باب الْقَلِيلِ مِنْ الْغُلُولِ
 
وَلَمْ يَذْكُرْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ حَرَّقَ مَتَاعَهُ، وَهَذَا أَصَحُّ.
3074- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرٍو عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ كَانَ عَلَى ثَقَلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ كِرْكِرَةُ فَمَاتَ. فَقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هُوَ فِي النَّارِ فَذَهَبُوا يَنْظُرُونَ إِلَيْهِ فَوَجَدُوا عَبَاءَةً قَدْ غَلَّهَا".
قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ: قَالَ ابْنُ سَلاَمٍ: كَرْكَرَةُ يَعْنِي بِفَتْحِ الْكَافِ وَهُوَ مَضْبُوطٌ كَذَا
قوله: "باب القليل من الغلول" أي هل يلتحق بالكثير في الحكم أم لا؟ قوله: "ولم يذكر عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه حرق متاعه" يعني في حديثه الذي ساقه في الباب في قصة الذي غل العباءة. وقوله: "وهذا أصح" أشار إلى تضعيف ما روي عن عبد الله بن عمرو في الأمر بحرق رحل الغال، والإشارة بقوله هذا إلى الحديث الذي ساقه، والأمر بحرق رحل الغال أخرجه أبو داود من طريق صالح بن محمد بن زائدة الليثي المدني أحد الضعفاء قال: "دخلت مع مسلمة ابن عبد الملك أرض الروم فأتى برجل قد غل، فسأل سالما - أي ابن عبد الله بن عمر - عنه فقال: سمعت أبي يحدث عن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إذا وجدتم الرجل قد غل فأحرقوا متاعه" ثم ساقه من وجه أخر عن سالم موقوفا، قال أبو داود: هذا أصح. وقال البخاري في التاريخ: يحتجون بهذا الحديث في إحراق رحل الغال، وهو باطل ليس له أصل وراويه لا يعتمد عليه، وروى الترمذي عنه أيضا أنه قال: صالح منكر الحديث. وقد جاء في غير حديث ذكر الغال وليس فيه الأمر بحرق متاعه. قلت: وجاء من غير طريق صالح بن محمد أخرجه أبو داود أيضا من طريق زهير بن محمد عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، ثم أخرجه من وجه آخر عن زهير عن عمرو بن شعيب موقوفا عليه وهو الراجح، وقد أخذ بظاهر هذا الحديث أحمد في رواية، وهو قول مكحول والأوزاعي، وعن الحسن: يحرق متاعه كله إلا الحيوان والمصحف. وقال الطحاوي: لو صح الحديث لاحتمل أن يكون حين كانت العقوبة بالمال. "تنبيه": حكى بعض الشراح عن رواية الأصيلي أنه وقع فيها هنا "ويذكر عن عبد الله بن عمرو الخ" بدل قوله: "ولم يذكر عبد الله بن عمرو" فإن كان كما ذكر فقد عرف المراد بذلك ويكون قوله هذا أصح إشارة إلى أن حديث الباب الذي لم يذكر فيه التحريق أصح من الرواية التي ذكرها بصيغة التمريض وهي التي أشرت إليها من نسخة عمرو بن شعيب. قوله: "عن عمرو" هو ابن دينار، وكذا هو عند ابن ماجه عن هشام بن عمار عن سفيان. قوله: "على ثقل" بمثلثة وقاف مفتوحتين: العيال وما يثقل حمله من الأمتعة. قوله: "كركرة" ذكر الواقدي أنه كان أسود يمسك دابة صلى الله عليه وسلم في القتال، وروى أبو سعيد النيسابوري في "شرف المصطفى" أنه كان نوبيا أهداه له هوذة بن علي الحنفي صاحب اليمامة فأعتقه، وذكر
(6/187)

البلاذري أنه مات في الرق أو اختلف في ضبطه فذكر عياض أنه يقال بفتح الكافين وبكسرهما. وقال النووي إنما اختلف في كافه الأولى وأما الثانية فمكسورة اتفاقا، وقد أشار البخاري إلى الخلاف في ذلك بقوله في آخر الحديث: "قال ابن سلام كركرة" وأراد بذلك أن شيخه محمد بن سلام رواه عن ابن عيينة بهذا الإسناد بفتح الكاف، وصرح بذلك الأصيلي في روايته فقال: يعني بفتح الكاف والله أعلم. قال عياض: هو للأكثر بالفتح في رواية علي وبالكسر في رواية ابن سلام وعند الأصيلي بالكسر في الأول. وقال القابسي: لم يكن عند المروزي فيه ضبط إلا أني أعلم أن الأول خلاف الثاني. وفي الحديث تحريم قليل الغلول وكثيره، و قوله: "هو في النار" أي يعذب على معصيته، أو المراد هو في النار إن لم يعف الله عنه.
(6/188)