باب: وَمِنْ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ الْخُمُسَ لِنَوَائِبِ الْمُسْلِمِينَ مَا سَأَلَ هَوَازِنُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرَضَاعِهِ فِيهِمْ فَتَحَلَّلَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، وَمَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعِدُ النَّاسَ أَنْ يُعْطِيَهُمْ مِنْ الْفَيْءِ وَالأَنْفَالِ مِنْ الْخُمُسِ، وَمَا أَعْطَى الأَنْصَارَ، وَمَا أَعْطَى جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ تَمْرَ خَيْبَرَ.
 
3131، 3132- حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ قَالَ حَدَّثَنِي اللَّيْثُ قَالَ حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ وَزَعَمَ عُرْوَةُ أَنَّ مَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ وَمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ أَخْبَرَاهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "حِينَ جَاءَهُ وَفْدُ هَوَازِنَ مُسْلِمِينَ فَسَأَلُوهُ أَنْ يَرُدَّ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَسَبْيَهُمْ فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَبُّ الْحَدِيثِ إِلَيَّ أَصْدَقُهُ فَاخْتَارُوا إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ إِمَّا السَّبْيَ وَإِمَّا الْمَالَ وَقَدْ كُنْتُ اسْتَأْنَيْتُ بِهِمْ وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْتَظَرَ آخِرَهُمْ بِضْعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً حِينَ قَفَلَ مِنْ الطَّائِفِ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيْرُ رَادٍّ إِلَيْهِمْ إِلاَّ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ قَالُوا فَإِنَّا نَخْتَارُ سَبْيَنَا فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمُسْلِمِينَ فَأَثْنَى عَلَى اللَّهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ ثُمَّ قَالَ أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ إِخْوَانَكُمْ هَؤُلاَءِ قَدْ جَاءُونَا تَائِبِينَ وَإِنِّي قَدْ رَأَيْتُ أَنْ أَرُدَّ إِلَيْهِمْ سَبْيَهُمْ مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُطَيِّبَ فَلْيَفْعَلْ وَمَنْ أَحَبَّ مِنْكُمْ أَنْ يَكُونَ عَلَى حَظِّهِ حَتَّى نُعْطِيَهُ إِيَّاهُ مِنْ أَوَّلِ مَا يُفِيءُ اللَّهُ عَلَيْنَا فَلْيَفْعَلْ فَقَالَ النَّاسُ قَدْ طَيَّبْنَا ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّا لاَ نَدْرِي مَنْ أَذِنَ مِنْكُمْ فِي ذَلِكَ مِمَّنْ لَمْ يَأْذَنْ فَارْجِعُوا حَتَّى يَرْفَعَ إِلَيْنَا عُرَفَاؤُكُمْ أَمْرَكُمْ فَرَجَعَ النَّاسُ فَكَلَّمَهُمْ عُرَفَاؤُهُمْ ثُمَّ رَجَعُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرُوهُ أَنَّهُمْ قَدْ طَيَّبُوا وَأَذِنُوا فَهَذَا الَّذِي بَلَغَنَا عَنْ سَبْيِ هَوَازِنَ".
3133- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ قَالَ وَحَدَّثَنِي الْقَاسِمُ بْنُ عَاصِمٍ الْكُلَيْبِيُّ وَأَنَا لِحَدِيثِ الْقَاسِمِ أَحْفَظُ عَنْ زَهْدَمٍ قَالَ كُنَّا عِنْدَ أَبِي مُوسَى فَأُتِيَ ذَكَرَ دَجَاجَةً وَعِنْدَهُ رَجُلٌ مِنْ بَنِي تَيْمِ اللَّهِ أَحْمَرُ كَأَنَّهُ مِنْ الْمَوَالِي فَدَعَاهُ لِلطَّعَامِ فَقَالَ إِنِّي رَأَيْتُهُ يَأْكُلُ شَيْئًا فَقَذِرْتُهُ فَحَلَفْتُ لاَ آكُلُ فَقَالَ هَلُمَّ فَلْأُحَدِّثْكُمْ عَنْ ذَاكَ إِنِّي أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي نَفَرٍ مِنْ الأَشْعَرِيِّينَ نَسْتَحْمِلُهُ فَقَالَ وَاللَّهِ لاَ أَحْمِلُكُمْ وَمَا عِنْدِي مَا أَحْمِلُكُمْ وَأُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَهْبِ إِبِلٍ فَسَأَلَ عَنَّا فَقَالَ أَيْنَ النَّفَرُ الأَشْعَرِيُّونَ فَأَمَرَ لَنَا بِخَمْسِ ذَوْدٍ غُرِّ الذُّرَى فَلَمَّا انْطَلَقْنَا قُلْنَا مَا صَنَعْنَا لاَ يُبَارَكُ لَنَا فَرَجَعْنَا إِلَيْهِ فَقُلْنَا إِنَّا سَأَلْنَاكَ أَنْ تَحْمِلَنَا فَحَلَفْتَ أَنْ لاَ تَحْمِلَنَا أَفَنَسِيتَ قَالَ لَسْتُ أَنَا حَمَلْتُكُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَمَلَكُمْ وَإِنِّي
(6/236)

وَاللَّهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ لاَ أَحْلِفُ عَلَى يَمِينٍ فَأَرَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا إِلاَّ أَتَيْتُ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ وَتَحَلَّلْتُهَا".
