باب مَا جَاءَ فِي سَبْعِ أَرَضِينَ
 
وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى [12 الطلاق]: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنْ الأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا}. {وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ} السَّمَاءُ. {سَمْكَهَا} بِنَاءَهَا. {الْحُبُكُ} اسْتِوَاؤُهَا وَحُسْنُهَا. {وَأَذِنَتْ} سَمِعَتْ وَأَطَاعَتْ. {وَأَلْقَتْ} أَخْرَجَتْ مَا فِيهَا مِنْ الْمَوْتَى. {وَتَخَلَّتْ} عَنْهُمْ. {طَحَاهَا} دَحَاهَا. {بِالسَّاهِرَةِ} وَجْهُ الأَرْضِ، كَانَ فِيهَا الْحَيَوَانُ نَوْمُهُمْ وَسَهَرُهُمْ.
3195- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَخْبَرَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْمُبَارَكِ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَكَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أُنَاسٍ خُصُومَةٌ فِي أَرْضٍ فَدَخَلَ عَلَى عَائِشَةَ فَذَكَرَ لَهَا ذَلِكَ فَقَالَتْ يَا أَبَا سَلَمَةَ اجْتَنِبْ الأَرْضَ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "مَنْ ظَلَمَ قِيدَ شِبْرٍ طُوِّقَهُ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ".
3196- حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ قال النبي
(6/292)

صلى الله عليه وسلم: "مَنْ أَخَذَ شَيْئًا مِنْ الأَرْضِ بِغَيْرِ حَقِّهِ خُسِفَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَى سَبْعِ أَرَضِينَ".
3197- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ ابْنِ أَبِي بَكْرَةَ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "الزَّمَانُ قَدْ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ السَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ثَلاَثَةٌ مُتَوَالِيَاتٌ ذُو الْقَعْدَةِ وَذُو الْحِجَّةِ وَالْمُحَرَّمُ وَرَجَبُ مُضَرَ الَّذِي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ".
3197- حَدَّثَنِي عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ أَنَّهُ خَاصَمَتْهُ أَرْوَى فِي حَقٍّ زَعَمَتْ أَنَّهُ انْتَقَصَهُ لَهَا إِلَى مَرْوَانَ فَقَالَ سَعِيدٌ أَنَا أَنْتَقِصُ مِنْ حَقِّهَا شَيْئًا أَشْهَدُ لَسَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "مَنْ أَخَذَ شِبْرًا مِنْ الأَرْضِ ظُلْمًا فَإِنَّهُ يُطَوَّقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ" قَالَ ابْنُ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ قَالَ لِي سَعِيدُ بْنُ زَيْدٍ دَخَلْتُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ...".
قوله: "باب ما جاء في سبع أرضين" أو في بيان وضعها. قوله: "وقول الله سبحانه وتعالى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ} الآية" قال الداودي: فيه دلالة على أن الأرضين بعضها فوق بعض مثل السماوات ونقل عن بعض المتكلمين أن المثلية في العدد خاصة وأن السبع متجاورة. وحكى ابن التين عن بعضهم أن الأرض واحدة، قال وهو مردود بالقرآن والسنة. قلت: لعله القول بالتجاور، وإلا فيصير صريحا في المخالفة، ويدل للقول الظاهر ما رواه ابن جرير من طريق شعبة عن عمرو بن مرة عن أبي الضحى عن ابن عباس في هذه الآية {وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ} قال: في كل أرض مثل إبراهيم، ونحو ما على الأرض من الخلق، هكذا أخرجه مختصرا وإسناده صحيح. وأخرجه الحاكم والبيهقي من طريق عطاء بن السائب عن أبي الضحى مطولا وأوله أي سبع أرضين "في كل أرض آدم كآدمكم ونوح كنوحكم وإبراهيم كإبراهيمكم وعيسى كعيسى ونبي كنبيكم" قال البيهقي: إسناده صحيح، إلا أنه شاذ بمرة. وروى ابن أبي حاتم من طريق مجاهد عن ابن عباس قال: لو حدثكم بتفسير هذه الآية لكفرتم وكفركم تكذيبكم بها. ومن طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس نحوه وزاد وهن مكتوبات بعضهن على بعض. وظاهر قوله تعالى: {وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ} يرد أيضا على أهل الهيئة قولهم أن لا مسافة بين كل أرض وأرض وإن كانت فوقها، وأن السابعة صماء لا جوف لها، وفي وسطها المركز وهي نقطة مقدرة متوهمة، إلى غير ذلك من أقوالهم التي لا برهان عليها. وقد روى أحمد والترمذي من حديث أبي هريرة مرفوعا: "إن بين كل سماء وسماء خمسمائة عام، وأن سمك كل سماء كذلك، وأن بين كل أرض وأرض خمسمائة عام" وأخرجه إسحاق بن راهويه والبزار من حديث أبي ذر نحوه، ولأبي داود والترمذي من حديث العباس بن عبد المطلب مرفوعا: "بين كل سماء وسماء إحدى أو اثنتان وسبعون سنة" وجمع بين الحديثين بأن اختلاف المسافة بينهما باعتبار بطء السير وسرعته. قوله: "{وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ} السماء" هو تفسير مجاهد، أخرجه عبد بن حميد وابن أبي حاتم وغيرهما من طريق ابن أبي نجيح عنه، ومن طريق قتادة نحوه، وسيأتي عن علي مثله في "باب الملائكة" ولابن أبي حاتم من طريق الربيع بن
(6/293)

