باب فَضْلِ النَّفَقَةِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ
 
2841- حَدَّثَنِي سَعْدُ بْنُ حَفْصٍ حَدَّثَنَا شَيْبَانُ عَنْ يَحْيَى عَنْ أَبِي سَلَمَةَ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " مَنْ أَنْفَقَ زَوْجَيْنِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ دَعَاهُ خَزَنَةُ الْجَنَّةِ كُلُّ خَزَنَةِ بَابٍ أَيْ فُلُ هَلُمَّ قَالَ أَبُو بَكْرٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ ذَاكَ الَّذِي لاَ تَوَى عَلَيْهِ. فَقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إِنِّي لاَرْجُو أَنْ تَكُونَ مِنْهُمْ".
2842- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ حَدَّثَنَا فُلَيْحٌ حَدَّثَنَا هِلاَلٌ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ عَلَى الْمِنْبَرِ فَقَالَ: "إِنَّمَا أَخْشَى عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِي مَا يُفْتَحُ عَلَيْكُمْ مِنْ بَرَكَاتِ الأَرْضِ ثُمَّ ذَكَرَ زَهْرَةَ الدُّنْيَا فَبَدَأَ بِإِحْدَاهُمَا وَثَنَّى بِالأُخْرَى فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أو يأتي الْخَيْرُ
(6/48)

ِالشَّرِّ؟ فَسَكَتَ عَنْهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْنَا يُوحَى إِلَيْهِ وَسَكَتَ النَّاسُ كَأَنَّ عَلَى رُءُوسِهِمْ الطَّيْرَ ثُمَّ إِنَّهُ مَسَحَ عَنْ وَجْهِهِ الرُّحَضَاءَ فَقَالَ أَيْنَ السَّائِلُ آنِفًا أَوَخَيْرٌ هُوَ؟ ثَلاَثًا إِنَّ الْخَيْرَ لاَ يَأْتِي إِلاَّ بِالْخَيْرِ وَإِنَّهُ كُلَّمَا يُنْبِتُ الرَّبِيعُ مَا يَقْتُلُ حَبَطًا أَوْ يُلِمُّ إِلاَّ آكِلَةَ الْخَضِرِ كُلَّمَا أَكَلَتْ حَتَّى إِذَا امْتَلاَتْ خَاصِرَتَاهَا اسْتَقْبَلَتْ الشَّمْسَ فَثَلَطَتْ وَبَالَتْ ثُمَّ رَتَعَتْ وَإِنَّ هَذَا الْمَالَ خَضِرَةٌ حُلْوَةٌ وَنِعْمَ صَاحِبُ الْمُسْلِمِ لِمَنْ أَخَذَهُ بِحَقِّهِ فَجَعَلَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَنْ لَمْ يَأْخُذْهُ بِحَقِّهِ فَهُوَ كَالْآكِلِ الَّذِي لاَ يَشْبَعُ وَيَكُونُ عَلَيْهِ شَهِيدًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ".
قوله: "باب فضل النفقة في سبيل الله" ذكر فيه حديثين: أحدهما: عن أبي هريرة "من أنفق زوجين في سبيل الله" وقد تقدم في أول الصوم من وجه آخر، وقوله في هذا الإسناد عن أبي سلمة يأتي الكلام عليه وعلى قوله: "أي فل" في فضل أبي بكر، وأن الخطابي جزم أنه ترخيم من فلان، وجزم غيره بأنه لغة فيه، وتقدم في "باب من لم ير الوضوء إلا من المخرجين" التنبيه على وهم القابسي في قوله: "سعيد بن حفص" وقوله: "زوجين" أي شيئين من أي نوع كان مما ينفق، والزوج يطلق على الواحد وعلى الاثنين وهو هنا على الواحد جزما، وقوله: "كل خزنة باب" كأنه من المقلوب لأن المراد خزنة كل باب، قال المهلب. في هذا الحديث أن الجهاد أفضل الأعمال، لأن المجاهد يعطي أجر المصلى والصائم والمتصدق وإن لم يفعل ذلك، لأن باب الريان للصائمين، وقد ذكر في هذا الحديث أن المجاهد يدعى من تلك الأبواب كلها بإنفاق قليل المال في سبيل الله انتهى. وما جرى فيه على ظاهر الحديث يرده ما قدمته في الصيام من زيادة في الحديث لأحمد حيث قال فيه: "لكل أهل عمل باب يدعون بذلك العمل" وهذا يدل على أن المراد بسبيل الله ما هو أعم من الجهاد وغيره من الأعمال الصالحة، وقوله: "لا توى عليه" بالمثناة والأكثر أنه مقصور، وحكى ابن فارس المد. حديث أبي سعيد "إنما أخشى عليكم من بعدي ما يفتح عليكم من بركات الأرض" وسيأتي شرحه مستوفى في الرقاق إن شاء الله تعالى، والغرض منه هنا قوله، "فجعله في سبيل الله" فإنه مطابق لما ترجم له، وقد روى النسائي وصححه ابن حبان من حديث خريم بالراء مصغر ابن فاتك بفاء ومثناة مكسورة رفعه: "من أنفق نفقة في سبيل الله كتب له سبعمائة ضعف" قلت: وهو موافق لقوله تعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ} الآية. وقوله في هذه الرواية: "وإنه كل ما ينبت الربيع يقتل أو يلم" بضم أوله وكسر اللام وتشديد الميم أي يقرب من القتل. وقوله: "أكلت حتى إذا امتدت" وقع في السياق حذف تقديره إلا آكله الخضر أكلت، وقد بين في الرواية الأخرى، وكذا أثبته الأصيلي هنا وسقط للباقين، وكذا سقط قوله: "حبطا" وهو بفتح المهملة والموحدة، وهو انتفاخ البطن من كثرة الأكل.
(6/49)