باب يزفون: النسلان في المشي
 
3361- حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ نَصْرٍ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ أَبِي حَيَّانَ عَنْ أَبِي زُرْعَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ أُتِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا بِلَحْمٍ فَقَالَ إِنَّ اللَّهَ يَجْمَعُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَيُسْمِعُهُمْ الدَّاعِي وَيُنْفِذُهُمْ الْبَصَرُ وَتَدْنُو الشَّمْسُ مِنْهُمْ فَذَكَرَ حَدِيثَ الشَّفَاعَةِ فَيَأْتُونَ إِبْرَاهِيمَ فَيَقُولُونَ أَنْتَ نَبِيُّ اللَّهِ وَخَلِيلُهُ مِنْ الأَرْضِ اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ فَيَقُولُ فَذَكَرَ كَذَبَاتِهِ نَفْسِي نَفْسِي اذْهَبُوا إِلَى مُوسَى". تَابَعَهُ أَنَسٌ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
3362- حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "يَرْحَمُ اللَّهُ أُمَّ إِسْمَاعِيلَ لَوْلاَ
(6/395)

أَنَّهَا عَجِلَتْ لَكَانَ زَمْزَمُ عَيْنًا مَعِينًا".
3363- قَالَ الأَنْصَارِيُّ حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ أَمَّا كَثِيرُ بْنُ كَثِيرٍ فَحَدَّثَنِي قَالَ إِنِّي وَعُثْمَانَ بْنَ أَبِي سُلَيْمانَ جُلُوسٌ مَعَ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ فَقَالَ مَا هَكَذَا حَدَّثَنِي ابْنُ عَبَّاسٍ وَلَكِنَّهُ قَالَ أَقْبَلَ إِبْرَاهِيمُ بِإِسْمَاعِيلَ وَأُمِّهِ عَلَيْهِمْ السَّلاَم وَهِيَ تُرْضِعُهُ مَعَهَا شَنَّةٌ لَمْ يَرْفَعْهُ ثُمَّ جَاءَ بِهَا إِبْرَاهِيمُ وَبِابْنِهَا إِسْمَاعِيلَ".
3364- حَدَّثَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ أَيُّوبَ السَّخْتِيَانِيِّ وَكَثِيرِ بْنِ كَثِيرِ بْنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ أَبِي وَدَاعَةَ يَزِيدُ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَوَّلَ مَا اتَّخَذَ النِّسَاءُ الْمِنْطَقَ مِنْ قِبَلِ أُمِّ إِسْمَاعِيلَ اتَّخَذَتْ مِنْطَقًا لَتُعَفِّيَ أَثَرَهَا عَلَى سَارَةَ ثُمَّ جَاءَ بِهَا إِبْرَاهِيمُ وَبِابْنِهَا إِسْمَاعِيلَ وَهِيَ تُرْضِعُهُ حَتَّى وَضَعَهُمَا عِنْدَ الْبَيْتِ عِنْدَ دَوْحَةٍ فَوْقَ زَمْزَمَ فِي أَعْلَى الْمَسْجِدِ وَلَيْسَ بِمَكَّةَ يَوْمَئِذٍ أَحَدٌ وَلَيْسَ بِهَا مَاءٌ فَوَضَعَهُمَا هُنَالِكَ وَوَضَعَ عِنْدَهُمَا جِرَابًا فِيهِ تَمْرٌ وَسِقَاءً فِيهِ مَاءٌ ثُمَّ قَفَّى إِبْرَاهِيمُ مُنْطَلِقًا فَتَبِعَتْهُ أُمُّ إِسْمَاعِيلَ فَقَالَتْ يَا إِبْرَاهِيمُ أَيْنَ تَذْهَبُ وَتَتْرُكُنَا بِهَذَا الْوَادِي الَّذِي لَيْسَ فِيهِ إِنْسٌ وَلاَ شَيْءٌ فَقَالَتْ لَهُ ذَلِكَ مِرَارًا وَجَعَلَ لاَ يَلْتَفِتُ إِلَيْهَا فَقَالَتْ لَهُ أَاللَّهُ الَّذِي أَمَرَكَ بِهَذَا قَالَ نَعَمْ قَالَتْ إِذَنْ لاَ يُضَيِّعُنَا ثُمَّ رَجَعَتْ فَانْطَلَقَ إِبْرَاهِيمُ حَتَّى إِذَا كَانَ عِنْدَ الثَّنِيَّةِ حَيْثُ لاَ يَرَوْنَهُ اسْتَقْبَلَ بِوَجْهِهِ الْبَيْتَ ثُمَّ دَعَا بِهَؤُلاَءِ الْكَلِمَاتِ وَرَفَعَ يَدَيْهِ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ حَتَّى بَلَغَ يَشْكُرُونَ وَجَعَلَتْ أُمُّ إِسْمَاعِيلَ تُرْضِعُ إِسْمَاعِيلَ وَتَشْرَبُ مِنْ ذَلِكَ الْمَاءِ حَتَّى إِذَا نَفِدَ مَا فِي السِّقَاءِ عَطِشَتْ وَعَطِشَ ابْنُهَا وَجَعَلَتْ تَنْظُرُ إِلَيْهِ يَتَلَوَّى أَوْ قَالَ يَتَلَبَّطُ فَانْطَلَقَتْ كَرَاهِيَةَ أَنْ تَنْظُرَ إِلَيْهِ فَوَجَدَتْ الصَّفَا أَقْرَبَ جَبَلٍ فِي الأَرْضِ يَلِيهَا فَقَامَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ اسْتَقْبَلَتْ الْوَادِيَ تَنْظُرُ هَلْ تَرَى أَحَدًا فَلَمْ تَرَ أَحَدًا فَهَبَطَتْ مِنْ الصَّفَا حَتَّى إِذَا بَلَغَتْ الْوَادِيَ رَفَعَتْ طَرَفَ دِرْعِهَا ثُمَّ سَعَتْ سَعْيَ الإِنْسَانِ الْمَجْهُودِ حَتَّى جَاوَزَتْ الْوَادِيَ ثُمَّ أَتَتْ الْمَرْوَةَ فَقَامَتْ عَلَيْهَا وَنَظَرَتْ هَلْ تَرَى أَحَدًا فَلَمْ تَرَ أَحَدًا فَفَعَلَتْ ذَلِكَ سَبْعَ مَرَّاتٍ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ قال النبي صلى الله عليه وسلم: "فَذَلِكَ سَعْيُ النَّاسِ بَيْنَهُمَا فَلَمَّا أَشْرَفَتْ عَلَى الْمَرْوَةِ سَمِعَتْ صَوْتًا فَقَالَتْ صَهٍ تُرِيدُ نَفْسَهَا ثُمَّ تَسَمَّعَتْ فَسَمِعَتْ أَيْضًا فَقَالَتْ قَدْ أَسْمَعْتَ إِنْ كَانَ عِنْدَكَ غِوَاثٌ فَإِذَا هِيَ بِالْمَلَكِ عِنْدَ مَوْضِعِ زَمْزَمَ فَبَحَثَ بِعَقِبِهِ أَوْ قَالَ بِجَنَاحِهِ حَتَّى ظَهَرَ الْمَاءُ فَجَعَلَتْ تُحَوِّضُهُ وَتَقُولُ بِيَدِهَا هَكَذَا وَجَعَلَتْ تَغْرِفُ مِنْ الْمَاءِ فِي سِقَائِهَا وَهُوَ يَفُورُ بَعْدَ مَا تَغْرِفُ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ قال النبي صلى الله عليه وسلم: "يَرْحَمُ اللَّهُ أُمَّ إِسْمَاعِيلَ لَوْ تَرَكَتْ زَمْزَمَ أَوْ قَالَ لَوْ لَمْ تَغْرِفْ مِنْ الْمَاءِ لَكَانَتْ زَمْزَمُ عَيْنًا مَعِينًا قَالَ فَشَرِبَتْ وَأَرْضَعَتْ وَلَدَهَا فَقَالَ لَهَا الْمَلَكُ لاَ تَخَافُوا الضَّيْعَةَ فَإِنَّ هَا هُنَا بَيْتَ اللَّهِ
(6/396)

يَبْنِي هَذَا الْغُلاَمُ وَأَبُوهُ وَإِنَّ اللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَهْلَهُ وَكَانَ الْبَيْتُ مُرْتَفِعًا مِنْ الأَرْضِ كَالرَّابِيَةِ تَأْتِيهِ السُّيُولُ فَتَأْخُذُ عَنْ يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ فَكَانَتْ كَذَلِكَ حَتَّى مَرَّتْ بِهِمْ رُفْقَةٌ مِنْ جُرْهُمَ أَوْ أَهْلُ بَيْتٍ مِنْ جُرْهُمَ مُقْبِلِينَ مِنْ طَرِيقِ كَدَاءٍ فَنَزَلُوا فِي أَسْفَلِ مَكَّةَ فَرَأَوْا طَائِرًا عَائِفًا فَقَالُوا إِنَّ هَذَا الطَّائِرَ لَيَدُورُ عَلَى مَاءٍ لَعَهْدُنَا بِهَذَا الْوَادِي وَمَا فِيهِ مَاءٌ فَأَرْسَلُوا جَرِيًّا أَوْ جَرِيَّيْنِ فَإِذَا هُمْ بِالْمَاءِ فَرَجَعُوا فَأَخْبَرُوهُمْ بِالْمَاءِ فَأَقْبَلُوا قَالَ وَأُمُّ إِسْمَاعِيلَ عِنْدَ الْمَاءِ فَقَالُوا أَتَأْذَنِينَ لَنَا أَنْ نَنْزِلَ عِنْدَكِ فَقَالَتْ نَعَمْ وَلَكِنْ لاَ حَقَّ لَكُمْ فِي الْمَاءِ قَالُوا نَعَمْ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "فَأَلْفَى ذَلِكَ أُمَّ إِسْمَاعِيلَ وَهِيَ تُحِبُّ الإِنْسَ فَنَزَلُوا وَأَرْسَلُوا إِلَى أَهْلِيهِمْ فَنَزَلُوا مَعَهُمْ حَتَّى إِذَا كَانَ بِهَا أَهْلُ أَبْيَاتٍ مِنْهُمْ وَشَبَّ الْغُلاَمُ وَتَعَلَّمَ الْعَرَبِيَّةَ مِنْهُمْ وَأَنْفَسَهُمْ وَأَعْجَبَهُمْ حِينَ شَبَّ فَلَمَّا أَدْرَكَ زَوَّجُوهُ امْرَأَةً مِنْهُمْ وَمَاتَتْ أُمُّ إِسْمَاعِيلَ فَجَاءَ إِبْرَاهِيمُ بَعْدَمَا تَزَوَّجَ إِسْمَاعِيلُ يُطَالِعُ تَرِكَتَهُ فَلَمْ يَجِدْ إِسْمَاعِيلَ فَسَأَلَ امْرَأَتَهُ عَنْهُ فَقَالَتْ خَرَجَ يَبْتَغِي لَنَا ثُمَّ سَأَلَهَا عَنْ عَيْشِهِمْ وَهَيْئَتِهِمْ فَقَالَتْ نَحْنُ بِشَرٍّ نَحْنُ فِي ضِيقٍ وَشِدَّةٍ فَشَكَتْ إِلَيْهِ قَالَ فَإِذَا جَاءَ زَوْجُكِ فَاقْرَئِي عَلَيْهِ السَّلاَمَ وَقُولِي لَهُ يُغَيِّرْ عَتَبَةَ بَابِهِ فَلَمَّا جَاءَ إِسْمَاعِيلُ كَأَنَّهُ آنَسَ شَيْئًا فَقَالَ هَلْ جَاءَكُمْ مِنْ أَحَدٍ قَالَتْ نَعَمْ جَاءَنَا شَيْخٌ كَذَا وَكَذَا فَسَأَلَنَا عَنْكَ فَأَخْبَرْتُهُ وَسَأَلَنِي كَيْفَ عَيْشُنَا فَأَخْبَرْتُهُ أَنَّا فِي جَهْدٍ وَشِدَّةٍ قَالَ فَهَلْ أَوْصَاكِ بِشَيْءٍ قَالَتْ نَعَمْ أَمَرَنِي أَنْ أَقْرَأَ عَلَيْكَ السَّلاَمَ وَيَقُولُ غَيِّرْ عَتَبَةَ بَابِكَ قَالَ ذَاكِ أَبِي وَقَدْ أَمَرَنِي أَنْ أُفَارِقَكِ الْحَقِي بِأَهْلِكِ فَطَلَّقَهَا وَتَزَوَّجَ مِنْهُمْ أُخْرَى فَلَبِثَ عَنْهُمْ إِبْرَاهِيمُ مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ أَتَاهُمْ بَعْدُ فَلَمْ يَجِدْهُ فَدَخَلَ عَلَى امْرَأَتِهِ فَسَأَلَهَا عَنْهُ فَقَالَتْ خَرَجَ يَبْتَغِي لَنَا قَالَ كَيْفَ أَنْتُمْ وَسَأَلَهَا عَنْ عَيْشِهِمْ وَهَيْئَتِهِمْ فَقَالَتْ نَحْنُ بِخَيْرٍ وَسَعَةٍ وَأَثْنَتْ عَلَى اللَّهِ فَقَالَ مَا طَعَامُكُمْ قَالَتْ اللَّحْمُ قَالَ فَمَا شَرَابُكُمْ قَالَتْ الْمَاءُ قَالَ اللَّهُمَّ بَارِكْ لَهُمْ فِي اللَّحْمِ وَالْمَاءِ قال النبي صلى الله عليه وسلم: "وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ يَوْمَئِذٍ حَبٌّ وَلَوْ كَانَ لَهُمْ دَعَا لَهُمْ فِيهِ قَالَ فَهُمَا لاَ يَخْلُو عَلَيْهِمَا أَحَدٌ بِغَيْرِ مَكَّةَ إِلاَّ لَمْ يُوَافِقَاهُ قَالَ فَإِذَا جَاءَ زَوْجُكِ فَاقْرَئِي عَلَيْهِ السَّلاَمَ وَمُرِيهِ يُثْبِتُ عَتَبَةَ بَابِهِ فَلَمَّا جَاءَ إِسْمَاعِيلُ قَالَ هَلْ أَتَاكُمْ مِنْ أَحَدٍ قَالَتْ نَعَمْ أَتَانَا شَيْخٌ حَسَنُ الْهَيْئَةِ وَأَثْنَتْ عَلَيْهِ فَسَأَلَنِي عَنْكَ فَأَخْبَرْتُهُ فَسَأَلَنِي كَيْفَ عَيْشُنَا فَأَخْبَرْتُهُ أَنَّا بِخَيْرٍ قَالَ فَأَوْصَاكِ بِشَيْءٍ قَالَتْ نَعَمْ هُوَ يَقْرَأُ عَلَيْكَ السَّلاَمَ وَيَأْمُرُكَ أَنْ تُثْبِتَ عَتَبَةَ بَابِكَ قَالَ ذَاكِ أَبِي وَأَنْتِ الْعَتَبَةُ أَمَرَنِي أَنْ أُمْسِكَكِ ثُمَّ لَبِثَ عَنْهُمْ مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ جَاءَ بَعْدَ ذَلِكَ وَإِسْمَاعِيلُ يَبْرِي نَبْلًا لَهُ تَحْتَ دَوْحَةٍ قَرِيبًا مِنْ زَمْزَمَ فَلَمَّا رَآهُ قَامَ إِلَيْهِ فَصَنَعَا كَمَا يَصْنَعُ الْوَالِدُ بِالْوَلَدِ وَالْوَلَدُ بِالْوَالِدِ ثُمَّ قَالَ يَا إِسْمَاعِيلُ إِنَّ اللَّهَ أَمَرَنِي بِأَمْرٍ قَالَ فَاصْنَعْ مَا أَمَرَكَ رَبُّكَ قَالَ وَتُعِينُنِي؟ قَالَ: وَأُعِينُكَ. قَالَ:
(6/397)

فَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَنِي أَنْ أَبْنِيَ هَا هُنَا بَيْتًا وَأَشَارَ إِلَى أَكَمَةٍ مُرْتَفِعَةٍ عَلَى مَا حَوْلَهَا قَالَ فَعِنْدَ ذَلِكَ رَفَعَا الْقَوَاعِدَ مِنْ الْبَيْتِ فَجَعَلَ إِسْمَاعِيلُ يَأْتِي بِالْحِجَارَةِ وَإِبْرَاهِيمُ يَبْنِي حَتَّى إِذَا ارْتَفَعَ الْبِنَاءُ جَاءَ بِهَذَا الْحَجَرِ فَوَضَعَهُ لَهُ فَقَامَ عَلَيْهِ وَهُوَ يَبْنِي وَإِسْمَاعِيلُ يُنَاوِلُهُ الْحِجَارَةَ وَهُمَا يَقُولاَنِ: {رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} قَالَ فَجَعَلاَ يَبْنِيَانِ حَتَّى يَدُورَا حَوْلَ الْبَيْتِ وَهُمَا يَقُولاَنِ: {رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}.
