باب: وَمِنْ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ الْخُمُسَ لِلْإِمَامِ وَأَنَّهُ يُعْطِي بَعْضَ قَرَابَتِهِ دُونَ بَعْضٍ مَا قَسَمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِبَنِي الْمُطَّلِبِ وَبَنِي هَاشِمٍ مِنْ خُمُسِ خَيْبَرَ. قَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ لَمْ يَعُمَّهُمْ بِذَلِكَ وَلَمْ يَخُصَّ قَرِيبًا دُونَ مَنْ هُوَ أَحْوَجُ إِلَيْهِ وَإِنْ كَانَ الَّذِي أَعْطَى لِمَا يَشْكُو إِلَيْهِ مِنْ الْحَاجَةِ وَلِمَا مَسَّتْهُمْ فِي جَنْبِهِ مِنْ قَوْمِهِمْ وَحُلَفَائِهِمْ
 
3140- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ ابْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ قَالَ مَشَيْتُ أَنَا وَعُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَعْطَيْتَ بَنِي الْمُطَّلِبِ وَتَرَكْتَنَا وَنَحْنُ وَهُمْ مِنْكَ بِمَنْزِلَةٍ وَاحِدَةٍ. فَقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إِنَّمَا بَنُو الْمُطَّلِبِ وَبَنُو هَاشِمٍ شَيْءٌ وَاحِدٌ". قَالَ اللَّيْثُ حَدَّثَنِي يُونُسُ وَزَادَ قَالَ جُبَيْرٌ: "وَلَمْ يَقْسِمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِبَنِي عَبْدِ شَمْسٍ وَلاَ لِبَنِي نَوْفَلٍ". وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ عَبْدُ شَمْسٍ وَهَاشِمٌ وَالْمُطَّلِبُ إِخْوَةٌ لِأُمٍّ وَأُمُّهُمْ عَاتِكَةُ بِنْتُ مُرَّةَ وَكَانَ نَوْفَلٌ أَخَاهُمْ لِأَبِيهِمْ.
[الحديث 3140 – طرفاه في: 3502، 4229]
قوله: "باب ومن الدليل على أن الخمس للإمام" تقدم توجيه ذلك قبل بباب. قوله: "وقال عمر بن عبد العزيز لم يعمهم" أي لم يعم قريشا. وقوله: "ولم يخص قريبا دون من أحوج إليه" أي دون من هو أحوج إليه، قال ابن مالك: فيه حذف العائد على الموصول وهو قليل، ومنه قراءة يحيى بن يعمر {تَمَاماً عَلَى الَّذِي أَحْسَنُ} بضم النون أي الذي هو أحسن، قال: وإذا طال الكلام فلا ضعف ومنه "وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله" أي وفي الأرض هو إله. قوله: "وإن كان الذي أعطى" أي أبعد قرابة ممن لم يعط، ووقع في هذا اختصار اقتضى توقفنا في فهمه، وقد من الله وله الحمد بتوجيهه، وسياقه عند عمر بن شبة في "أخبار المدينة" موصولا مطولا فقال فيه: "وقسم لهم قسما لم يعم عامتهم ولم يخص به قريبا دون من أحوج منه، ولقد كان يومئذ فيمن أعطى من هو أبعد قرابة" أي ممن لم يعط. وقوله: "لما يشكو" تعليل لعطية الأبعد قرابة، وقوله: "في جنبه" أي جانبه، وقوله: "من قومهم وحلفائهم" أي وحلفاء قومهم بسبب الإسلام، وأشار بذلك إلى ما لقي النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه بمكة من قريش بسبب الإسلام، وسيأتي بسطه في موضعه إن شاء الله تعالى. قوله: "عن ابن المسيب" في رواية يونس عن ابن شهاب عند أبي داود "وأخبرني سعيد بن المسيب". قوله: "عن جبير بن مطعم" في المغازي من رواية يونس عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب "أن جبير بن مطعم أخبره. قوله: "مشيت أنا وعثمان بن عفان" زاد أبو داود والنسائي من طريق يونس عن ابن شهاب "فيما فيما من الخمس بين بني هاشم وبني المطلب" ولهما من رواية ابن إسحاق عن ابن شهاب "وضع سهم ذوي القربى من بني هاشم وبني المطلب وترك بني نوفل وبني عبد شمس
