باب الْبَيْعَةِ فِي الْحَرْبِ أَنْ لاَ يَفِرُّوا. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: عَلَى الْمَوْتِ
 
لِقَوْلِ اللَّهِ عزَّ وجلَّ [18 الفتح] {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ}
2958- حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا جُوَيْرِيَةُ عَنْ نَافِعٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: "رَجَعْنَا مِنْ الْعَامِ الْمُقْبِلِ فَمَا اجْتَمَعَ مِنَّا اثْنَانِ عَلَى الشَّجَرَةِ الَّتِي بَايَعْنَا تَحْتَهَا كَانَتْ رَحْمَةً مِنْ اللَّهِ فَسَأَلْتُ نَافِعًا عَلَى أَيِّ شَيْءٍ بَايَعَهُمْ عَلَى الْمَوْتِ قَالَ لاَ بَلْ بَايَعَهُمْ عَلَى الصَّبْرِ".
2959- حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ يَحْيَى عَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: "لَمَّا كَانَ زَمَنُ الْحَرَّةِ أَتَاهُ آتٍ فَقَالَ لَهُ إِنَّ ابْنَ حَنْظَلَةَ يُبَايِعُ النَّاسَ عَلَى الْمَوْتِ فَقَالَ لاَ أُبَايِعُ عَلَى هَذَا أَحَدًا بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ".
[الحديث 2959 – طرفه في: 4167]
2960- حَدَّثَنَا الْمَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ أَبِي عُبَيْدٍ عَنْ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: "بَايَعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ عَدَلْتُ إِلَى ظِلِّ الشَّجَرَةِ فَلَمَّا خَفَّ النَّاسُ قَالَ يَا ابْنَ الأَكْوَعِ أَلاَ تُبَايِعُ قَالَ قُلْتُ قَدْ بَايَعْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ وَأَيْضًا فَبَايَعْتُهُ الثَّانِيَةَ فَقُلْتُ لَهُ يَا أَبَا مُسْلِمٍ عَلَى أَيِّ شَيْءٍ كُنْتُمْ تُبَايِعُونَ يَوْمَئِذٍ قَالَ عَلَى الْمَوْتِ".
[الحديث 2960 – أطرافه في: 4169، 7206، 7208]
2961- حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ حُمَيْدٍ قَالَ سَمِعْتُ أَنَسًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ: "كَانَتْ الأَنْصَارُ يَوْمَ الْخَنْدَقِ تَقُولُ:
نَحْنُ الَّذِينَ بَايَعُوا مُحَمَّدَا ... عَلَى الْجِهَادِ مَا حَيِينَا أَبَدَا.
فَأَجَابَهُمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: اللَّهُمَّ لاَ عَيْشَ إِلاَّ عَيْشُ الْآخِرَهْ، فَأَكْرِمْ الأَنْصَارَ وَالْمُهَاجِرَهْ".
2962، 2963- حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ سَمِعَ مُحَمَّدَ بْنَ فُضَيْلٍ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ عَنْ مُجَاشِعٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: "أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَا وَأَخِي فَقُلْتُ بَايِعْنَا عَلَى الْهِجْرَةِ فَقَالَ مَضَتْ الْهِجْرَةُ لِأَهْلِهَا فَقُلْتُ عَلاَمَ تُبَايِعُنَا قَالَ عَلَى الإِسْلاَمِ وَالْجِهَادِ".
[الحديث 2962 – أطرافه في: 3078، 4305، 4307]
[الحديث 2963 – أطرافه في: 3079، 4306، 4308]
قوله: "باب البيعة في الحرب على أن لا يفروا. وقال بعضهم: على الموت" كأنه أشار إلى أن لا تنافي بين
(6/117)

