باب: مَنْ اسْتَعَارَ مِنْ النَّاسِ الْفَرَسَ
 
2627- حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسًا يَقُولُ: "كَانَ فَزَعٌ بِالْمَدِينَةِ، فَاسْتَعَارَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَسًا مِنْ أَبِي طَلْحَةَ يُقَالُ لَهُ الْمَنْدُوبُ فَرَكِبَه، فَلَمَّا رَجَعَ قَالَ: مَا رَأَيْنَا مِنْ شَيْءٍ وَإِنْ وَجَدْنَاهُ لَبَحْرًا"
[الحديث 2627- أطرافه في: 2820 ، 2857 ، 2866 ، 2867 ، 2908 ، 2968 ، 2969 ، 3040 ، 6033 ، 6212]
قوله: "باب من استعار من الناس الفرس" زاد أبو ذر عن مشايخه "والدابة" وزاد عن الكشميهني: "وغيرها"
(5/240)

وثبت مثله لابن شبويه لكن قال: "وغيرهما"بالتثنية، وذكر بعض الشراح ممن أدركناه قبل الباب: "كتاب العارية" ولم أره في شيء من النسخ ولا الشروح، والبخاري أضاف العارية إلى الهبة لأنها هبة المنافع. والعارية بتشديد التحتانية ويجوز تخفيفها، وحكي عارة براء خفيفة بغير تحتانية، قال الأزهري: مأخوذة من عار إذا ذهب وجاء ومنه سمي العيار لأنه يكثر الذهاب والمجيء، وقال البطليوسي: هي من التعاور وهو التناوب، وقال الجوهري: منسوبة إلى العار لأن طلبها عار، وتعقب بوقوعها من الشارع ولا عار في فعله، وهذا التعقب وإن كان صحيحا في نفسه لكنه لا يرد على ناقل اللغة، وفعل الشارع في مثل ذلك لبيان الجواز. وهي في الشرع هبة المنافع دون الرقبة، ويجوز توقيتها. وحكم العارية إذا تلفت في يد المستعير أن يضمنها إلا فيما إذا كان ذلك من الوجه المأذون فيه، هذا قول الجمهور، وعن المالكية والحنفية إن لم يتعد لم يضمن. وفي الباب عدة أحاديث ليس فيها شيء على شرط البخاري، أشهرها حديث أبي أمامة أنه "سمع النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع يقول: العارية مؤداة، والزعيم غارم" أخرجه أبو داود وحسنه الترمذي وصححه ابن حبان. قلت: في الاستدلال به نظر، وليس فيه دلالة على التضمين لأن الله تعالى قال: "إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها" وإذا تلفت الأمانة لم يلزم ردها. نعم روى الأربعة وصححه الحاكم من حديث الحسن عن سمرة رفعه: "على اليد ما أخذت حتى تؤديه" وسماع الحسن من سمرة مختلف فيه، فإن ثبت ففيه حجة لقول الجمهور، والله أعلم. قوله: "كان فزع بالمدينة" أي خوف من عدو. قوله: "من أبي طلحة" هو زيد بن سهل زوج أم أنس. قوله: "يقال له المندوب" قيل سمي بذلك من الندب وهو الرهن عند السباق، وقيل لندب كان في جسمه وهو أثر الجرح، زاد في الجهاد من طريق سعيد عن قتادة "كان يقطف أو كان فيه قطاف" كذا فيه بالشك، والمراد أنه كان بطيء المشي. قوله: "وإن وجدناه لبحرا" في رواية المستملي: "وإن وجدنا" بحذف الضمير، قال الخطابي: إن هي النافية واللام في "لبحرا" بمعنى إلا أي ما وجدناه إلا بحرا، قال ابن التين هذا مذهب الكوفيين، وعند البصريين "أن" مخففة من الثقيلة واللام زائدة، كذا قال، قال الأصمعي: يقال للفرس بحر إذا كان واسع الجري، أو لأن جريه لا ينفذ كما لا ينفذ البحر، ويؤيده ما في رواية سعيد عن قتادة "وكان بعد ذلك لا يجارى" وسيأتي في الجهاد، ويأتي الكلام عليه مستوفى هناك إن شاء الله تعالى.
(5/241)