باب الْكَافِرِ يَقْتُلُ الْمُسْلِمَ ثُمَّ يُسْلِمُ فَيُسَدِّدُ بَعْدُ وَيُقْتَلُ
 
2826- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "يَضْحَكُ اللَّهُ إِلَى رَجُلَيْنِ يَقْتُلُ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ يَدْخُلاَنِ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُ هَذَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلُ ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَى الْقَاتِلِ فَيُسْتَشْهَدُ".
2827- حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ قَالَ أَخْبَرَنِي عَنْبَسَةُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: "أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ بِخَيْبَرَ بَعْدَ مَا افْتَتَحُوهَا فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَسْهِمْ لِي فَقَالَ بَعْضُ بَنِي سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ لاَ تُسْهِمْ لَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ هَذَا قَاتِلُ ابْنِ قَوْقَلٍ فَقَالَ ابْنُ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ وَاعَجَبًا لِوَبْرٍ تَدَلَّى عَلَيْنَا مِنْ قَدُومِ ضَأْنٍ يَنْعَى عَلَيَّ قَتْلَ رَجُلٍ مُسْلِمٍ أَكْرَمَهُ اللَّهُ عَلَى يَدَيَّ وَلَمْ يُهِنِّي عَلَى يَدَيْهِ قَالَ فَلاَ أَدْرِي أَسْهَمَ لَهُ أَمْ لَمْ يُسْهِمْ لَهُ".
(6/39)

قَالَ سُفْيَانُ وَحَدَّثَنِيهِ السَّعِيدِيُّ عَنْ جَدِّهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ السَّعِيدِيُّ هُوَ عَمْرُو بْنُ يَحْيَى بْنِ سَعِيدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ.
[الحديث 2827 – أطرافه في: 4237، 4238، 4239]
قوله: "باب الكافر يقتل المسلم ثم يسلم" أي القاتل فيسدد بعد، أي يعيش على سداد أي استقامة في الدين. قوله: "ويقتل" في رواية النسفي "أو يقتل" وعليها اقتصر ابن بطال والإسماعيلي، وهي أليق بمراد المصنف. قال ابن المنير: في الترجمة "فيسدد" والذي وقع في الحديث: "فيستشهد" وكأنه نبه بذلك على أن الشهادة ذكرت للتنبيه على وجوه التسديد، وأن كل تسديد كذلك وإن كانت الشهادة أفضل، لكن دخول الجنة لا يختص بالشهيد، فجعل المصنف الترجمة كالشرح لمعنى الحديث. قلت: ويظهر لي أن البخاري أشار في الترجمة إلى ما أخرجه أحمد والنسائي والحاكم من طريق أخرى عن أبي هريرة مرفوعا: "لا يجتمعان في النار مسلم قتل كافرا ثم سدد المسلم وقارب" الحديث. قوله: "عن أبي الزناد" كذا هو في الموطأ، ولمالك فيه إسناد آخر رواه أيضا عن إسحاق بن أبي طلحة عن أنس أخرجه الدار قطني. قوله: "يضحك الله إلى رجلين" في رواية النسائي من طريق ابن عيينة عن أبي الزناد "أن الله يعجب من رجلين" قال الخطابي: الضحك الذي يعتري البشر عندما يستخفهم الفرح أو الطرب غير جائز على الله تعالى، وإنما هذا مثل ضرب لهذا الصنيع الذي يحل محل الإعجاب عند البشر فإذا رأوه أضحكهم، ومعناه الإخبار عن رضا الله بفعل أحدهما وقبوله للآخر ومجازاتهما على صنيعهما بالجنة ثم اختلاف حاليهما، قال: وقد تأول البخاري الضحك في موضع آخر على معنى الرحمة وهو قريب، وتأويله على معنى الرضا أقرب، فإن الضحك يدل على الرضا والقبول، قال: والكرام يوصفون عندما يسألهم السائل بالبشر وحسن اللقاء، فيكون المعنى في قوله: "يضحك الله" أي يجزل العطاء. قال وقد يكون معنى ذلك أن يعجب الله ملائكته ويضحكهم من صنيعهما، وهذا يتخرج على المجاز ومثله في الكلام يكثر. وقال ابن الجوزي: أكثر السلف يمتنعون من تأويل مثل هذا ويمرونه كما جاء(1) وينبغي أن يراعى في مثل هذا الإمرار اعتقاد أنه لا تشبه صفات الله صفات الخلق، ومعنى الإمرار عدم العلم بالمراد منه مع اعتقاد التنزيه. قلت: ويدل على أن المراد بالضحك الإقبال بالرضا تعديته بإلى تقول: ضحك فلان إلى فلان إذا توجه إليه طلق الوجه مظهرا للرضا عنه. قوله: "يدخلان الجنة" زاد مسلم من طريق همام عن أبي هريرة "قالوا كيف يا رسول الله؟". قوله: "يقاتل هذا في سبيل الله فيقتل" زاد همام فيلج الجنة، قال ابن عبد البر: معنى هذا الحديث عند أهل العلم أن القاتل الأول كان كافرا. قلت: وهو الذي استنبطه البخاري في ترجمته، ولكن لا مانع أن يكون مسلما لعموم قوله: "ثم يتوب الله على القاتل" كما لو قتل مسلم مسلما عمدا بلا شبهة ثم تاب القاتل واستشهد في سبيل الله، وإنما يمنع دخول مثل هذا من يذهب إلى أن قاتل المسلم عمدا لا تقبل له توبة، وسيأتي البحث فيه في تفسير سورة النساء إن شاء الله تعالى، ويؤيده الأول أنه وقع في رواية همام "ثم يتوب الله على الآخر فيهديه إلى الإسلام" وأصرح من ذلك ما أخرجه أحمد من طرين الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي
ـــــــ
(1) وهذا هو الصواب الذي جرت عليه الملة وعمل به أئمتها من العصر النبوي إلى زمن الأئمة المتبوعين، والخروج عن هذه الطريقة إلى التأويل عدول عن طريقة الصحابة والتابعين والتابعين لهم بإحسان
(6/40)

