باب: إِذَا وَهَبَ دَيْنًا عَلَى رَجُلٍ .
 
قَالَ شُعْبَةُ عَنْ الْحَكَمِ: هُوَ جَائِزٌ. وَوَهَبَ الحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ
عَلَيْهِمَا السَّلاَم لِرَجُلٍ دَيْنَهُ. وَقال النبي صلى الله عليه وسلم: "مَنْ كَانَ لَهُ عَلَيْهِ حَقٌّ فَلْيُعْطِهِ أَوْ لِيَتَحَلَّلْهُ مِنْهُ" فَقَالَ جَابِرٌ "قُتِلَ أَبِي وَعَلَيْهِ دَيْنٌ فَسَأَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غُرَمَاءَهُ أَنْ يَقْبَلُوا ثَمَرَ حَائِطِي وَيُحَلِّلُوا أَبِي"
2601- حَدَّثَنَا عَبْدَانُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا يُونُسُ وَقَالَ اللَّيْثُ حَدَّثَنِي يُونُسُ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ حَدَّثَنِي ابْنُ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَخْبَرَهُ "أَنَّ أَبَاهُ قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ شَهِيدًا فَاشْتَدَّ الْغُرَمَاءُ فِي حُقُوقِهِمْ فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَلَّمْتُهُ فَسَأَلَهُمْ أَنْ يَقْبَلُوا ثَمَرَ حَائِطِي وَيُحَلِّلُوا أَبِي فَأَبَوْا فَلَمْ يُعْطِهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَائِطِي وَلَمْ يَكْسِرْهُ لَهُمْ وَلَكِنْ قَالَ سَأَغْدُو عَلَيْكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ فَغَدَا عَلَيْنَا حِينَ أَصْبَحَ فَطَافَ فِي النَّخْلِ وَدَعَا فِي ثَمَرِهِ بِالْبَرَكَةِ فَجَدَدْتُهَا فَقَضَيْتُهُمْ حُقُوقَهُمْ وَبَقِيَ لَنَا مِنْ ثَمَرِهَا بَقِيَّةٌ ثُمَّ جِئْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ جَالِسٌ فَأَخْبَرْتُهُ بِذَلِكَ فَقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لِعُمَرَ اسْمَعْ - وَهُوَ جَالِسٌ - يَا عُمَرُ فَقَالَ: أَلاَ يَكُونُ قَدْ عَلِمْنَا أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهِ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ"
قوله: "باب إذا وهب دينا على رجل" أي صح ولو لم يقبضه منه ويقبض له، قال ابن بطال: لا خلاف بين العلماء في صحة الإبراء من الدين إذا قبل البراءة، قال: وإنما اختلفوا إذا وهب دينا له على رجل لرجل آخر، فمن اشترط في صحة الهبة القبض لم يصحح هذه ومن لم يشترطه صححها، لكن شرط مالك أن تسلم إليه الوثيقة بالدين ويشهد له بذلك على نفسه أو يشهد بذلك ويعلنه إن لم يكن به وثيقة ا هـ، وعند الشافعية في ذلك وجهان: جزم الماوردي بالبطلان، وصححه الغزالي ومن تبعه، وصحح العمراني وغيره الصحة. قيل والخلاف مرتب على البيع إن صححنا بيع الدين من غير من عليه فالهبة أولى، وإن منعناه ففي الهبة وجهان. والله أعلم. قوله: "وقال شعبة عن الحكم هو جائز" وصله ابن أبي شيبة عن أبي داود عن شعبة قال: قال لي الحكم: أتاني ابن أبي ليلى - يعني محمد بن عبد الرحمن - فسألني عن رجل كان له على رجل دين فوهبه له، أله أن يرجع فيه؟ قلت: لا. قال شعبة: فسألت حمادا فقال: بلى له أن يرجع فيه. قوله: "ووهب الحسن بن علي دينه لرجل" لم أقف على من وصله. قوله: "وقال النبي صلى الله عليه وسلم: من كان عليه حق فليعطه أو ليتحلله منه" أي من صاحبه، وصله مسدد في مسنده من طريق سعيد المقبري عن أبي هريرة مرفوعا: "من كان لأحد عليه حق فليعطه إياه أو ليتحلله منه" الحديث، وقد تقدم موصولا بمعناه في كتاب المظالم، ووجه الدلالة منه لجواز هبة الدين أنه صلى الله عليه وسلم سوى بين أن يعطيه إياه أو يحلله منه، ولم يشترط في التحليل قبضا. قوله: "وقال جابر قتل أبي إلخ" وصله في الباب بأتم منه، وتؤخذ الترجمة من قوله: "فسأل النبي صلى الله عليه وسلم غرماء والد جابر أن يقبلوا ثمر حائطه وأن يحللوه" فلو قبلوا كان في ذلك براءة ذمته من بقية الدين، ويكون في معنى الترجمة، وهو هبة الدين، ولو لم يكن جائزا لما طلبه النبي صل الله عليه وسلم. قوله: "أخبرنا عبد الله" هو ابن المبارك. قوله: "وقال الليث حدثني يونس" وصله الذهلي في "الزهريات" عن عبد الله بن صالح عن الليث، وقد سبق من وجه آخر في الاستقراض، ويأتي الكلام عليه مستوفى في علامات النبوة إن شاء الله تعالى.
(5/224)