3365- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَمْرٍو قَالَ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ نَافِعٍ عَنْ كَثِيرِ بْنِ كَثِيرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ لَمَّا كَانَ بَيْنَ إِبْرَاهِيمَ وَبَيْنَ أَهْلِهِ مَا كَانَ خَرَجَ بِإِسْمَاعِيلَ وَأُمِّ إِسْمَاعِيلَ وَمَعَهُمْ شَنَّةٌ فِيهَا مَاءٌ فَجَعَلَتْ أُمُّ إِسْمَاعِيلَ تَشْرَبُ مِنْ الشَّنَّةِ فَيَدِرُّ لَبَنُهَا عَلَى صَبِيِّهَا حَتَّى قَدِمَ مَكَّةَ فَوَضَعَهَا تَحْتَ دَوْحَةٍ ثُمَّ رَجَعَ إِبْرَاهِيمُ إِلَى أَهْلِهِ فَاتَّبَعَتْهُ أُمُّ إِسْمَاعِيلَ حَتَّى لَمَّا بَلَغُوا كَدَاءً نَادَتْهُ مِنْ وَرَائِهِ يَا إِبْرَاهِيمُ إِلَى مَنْ تَتْرُكُنَا قَالَ إِلَى اللَّهِ قَالَتْ رَضِيتُ بِاللَّهِ قَالَ فَرَجَعَتْ فَجَعَلَتْ تَشْرَبُ مِنْ الشَّنَّةِ وَيَدِرُّ لَبَنُهَا عَلَى صَبِيِّهَا حَتَّى لَمَّا فَنِيَ الْمَاءُ قَالَتْ لَوْ ذَهَبْتُ فَنَظَرْتُ لَعَلِّي أُحِسُّ أَحَدًا قَالَ فَذَهَبَتْ فَصَعِدَتْ الصَّفَا فَنَظَرَتْ وَنَظَرَتْ هَلْ تُحِسُّ أَحَدًا فَلَمْ تُحِسَّ أَحَدًا فَلَمَّا بَلَغَتْ الْوَادِيَ سَعَتْ وَأَتَتْ الْمَرْوَةَ فَفَعَلَتْ ذَلِكَ أَشْوَاطًا ثُمَّ قَالَتْ لَوْ ذَهَبْتُ فَنَظَرْتُ مَا فَعَلَ تَعْنِي الصَّبِيَّ فَذَهَبَتْ فَنَظَرَتْ فَإِذَا هُوَ عَلَى حَالِهِ كَأَنَّهُ يَنْشَغُ لِلْمَوْتِ فَلَمْ تُقِرَّهَا نَفْسُهَا فَقَالَتْ لَوْ ذَهَبْتُ فَنَظَرْتُ لَعَلِّي أُحِسُّ أَحَدًا فَذَهَبَتْ فَصَعِدَتْ الصَّفَا فَنَظَرَتْ وَنَظَرَتْ فَلَمْ تُحِسَّ أَحَدًا حَتَّى أَتَمَّتْ سَبْعًا ثُمَّ قَالَتْ لَوْ ذَهَبْتُ فَنَظَرْتُ مَا فَعَلَ فَإِذَا هِيَ بِصَوْتٍ فَقَالَتْ أَغِثْ إِنْ كَانَ عِنْدَكَ خَيْرٌ فَإِذَا جِبْرِيلُ قَالَ فَقَالَ بِعَقِبِهِ هَكَذَا وَغَمَزَ عَقِبَهُ عَلَى الأَرْضِ قَالَ فَانْبَثَقَ الْمَاءُ فَدَهَشَتْ أُمُّ إِسْمَاعِيلَ فَجَعَلَتْ تَحْفِزُ قَالَ فَقَالَ أَبُو الْقَاسِمِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَوْ تَرَكَتْهُ كَانَ الْمَاءُ ظَاهِرًا قَالَ فَجَعَلَتْ تَشْرَبُ مِنْ الْمَاءِ وَيَدِرُّ لَبَنُهَا عَلَى صَبِيِّهَا قَالَ فَمَرَّ نَاسٌ مِنْ جُرْهُمَ بِبَطْنِ الْوَادِي