هريرة بلفظ: "قيل: كيف يا رسول الله؟ قال: يكون أحدهما كافرا فيقتل الآخر ثم يسلم فيغزو فيقتل". قوله: "ثم يتوب الله على القاتل فيستشهد" زاد همام "فيهديه إلى الإسلام، ثم يجاهد في سبيل الله فيستشهد" قال ابن عبد البر: يستفاد من هذا الحديث أن كل من قتل في سبيل الله فهو في الجنة. قوله: "حدثنا الزهري" في رواية على بن المديني في المغازي عن سفيان "سمعت الزهري وسأله إسماعيل ابن أمية" وفي رواية ابن أبي عمر في مسنده عن سفيان "سمعت إسماعيل بن أمية يسأل الزهري". قوله: "أخبرني عنبسة" بفتح المهملة وسكون النون "ابن سعيد" أي ابن العاص بن سعيد بن العاص ابن أمية. قوله: "عن أبي هريرة" في رواية الزبيدي عن الزهري التصريح بسماع عنبسة له من أبي هريرة وسيأتي بيان ذلك في المغازي. قوله: "فقال بعض بني سعيد بن العاص لا تسهم له" هو أبان بن سعيد كما بينته رواية الزبيدي. قوله: "قلت هذا قاتل ابن قوقل" بقافين وزن جعفر يعني النعمان بن مالك بن ثعلبة بن أصرم بمهملتين وزن أحمد بن فهم بن ثعلبة بن غنم بفتح المعجمة وسكون النون بعدها ميم ابن عمرو بن عوف الأنصاري الأوسي، وقوقل لقب ثعلبة وقيل لقب أصرم، وقد ينسب النعمان إلى جده فيقال النعمان بن قوقل، وله ذكر في حديث جابر عند مسلم قال: "جاء النعمان بن قوقل فقال: يا رسول الله أرأيت إذا صليت المكتوبات" الحديث. وروى البغوي في "الصحابة" أن النعمان بن قوقل قال يوم أحد: أقسمت عليك يا رب أن لا تغيب الشمس حتى أطأ بعرجتي في الجنة. فاستشهد ذلك اليوم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لقد رأيته في الجنة" وذكر بعض أهل المغازي أن صفوان بن أمية هو الذي قتله، وهو مرجوح بهذا الحديث الذي في البخاري، ولعلهما جميعا اشتركا في قتله، وسيأتي بقية شرح حديث أبي هريرة هذا في كتاب المغازي، والمراد منه هنا قول أبان "أكرمه الله على يدي ولم يهنى على يديه" وأراد بذلك أن النعمان استشهد بيد أبان فأكرمه الله بالشهادة ولم يقتل أبان على كفره فيدخل النار، وهو المراد بالإهانة، بل عاش أبان حتى تاب وأسلم، وكان إسلامه قبل خيبر بعد الحديبية. وقال ذلك الكلام بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم وأقره عليه، وهو موافق لما تضمنته الترجمة، قوله: "من قدوم ضأن" قال ابن دقيق العيد: وقع للجميع هنا بالنون، إلا في رواية الهمداني فباللام وهو الصواب وهو السدر البري، قلت وسيأتي في غزوة خيبر بأبسط من هذا. قوله: "فلا أدري أسهم له أم لم يسهم" سيأتي في غزوة خيبر في آخره: "فقال له يا أبان اجلس، ولم يقسم لهم" واحتج به من قال: إن من حضر بعد فراغ الوقعة ولو كان خرج مددا لهم أن لا يشارك من حضرها وهو قول الجمهور، وعند الكوفيين يشاركهم، وأجاب عنهم الطحاوي بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان أرسل إلى نجد قبل أن يشرع في التجهيز إلى خيبر فلذلك لم يقسم له، وأما من أراد الخروج مع الجيش فعاقه عائق ثم لحقهم فإنه الذي يقسم له كما أسهم النبي صلى الله عليه وسلم لعثمان وغيره ممن لم يحضر الوقعة، لكن كانوا ممن أراد الخروج معه فعاقهم عن ذلك عوائق شرعية. قوله: "قال سفيان" أي ابن عيينة، ووقع في رواية الحميدي في مسنده "عن سفيان وحدثنيه السعيدي أيضا"، وفي رواية ابن أبي عمر "عن سفيان سمعت السعيدي". قوله: "وحدثنيه السعيدي" هو معطوف على قوله: "حدثنا الزهري" وهو موصول بالإسناد الذي قبله. قوله: "السعيدي هو عمرو إلخ" هو كلام البخاري، ووقع لغير أبي ذر "قال أبو عبد الله" فذكره.
(6/41)