باب قَوْلِ اللَّه تَعَالَى [41 الأنفال]: {فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ} يَعْنِي لِلرَّسُولِ قَسْمَ ذَلِكَ.
 
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إِنَّمَا أَنَا قَاسِمٌ وَخَازِنٌ وَاللَّهُ يُعْطِي".
3114- حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ سُلَيْمَانَ وَمَنْصُورٍ وَقَتَادَةَ سَمِعُوا سَالِمَ بْنَ أَبِي الْجَعْدِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: "وُلِدَ لِرَجُلٍ مِنَّا مِنْ الأَنْصَارِ غُلاَمٌ فَأَرَادَ أَنْ يُسَمِّيَهُ مُحَمَّدًا". قَالَ شُعْبَةُ فِي حَدِيثِ مَنْصُورٍ: إِنَّ الأَنْصَارِيَّ قَالَ: "حَمَلْتُهُ عَلَى عُنُقِي فَأَتَيْتُ بِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" وَفِي حَدِيثِ سُلَيْمَانَ: "وُلِدَ لَهُ غُلاَمٌ فَأَرَادَ أَنْ يُسَمِّيَهُ مُحَمَّدًا" قَالَ: "سَمُّوا بِاسْمِي وَلاَ تَكَنَّوْا بِكُنْيَتِي فَإِنِّي إِنَّمَا جُعِلْتُ قَاسِمًا أَقْسِمُ بَيْنَكُمْ". وَقَالَ حُصَيْنٌ: "بُعِثْتُ قَاسِمًا أَقْسِمُ بَيْنَكُمْ". قَالَ عَمْرٌو: أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: سَمِعْتُ سَالِمًا عَنْ جَابِرٍ: أَرَادَ أَنْ يُسَمِّيَهُ الْقَاسِمَ، فَقال النبي صلى الله عليه وسلم: "سَمُّوا بِاسْمِي وَلاَ تَكْتَنُوا بِكُنْيَتِي".
[الحديث 3114 – أطرافه في: 3115، 3538، 6186، 6187، 6189، 6196]
3115- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ الأَعْمَشِ عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الأَنْصَارِيِّ قَالَ: "وُلِدَ لِرَجُلٍ مِنَّا غُلاَمٌ فَسَمَّاهُ الْقَاسِمَ فَقَالَتْ الأَنْصَارُ لاَ نَكْنِيكَ أَبَا الْقَاسِمِ وَلاَ نُنْعِمُكَ عَيْنًا فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وُلِدَ لِي غُلاَمٌ فَسَمَّيْتُهُ الْقَاسِمَ فَقَالَتْ الأَنْصَارُ لاَ نَكْنِيكَ أَبَا الْقَاسِمِ وَلاَ نُنْعِمُكَ عَيْنًا. فَقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أَحْسَنَتْ الأَنْصَارُ سَمُّوا بِاسْمِي وَلاَ تَكَنَّوْا بِكُنْيَتِي فَإِنَّمَا أَنَا قَاسِمٌ".
3116- حَدَّثَنَا حِبَّانُ بْنُ مُوسَى أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ عَنْ يُونُسَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُ سَمِعَ مُعَاوِيَةَ يَقُولُ: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ يُرِدْ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ وَاللَّهُ الْمُعْطِي وَأَنَا الْقَاسِمُ وَلاَ تَزَالُ هَذِهِ الأُمَّةُ ظَاهِرِينَ عَلَى مَنْ خَالَفَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ ظَاهِرُونَ".
3117- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ حَدَّثَنَا فُلَيْحٌ حَدَّثَنَا هِلاَلٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَمْرَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "مَا أُعْطِيكُمْ وَلاَ أَمْنَعُكُمْ إِنَّمَا أَنَا قَاسِمٌ أَضَعُ حَيْثُ أُمِرْتُ".
3118- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي أَيُّوبَ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو الأَسْوَدِ عَنْ ابْنِ أَبِي عَيَّاشٍ وَاسْمُهُ نُعْمَانُ عَنْ خَوْلَةَ الأَنْصَارِيَّةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "إِنَّ رِجَالًا يَتَخَوَّضُونَ فِي مَالِ اللَّهِ بِغَيْرِ حَقٍّ فَلَهُمْ النَّارُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ".