الروايتين لاحتمال أن يكون ذلك في مقامين، أو أحدهما يستلزم الآخر. قوله: "لقوله تعالى: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْ الْمُؤْمِنِينَ} الآية" قال ابن المنبر: أشار البخاري بالاستدلال بالآية إلى أنهم بايعوا على الصبر، ووجه أخذه منها قوله تعالى: {فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ} والسكينة الطمأنينة في موقف الحرب، فدل ذلك على أنهم أضمروا في قلوبهم أن لا يفروا فأعانهم على ذلك، وتعقب بأن البخاري إنما ذكر الآية عقب القول الصائر إلى أن المبايعة وقعت على الموت، ووجه انتزاع ذلك منها أن المبايعة فيها مطلقة، وقد أخبر سلمة بن الأكوع - وهو ممن بايع تحت الشجرة - أنه بايع على الموت، فدل ذلك على أنه لا تنافي بين قولهم بايعوه على الموت وعلى عدم الفرار، لأن المراد بالمبايعة على الموت أن لا يفروا ولو ماتوا، وليس المراد أن يقع الموت ولا بد، وهو الذي أنكره نافع وعدل إلى قوله: "بل بايعهم على الصبر" أي على الثبات وعدم الفرار سواء أفضى بهم ذلك إلى الموت أم لا، والله أعلم. وسيأتي في المغازي موافقة المسيب بن حزن - والد سعيد - لابن عمر على خفاء الشجرة، وبيان الحكمة في ذلك وهو أن لا يحصل بها افتتان لما وقع تحتها من الخير، فلو بقيت لما أمن تعظيم بعض الجهال لها حتى ربما أفضى بهم إلى اعتقاد أن لها قوة نفع أو ضر كما نراه الآن مشاهدا فيما هو دونها، وإلى ذلك أشار ابن عمر بقوله: "كانت رحمة من الله" أي كان خفاؤها عليهم بعد ذلك رحمة من الله تعالى. ويحتمل أن يكون معنى قوله رحمة من الله أي كانت الشجرة موضع رحمة الله ومحل رضوانه لنزول الرضا عن المؤمنين عندها. حديث ابن عمر "رجعنا من العام المقبل فما اجتمع منا اثنان على الشجرة التي بايعنا - أي النبي صلى الله عليه وسلم - تحتها" أي في عمرة الحديبية. قوله: "فسألنا نافعا" قائل ذلك هو جويرية بن أسماء الراوي عنه، وقد تعقبه الإسماعيلي بأن هذا من قول نافع وليس بمسند، وأجيب بأن الظاهر أن نافعا إنما جزم بما أجاب به لما فهمه عن مولاه ابن عمر فيكون مسندا بهذه الطريقة. حديث عبد الله بن زيد أي ابن عاصم الأنصاري المازني. قوله: "لما كان زمن الحرة" أي الوقعة التي كانت بالمدينة في زمن يزيد بن معاوية سنة ثلاث وستين كما سيأتي بيان ذلك في موضعه إن شاء الله تعالى. قوله: "إن ابن حنظلة" أي عبد الله بن حنظلة بن أبي عامر الذي يعرف أبوه بغسيلي الملائكة، والسبب في تلقيبه بذلك أنه قتل بأحد وهو جنب فغسلته الملائكة، وعلقت امرأته تلك الليلة بابنه عبد الله بن حنظلة، فمات النبي صلى الله عليه وسلم وله سبع سنين وقد حفظ عنه. وأتى الكرماني بأعجوبة فقال: ابن حنظلة هو الذي كان يأخذ البيعة ليزيد بن معاوية، والمراد به نفس يزيد لأن جده أبا سفيان كان يكنى أيضا أبا حنظلة فيكون التقدير أن ابن أبي حنظلة، ثم حذف لفظ أي تخفيفا أو يكون نسب إلى عمه حنظلة بن أبي سفيان استخفافا واستهجانا واستبشاعا بهذه الكلمة المرة انتهى. ولقد أطال رحمه الله في غير طائل، وأتى بغير الصواب. ولو راجع موضعا آخر من البخاري لهذا الحديث بعينه لرأي فيه ما نصه "لما كان يوم الحرة والناس يبايعون لعبد الله بن حنظلة، فقال عبد الله بن زيد: علام يبايع حنظلة الناس؟" الحديث. وهذا الموضع في أثناء غزوة الحديبية من كتاب المغازي، فهذا يرد احتماله الثاني، وأما احتماله الأول فيرده اتفاق أهل النقل على أن الأمير الذي كان من قبل يزيد بن معارية اسمه مسلم بن عقبة لا عبد الله بن حنظلة، وأن ابن حنظلة كان الأمير على الأنصار، وأن عبد الله بن مطيع كان الأمير على من سواهم وأنهما قتلا جميعا في تلك الوقعة. والله المستعان. قوله: "لا أبايع على هذا أحدا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم" فيه إيماء إلى أنه بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم على ذلك وليس بصريح، ولذلك عقبه المصنف بحديث سلمة بن الأكوع لتصريحه فيه بذلك. قال ابن المنير:
(6/118)

والحكمة في قول الصحابي إنه لا يفعل ذلك بعد النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان مستحقا للنبي صلى الله عليه وسلم على كل مسلم أن يقيه بنفسه، وكان فرضا عليهم أن لا يفروا عنه حتى يموتوا دونه، وذلك بخلاف غيره. ثالثها: حديث سلمة فقوله: "فقلت له يا أبا مسلم"، هي كنية سلمة بن الأكوع، والقائل "فقلت" الراوي عنه وهو يزيد بن أبي عبيد مولاه، وهذا الحديث أحد ثلاثيات البخاري، وقد أخرجه في الأحكام أيضا ويأتي الكلام عليه هناك إن شاء الله تعالى. قال ابن المنير: الحكمة في تكراره البيعة لسلمة أنه كان مقداما في الحرب فأكد عليه العقد احتياطا. قلت: أو لأنه كان يقاتل قتال الفارس والراجل فتعددت البيعة بتعدد الصفة. رابعها: حديث أنس "كانت الأنصار يوم الخندق تقول: نحن الذين بايعوا محمدا على الجهاد ما بقينا أبدا" وهو ظاهر فيما ترجم به، وقد تقدم موصولا في أوائل الجهاد، ويأتي الكلام عليه في المغازي إن شاء الله تعالى. خامسها: حديث مجاشع وهو ابن مسعود، وأخوه اسمه مجالد بجيم، وسيأتي الكلام عليه في المغازي في غزوة الفتح إن شاء الله تعالى.
(6/119)