أنس {وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ} العرش، كذا قال، والأول أكثر، وهو يقتضي الرد على من قال إن السماء كرية لأن السقف في اللغة العربية لا يكون كريا. قوله: "سمكها" بفتح المهملة وسكون الميم "بناءها" بالمد، يريد تفسير قوله تعالى: {رَفَعَ سَمْكَهَا} أي رفع بنيانها، وهو تفسير ابن عباس أخرجه ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عنه، ومن طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد مثله وزاد: "بغير عمد" ومن طريق قتادة مثله. وله: "والحبك:استواؤها وحسنها" هو تفسير ابن عباس أخرجه ابن أبي حاتم من طريق عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عنه. وأخرج من طريق سعد الإسكاف عن عكرمة عنه بلفظ: "ذات الحبك" أي البهاء والجمال، غير أنها كالبرد المسلسل" ومن طريق علي بن أبي طلحة عنه قال: "ذات الحبك أي الخلق الحسن" والحبك بضمتين جمع حبيكة كطرق وطريقة وزنا ومعنى، وقيل وأحدها حباك كمثال ومثل. وقيل: الحبك الطريق التي ترى في السماء من آثار الغيم، وروى الطبري عن الضحاك نحوه. وقيل: هي النجوم أخرجه الطبري بإسناد حسن عن الحسن، وروى الطبري عن عبد الله بن عمرو أو المراد بالسماء هنا السماء السابعة. قوله: "أذنت: سمعت وأطاعت" يريد تفسير قوله تعالى: { إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ . وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ} ومعنى سمعها وإطاعتها قبولها ما يراد منها، وروى ابن أبي حاتم من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: "وأذنت لربها" أي أطاعت، ومن طريق الضحاك "أذنت لربها" أي سمعت، ومن طريق سعيد بن جبير "وحقت" أي حق لها أن تطيع. قوله: "وألقت" أخرجت ما فيها من الموتى "وتخلت" أي "عنهم" يريد تفسير بقية الآيات، وهو عند ابن أبي حاتم من طريق مجاهد نحوه، ومن طريق سعيد بن جبير ألقت ما استودعها الله من عباده وتخلت عنهم إليه. قوله: "طحاها: دحاها" هو تفسير مجاهد أخرجه عبد بن حميد وغيره من طريقه، والمعنى بسطها يمينا وشمالا من كل جانب. وأخرج ابن أبي حاتم أيضا من طريق ابن عباس والسدي وغيرهما: دحاها أي بسطها. قوله: "بالساهرة: وجه الأرض كان فيها الحيوان نومهم وسهرهم" هو تفسير عكرمة أخرجه ابن أبي حاتم، أو المراد بالأرض أرض القيامة. وأخرج ابن أبي حاتم من طريق مصعب بن ثابت عن أبي حازم عن سهل بن سعد في قوله: "فإذا هم بالساهرة" قال: أرض بيضاء عفراء كالخبزة، وسيأتي من وجه آخر عن أبي حازم مرفوعا في الرقاق لكن ليس فيه تفسير الساهرة. حديث عائشة "من ظلم قيد شبر" وقد تقدم شرحه مستوفى في كتاب المظالم. حديث ابن عمر في المعنى، وقد تقدم هناك أيضا، وعبد الله في إسناده هو ابن المبارك، والراوي عنه بشر بن محمد مروزي سمع من ابن المبارك بخراسان، وهو يؤيد البحث الذي قدمته من أنه لا يلزم من كون هذا الحديث ليس في كتب ابن المبارك بخراسان أن لا يكون حدث به هناك، ويحتمل أن يكون بشر صحب ابن المبارك فسمعه منه بالبصرة فيصح أنه لم يحدث به إلا بالبصرة والله أعلم. حديث أبي بكرة "أن الزمان قد استدار كهيئته" وسيأتي بأتم من هذا السياق في آخر المغازي في الكلام على حجة الوداع، ويأتي شرحه في تفسير براءة، ومضي شرح أكثر في العلم وبعضه في الحج. قوله: "عن محمد بن سيرين عن ابن أبي بكرة عن أبي بكرة" اسم ابن أبي بكرة عبد الرحمن كما تقدم في "باب رب مبلغ أوعى من سامع" في كتاب العلم من وجه آخر عن أيوب، وذكر أبو علي الجياني أنه سقط من نسخة الأصيلي هنا عن ابن أبي بكرة وثبت لسائر الرواة عن الفربري، قلت: وكذا ثبت في رواية النسفي عن البخاري، قال الجياني: ووقع في رواية القابسي هنا عن أيوب عن محمد بن
(6/294)