[الحديث 3133 – أطرافه في: 4385، 4415، 5517، 5518، 6623، 6649، 6678، 6680، 6718، 6719، 6721، 7555]
3134- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ سَرِيَّةً فِيهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ قِبَلَ نَجْدٍ فَغَنِمُوا إِبِلًا كَثِيرَةً فَكَانَتْ سِهَامُهُمْ اثْنَيْ عَشَرَ بَعِيرًا أَوْ أَحَدَ عَشَرَ بَعِيرًا وَنُفِّلُوا بَعِيرًا بَعِيرًا".
[الحديث 3134 – طرفه في: 4338]
3135- حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُنَفِّلُ بَعْضَ مَنْ يَبْعَثُ مِنْ السَّرَايَا لِأَنْفُسِهِمْ خَاصَّةً سِوَى قِسْمِ عَامَّةِ الْجَيْشِ".
3136- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ حَدَّثَنَا بُرَيْدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: "بَلَغَنَا مَخْرَجُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ بِالْيَمَنِ فَخَرَجْنَا مُهَاجِرِينَ إِلَيْهِ أَنَا وَأَخَوَانِ لِي أَنَا أَصْغَرُهُمْ أَحَدُهُمَا أَبُو بُرْدَةَ وَالْآخَرُ أَبُو رُهْمٍ إِمَّا قَالَ فِي بِضْعٍ وَإِمَّا قَالَ فِي ثَلاَثَةٍ وَخَمْسِينَ أَوْ اثْنَيْنِ وَخَمْسِينَ رَجُلًا مِنْ قَوْمِي فَرَكِبْنَا سَفِينَةً فَأَلْقَتْنَا سَفِينَتُنَا إِلَى النَّجَاشِيِّ بِالْحَبَشَةِ وَوَافَقْنَا جَعْفَرَ بْنَ أَبِي طَالِبٍ وَأَصْحَابَهُ عِنْدَهُ فَقَالَ جَعْفَرٌ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَنَا هَاهُنَا وَأَمَرَنَا بِالإِقَامَةِ فَأَقِيمُوا مَعَنَا فَأَقَمْنَا مَعَهُ حَتَّى قَدِمْنَا جَمِيعًا فَوَافَقْنَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ افْتَتَحَ خَيْبَرَ فَأَسْهَمَ لَنَا أَوْ قَالَ فَأَعْطَانَا مِنْهَا وَمَا قَسَمَ لِأَحَدٍ غَابَ عَنْ فَتْحِ خَيْبَرَ مِنْهَا شَيْئًا إِلاَّ لِمَنْ شَهِدَ مَعَهُ إِلاَّ أَصْحَابَ سَفِينَتِنَا مَعَ جَعْفَرٍ وَأَصْحَابِهِ قَسَمَ لَهُمْ مَعَهُمْ".
[الحديث 3136 – أطرافه في: 3876، 4230، 4223]
3137- حَدَّثَنَا عَلِيٌّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ سَمِعَ جَابِرًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لَوْ قَدْ جَاءَنِي مَالُ الْبَحْرَيْنِ لَقَدْ أَعْطَيْتُكَ هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا فَلَمْ يَجِئْ حَتَّى قُبِضَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا جَاءَ مَالُ الْبَحْرَيْنِ أَمَرَ أَبُو بَكْرٍ مُنَادِيًا فَنَادَى مَنْ كَانَ لَهُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَيْنٌ أَوْ عِدَةٌ فَلْيَأْتِنَا فَأَتَيْتُهُ فَقُلْتُ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "لِي كَذَا وَكَذَا فَحَثَا لِي ثَلاَثًا وَجَعَلَ سُفْيَانُ يَحْثُو بِكَفَّيْهِ جَمِيعًا ثُمَّ قَالَ لَنَا هَكَذَا قَالَ لَنَا ابْنُ الْمُنْكَدِرِ وَقَالَ مَرَّةً فَأَتَيْتُ أَبَا بَكْرٍ فَسَأَلْتُ فَلَمْ يُعْطِنِي ثُمَّ أَتَيْتُهُ فَلَمْ يُعْطِنِي ثُمَّ أَتَيْتُهُ الثَّالِثَةَ فَقُلْتُ سَأَلْتُكَ فَلَمْ تُعْطِنِي ثُمَّ سَأَلْتُكَ فَلَمْ تُعْطِنِي ثُمَّ سَأَلْتُكَ فَلَمْ تُعْطِنِي فَإِمَّا أَنْ تُعْطِيَنِي وَإِمَّا أَنْ تَبْخَلَ عَنِّي قَالَ قُلْتَ
(6/237)

تَبْخَلُ عَنِّي مَا مَنَعْتُكَ مِنْ مَرَّةٍ إِلاَّ وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أُعْطِيَكَ" قَالَ سُفْيَانُ وَحَدَّثَنَا عَمْرٌو عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ جَابِرٍ فَحَثَا لِي حَثْيَةً وَقَالَ عُدَّهَا فَوَجَدْتُهَا خَمْسَ مِائَةٍ قَالَ فَخُذْ مِثْلَهَا مَرَّتَيْنِ". وَقَالَ يَعْنِي ابْنَ الْمُنْكَدِرِ وَأَيُّ دَاءٍ أَدْوَأُ مِنْ الْبُخْلِ.
3138- حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا قُرَّةُ بْنُ خَالِدٍ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: "بَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْسِمُ غَنِيمَةً بِالْجِعْرَانَةِ إِذْ قَالَ لَهُ رَجُلٌ اعْدِلْ فَقَالَ لَهُ لَقَدْ شَقِيتُ إِنْ لَمْ أَعْدِلْ".
قوله: "باب" بالتنوين "ومن الدليل" هو عطف على الترجمة التي قبل ثمانية أبواب حيث قال: "الدليل على أن الخمس لنوائب رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال هنا "لنوائب المسلمين". وقال بعد باب "ومن الدليل على أن الخمس للإمام" والجمع بين هذه التراجم أن الخمس لنوائب المسلمين وإلى النبي صلى الله عليه وسلم مع تولي قسمته أن يأخذ منه ما يحتاج إليه بقدر كفايته، والحكم بعده كذلك يتولى الإمام ما كان يتولاه، هذا محصل ما ترجم به المصنف، وقد تقدم توجيهه وتبيين الاختلاف فيه، وجوز الكرماني أن تكون كل ترجمة على وفق مذهب من المذاهب، وفيه بعد، لأن أحدا لم يقل أن الخمس للمسلمين دون النبي صلى الله عليه وسلم ودون الإمام ولا للنبي صلى الله عليه وسلم دون المسلمين وكذا للإمام، فالتوجيه الأول هو اللائق، وقد أشار الكرماني أيضا إلى طريق الجمع بينها فقال: لا تفاوت من حيث المعنى إذ نوائب رسول الله صلى الله عليه وسلم نوائب المسلمين والتصرف فيه له وللإمام بعده. قلت: والأولى أن يقال: ظاهر لفظ التراجم التخالف، ويرتفع بالنظر في المعنى إلى التوافق، وحاصل مذاهب العلماء أكثر من ثلاثة: أحدها قول أئمة المخالفة الخمس يؤخذ من سهم الله ثم يقسم الباقي خمسة كما في الآية. الثاني: عن ابن عباس خمس الخمس لله