باب الأَرْوَاحُ جُنُودٌ مُجَنَّدَةٌ
 
3336- قَالَ قَالَ اللَّيْثُ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: "سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "الأَرْوَاحُ جُنُودٌ مُجَنَّدَةٌ فَمَا تَعَارَفَ مِنْهَا ائْتَلَفَ وَمَا تَنَاكَرَ مِنْهَا اخْتَلَفَ".
وَقَالَ يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ بِهَذَا.
قوله: "باب الأرواح جنود مجندة" كذا ثبتت هذه الترجمة في معظم الروايات، وهي متعلقة بترجمة آدم وذريته، للإشارة إلى أنهم ركبوا من الأجسام والأرواح. قوله: "وقال الليث" وصله المصنف في "الأدب المفرد" عن عبد الله بن صالح عنه قوله: "الأرواح جنود مجندة إلخ" قال الخطابي: يحتمل أن يكون إشارة إلى معنى التشاكل في الخير والشر والصلاح والفساد، وأن الخير من الناس يحن إلى شكله والشرير نظير ذلك يميل إلى نظيره فتعارف الأرواح يقع بحسب الطباع التي جبلت عليها من خير وشر، فإذا اتفقت تعارفت، وإذا اختلفت تناكرت. ويحتمل أن يراد الإخبار عن بدء الخلق في حال الغيب على ما جاء أن الأرواح خلقت قبل الأجسام، وكانت تلتقي فتتشاءم، فلما حلت بالأجسام تعارفت بالأمر الأول فصار تعارفها وتناكرها على ما سبق من العهد المتقدم. وقال غيره: المراد أن الأرواح أول ما خلقت خلقت على قسمين، ومعنى تقابلها أن الأجساد التي فيها الأرواح إذا التقت في الدنيا ائتلفت أو اختلفت على حسب ما خلقت عليه الأرواح في الدنيا إلى غير ذلك بالتعارف. قلت: ولا يعكر
(6/369)

عليه أن بعض المتنافرين ربما ائتلفا، لأنه محمول على مبدأ التلاقي، فإنه يتعلق بأصل الخلقة بغير سبب. وأما في ثاني الحال فيكون مكتسبا لتجدد وصف يقتضي الألفة بعد النفرة كإيمان الكافر وإحسان المسيء. وقوله: "جنود مجندة" أي أجناس مجنسة أو جموع مجمعة، قال ابن الجوزي: ويستفاد من هذا الحديث أن الإنسان إذا وجد من نفسه نفرة ممن له فضيلة أو صلاح فينبغي أن يبحث عن المقتضى لذلك ليسعى في إزالته حتى يتخلص من الوصف المذموم، وكذلك القول في عكسه. وقال القرطبي: الأرواح وإن اتفقت في كونها أرواحا لكنها تتمايز بأمور مختلفة تتنوع بها، فتتشاكل أشخاص النوع الواحد وتتناسب بسبب ما اجتمعت فيه من المعنى الخاص لذلك النوع للمناسبة، ولذلك نشاهد أشخاص كل نوع تألف نوعها وتنفر من مخالفها. ثم إنا نجد بعض أشخاص النوع الواحد يتآلف وبعضها يتنافر، وذلك بحسب الأمور التي يحصل الاتفاق والانفراد بسببها. قوله: "وقال يحيى بن أيوب" هو المصري "حدثني يحيى بن سعيد بهذا" يعني مثل الذي قبله، وقد وصله الإسماعيلي من طريق سعيد بن أبي مريم عن يحيى بن أيوب به، ورويناه موصولا في مسند أبي يعلى وفيه قصة في أوله عن عمرة بنت عيد الرحمن قالت: "كانت امرأة مزاحة بمكة فنزلت على امرأة مثلها في المدينة، فبلغ ذلك عائشة فقالت: صدق حبي، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم" فذكر مثله. ورويناه في فوائد أبي بكر بن زنبور من طريق الليث أيضا بسنده الأول بهذه القصة بمعناها، قال الإسماعيلي: أبو صالح ليس من شرط هذا الكتاب ولا يحيى بن أيوب في الأصول، وإنما يخرج له البخاري في الاستشهاد، فأورد البخاري هذا الحديث من الطريقين بلا إسناد فصار أقوى مما لو ساقه بإسناد. اهـ. وكان سبب ذلك أن الناظر في كتابه ربما اعتقد أن له عنده إسنادا آخر، ولا سيما وقد ساقه بصيغة الجزم فيعتقد أنه على شرطه، وليس الأمر كذلك. قلت: وللمتن شاهد من حديث أبي هريرة أخرجه مسلم.