قوله: "باب قوله تعالى: {فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ} يعني وللرسول قسم ذلك" هذا اختيار منه لأحد الأقوال في تفسير هذه الآية، والأكثر على أن اللام في قوله: "الرسول" للملك، وأن للرسول خمس الخمس من الغنيمة
(6/217)

سواء حضر القتال أو لم يحضر، وهل كان يملكه أو لا؟ وجهان للشافعية. ومال البخاري إلى الثاني واستدل له. قال إسماعيل القاضي: لا حجة لمن ادعى أن الخمس يملكه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ} لأنه تعالى قال: {يَسْأَلونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ} واتفقوا على أنه قبل فرض الخمس كان يعطي الغنيمة للغانمين بحسب ما يؤدي إليه اجتهاده، فلما فرض الخمس تبين للغانمين أربعة أخماس الغنيمة لا يشاركهم فيها أحد، وإنما خص النبي صلى الله عليه وسلم بنسبة الخمس إليه إشارة إلى أنه ليس للغانمين فيه حق بل هو مفوض إلى رأيه، وكذلك إلى الإمام بعده، وقد تقدم نقل الخلاف فيه في الباب الأول وأجمعوا على أن اللام في قوله تعالى: {لله} للتبرك إلا ما جاء عن أبي العالية فإنه قال: تقسم الغنيمة خمسة أسهم ثم السهم الأول يقسم قسمين قسم لله وهو للفقراء وقسم الرسول له، وأما من بعده فيضعه الإمام حيث يراه قوله: "وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنما أنا قاسم وخازن، والله يعطي" لم يقع هذا اللفظ في سياق واحد، وإنما هو مأخوذ من حديثين: أما حديث: "إنما أنا قاسم" فهو طرف من حديث أبي هريرة المذكور في الباب، وتقدم في العلم من حديث معاوية بلفظ: "وإنما أنا قاسم والله يعطي" في أثناء حديث. وأما حديث: "إنما أنا خازن والله يعطي" فهو طرف من حديث معاوية المذكور، ويأتي موصولا في الاعتصام بهذا اللفظ ثم ذكر المصنف في الباب أربعة أحاديث. قوله: "عن سليمان" هو الأعمش، وبين البخاري الاختلاف على شعبة: هل أراد الأنصاري أن يسمي ابنه محمدا أو القاسم، وأشار إلى ترجح أنه أراد أن يسميه القاسم برواية سفيان - وهو الثوري - له عن الأعمش فسماه القاسم، ويترجح أنه أيضا من حيث المعنى لأنه لم يقع الإنكار من الأنصار عليه إلا حيث لزم من تسمية ولده القاسم أن يصير يكنى أبا القاسم، وسيأتي البحث في هذه المسألة في كتاب الأدب إن شاء الله تعالى قوله: "قال شعبة في حديث منصور إن الأنصاري قال: حملته على عنقي" هذا يقتضي أن يكون الحديث من رواية جابر عن الأنصاري، بخلاف رواية غيره فإنها من مسند جابر قوله: "وقال حصين بعثت قاسما أقسم بينكم" هو من رواية شعبة عن حصين أيضا كما سيأتي في الأدب قوله: "وقال عمرو" هو ابن مرزوق وهو من شيوخ البخاري، وطريقه هذه وصلها أبو نعيم في "المستخرج" وكأن شعبة كان تارة يحدث به عن بعض مشايخه دون بعض وتارة يجمعهم ويفصل ألفاظهم، وقوله: "لا تكنوا" وقع في رواية الكشميهني: "ولا تكنوا" بفتح الكاف وتشديد النون. قوله في رواية سفيان عن الأعمش "لا نكنيك ولا ننعمك عينا" وقع في رواية الكشميهني بالجزم فيهما في الموضعين، ومعنى قوله: "لا ننعمك عينا" لا نكرمك ولا تقر عينك بذلك، وسيأتي في الأدب من الزيادة من وجه آخر عن جابر "أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأنصاري: سم ابنك عبد الرحمن". حديث