمد والطبراني عن أم كلثوم بنت أبي سلمة وهي بنت أم سلمة قالت: "لما تزوج النبي صلى الله عليه وسلم أم سلمة قال لها: إني قد أهديت إلى النجاشي حلة وأواقي من مسك، ولا أرى النجاشي إلا قد مات ولا أرى هديتي إلا مردودة علي، فإن ردت علي فهي لك، قال: وكان كما قال: "الحديث. وإسناده حسن. ثم ذكر المصنف حديث جابر في وفاء أبي بكر الصديق له ما وعده به النبي صلى الله عليه وسلم، وسيأتي بسط شرحه في كتاب فرض الخمس إن شاء الله تعالى. قال الإسماعيلي ليس ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم لجابر هبة، وإنما هي عدة على وصف، لكن لما كان وعد النبي صلى الله عليه وسلم لا يجوز أن يخلف نزلوا وعده منزلة الضمان في الصحة فرقا بينه وبين غيره من الأمة ممن يجوز أن يفي وأن لا يفي. قلت: وجه إيراده أنه نزل الهدية إذا لم تقبض منزلة الوعد بها، وقد أمر الله بإنجاز الوعد، لكن حمله الجمهور على الندب كما سيأتي.
(5/222)