فَإِذَا هُمْ بِطَيْرٍ كَأَنَّهُمْ أَنْكَرُوا ذَاكَ وَقَالُوا مَا يَكُونُ الطَّيْرُ إِلاَّ عَلَى مَاءٍ فَبَعَثُوا رَسُولَهُمْ فَنَظَرَ فَإِذَا هُمْ بِالْمَاءِ فَأَتَاهُمْ فَأَخْبَرَهُمْ فَأَتَوْا إِلَيْهَا فَقَالُوا يَا أُمَّ إِسْمَاعِيلَ أَتَأْذَنِينَ لَنَا أَنْ نَكُونَ مَعَكِ أَوْ نَسْكُنَ مَعَكِ فَبَلَغَ ابْنُهَا فَنَكَحَ فِيهِمْ امْرَأَةً قَالَ ثُمَّ إِنَّهُ بَدَا لِإِبْرَاهِيمَ فَقَالَ لِأَهْلِهِ إِنِّي مُطَّلِعٌ تَرِكَتِي قَالَ فَجَاءَ فَسَلَّمَ فَقَالَ أَيْنَ إِسْمَاعِيلُ فَقَالَتْ امْرَأَتُهُ ذَهَبَ يَصِيدُ قَالَ قُولِي لَهُ إِذَا جَاءَ غَيِّرْ عَتَبَةَ بَابِكَ فَلَمَّا جَاءَ أَخْبَرَتْهُ قَالَ أَنْتِ ذَاكِ فَاذْهَبِي إِلَى أَهْلِكِ قَالَ ثُمَّ إِنَّهُ بَدَا لِإِبْرَاهِيمَ فَقَالَ لِأَهْلِهِ إِنِّي مُطَّلِعٌ تَرِكَتِي قَالَ فَجَاءَ فَقَالَ أَيْنَ إِسْمَاعِيلُ فَقَالَتْ امْرَأَتُهُ ذَهَبَ يَصِيدُ فَقَالَتْ أَلاَ تَنْزِلُ
(6/398)

فَتَطْعَمَ وَتَشْرَبَ؟ فَقَالَ: وَمَا طَعَامُكُمْ وَمَا شَرَابُكُمْ؟ قَالَتْ: طَعَامُنَا اللَّحْمُ وَشَرَابُنَا الْمَاءُ. قَالَ: اللَّهُمَّ بَارِكْ لَهُمْ فِي طَعَامِهِمْ وَشَرَابِهِمْ قَالَ فَقَالَ أَبُو الْقَاسِمِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَرَكَةٌ بِدَعْوَةِ إِبْرَاهِيمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِمَا وَسَلَّمَ قَالَ ثُمَّ إِنَّهُ بَدَا لِإِبْرَاهِيمَ فَقَالَ لِأَهْلِهِ إِنِّي مُطَّلِعٌ تَرِكَتِي فَجَاءَ فَوَافَقَ إِسْمَاعِيلَ مِنْ وَرَاءِ زَمْزَمَ يُصْلِحُ نَبْلًا لَهُ فَقَالَ يَا إِسْمَاعِيلُ إِنَّ رَبَّكَ أَمَرَنِي أَنْ أَبْنِيَ لَهُ بَيْتًا قَالَ أَطِعْ رَبَّكَ قَالَ إِنَّهُ قَدْ أَمَرَنِي أَنْ تُعِينَنِي عَلَيْهِ قَالَ إِذَنْ أَفْعَلَ أَوْ كَمَا قَالَ قَالَ فَقَامَا فَجَعَلَ إِبْرَاهِيمُ يَبْنِي وَإِسْمَاعِيلُ يُنَاوِلُهُ الْحِجَارَةَ وَيَقُولاَنِ: {رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} قَالَ: حَتَّى ارْتَفَعَ الْبِنَاءُ وَضَعُفَ الشَّيْخُ عَنْ نَقْلِ الْحِجَارَةِ فَقَامَ عَلَى حَجَرِ الْمَقَامِ فَجَعَلَ يُنَاوِلُهُ الْحِجَارَةَ وَيَقُولاَنِ: {رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}.