ولرسول الله صلى الله عليه وسلم وأربعة للمذكورين، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يرد سهم الله ورسوله لذوي القربى ولا يأخذ لنفسه شيئا. الثالث قول زين العابدين: الخمس كله لذوي القربى، والمراد باليتامى يتامى ذوي القربى وكذلك المساكين وابن السبيل، أخرجه ابن جرير عنه، لكن السند إليه واه. الرابع هو للنبي صلى الله عليه وسلم فخمسه لخاصته وباقيه لتصرفه. الخامس هو للإمام ويتصرف فيه بالمصلحة كما يتصرف في الفيء. السادس يرصد لمصالح المسلمين. السابع يكون بعد النبي صلى الله عليه وسلم لذوي القربى ومن ذكر بعدهم في الآية. قوله: "ما سأل هوازن النبي صلى الله عليه وسلم برضاعه فيهم فتحلل من المسلمين" هوازن فاعل والمراد القبيلة وأطلقها على بعضهم مجازا، والنبي بالنصب على المفعولية، وقوله: "برضاعه" أي بسبب رضاعه، لأن حليمة السعدية مرضعته كانت منهم، وقد ذكر قصة سؤال هوازن من طريق المسور بن مخرمة ومروان موصولة، ولكن ليس فيها تعرض لذكر الرضاع، وإنما وقع ذلك فيما أخرجه ابن إسحاق في المغازي من طريق عمرو في شعيب عن أبيه عن جده فذكر القصة مطولة وفيها شعر زهير بن صرد حيث قال فيه:
امنن على نسوة قد كنت ترضعها ... إذ فوك يملؤه من محضها الدرر
وسيأتي بيان ما في سياقه من فائدة زائدة عند الكلام على حديث المسور في المغازي إن شاء الله تعالى. وتقدم شرح بعض ألفاظه في أواخر العتق. قوله: "وما كان النبي صلى الله عليه وسلم يعد الناس أن يعطيهم من الفيء والأنفال من الخمس
(6/238)

وما أعطى الأنصار وما أعطى جابر بن عبد الله من تمر خيبر" أما حديث الوعد من الفيء فيظهر من سياق حديث جابر، وأما حديث الأنفال من الخمس فمذكور في الباب من حديث ابن عمر، وأما حديث إعطاء الأنصار فتقدم من حديث أنس قريبا، وأما حديث إعطاء جابر من تمر خيبر فهو في حديث أخرجه أبو داود، وظهر من سياقه أن حديث جابر الذي ترجم به المصنف للباب طرف منه. حديث المسور وقد نبهت عليه وتقدم بعضه بهذا الإسناد بعينه في الوكالة. حديث أبي موسى الأشعري. قوله: "قال وحدثني القاسم في عاصم الكليبي" بموحدة مصغر، والقائل ذلك هو أيوب، بين ذلك عبد الوهاب الثقفي عن أيوب كما سيأتي في الأيمان والنذور. قوله: "فأتي ذكر دجاجة" كذا لأبي ذر "فأتي" بصيغة الفعل الماضي من الإتيان و"ذكر" بكسر الذال وسكون الكاف و"دجاجة" بالجر والتنوين على الإضافة وكذا للنسفي. وفي رواية الأصيلي: "فأتي" بضم الهمزة على البناء لما لم يسم فاعله و"ذكر" بفتحتين و"دجاجة" بالنصب والتنوين على المفعولية، كأن الراوي لم يستحضر اللفظ كله وحفظ منه لفظ دجاجة، قال عياض: وهذا أشبه لقوله في الطريق الأخرى "فأتي بلحم دجاج" ولقوله في حديث الباب: "فدعاه للطعام" أي الذي في الدجاجة، وسيأتي في النذور بلفظ: "فأتي بطعام فيه دجاج" وهو المراد. قوله: "وعنده رجل من بني تيم الله" هو نسبة إلى بطن من بني بكر بن عبد مناة وسيأتي الكلام على شرحه مستوفى في الأيمان والنذور، وأبين هناك ما قيل في اسمه ومناسبته للترجمة من جهة أنهم سألوه فلم يجد ما يحملهم عليه، ثم حضر شيء من الغنائم فحملهم منها، وهو محمول على أنه حملهم على ما يختص بالخمس، وإذا كان له التصرف بالتنجيز من غير تعليق فكذا له التصرف بتنجير ما علق. قوله: "بعث سرية" ذكرها المصنف في المغازي بعد غزوة الطائف، وسيأتي بيان ذلك في مكانه. قوله: "قبل نجد" بكسر القاف وفتح الموحدة أي جهتها. قوله: "فغنموا إبلا كثيرة" في رواية عند مسلم: "فأصبنا إبلا