(6/244)

وإنما اختص جبير وعثمان بذلك لأن عثمان من بني عبد شمس وجبير بن مطعم من بني نوفل، وعبد شمس ونوفل وهاشم والمطلب سواء الجميع بنو عبد مناف. فهذا معنى قولهما "ونحن وهم منك بمنزلة واحدة" أي في الانتساب إلى عبد مناف. ووقع في عبد مناف. ووقع في رواية أبي داود المذكورة "وقرابتنا وقرابتهم منك واحدة"، وله في رواية ابن إسحاق "فقلنا يا رسول الله هؤلاء بنو هاشم لا ننكر فضلهم للموضع الذي وضعك الله منهم، فما بال إخواننا بني المطلب أعطيتهم وتركتنا". قوله: "شيء واحد" للأكثر بالشين المعجمة المفتوحة والهمزة. وقال عياض، رويناه هكذا في البخاري بغير خلاف انتهى. وقد وجدته في أصلي هنا من رواية الكشميهني وفي المغازي من رواية المستملي وفي مناقب قريش من روايته وفي رواية الحموي بكسر المهملة وتشديد التحتانية، وكذلك كان يرويه يحيى بن معين وحده، قال الخطابي: هو أجود في المعنى، وحكاها عياض رواية خارج الصحيح وقال: الصواب رواية الكافة لقوله فيه: "وشبك بين أصابعه" وهذا دليل على الاختلاط والامتزاج كالشيء الواحد لا على التمثيل والتنظير. وهذه الزيادة التي أشار إليها وقعت في رواية ابن إسحاق المذكورة ولفظه: "فقال: إنا وبنو المطلب لم نفترق في جاهلية ولا إسلام، وإنما نحن وهم شيء واحد، وشبك بين أصابعه" ووقع في رواية أبي زيد المروزي "شيء أحد" بغير واو بهمز الألف، فقيل هما بمعنى، وقيل لأحد الذي ينفرد بشيء لا يشاركه فيه غيره والواحد أول العدد، وقيل الأحد المنفرد بالمعنى والواحد المنفرد بالذات، وقيل الأحد لنفي ما يذكر معه من العدد والواحد اسم لمفتاح العدد من جنسه، وقيل لا يقال أحد إلا الله تعالى، حكاه جميعه عياض. قوله: "وقال الليث حدثني يونس" أي بهذا الإسناد وزاد "قال جبير: ولم يقسم النبي صلى الله عليه وسلم لبني عبد شمس ولا لبني نوفل" هو عندي من رواية عبد الله بن يوسف أيضا عن الليث فهو متصل، ويحتمل أن يكون معلقا، وقد وصله المصنف في المغازي عن يحيى بن بكير عن الليث عن يونس بتمامه، وزاد أبو داود في رواية يونس بهذا الإسناد "وكان أبو بكر يقسم الخمس نحو قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم، غير أنه لم يكن يعطي قربى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان عمر يعطيهم منه وعثمان بعده" وهذه الزيادة بين الذهلي في "جمع حديث الزهري" أنها مدرجة من كلام الزهري. وأخرج ذلك مفصلا من رواية الليث عن يونس، وكأن هذا هو السر في حذف البخاري هذه الزيادة مع ذكره لرواية يونس. وروى مسلم وأبو داود والنسائي وغيرهم من طريق ابن شهاب عن يزيد عن هرمز عن ابن عباس في سهم ذوي القربى قال: "هو لقربى رسول الله صلى الله عليه وسلم قسمه لهم النبي صلى الله عليه وسلم وقد كان عمر عرض علينا من ذلك شيئا رأيناه دون حقنا، فرددناه" وللنسائي من وجه آخر "وقد كان عمر دعانا أن ينكح أيمنا ويخدم عائلنا ويقضي عن غارمنا فأبينا إلا أن يسلمه لنا، قال فتركناه". قوله: "وقال ابن إسحاق إلخ" وصله المصنف في التاريخ، وقوله: "عاتكة بنت مرة" أي ابن هلال من بني