(6/370)

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أَلاَ أُحَدِّثُكُمْ حَدِيثًا عَنْ الدَّجَّالِ مَا حَدَّثَ بِهِ نَبِيٌّ قَوْمَهُ إِنَّهُ أَعْوَرُ وَإِنَّهُ يَجِيءُ مَعَهُ بِمِثَالِ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ فَالَّتِي يَقُولُ إِنَّهَا الْجَنَّةُ هِيَ النَّارُ وَإِنِّي أُنْذِرُكُمْ كَمَا أَنْذَرَ بِهِ نُوحٌ قَوْمَهُ".
3339- حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يَجِيءُ نُوحٌ وَأُمَّتُهُ فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى هَلْ بَلَّغْتَ فَيَقُولُ: نَعَمْ أَيْ رَبِّ فَيَقُولُ لِأُمَّتِهِ هَلْ بَلَّغَكُمْ فَيَقُولُونَ لاَ مَا جَاءَنَا مِنْ نَبِيٍّ فَيَقُولُ لِنُوحٍ مَنْ يَشْهَدُ لَكَ فَيَقُولُ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأُمَّتُهُ فَنَشْهَدُ أَنَّهُ قَدْ بَلَّغَ وَهُوَ قَوْلُهُ جَلَّ ذِكْرُهُ {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ} وَالْوَسَطُ الْعَدْلُ".
[الحديث 3339 – طرفاه في: 4487، 7349]
3340- حَدَّثَنا إِسْحَاقُ بْنُ نَصْرٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ حَدَّثَنَا أَبُو حَيَّانَ عَنْ أَبِي زُرْعَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: "كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي دَعْوَةٍ فَرُفِعَ إِلَيْهِ الذِّرَاعُ وَكَانَتْ تُعْجِبُهُ فَنَهَسَ مِنْهَا نَهْسَةً وَقَالَ أَنَا سَيِّدُ الْقَوْمِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ هَلْ تَدْرُونَ بِمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَيُبْصِرُهُمْ النَّاظِرُ وَيُسْمِعُهُمْ الدَّاعِي وَتَدْنُو مِنْهُمْ الشَّمْسُ فَيَقُولُ بَعْضُ النَّاسِ أَلاَ تَرَوْنَ إِلَى مَا أَنْتُمْ فِيهِ إِلَى مَا بَلَغَكُمْ أَلاَ تَنْظُرُونَ إِلَى مَنْ يَشْفَعُ لَكُمْ إِلَى رَبِّكُمْ فَيَقُولُ بَعْضُ النَّاسِ أَبُوكُمْ آدَمُ فَيَأْتُونَهُ فَيَقُولُونَ يَا آدَمُ أَنْتَ أَبُو الْبَشَرِ خَلَقَكَ اللَّهُ بِيَدِهِ وَنَفَخَ فِيكَ مِنْ رُوحِهِ وَأَمَرَ الْمَلاَئِكَةَ فَسَجَدُوا لَكَ وَأَسْكَنَكَ الْجَنَّةَ أَلاَ تَشْفَعُ لَنَا إِلَى رَبِّكَ أَلاَ تَرَى مَا نَحْنُ فِيهِ وَمَا بَلَغَنَا فَيَقُولُ رَبِّي غَضِبَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ وَلاَ يَغْضَبُ بَعْدَهُ مِثْلَهُ وَنَهَانِي عَنْ الشَّجَرَةِ فَعَصَيْتُهُ نَفْسِي نَفْسِي اذْهَبُوا إِلَى غَيْرِي اذْهَبُوا إِلَى نُوحٍ فَيَأْتُونَ نُوحًا فَيَقُولُونَ يَا نُوحُ أَنْتَ أَوَّلُ الرُّسُلِ إِلَى أَهْلِ الأَرْضِ وَسَمَّاكَ اللَّهُ عَبْدًا شَكُورًا أَمَا تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ أَلاَ تَرَى إِلَى مَا بَلَغَنَا أَلاَ تَشْفَعُ لَنَا إِلَى رَبِّكَ فَيَقُولُ رَبِّي غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ وَلاَ يَغْضَبُ بَعْدَهُ مِثْلَهُ نَفْسِي نَفْسِي ائْتُوا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَأْتُونِي فَأَسْجُدُ تَحْتَ الْعَرْشِ فَيُقَالُ يَا مُحَمَّدُ ارْفَعْ رَأْسَكَ وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ وَسَلْ تُعْطَهْ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ لاَ أَحْفَظُ سَائِرَهُ".
[الحديث 3340 – طرفاه في: 3361، 4712]
3341- حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ نَصْرٍ أَخْبَرَنَا أَبُو أَحْمَدَ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ الأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ {فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} مِثْلَ قِرَاءَةِ الْعَامَّةِ ".
[الحديث 3341 – أطرافه في: 3345، 3376، 4869، 4870، 4871، 4872، 4873، 4874]
(6/371)

قوله: "باب قول الله تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ}" كذا لأبي ذر ويؤيده ما وقع في الترجمة من شرح الكلمات اللاتي من هذه القصة في سورة هود وفي رواية الحفصي {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ} إلى قوله: {مِنَ الْمُسْلِمِينَ}" وللباقين {إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ أَنْ أَنْذِرْ قَوْمَكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} إلى آخر السورة، وقد ذكر بعض هذا الأخير في رواية أبي ذر قبل الأحاديث المرفوعة. ونوح هو ابن لمك بفتح اللام وسكون الميم بعدها كاف ابن متوشلخ بفتح الميم وتشديد المثناة المضمومة بعدها واو ساكنة وفتح الشين المعجمة واللام بعدها معجمة ابن خنوخ بفتح المعجمة وضم النون الخفيفة بعدها واو ساكنة ثم معجمة وهو إدريس فيما يقال. وقد ذكر ابن جرير أن مولد نوح كان بعد وفاة آدم بمائة وستة وعشرين عاما، وأنه بعث وهو ابن ثلاثمائة خمسين وقيل غير ذلك، وأنه عاش بعد الطوفان ثلاثمائة سنة وخمسين، وقيل: إن مدة عمره ألف سنة إلا خمسين عاما قبل البعثة وبعدها وبعد الغرق فالله أعلم. وصحح ابن حبان من حديث أبي أمامة "أن رجلا قال: يا رسول الله أنبي كان آدم؟ قال: نعم . قال: فكم كان بينه وبين نوح؟ قال عشرة قرون ". قوله: "قال ابن عباس بادي الرأي ما ظهر لنا" وصله ابن أبي حاتم عن طريق عطاء عنه أي أول النظر قبل التأمل. قوله: "أقلعي أمسكي وفار التنور نبع الماء" وصل ذلك ابن أبي حاتم أيضا من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس. "وقال عكرمة وجه الأرض" وصله ابن جرير من طريق أبي إسحاق الشيباني عن عكرمة في قوله: "وفار التنور" قال وجه الأرض قوله: "وقال مجاهد الجودي جبل بالجزيرة" وصله ابن أبي حاتم من طريق ابن أبي نجيح عنه وزاد: "تشامخت