معاوية، وهو يشتمل على ثلاثة أحكام "من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين" وقد تقدم شرح صدره في كتاب العلم، ويأتي شرح الأخير منه في الاعتصام، والغرض منه قوله: "والله المعطي وأنا القاسم" وهذا مطابق لأحاديث الباب. قوله: "ما أعطيكم ولا أمنعكم" في رواية أحمد عن شريح بن النعمان عن فليح في أوله "والله المعطي" والمعنى لا أتصرف فيكم بعطية ولا منع برأيي، وقوله: "إنما أنا القاسم أضع حيث أمرت" أي لا أعطي أحدا ولا أمنع أحدا إلا بأمر الله، وقد أخرجه أبو داود من طريق همام عن أبي هريرة بلفظ: "إن أنا إلا خازن". قوله: "حدثنا عبد الله بن يزيد" هو أبو عبد الرحمن المقري قوله: "حدثنا سعيد" زاد المستملي: "ابن أبي أيوب"
(6/218)

وأبو الأسود هو النوفلي الذي يقال له يتيم عروة، والنعمان بن أبي عياش بالتحتانية والمعجمة أنصاري، وهو زرقي، وبذلك وصفه الدورقي، واسم أبي عياش عبيد، وقيل زيد بن معاوية بن الصامت قوله: "عن خولة الأنصارية" في رواية الإسماعيلي بنت ثامر الأنصارية، وزاد في أوله "الدنيا خضرة حلوة، وإن رجالا" وأخرجه الترمذي من طريق سعيد المقبري عن أبي الوليد سمعت خولة بنت قيس وكانت تحت حمزة بن عبد المطلب سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن هذا المال خضرة حلوة، من أصابه بحقه بورك له فيه، ورب متخوض فيما شاءت نفسه من مال الله ورسوله ليس له يوم القيامة إلا النار" قال الترمذي: حسن صحيح، وأبو الوليد اسمه عبيد قلت: فرق غير واحد بين خولة بنت ثامر وبين خولة بنت قيس، وقيل إن قيس بن قهد بالقاف لقبه ثامر وبذلك جزم علي بن المديني، فعلى هذا فهي واحدة، وقوله: "خضرة" أنت على تأويل الغنيمة بدليل قوله: "من مال الله" ويحتمل ما هو أعم من ذلك وقوله: "خضرة" أي مشتهاة، والنفوس تميل إلى ذلك وقوله: "من مال الله" مظهر أقيم مقام المضمر إشعارا بأنه لا ينبغي التخوض في مال الله ورسوله والتصرف فيه بمجرد التشهي، وقوله: "ليس له يوم القيامة إلا النار" حكم مرتب على الوصف المناسب وهو الخوض في مال الله، ففيه إشعار بالغلبة. قوله: "يتخوضون" بالمعجمتين "في مال الله بغير حق" أي يتصرفون في مال المسلمين بالباطل، وهو أعم من أن يكون بالقسمة وبغيرها، وبذلك تناسب الترجمة "تنبيه": قال الكرماني: مناسبة حديث خولة للترجمة خفية، ويمكن أن تؤخذ من قوله: "يتخوضون في مال الله بغير حق" أي بغير قسمة حق، واللفظ وإن كان عاما لكن خصصناه بالقسمة لتفهم منه الترجمة قلت: ولا تحتاج إلى قيد الاعتذار لأن قوله: "بغير" يدخل في عمومه الصورة المذكورة فيصح الاحتجاج به على شرطية القسمة في أموال الفيء والغنيمة بحكم العدل واتباع ما ورد في الكتاب والسنة، وكأن المصنف أراد بإيراده تخويف من يخالف ذلك ويستفاد من هذه الأحاديث أن بين الاسم والمسمى به مناسبة، لكن لا يلزم إطراد ذلك، وأن من أخذ من الغنائم شيئا بغير قسم الإمام كان عاصيا وفيه ردع الولاة أن يأخذوا من المال شيئا بغير حقه أو يمنعوه من أهله.
(6/219)

باب قول النبي صلى الله عليه و سلم (( أحلت لكم الغنائم )) . و قال الله عز وجل { وعدكم الله مغانم كثيرة تأخذونها } الآية . و هي للعامة حتى يبينه الرسول صلى الله عليه و سلم
...