باب: مَا جَاءَ فِي الْبَيِّنَةِ عَلَى الْمُدَّعِي لِقَوْلِهِ تَعَالَى [282 البقرة]:
 

كتاب الشهادات
باب ماجاء في البينة على المدعي
...
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
52 - كِتَاب الشَّهَادَاتِ
قوله: "كتاب الشهادات" هي جمع شهادة، وهي مصدر شهد يشهد. قال الجوهري. الشهادة خبر قاطع، والمشاهدة المعاينة، مأخوذة من الشهود أي الحضور، لأن الشاهد مشاهد لما غاب عن غيره، وقيل مأخوذة من الإعلام.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئاً فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهاً أَوْ ضَعِيفاً أَوْ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى وَلا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا وَلا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيراً أَوْ كَبِيراً إِلَى أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلَّا تَرْتَابُوا إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةَ تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلَّا تَكْتُبُوهَا وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ وَلا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ
(5/247)

وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} وَقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ [135النساء]: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيّاً أَوْ فَقِيراً فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً}
قوله: "بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ - باب ما جاء في البينة على المدعي" كذا للأكثر، وسقط لبعضهم لفظ: "باب" وقدم النسفي وابن شبويه البسملة على "كتاب". قوله: "لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً فَاكْتُبُوهُ} الآية" كذا لابن شبويه، ولأبي ذر بعد قوله: {فَاكْتُبُوهُ} إلى قوله: {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} وساق في رواية الأصلي وكريمة الآية كلها وكذا التي بعدها. قوله: "وقول الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ} - إلى قوله: {بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً} " كذا لأبي ذر وابن شبويه ووقع للنسفي بعد قوله في الآية الأولى فاكتبوه: {وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ} - إلى قوله: {بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً} وهو غلط لا محالة، وكأنه سقط منه شيء أوضحته رواية غيره كما ترى، ولم يسق في الباب حديثا إما اكتفاء بالآيتين، وإما إشارة إلى الحديث الماضي قريبا في ذلك في آخر باب الرهن، وستأتي ترجمة الشق الآخر وهي "اليمين على المدعى عليه" قريبا. قال ابن المنير: وجه الاستدلال بالآية للترجمة أن المدعي لو كان القول قوله لم يحتج إلى الإشهاد ولا إلى كتابة الحقوق وإملائها، فالأمر بذلك يدل على الحاجة إليه، ويتضمن أن البينة على المدعي، ولأن الله حين أمر الذي عليه الحق بالإملاء اقتضى تصديقه فيما أقر به، وإذا كان مصدقا فالبينة على من ادعى تكذيبه.
(5/248)