أبي بكرة، وهو وهم فاحش. قلت: وافق الأصيلي لكن صحف "عن" فصارت "ابن" فلذلك وصفه بفحش الوهم وسيأتي هذا الحديث بالسند المذكور هنا في "باب حجة الوداع" من كتاب المغازي على الصواب للجماعة أيضا حتى الأصيلي، واستمر القابسي على وهمه فقال هناك أيضا: "عن محمد بن أبي بكرة". قوله: "كهيئته" الكاف صفة مصدر محذوف تقديره استدار استدارة مثل صفته يوم خلق السماء. والزمان اسم لقليل الوقت وكثيره، وزعم يوسف بن عبد الملك في كتابه "تفضيل الأزمنة" أن هذه المقالة صدرت من النبي صلى الله عليه وسلم في شهر مارس وهو آذار وهو برمهات بالقبطية، وفيه يستوي الليل والنهار عند حلول الشمس برج الحمل. حديث سعيد بن زيد في قصته مع أروى بنت أنيس في مخاصمتها له في الأرض، وقد تقدمت مباحثه مستوفاة في كتاب المظالم. قوله: "وقال ابن أبي الزناد عن هشام" أي ابن عروة "عن أبيه قال لي سعيد بن زيد" أراد المصنف بهذا التعليق بيان لقاء عروة سعيدا، وقد لقي عروة من هو أقدم وفاة من سعيد كوالده الزبير وعلي وغيرهما.
(6/295)

باب في النجوم . و قال قتادة { و لقد زينا السماء الدنيا بمصابيح } : خلق هذه النجوم لثلاث : جعلها زينة للسماء ، و رجوما للشياطين ، و علامات يهتدي بها ، فمن تأول فيها بغير ذلك أخطأ و أضاع نصيبه و تكلف ما
...


الموضوع التالي


باب فِي النُّجُومِ. وَقَالَ قَتَادَةُ {وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ} [5 الملك]: خَلَقَ هَذِهِ النُّجُومَ لِثَلاَثٍ: جَعَلَهَا زِينَةً لِلسَّمَاءِ، وَرُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ، وَعَلاَمَاتٍ يُهْتَدَى بِهَا. فَمَنْ تَأَوَّلَ فِيهَا بِغَيْرِ ذَلِكَ أَخْطَأَ وَأَضَاعَ نَصِيبَهُ وَتَكَلَّفَ مَا لاَ عِلْمَ لَهُ بِهِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {هَشِيمًا}: مُتَغَيِّرًا. وَالأَبُّ: مَا يَأْكُلُ الأَنْعَامُ. {وَالأَنَامُ}: الْخَلْقُ. {بَرْزَخٌ}: حَاجِبٌ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {أَلْفَافًا}: مُلْتَفَّةً. وَالْغُلْبُ: الْمُلْتَفَّةُ. {فِرَاشًا}: مِهَادًا. كَقَوْلِهِ: {وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ}. {نَكِدًا}: قَلِيلًا.