وغنما". قوله: "فكانت سهامهم" أي أنصباؤهم، والمراد أنه بلغ نصيب كل واحد منهم هذا القدر، وتوهم بعضهم أن ذلك جميع الأنصباء قال النووي وهو غلط. قوله: "اثني عشر بعيرا أو أحد عشر بعيرا" وهكذا رواه مالك بالشك والاختصار وإيهام الذي نفلهم، وقد وقع بيان ذلك في رواية ابن إسحاق من نافع عند أبي داود ولفظه: "فخرجت فيها فأصبنا نعما كثيرا وأعطانا أميرنا بعيرا بعيرا لكل إنسان، ثم قدمنا على النبي صلى الله عليه وسلم فقسم بيننا غنيمتنا فأصاب كل رجل منا اثنا عشر بعيرا بعد الخمس. وأخرجه أبو داود أيضا من طريق شعيب بن أبي حمزة عن نافع ولفظه: "بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في جيش قبل نجد وأتبعت سرية من الجيش، وكان سهمان الجيش اثني عشر بعيرا اثني عشر بعيرا، ونفل أهل السرية بعيرا بعيرا، فكانت سهمانهم ثلاثة عشر بعيرا ثلاثة عشر بعيرا". وأخرجه ابن عبد البر من هذا الوجه وقال في روايته: "إن ذلك الجيش كان أربعة آلاف" قال ابن عبد البر: اتفق جماعة رواة الموطأ على روايته بالشك، إلا الوليد بن مسلم فإنه رواه عن شعيب ومالك جميعا فلم يشك، وكأنه حمل رواية مالك على رواية شعيب. قلت: وكذا أخرجه أبو داود عن القعنبي عن مالك والليث بغير شك، فكأنه أيضا حمل رواية مالك على رواية الليث. قال ابن عبد البر: وقال سائر أصحاب نافع "اثني عشر بعيرا" بغير شك لم يقع الشك فيه إلا من مالك. قوله: "ونفلوا بعيرا بعيرا" بلفظ الفعل الماضي من غير مسمى، والنفل زيادة يزادها الغازي على نصيبه من الغنيمة، ومنه نفل الصلاة وهو ما عدا الفرض. واختلف الرواة في القسم والتنفيل هل
(6/239)

كانا جميعا من أمير ذلك الجيش أو من النبي صلى الله عليه وسلم أو أحدهما من أحدهما، فرواية ابن إسحاق صريحة أن التنفيل كان من الأمير والقسم من النبي صلى الله عليه وسلم، وظاهر رواية الليث عن نافع عند مسلم أن ذلك صدر من أمير الجيش، وأن النبي صلى الله عليه وسلم كان مقررا لذلك. مجيزا له لأنه قال فيه: "ولم يغيره النبي صلى الله عليه وسلم" وفي رواية عبد الله بن عمر عنده أيضا: "ونفلنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعيرا بعيرا"؛ وهذا يمكن أن يحمل على التقرير فتجتمع الروايتان، قال النووي: معناه أن أمير السرية نفلهم فأجازه النبي صلى الله عليه وسلم فجازت نسبته لكل منهما. وفي الحديث أن الجيش إذا انفرد منه قطعة فغنموا شيئا كانت الغنيمة للجميع، قال ابن عبد البر: لا يختلف الفقهاء في ذلك، أي إذا خرج الجيش جميعه ثم انفردت منه قطعة انتهى. وليس المراد الجيش القاعد في بلاد الإسلام فإنه لا يشارك الجيش الخارج إلى بلاد العدو، بل قال ابن دقيق العيد: إن الحديث يستدل به على أن المنقطع من الجيش عن الجيش الذي فيه الإمام ينفرد بما يغنمه، قال: وإنما قالوا بمشاركة الجيش لهم إذا كانوا قريبا منهم يلحقهم عونه وغوثه لو احتاجوا انتهى. وهذا القيد في مذهب مالك. وقال إبراهيم النخعي: للإمام أن ينفل السرية جميع ما غنمته دون بقية الجيش مطلقا، وقيل أنه انفرد بذلك. وفيه مشروعية التنفيل، ومعناه تخصيص من له أثر في الحرب بشيء من المال، لكنه خصه عمرو ابن شعيب بالنبي صلى الله عليه وسلم دون من بعده، نعم وكره مالك أن يكون بشرط من أمير الجيش كأن يحرض على القتال وبعد بأن ينفل الربع إلى الثلث قبل القسم، واعتل بأن القتال حينئذ يكون للدنيا، قال فلا يجوز مثل هذا انتهى. وفي هذا رد على من حكى الإجماع على مشروعيته. وقد اختلف العلماء هل هو من أصل الغنيمة أو من الخمس أو من خمس الخمس أو مما عدا الخمس على أقوال؟ والثلاثة الأول مذهب والشافعي والأصح عندهم أنها من خمس الخمس، ونقله منذر بن سعيد عن مالك وهو شاذ عندهم. قال ابن بطال: وحديث الباب يرد على هذا لأنهم نفلوا نصف السدس وهو أكثر من خمس الخمس وهذا واضح، وقد زاده ابن المنير إيضاحا فقال: لو فرضنا أنهم كانوا مائة لكان قد حصل لهم ألف ومائتا بعير ويكون الخمس من الأصل ثلاثمائة بعير وخمسها ستون، وقد نطق الحديث بأنهم نفلوا بعيرا بعيرا فتكون جملة ما نفلوا مائة بعير، وإذا كان خمس الخمس ستين لم يف كله ببعير بعير لكل من المائة، وهكذا كيفما فرضت العدد. قال: وقد ألجأ هذا الإلزام بعضهم فادعى أن جميع ما حصل للغانمين كان اثني عشر بعيرا فقيل له فيكون خمسها ثلاثة أبعرة فيلزم أن تكون السرية كلها ثلاثة رجال كذا قيل، قال ابن المنير: وهو سهو على التفريغ المذكور، بل يلزم يكون أقل من رجل بناء على أن النفل من خمس الخمس. وقال ابن التين: قد انفصل من قال من الشافعية بأن النفل من خمس الخمس بأوجه: منها أن الغنيمة لم تكن كلها أبعرة بل كان فيها أصناف أخرى، فيكون التنفيل وقع من بعض الأصناف دون بعض، ثانيها أن يكون نفلهم من سهمه من هذه الغزاة وغيرها فضم هذا إلى هذا فلذلك زادت العدة، ثالثها أن يكون نفل بعض الجيش دون بعض. قال: وظاهر السياق يرد هذه الاحتمالات. قال وقد جاء أنهم كانوا عشرة، وأنهم غنموا مائة وخمسين بعيرا فخرج منها الخمس وهو ثلاثون وقسم عليهم البقية فحصل لكل واحد اثنا عشر بعيرا ثم نفلوا بعيرا بعيرا فعلى هذا فقد نفلوا ثلث الخمس. قلت: إن ثبت هذا لم يكن فيه رد للاحتمال الأخير لأنه يحتمل أن يكون الذين نفلوا ستة من العشرة والله أعلم. قال الأوزاعي وأحمد وأبو ثور وغيرهم: النفل من أصل الغنيمة. وقال مالك وطائفة لا نفل إلا من الخمس. وقال الخطابي: أكثر ما روي من الأخبار بدل على أن النفل من أصل الغنيمة. والذي
(6/240)

يقرب من حديث الباب أنه كان من الخمس لأنه أضاف الاثني عشر إلى سهمانهم، فكأنه أشار إلى أن ذلك قد تقرر لهم استحقاقه من الأخماس الأربعة الموزعة عليهم فيبقى للنفل من الخمس. قلت: ويؤيده ما رواه مسلم في حديث الباب من طريق الزهري قال: "بلغني عن ابن عمر قال: نفل رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية بعثها قبل نجد من إبل جاءوا بها نفلا سوى نصيبهم من المغنم" لم يسق مسلم لفظه وساقه الطحاوي ويؤيده أيضا ما رواه مالك عن عبد ربه بن سعيد عن عمرو بن شعيب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما لي مما أفاء الله عليكم إلا الخمس، وهو مردود عليكم" وصله النسائي من وجه آخر حسن عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، وأخرجه أيضا بإسناد حسن من حديث عبادة ابن الصامت فإنه يدل على أن ما سوى الخمس للمقاتلة. وروى مالك أيضا عن أبي الزناد أنه سمع سعيد بن المسيب قال: "كان الناس يعطفون النفل من الخمس. قلت: وظاهره اتفاق الصحابة على ذلك. وقال ابن عبد البر: إن أراد الإمام تفضيل بعض الجيش لمعنى فيه فذلك من الخمس لا من رأس الغنيمة، وإن انفردت قطعة فأراد أن ينفلها مما غنمت دون سائر الجيش فذلك من غير الخمس بشرط أن لا يزيد على الثلث انتهى. وهذا الشرط قال به الجمهور. وقال الشافعي لا يتحدد، بل هو راجع إلى ما يراه الإمام من المصلحة، ويدل له قوله تعالى: {قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ} ففوض إليه أمرها، والله أعلم. وقال