"تنبيه": وقع في رواية الحموي والكشميهني قبل حديث أبي هريرة هذا(1) ما صورته "يزفون النسلان في المشي" وفي رواية المستملي والباقين "باب" بغير ترجمة، وسقط ذلك من رواية النسفي، ووهم من وقع عنده "باب يزفون النسلان" فإنه كلام لا معنى له، والذي يظهر ترجيح ما وقع عند المستملي، وقوله: "باب" بغير ترجمة يقع عندهم كالفصل من الباب، وتعلقه بما قبله واضح فإن الكل من ترجمة إبراهيم، وأما تفسير هذه الكلمة من القرآن فإنها من جملة قصة إبراهيم عليه السلام مع قومه حين كسر أصنامهم قال الله تعالى: {فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ} قال مجاهد: الوزيف النسلان أخرجه الطبري وابن أبي حاتم من طريق السدي قال: "رجع إبراهيم عليه السلام إلى آلهتهم فإذا هي في بهو عظيم مستقبل باب البهو صنم عظيم إلى جنبه أصغر منه بعضها إلى جنب بعض، فإذا هم قد جعلوا طعاما بين يدي الأصنام وقالوا: إذا رجعنا وحدنا الآلهة بركت في طعامنا فأكلنا، فلما نظر إليهم إبراهيم قال: {أَلا تَأْكُلُونَ؟ مَا لَكُمْ لا تَنْطِقُونَ} فأخذ حديدة فبقر كل صنم في حافتيه ثم علق الفأس في الصنم الأكبر ثم خرج، فلما رجعوا جمعوا لإبراهيم الحطب حتى أن المرأة لتمرض فتقول لئن عافاني الله لأجمعن لإبراهيم حطبا. فلما جمعوا له وأكثروا من الحطب وأرادوا إحراقه قالت السماء والأرض والجبال والملائكة: ربنا خليلك إبراهيم يحرق؟ قال: أنا أعلم به، وإن دعاكم فأغيثوه. فقال إبراهيم: اللهم أنت الواحد في السماء وأنا الواحد في الأرض ليس أحد في الأرض يعبدك غيري، حسبي الله ونعم الوكيل" انتهى. وأظن البخاري إن كانت الترجمة محفوظة أشار إلى هذا القدر فإنه يناسب قولهم في حديث الشفاعة "أنت خليل الله من الأرض". قوله: "عن عبد الله بن سعيد بن جبير" وقع في رواية ابن السكن والإسماعيلي من طريق حجاج بن الشاعر عن وهب بن جرير زيادة "أبي بن كعب"، ورواه النسائي عن أحمد بن سعيد شيخ البخاري بإسقاط عبد الله بن سعيد بن جبير وزيادة أبي بن كعب، قال النسائي: قال أحمد بن سعيد قال وهب وحدثنا حماد بن زيد عن أيوب عن عبد الله بن سعيد بن جبير عن أبيه ولم يذكر أبي بن كعب، فوضح أن وهب بن جرير كان إذا رواه عن أبيه لم يذكر عبد الله بن سعيد وذكر أبي بن كعب، وإذا رواه عن حماد بن زيد ذكر عبد الله بن سعيد ولم يذكر أبي بن كعب. وفي رواية النسائي أيضا: "قال وهب بن جرير أتيت سلام بن كعب" وفي رواية النسائي أيضا: "قال وهب بن جرير أتيت سلام بن أبي مطيع فحدثته بهذا عن حماد بن زيد فأنكره إنكارا شديدا ثم قال لي: فأبوك ما يقول؟ قلت: يقول عن أيوب عن سعيد بن حبير، فقال: قد غلط، إنما هو أيوب عن عكرمة بن خالد" انتهى. وليس ببعيد أن يكون لأيوب فيه عدة طرق، فإن إسماعيل بن علية من كبار الحفاظ وقد قال فيه: "عن أيوب نبئت عن سعيد بن جبير عن ابن عباس" ولم
ـــــــ
(1) أي الذي برقم 3361 في أول هذا الباب
(6/399)

يذكر أبيا، وهو مما يؤيد رواية البخاري، أخرجه الإسماعيلي من وجهين عن إسماعيل أحدهما هكذا والآخر قال فيه: "عن أيوب عن عبد الله ابن سعيد بن جبير" وقد رواه معمر عن أيوب عن سعيد بن جبير بلا واسطة كما أخرجه البخاري كما ترى، وقد عاب الإسماعيلي على البخاري إخراجه رواية أيوب لاضطرابها، والذي يظهر أن اعتماد البخاري في سياق الحديث إنما هو على رواية معمر عن كثير بن كثير عن سعيد بن جبير، وإن كان أخرجه مقرونا بأيوب فرواية أيوب إما عن سعيد بن جبير بلا واسطة أو بواسطة ولده عبد الله. ولا يستلزم ذلك قدحا لثقة الجميع، فظهر أنه اختلاف لا يضر لأنه يدور على ثقات حفاظ: إن كان بإثبات عبد الله بن سعيد بن جبير وأبي بن كعب فلا كلام، وإن كان بإسقاطهما فأيوب قد سمع من سعيد بن جبير، وأما ابن عباس فإن كان لم يسمعه من النبي صلى الله عليه وسلم فهو من مرسل الصحابة ولم يعتمد البخاري على هذا الإسناد الخالص كما ترى. وقد سبق إلى الاعتذار عن البخاري ورد كلام الإسماعيلي بنحو هذا الحافظ أبو علي الجياني في "تقييد المهمل". وقوله: "وقال الأنصاري حدثنا ابن جريج قال أما كثير بن كثير فحدثني قال إني وعثمان بن أبي سليمان جلوس مع سعيد بن جبير فقال: