باب مَنْ تَكَلَّمَ بِالْفَارِسِيَّةِ وَالرَّطَانَةِ
 
وَقَوْلِ الله عزَّ وجلَّ [22 الروم]: {وَاخْتِلاَفُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ}
وقال [4 إبراهيم]: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ}
3070- حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ أَخْبَرَنَا حَنْظَلَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ مِينَاءَ قَالَ سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: "قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ذَبَحْنَا بُهَيْمَةً لَنَا وَطَحَنْتُ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ فَتَعَالَ أَنْتَ وَنَفَرٌ فَصَاحَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا أَهْلَ الْخَنْدَقِ إِنَّ جَابِرًا قَدْ صَنَعَ سُؤْرًا فَحَيَّ هَلًا بِكُمْ".
[الحديث 3070 – طرفاه في: 4101، 4102]
3071- حَدَّثَنَا حِبَّانُ بْنُ مُوسَى أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ عَنْ خَالِدِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أُمِّ خَالِدٍ بِنْتِ خَالِدِ بْنِ سَعِيدٍ قَالَتْ: "أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ أَبِي وَعَلَيَّ قَمِيصٌ أَصْفَرُ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "سَنَهْ سَنَهْ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ وَهِيَ بِالْحَبَشِيَّةِ حَسَنَةٌ قَالَتْ فَذَهَبْتُ أَلْعَبُ بِخَاتَمِ النُّبُوَّةِ فَزَبَرَنِي أَبِي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "دَعْهَا ثُمَّ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أَبْلِي وَأَخْلِفِي ثُمَّ أَبْلِي وَأَخْلِفِي ثُمَّ أَبْلِي وَأَخْلِفِي قَالَ عَبْدُ اللَّهِ فَبَقِيَتْ حَتَّى ذَكَرَ".
[الحديث 3071 – أطرافه في: 3874، 5823، 5845، 5993]
3072- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ
(6/183)

عَنْهُ "أَنَّ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ أَخَذَ تَمْرَةً مِنْ تَمْرِ الصَّدَقَةِ فَجَعَلَهَا فِي فِيهِ. فَقال النبي صلى الله عليه وسلم: بِالْفَارِسِيَّةِ "كِخْ كِخْ أَمَا تَعْرِفُ أَنَّا لاَ نَأْكُلُ الصَّدَقَةَ".
قوله: "باب من تكلم بالفارسية" أي بلسان الفرس، قيل إنهم ينتسبون إلى فارس بن كومرث، واختلف في كومرث قيل إنه من ذرية سام بن نوح وقيل من ذرية يافث بن نوح وقيل إنه ولد آدم لصلبه وقيل إنه آدم نفسه وقيل لهم الفرس لأن جدهم الأعلى ولد له سبعة عشر ولدا كان كل منهم شجاعا فارسا فسموا الفرس، وفيه نظر لأن الاشتقاق يختص باللسان العربي والمشهور أن إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام أول من ذللت له الخيل، والفروسية ترجع إلى الفرس من الخيل وأمة الفرس كانت موجودة. قوله: "والرطانة" بكسر الراء ويجوز فتحها، هو كلام غير العربي، قالوا: فقه هذا الباب يظهر في تأمين المسلمين لأهل الحرب بألسنتهم، وسيأتي مزيد لذلك في أواخر الجزية في "باب إذا قالوا صبأنا ولم يقولوا أسلمنا" وقال الكرماني: الحديث الأول كان في غزوة الخندق والآخران بالتبعية، كذا قال، ولا يخفى بعده، والذي أشرت إليه أقرب. قوله: "وقول الله عز وجل: {وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ} وقال: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ}" كأنه أشار إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعرف الألسنة لأنه أرسل إلى الأمم كلها على اختلاف ألسنتهم فجميع الأمم قومه بالنسبة إلى عموم رسالته فاقتضى أن يعرف ألسنتهم ليفهم عنهم ويفهموا عنه، ويحتمل أن يقال: لا يستلزم ذلك نطقه بجميع الألسنة لإمكان الترجمان الموثوق به عندهم. حديث جابر في قصة بركة الطعام الذي صنعه بالخندق، وسيأتي بتمامه بهذا الإسناد مع شرحه في المغازي إن شاء الله تعالى، والغرض منه قوله: "أن جابرا قد صنع سورا" وهو بضم المهملة وسكون الواو قال الطبري: السور بغير همز الصنيع من الطعام الذي يدعى إليه وقيل الطعام مطلقا، وهو بالفارسية وقيل بالحبشية، وبالهمز بقية الشيء والأول هو المراد هنا. قال الإسماعيلي: السور كلمة بالفارسية. قيل له أليس هو الفضلة؟ قال لم يكن هناك شيء فضل ذلك منه، إنما هو بالفارسية من أتى دعوة. وأشار المصنف إلى ضعف ما ورد من الأحاديث الواردة في كراهة الكلام بالفارسية كحديث: "كلام أهل النار بالفارسية" وكحديث: "من تكلم بالفارسية زادت في خبثه ونقصت من مروءته" أخرجه الحاكم في مستدركه وسنده واه. وأخرج فيه أيضا عن عمر رفعه: "من أحسن العربية فلا يتكلمن: بالفارسية فإنه يورث النفاق" الحديث وسنده واه أيضا. حديث أم خالد بنت خالد، وسيأتي بهذا الإسناد في كتاب الأدب، ويأتي شرحه في اللباس، والغرض منه قوله: "سنه سنه " وهو بفتح النون وسكون الهاء. وفي رواية الكشميهني: "سناه" بزيادة ألف والهاء فيهما للسكت وقد تحذف، قال ابن قرقول: هو بفتح النون الخفيفة عند أبي ذر وشددها الباقون وهي بفتح أوله للجميع إلا القابسي فكسره. قوله في آخره "قال عبد الله فبقيت حتى ذكر" أي ذكر الراوي من بقائها أمدا طويلا، وفي نسخة الصغاني وغيرها "حتى ذكرت" ولبعضهم "حتى دكن" بمهملة وآخره نون أي اتسخ، وسيأتي في كتاب الأدب. ووقع في نسخة الصغاني هنا من الزيادة في آخر الباب: "قال أبو عبد الله هو المصنف: "لم تعش امرأة مثل ما عاشت هذه يعني أم خالد". قلت: وإدراك موسى بن عقبة دال على طول عمرها لأنه لم يلق من الصحابة غيرها. "تنبيه": خالد بن سعيد المذكور في السند شيخ عبد الله وهو ابن المبارك هو خالد
(6/184)

