باب مَنْ اغْبَرَّتْ قَدَمَاهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ
 
وَقَوْلِ اللَّهِ عزَّ وجلَّ [120 التوبة]: {مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنْ الأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ} إلى قوله: {إِنَّ اللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ}
2811- حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُبَارَكِ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَمْزَةَ قَالَ حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ أَخْبَرَنَا عَبَايَةُ بْنُ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ قَالَ أَخْبَرَنِي أَبُو عَبْسٍ هُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ جَبْرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "مَا اغْبَرَّتْ قَدَمَا عَبْدٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَمَسَّهُ النَّارُ".
قوله: "باب من اغبرت قدماه في سبيل الله" أي بيان ماله من الفضل. قوله: "وقول الله عز وجل: {مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ} إلى قوله: {إِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} قال ابن بطال: مناسبة الآية للترجمة أنه سبحانه وتعالى قال في الآية {وَلا يَطَأُونَ مَوْطِئاً يُغِيظُ الْكُفَّارَ} وفي الآية {إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ} قال: ففسر صلى الله عليه وسلم العمل الصالح أن النار لا تمس من عمل بذلك، قال: والمراد في سبيل الله جميع طاعاته ا هـ. وهو كما قال، إلا أن المتبادر عند الإطلاق من لفظ سبيل الله الجهاد، وقد أورده المصنف في "فضل المشي إلى الجمعة" استعمالا للفظ في عمومه، ولفظه هناك "حرمه الله على النار" وقال ابن المنير: مطابقة الآية من جهة أن الله أثابهم بخطواتهم وإن لم يباشروا قتالا، وكذلك دل الحديث على أن من اغبرت قدماه في سبيل الله حرمه الله على النار سواء باشر قتالا أم لا. اهـ. ومن تمام المناسبة أن الوطء يتضمن المشي المؤثر لتغبير القدم، ولا سيما في ذلك الزمان. قوله: "حدثنا إسحاق" قال أبو علي الجياني: نسبه الأصيلي ابن منصور. قلت:
(6/29)

وأخرجه الإسماعيلي من طريق إسحاق بن زيد الخطابي نزيل حران عن محمد بن المبارك المذكور، لكن زاد في آخر المتن قوله: "فتمسها النار أبدا" فالظاهر أنه ابن منصور، ويؤيده أن أبا نعيم أخرجه من طريق الحسن بن سفيان عن إسحاق بن منصور، ويزيد المذكور في الإسناد بالزاي، وعباية بفتح المهملة، وأبو عبس بسكون الموحدة هو ابن جبر بفتح الجيم وسكون الموحدة. قوله: "ما اغبرتا" كذا في رواية المستملي بالتثنية وهو لغة، وللباقين "ما اغبرت" وهو الأفصح، زاد أحمد من حديث أبي هريرة "ساعة من نهار". وقوله: "فتمسه النار" بالنصب، والمعنى أن المس ينتفي بوجود الغبار المذكور، وفي ذلك إشارة إلى عظيم قدر التصرف في سبيل الله، فإذا كان مجرد مس الغبار للقدم يحرم عليها النار فكيف بمن سعى وبذل جهده واستنفد وسعه؟ وللحديث شواهد: منها ما أخرجه الطبراني في الأوسط عن أبي الدرداء مرفوعا: "من اغبرت قدماه في سبيل الله باعد الله منه النار مسيرة ألف عام للراكب المستعجل" وأخرج ابن حبان من حديث جابر أنه كان في غزاة فقال: "سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكر نحو حديث الباب، قال: "فتواثب الناس عن دوابهم، فما رؤى أكثر ماشيا من ذلك اليوم".
(6/30)