باب: هَلْ يَنْتَفِعُ الْوَاقِفُ بِوَقْفِهِ؟
 
وَقَدْ اشْتَرَطَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لاَ جُنَاحَ عَلَى مَنْ وَلِيَهُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا. وَقَدْ يَلِي الْوَاقِفُ وَغَيْرُهُ
وَكَذَلِكَ كُلُّ مَنْ جَعَلَ بَدَنَةً أَوْ شَيْئًا لِلَّهِ فَلَهُ أَنْ يَنْتَفِعَ بِهَا كَمَا يَنْتَفِعُ غَيْرُهُ وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ
2754- حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى رَجُلًا يَسُوقُ بَدَنَةً فَقَالَ لَهُ: ارْكَبْهَا، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهَا بَدَنَةٌ قَالَ فِي الثَّالِثَةِ أَوْ فِي الرَّابِعَةِ ارْكَبْهَا وَيْلَكَ - أَوْ وَيْحَكَ"
2755- حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ حَدَّثَنَا مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى رَجُلًا يَسُوقُ بَدَنَةً فَقَالَ: ارْكَبْهَا، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهَا بَدَنَةٌ، قَالَ: ارْكَبْهَا وَيْلَكَ. فِي الثَّانِيَةِ أَوْ فِي الثَّالِثَةِ"
قوله: "باب هل ينتفع الواقف بوقفه" أي بأن يقف على نفسه ثم على غيره، أو بأن يشرط لنفسه من المنفعة جزءا معينا، أو يجعل للناظر على وقفه شيئا ويكون هو الناظر؟ وفي هذا كله خلاف، فأما الوقف على النفس فسيأتي البحث فيه في "باب الوقف كيف يكتب" وأما شرط شيء من المنفعة فسيأتي في "باب قوله تعالى: {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى} " وأما ما يتعلق بالنظر فأذكره هنا. ووقع قبل الباب في "المستخرج" لأبي نعيم "كتاب الأوقاف، باب هل ينتفع الواقف بوقفه" ولم أر ذلك لغيره. قوله: "وقد اشترط عمر إلخ" هو طرف من قصة وقف عمر، وقد تقدمت موصولة في آخر الشروط، وقوله: "وقد يلي الواقف وغيره إلخ". هو من تفقه المصنف، وهو يقتضي أن ولاية النظر للواقف لا نزاع فيها، وليس كذلك وكأنه فرعه على المختار عنده، وإلا فعند المالكية أنه لا يجوز، وقيل إن دفعه الواقف لغيره ليجمع غلته ولا يتولى تفرقتها إلا الواقف جاز، قال ابن بطال: وإنما منع مالك من ذلك سدا للذريعة لئلا يصير كأنه وقف على نفسه، أو يطول العهد فينتسى الوقف، أو يفلس الواقف فيتصرف فيه لنفسه، أو يموت فيتصرف فيه ورثته، وهذا لا يمنع الجواز إذا حصل الأمن من ذلك، لكن لا يلزم من أن النظر يجوز للواقف أن ينتفع به. نعم إن شرط ذلك جاز على الراجح، والذي احتج به المصنف من قصة عمر ظاهر في الجواز، ثم قواه بقوله: "وكذلك كل من جعل بدنة أو شيئا لله فله أن ينتفع به كما ينتفع غيره وإن لم يشترطه" ثم أورد حديثي أنس وأبي هريرة في قصة الذي ساق البدنة وأمره صلى الله عليه وسلم بركوبها، وقد قدمت الكلام عليه في الحج مستوفى وبينت هناك من أجاز ذلك مطلقا ومن منع ومن قيد بالضرورة والحاجة، وقد تمسك به من أجاز الوقف على النفس من جهة أنه إذا جاز له الانتفاع بما أهداه بعد خروجه عن ملكه بغير شرط فجوازه بالشرط أولى، وقد اعترضه ابن
(5/383)

المنير بأن الحديث لا يطابق الترجمة إلا عند من يقول إن المتكلم داخل في عموم خطابه، وهي من مسائل الخلاف في الأصول، قال: والراجح عند المالكية تحكيم العرف حتى يخرج غير المخاطب من العموم بالقرينة. وقال ابن بطال: لا يجوز للواقف أن ينتفع بوقفه لأنه أخرجه لله وقطعه عن ملكه فانتفاعه بشيء منه رجوع في صدقته، ثم قال: وإنما يجوز له ذلك إن شرطه في الوقف أو افتقر هو أو ورثته انتهى. والذي عند الجمهور جواز ذلك إذا وقفه على الجهة العامة دون الخاصة كما سيأتي في أواخر كتاب الوصايا في ترجمة مفردة، ومن فروع المسألة: لو وقف على الفقراء مثلا ثم صار فقيرا أو أحد من ذريته هل يتناول ذلك؟ والمختار أنه يجوز بشرط أن لا يختص به لئلا يدعي أنه ملكه بعد ذلك.
(5/384)