سليم. وقوله: "وكان نوفل أخاهم لأبيهم" لم يسم أمه وهي واقدة بالقاف بنت أبي عدي واسمه نوفل ابن عبادة، من بني مازن بن صعصعة. وذكر الزبير بن بكار في النسب أنه كان يقال لهاشم والمطلب البدران، ولعبد شمس ونوفل الأبهران، وهذا يدل على أن بين هاشم والمطلب ائتلافا سرى في أولادهما من بعدهما، ولهذا لما كتبت قريش الصحيفة بينهم وبين بني هاشم وحصروهم في الشعب دخل بنو المطلب مع بني هاشم ولم تدخل بنو نوفل وبنو عبد شمس، وستأتي الإشارة إلى ذلك في أول المبعث إن شاء الله تعالى. وفي الحديث حجة للشافعي ومن وافقه أن سهم ذوي القربى لبني هاشم والمطلب خاصة دون بقية قرابة النبي صلى الله عليه وسلم من قريش، وعن عمر بن عبد العزيز هم بنو هاشم خاصة، وبه قال زيد بن أرقم وطائفة
من الكوفيين، وهذا الحديث يدل لإلحاق بني المطلب بهم، وقيل هم قريش كلها لكن يعطي الإمام منهم من يراه، وبهذا قال أصبغ، وهذا الحديث حجة عليه، وفيه توهين قول من قال إن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أعطاهم بعلة الحاجة إذ لو أعطاهم بعلة الحاجة لم يخص قوما دون قوم، والحديث ظاهر في أنه أعطاهم بسبب النصرة وما أصابهم بسبب الإسلام من بقية قومهم الذين لم يسلموا، والملخص أن الآية نصت على استحقاق قربى النبي صلى الله عليه وسلم وهي متحققة في بني عبد شمس لأنه شقيق، وفي بني نوفل إذا لم تعتبر قرابة الأم. واختلف الشافعية في سبب إخراجهم فقيل: العلة القرابة مع النصرة فلذلك دخل بنو هاشم وبنو المطلب ولم يدخل بنو عبد شمس وبنو نوفل لفقدان جزء العلة أو شرطها؛ وقيل: الاستحقاق بالقرابة، ووجد ببني عبد شمس ونوفل مانع لكونهم انحازوا عن بني هاشم وحاربوهم. والثالث أن القربى عام مخصوص وبينته السنة. قال ابن بطال: وفيه رد لقوله الشافعي أن خمس الخمس يقسم بين ذوي القربى لا يفضل غني على فقير، وأنه يقسم بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين. قلت: ولا حجة فيه لما ذكر لا إثباتا ولا نفيا، أما الأول فليس في الحديث إلا أنه قسم خمس الخمس بين بني هاشم والمطلب ولم يتعرض لتفضيل ولا عدمه، وإذا لم يتعرض فالأصل في القسمة إذا أطلقت التسوية والتعميم، فالحديث إذا حجة للشافعي لا عليه. ويمكن التوصل إلى التعميم بأن يأمر الإمام نائبه في كل إقليم يضبط من فيه ويجوز النقل من مكان إلى مكان للحاجة، وقيل لا بل يختص كل ناحية بمن فيها. وأما الثاني فليس فيه تعرض لكيفية القسم، لكن ظاهره التسوية وبها قال المزني وطائفة، فيحتاج من جعل سبيله سبيل الميراث إلى دليل، والله أعلم. وذهب الأكثر إلى تعميم ذوي القربى في قسمة سهمهم عليهم بخلاف اليتامى فيخص الفقراء منهم عند الشافعي وأحمد، وعن مالك يعمهم في الإعطاء، وعن أبي حنيفة يخص الفقراء من الصنفين، وحجة الشافعي أنهم لما منعوا الزكاة عموا بالسهم ولأنهم أعطوا بجهة القرابة إكراما لهم، بخلاف اليتامى فإنهم أعطوا لسد الخلة. واستدل به على جواز تأخير البيان عن وقت الخطاب إلى وقت الحاجة، فإن ذوي القربى لفظ عام خص ببني هاشم والمطلب، قال ابن الحاجب: ولم ينقل اقتران إجمالي مع أن الأصل عدمه.
(6/246)

باب من لم يخمس الأسلاب و من قتل قتيلا فله سلبه من غير أن يخمس ، و حكم الإمام فيه
...