الجبال يوم الغرق وتواضع هو لله فلم يغرق وأرسيت عليه سفينة نوح". قوله: "دأب حال" وصله الفريابي من طريق مجاهد أيضا. ثم ذكر المصنف في الباب خمسة أحاديث. الأول: حديث ابن عمر في ذكر الدجال وسيأتي شرحه في الفتن، والغرض منه قوله فيه: "ولقد أنذره نوح قومه" وخص نوحا بالذكر لأنه أول من ذكره، وهو أول الرسل المذكورين في قوله تعالى: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً}. الثاني: حديث أبي هريرة في المعنى كذلك. الثالث: حديث أبي سعيد في شهادة أمة محمد صلى الله عليه وسلم لنوح بالتبليغ، وسيأتي شرحه في تفسير سورة البقرة، ويأتي في تفسير سورة نوح بيان السبب في عبادة قوم نوح الأصنام. الرابع: حديث أبي هريرة في الشفاعة قوله فيه: "دعوة" بضم أوله(1) الوليمة. وقوله: "فرفعت إليه الذراع" أي ذراع الشاة وسيأتي بيان ذلك في الأطعمة. قوله: "فنهس" بنون ومهملة أي أخذ منها بأطراف أسنانه، ووقع في رواية أبي ذر في المعجمة وهو قريب من المهملة، قوله: "أنا سيد الناس يوم القيامة" خصه بالذكر لظهور ذلك له يومئذ حيث تكون الأنبياء كلهم تحت لوائه ويبعثه الله المقام المحمود كما سيأتي بيانه في الرقاق مع تتمة شرح الحديث إن شاء الله تعالى. والغرض منه هنا قوله: "فيقولون يا نوح أنت أول الرسل إلى أهل الأرض، وسماك الله عبدا شكورا" فأما كونه أول الرسل فقد استشكل بأن آدم كان نبيا وبالضرورة تعلم أنه كان على شريعة من العبادة وأن أولاده أخذوا ذلك عنه فعلى هذا فهو رسول إليهم فيكون هذا أول رسول، فيحتمل أن تكون الأولية في قول أهل الموقف لنوح مقيدة بقولهم إلى أهل الأرض لأنه في زمن آدم لم يكن للأرض أهل أو لأن رسالة آدم إلى بنيه كانت كالتربية للأولاد، ويحتمل أن يكون المراد أنه رسول أرسل إلى بنيه وغيرهم من الأمم الذين أرسل إليهم مع تفرقهم في عدة بلاد، وآدم إنما
ـــــــ
(1) في هامش طبعة بولاق: في بعض النسخ، وعبارة القسطلاني بفتح الدال أو كسرها
(6/372)

أرسل إلى بنيه فقط وكانوا. مجتمعين في بلدة واحدة، واستشكله بعضهم بإدريس، ولا يرد لأنه اختلف في كونه جد نوح كما تقدم، وقد تقدم شيء من هذا في أول كتاب التيمم فيما يتعلق بخصوصية نبينا بعموم البعثة عليه وعلى جميع الأنبياء الصلاة والسلام. وأما قولهم "وسماك الله عبدا شكورا" فإشارة إلى قوله تعالى: {إِنَّهُ كَانَ عَبْداً شَكُوراً} وروى عبد الرزاق بسند مقطوع "إن نوحا كان إذا ذهب إلى الغائط قال: الحمد لله الذي رزقني لذته، وأبقى في قوته، وأذهب عني أذاه". الخامس: حديث ابن مسعود في قراءة {فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} وسيأتي في تفسير اقتربت.
(6/373)

باب قول الله عز وجل { و لقد أرسلنا نوحا إلى قومه }
باب { و إن إلياس لمن المرسلين ، إذ قال لقومه ألا تتقون ـ إلى ـ و تركنا عليه في الآخرين } قال ابن عباس : يذكر بخير .
...