الأوزاعي: لا ينفل من أول الغنيمة، ولا ينفل ذهبا ولا فضة. وخالفه الجمهور. وحديث الباب من رواية ابن إسحاق بدل لما قالوا واستدل به على تعين قسمة أعيان الغنيمة لا أثمانها، وفيه نظر لاحتمال أن يكون وقع ذلك اتفاقا أو بيانا للجواز. وعند المالكية فيه أقوال ثالثها التخيير، وفيه أن أمير الجيش إذا فعل مصلحة لم ينقضها الإمام. حديث ابن عمر "كان ينفل بعض من يبعث من السرايا لأنفسهم خاصة سوى قسم عامة الجيش". وأخرجه مسلم وزاد في آخره: والخمس واجب في ذلك كله، وليس فيه حجة لأن النفل من الخمس لا من غيره، بل هو محتمل لكل من الأقوال. نعم فيه دليل على أنه يجوز تخصيص بعض السرية بالتنفيل دون بعض، قال ابن دقيق العيد: للحديث تعلق بمسائل الإخلاص في الأعمال، وهو موضع دقيق المأخذ، ووجه تعلقه به أن التنفيل يقع للترغيب في زيادة العمل والمخاطرة في الجهاد، ولكن لم يضرهم ذلك قطعا لكونه صدر لهم من النبي صلى الله عليه وسلم فيدل على أن بعض المقاصد الخارجة عن محض التعبد لا تقدح في الإخلاص، لكن ضبط قانونها وتمييزها مما تضر مداخلته مشكل جدا. حديث أبي موسى في مجيئهم من الحبشة وفي آخره: "وما قسم لأحد غاب عن فتح خيبر منها شيئا إلا لمن شهد معه، إلا أصحاب سفينتنا مع جعفر وأصحابه قسم لهم معهم"، وسيأتي شرحه مستوفى في غزوة خيبر من كتاب المغازي، والغرض منه هذا الكلام الأخير. قال ابن المنير: أحاديث الباب مطابقة لما ترجم به، إلا هذا الأخير فإن ظاهره أنه عليه الصلاة والسلام قسم لهم من أصل الغنيمة لا من الخمس، إذ لو كان من الخمس لم يكن لهم بذلك خصوصية، والحديث ناطق بها، قال: لكن وجه المطابقة أنه إذا جاز للإمام أن يجتهد وينفذ اجتهاده في الأخماس الأربعة المختصة بالغانمين فيقسم منها لمن لم يشهد الوقعة، فلأن ينفذ اجتهاده في الخمس الذي لا يستحقه معين وإن استحقه صنف مخصوص أولى. وقال ابن التين: يحتمل أن يكون أعطاهم برضا بقية الجيش انتهى. وهذا جزم به موسى ابن عقبة في مغازيه. ويحتمل أن يكون إنما أعطاهم من الخمس، وبهذا جزم أبو عبيد في "كتاب الأموال" وهو الموافق لترجمة البخاري، وأما قول ابن المنير لو كان من الخمس لم يكن هناك تخصيص فظاهر، لكن يحتمل أن يكون من الخمس وخصهم بذلك دون غيرهم ممن كان
(6/241)

من شأنه أن يعطي من الخمس، ويحتمل أن يكون أعطاهم من جميع الغنيمة لكونهم وصلوا قبل قسمة الغنيمة وبعد حوزها، وهو أحد القولين للشافعي. وهذا الاحتمال يترجح بقوله: "أسهم لهم" لأن الذي يعطي من الخمس لا يقال في حقه أسهم له إلا تجوزا، ولأن سياق الكلام يقتضي الافتخار ويستدعي الاختصاص بما لم يقع لغيرهم كما تقدم والله أعلم. قوله: "حدثنا علي" هر ابن عبد الله المديني، وسفيان هو ابن عيينة. قوله: "لو قد جاءنا مال البحرين" سيأتي ذلك في أول "باب الجزية" من حديث عمرو بن عوف وأنه من الجزية، لكن فيه: "فقدم أبو عبيدة بمال من البحرين" فيحمل على أن الذي وعد به النبي صلى الله عليه وسلم جابرا كان بعد السنة التي قدم فيها أبو عبيدة بالمال، وظهر بذلك جهة المال المذكور وأنه من الجزية، فأغنى ذلك عن قول ابن بطال: يحتمل أن يكون من الخمس أو من الفيء. قوله: "أمر أبو بكر مناديا فنادى" لم أقف على اسمه، ويحتمل أن يكون بلالا. قوله: "فحثى لي" بالمهملة والمثلثة. قوله: "وقال مرة" القائل هو سفيان بهذا السند، وقد تقدم الحديث في الهبة بالسند الأول بدون هذه الزيادة إلى آخرها، وتقدمت الزيادة بهذا الإسناد في الكفالة والحوالة إلى قوله: "خذ مثليها". قوله: "قال سفيان" هو متصل بالسند المذكور، وعمرو هو ابن دينار، ومحمد بن علي أي ابن الحسين ابن علي. وظهر من هذه الرواية المراد من قوله في رواية ابن المنكدر "فحثى لي ثلاثا" لكن قوله: "فحثى لي حثية" مع قوله في الرواية التي قبلها "وجعل سفيان يحثو بكفيه" يقتضي أن الحثية ما يؤخذ باليدين جميعا، والذي قاله أهل اللغة أن الحثية ما يملأ الكف، والحفنة ما يملأ الكفين. نعم ذكر أبو عبيد الهروي أن الحثية والحفنة بمعنى. وهذا الحديث شاهد لذلك. وقوله: "حثية" من حثى يحثي، ويجوز حثوة من حثا يحثو وهما لغتان، وقوله: "تبخل عني" أي من جهتي. قوله: "وقال يعني ابن المنكدر" الذي قال: "وقال" هو سفيان. الذي قال: "يعني" هو علي ابن المديني قوله: "وأي داء أدوى من البخل" قال عياض: كذا وقع "أدوى" غير مهموز، من دوى إذا كان به مرض في جوفه، والصواب أدوأ بالهمز لأنه من الداء، فيحمل على أنهم سهلوا الهمزة، ووقع في رواية الحميدي في مسنده عن سفيان في هذا الحديث: "وقال ابن المنكدر في حديثه" فظهر بذلك اتصاله إلى أبي بكر بخلاف رواية الأصيلي فإنها تشعر بأن ذلك من كلام ابن المنكدر وقد روى حديث: "أي داء أدوأ من البخل" ، وقد تقدم في الكفالة توجيه وفاء أبي بكر لعدات النبي صلى الله عليه وسلم، وكذا في كتاب الهبة، وأن وعده صلى الله عليه وسلم لا يجوز إخلافه فنزل منزلة الضمان في الصحة، وقيل: إنما فعله أبو بكر على سبيل التطوع، ولم يكن يلزمه قضاء ذلك، وما تقدم في "باب من أمر بإنجاز الوعد" من كتاب الشهادات أولى، وأن جابرا لم يدع أن له دينا في ذمة النبي صلى الله عليه وسلم فلم يطالبه أبو بكر ببينة ووفى ذلك له من بيت المال الموكول الأمر فيه إلى اجتهاد الإمام، وعلى ذلك يحوم المصنف وبه ترجم، وإنما أخر أبو بكر إعطاء جابر حتى قال له ما قال إما لأمر أهم من ذلك، أو خشية أن يحمله ذلك على الحرص على الطلب، أو لئلا يكثر الطالبون لمثل ذلك، ولم يرد به المنع على الإطلاق، ولهذا قال: "ما من مرة إلا وأنا أريد أن أعطيك" وسيأتي في أوائل الجزية بيان الخلاف في مصرفها، وظاهر إيراد البخاري هذا الحديث هنا أن مصرفها عنده مصرف الخمس، والله أعلم. قوله: "حدثنا قرة" بضم القاف وتشديد الراء ثم هاء، وفي الإسناد بصريان هو والراوي عنه، وحجازيان شيخه والضحاك، وقد خالف زيد بن الحباب مسلم بن إبراهيم فيه فقال: "عن قرة عن أبي الزبير" بدل عمرو بن دينار أخرجه مسلم، وسياقه أتم؛ ورواية البخاري
(6/242)

أرجح فقد وافق شيخه على ذلك عن قرة عثمان بن عمرو عند الإسماعيلي والنضر بن شميل عند أبي نعيم، فاتفاق هؤلاء الحفاظ الثلاثة أرجح من انفراد زيد بن الحباب عنهم، ويحتمل أن يكون الحديث عند قرة عن شيخين بدليل أن في رواية أبي الزبير زيادة على ما في رواية هؤلاء كلهم عن قرة عن عمرو، وسيأتي شرحه مستوفى في استنابة المرتدين عند الكلام على حديث أبي سعيد في المعنى، وفي حديث أبي سعيد بيان تسميته القائل المذكور، وقوله في هذه الرواية: "لقد شقيت" بضم المثناة للأكثر ومعناه ظاهر ولا محذور فيه، والشرط لا يستلزم الوقوع لأنه ليس ممن لا يعدل حتى يحصل له الشقاء، بل هو عادل فلا يشقى. وحكى عياض فتحها ورجحه النووي وحكاه الإسماعيلي عن رواية شيخه المنيعي من طريق عثمان بن عمر عن قرة، والمعنى لقد شقيت أي ضللت أنت أيها التابع حيث تقتدي بمن لا يعدل، أو حيث تعتقد في نبيك هذا القول الذي لا يصدر عن مؤمن.
(6/243)

باب مامن النبي صلى الله عليه و سلم على الأسارى من غير ان يخمس
...