ابن سعيد بن عمرو بن سعيد بن العاص أخو إسحاق بن سعيد وليس له في البخاري سوى هذا الحديث الواحد، وقد كرره عنه كما نبهت عليه. وفي طبقته خالد بن سعيد بن أبي مريم المدني لكن لم يخرج له البخاري ولا لابن المبارك عنه رواية، وأوهم الكرماني أن شيخ ابن المبارك هنا هو خالد بن الزبير بن العوام. ولا أدري من أين له ذلك؟ بل لم أر لخالد بن الزبير رواية في شيء من الكتب الستة. ثم راجعت كلامه فعلمت مراده فإنه قال: لفظ خالد المذكور هنا ثلاث مرار، والثاني غير الأول، وهو خالد بن الزبير بن العوام، والثالث غير الثاني وهو خالد بن سعيد بن العاص، فقوله: "والثاني" يوهم أن المراد خالد بن سعيد وإنما مراده خالد المذكور في كنية أم خالد، وكان يغني عن هذا التطويل أن يقول: إن أم خالد سمت ولدها باسم والدها، وكان الزبير بن العوام تزوجها فولدت له خالد بن الزبير، فهذا يوضح المراد مع مزيد الفائدة. والذي نبه عليه ليس تحته كبير أمر، فإن خالد بن سعيد الراوي عن أم خالد لا يظن أحد أنه أبوها إلا من يقف مع مجرد التجويز العقلي، فإن من المقطوع به عند المحدثين أن عبد الله بن المبارك ما أدركها فضلا عن أن يروي عن أبيها، وأبوها استشهد في خلافة أبي بكر أو عمر فانحصرت الفائدة في التنبيه على سبب كنية أم خالد. حديث أبي هريرة "أن الحسن بن علي أخذ تمرة من تمر الصدقة" الحديث والغرض منه قوله: "كخ كخ" وهي كلمة زجر للصبي عما يريد فعله، وقد تقدم شرحه في أواخر كتاب الزكاة وقد نازع الكرماني في كون الألفاظ الثلاثة عجمية، لأن الأول يجوز أن يكون من توافق اللغتين، والثاني يجوز أن يكون أصله "حسنه" فحذف أوله إيجازا، والثالث من أسماء الأصوات وقد أجاب عن الأخير ابن المنير فقال: وجه مناسبته أنه صلى الله عليه وسلم خاطبه بما يفهمه مما لا يتكلم به الرجل مع الرجل، فهو كمخاطبة العجمي بما يفهمه من لغته. قلت: وبهذا يجاب عن الباقي، ويزاد بأن تجويزه حذف أول حرف من الكلمة لا يعرف، وتشبيهه بقوله: "كفى بالسيف شا" لا يتجه، لأن حذف الأخير معهود في الترخيم، والله أعلم.
(6/185)