ما هكذا حدثني ابن عباس، ولكنه قال: أقبل إبراهيم بإسماعيل وأمه عليهم السلام وهي ترضعه معها شنة، لم يرفعه" انتهى. هكذا ساقه مختصرا معلقا، وقد وصله أبو نعيم في "المستخرج" عن فاروق الخطابي عن عبد العزيز بن معاوية عن الأنصاري وهو محمد بن عبد الله، لكنه أورده مختصرا أيضا، وكذلك أخرجه عمر بن شبة في "كتاب مكة" عن محمد بن عبد الله الأنصاري وزاد في روايته: "إني وعثمان وعمر بن أبي سليمان وعثمان بن حبشي جلوس مع سعيد بن جبير" فكأنه كان عند الأنصاري كذلك. وقد رواه الأزرقي من طريق مسلم بن خالد الزنجي والفاكهي من طريق محمد بن جعشم كلاهما عن ابن جريج فبين فيه سبب قول سعيد بن جبير "ما هكذا حدثني ابن عباس" ولفظه: "عن ابن جريج عن كثير بن كثير قال: كنت أنا وعثمان بن أبي سليمان وعبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين في أناس مع سعيد بن جبير بأعلى المسجد ليلا فقال سعيد بن جبير: سلوني قبل أن لا تروني، فسأله القوم فأكثروا، فكان مما سئل عنه أن قال رجل: أحق ما سمعنا في المقام مقام إبراهيم أن إبراهيم حين جاء من الشام حلف لامرأته أن لا ينزل بمكة حتى يرجع فقربت(1) إليه امرأة إسماعيل المقام فوضع رجله عليه لا ينزل، فقال سعيد بن جبير: ليس هكذا حدثنا ابن عباس ولكن" فساق الحديث بطوله. وأخرجه الفاكهي عن ابن أبي عمر عن عبد الرزاق بلفظ: "فقال: يا معشر الشباب سلوني، فإني قد أوشكت أن أذهب من بين أظهركم. فأكثر الناس مسألته، فقال له رجل: أصلحك الله أرأيت هذا المقام هو كما كنا نتحدث؟ قال: وما كنت تتحدث؟ قال: كنا نقول إن إبراهيم حين جاء عرضت عليه امرأة إسماعيل النزول فأبى أن ينزل فجاءته بذا الحجر فوضعته له، فقال: ليس ذلك" وهكذا أخرجه الإسماعيلي من طرق عن معمر. قوله: "أول ما اتخذ النساء المنطق" بكسر الميم وسكون النون وفتح الطاء هو ما يشد به الوسط، ووقع في رواية ابن جريج النطق بضم النون والطاء وهو جمع منطق، وكان السبب في ذلك أن سارة كانت وهبت هاجر لإبراهيم فحملت منه بإسماعيل، فلما ولدته غارت منها فحلفت لتقطعن منها ثلاثة أعضاء فاتخذت هاجر منطقا فشدت به وسطها وهربت وجرت ذيلها لتخفي أثرها على سارة، ويقال إن إبراهيم شفع
ـــــــ
(1) في هامش طبعة بولاق: في نسخة "فقدمت".
(6/400)

فيها وقال لسارة: حللي يمينك بأن تثقبي أذنيها وتخفضيها وكانت أول من فعل ذلك. ووقع في رواية ابن علية عند الإسماعيلي: "أول ما أحدت العرب جر الذيول عن أم إسماعيل" وذكر الحديث. ويقال إن سارة اشتدت بها الغيرة فخرج إبراهيم بإسماعيل وأمه إلى مكة لذلك. وروى ابن إسحاق عن ابن أبي نجيح عن مجاهد وغيره: "إن الله لما بوأ لإبراهيم مكان البيت خرج بإسماعيل وهو طفل صغير وأمه، قال وحملوا فيما حدثت على البراق". قوله: "حتى وضعهما" في رواية الكشميهني: "فوضعهما". قوله: "عند دوحة" بفتح المهملة وسكون الواو ثم مهملة: الشجرة الكبيرة. قوله: "فوق الزمزم" في رواية الكشميهني: "فوق زمزم" وهو المعروف، وسيأتي شرح أمرها في أوائل السيرة النبوية. قوله: "في أعلى المسجد" أي مكان المسجد، لأنه لم يكن حينئذ بني. قوله: "وسقاء فيه ماء" السقاء بكسر أوله قربة صغيرة. وفي رواية إبراهيم بن نافع عن كثير التي بعد هذه الرواية: "ومعها شنة" بفتح المعجمة وتشديد النون وهي القربة العتيقة. قوله: "ثم قفى إبراهيم" أي ولي راجعا إلى الشام. وفي رواية ابن إسحاق "فانصرف إبراهيم إلى أهله بالشام وترك إسماعيل وأمه عند البيت". قوله: "فتبعته أم إسماعيل" في رواية ابن جريج "فأدركته بكداء" وفي رواية عمر بن شبة من طريق عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير أنها "نادته ثلاثا فأجابها في الثالثة، فقالت له: من أمرك بهذا؟ قال: الله". قوله: "إذن لا يضيعنا" في رواية عطاء بن السائب "فقالت لن يضيعنا" وفي رواية ابن جريج "فقالت حسبي" وفي رواية إبراهيم بن نافع عن كثير المذكورة بعد هذا الحديث في الباب: "فقالت رضيت بالله". قوله: "حتى إذا كان عند الثنية" بفتح المثلثة وكسر النون وتشديد التحتانية، وقوله: "من طريق كداء" بفتح الكاف ممدود هو الموضع الذي دخل النبي صلى الله عليه وسلم مكة منه وهو معروف وقد مضى الكلام عليه في الحج، ووقع في رواية الأصيلي: "البنية" بالموحدة بدل المثلثة وهو تصحيف، وضبط ابن الجوزي كدى بالضم والقصر وقال: هي التي بأسفل مكة عند قعيقعان، قال: لأنه وقع في الحديث أنهم نزلوا بأسفل مكة. قلت: وذلك ليس بمانع أن يرجع من أعلى مكة، فالصواب ما وقع في الأصول بفتح الكاف والمد. قوله: "ربنا إني أسكنت من ذريتي" في رواية الكشميهني: "رب إني أسكنت" والأول هو الموافق للتلاوة. قوله: "حتى إذا نفد ما في السقاء عطشت" زاد الفاكهي من حديث أبي جهم "فانقطع لبنها" وفي رواية: "وكان إسماعيل حينئذ ابن سنتين". قوله: "فجعلت تنظر إليه يتلوى أو قال يتلبط" في رواية الكشميهني: "يتلمظ" وهي رواية معمر أيضا، ومعنى يتلبط وهو بموحدة ومهملة يتمرغ ويضرب بنفسه الأرض، ويقرب منها رواية عطاء بن السائب "فلما ظمئ إسماعيل جعل يضرب الأرض بعقبيه" وفي رواية إبراهيم بن نافع "كأنه ينشغ للموت" وهو بفتح الياء وسكون النون وفتح المعجمة بعدها غين معجمة أي يشهق ويعلو صوته وينخفض كالذي ينازع. قوله: "ثم استقبلت الوادي" في رواية عطاء بن السائب "والوادي يومئذ عميق" وفي حديث أبي جهم "تستغيث ربها وتدعوه". قوله: "ثم سعت سعي الإنسان المجهود" أي الذي أصابه الجهد وهو الأمر المشق. قوله: "سبع مرات" في حديث أبي جهم "وكان ذلك أول ما سعي بين الصفا والمروة" وفي رواية إبراهيم بن نافع "أنها كانت في كل مرة تتفقد إسماعيل وتنظر ما حدث له بعدها" وقال في روايته: "فلم تقرها نفسها" وهو بضم أوله وكسر القاف، ونفسها بالرفع الفاعل أي لم تتركها نفسها مستقرة فتشاهده في حال الموت فرجعت، وهذا في المرة الأخيرة. قوله: "فقالت
(6/401)

صه" بفتح المهملة وسكون الهاء وبكسرها منونة، كأنها خاطبت نفسها فقالت لها اسكتي. وفي رواية إبراهيم بن نافع وابن جريج "فقالت أغثني إن كان عندك خير". قوله: "إن كان عندك غواث" بفتح أوله للأكثر وتخفيف الواو وآخره مثلثة، قيل: وليس في الأصوات فعال بفتح أوله غيره، وحكى ابن الأثير ضم أوله والمراد به على هذا المستغيث، وحكى ابن قرقول كسره أيضا والضم رواية أبي ذر وجزاء الشرط محذوف تقديره فأغثني. قوله: "فإذا هي بالملك" في رواية إبراهيم بن نافع وابن جريج فإذا جبريل، وفي حديث علي عند الطبري بإسناد حسن "فناداها جبريل فقال: من أنت؟ قالت: أنا هاجر أم ولد إبراهيم، قال: فإلى من وكلكما؟ قالت: إلى الله. قال: وكلكما إلى كاف". قوله: "فبحث بعقبه، أو قال بجناحه" شك من الراوي. وفي رواية إبراهيم بن نافع "فقال بعقبه هكذا، وغمز عقبه على الأرض" وهي تعين أن ذلك كان بعقبه. وفي رواية ابن جريج "فركض جبريل برجله" وفي حديث علي "ففحص الأرض بإصبعه فنبعت زمزم" وقال ابن إسحاق في روايته: "فزعم العلماء أنهم لم يزالوا يسمعون أنها همزة جبريل". قوله: "حتى ظهر الماء" في رواية ابن جريج "ففاض الماء" وفي رواية ابن نافع "فانبثق الماء" وهي بنون وموحدة ومثلثة وقال أي تفجر. قوله: "فجعلت تحوضه" بحاء مهملة وضاد معجمة وتشديد أي تجعله مثل الحوض. وفي رواية ابن نافع "فدهشت أم إسماعيل فجعلت تحفر" وفي رواية الكشميهني من رواية ابن نافع "تحفن" بنون بدل الراء والأول أصوب، ففي رواية عطاء بن السائب "فجعلت تفحص الأرض بيديها". قوله: "وتقول بيدها هكذا" هو حكاية فعلها، وهذا من إطلاق القول على الفعل، وفي حديث علي "فجعلت تحبس الماء فقال دعيه فإنها رواء". قوله: "لو تركت زمزم، أو قال لو لم تغرف من زمزم" شك من الراوي. وفي رواية ابن نافع "لو تركته" وهذا القدر صرح ابن عباس برفعه عن النبي صلى الله عليه وسلم وفيه إشعار بأن جميع الحديث مرفوع. قوله: "عينا معينا" أي ظاهرا جاريا على وجه الأرض. وفي رواية ابن نافع "كان الماء ظاهرا" فعلى هذا فقوله معينا صفة الماء فلذلك ذكره، ومعين بفتح أوله إن كان من عانه فهو بوزن مفعل وأصله معيون فحذفت الواو، وإن كان من المعين وهو المبالغة في الطلب فهو بوزن فعيل، قال ابن الجوزي: كان ظهور زمزم نعمة من الله محضة بغير عمل عامل، فلما خالطها تحويط هاجر داخلها كسب البشر فقصرت على ذلك فأغنى ذلك عن توجيه تذكير معين، مع أن الموصوف وهو المعين مؤنث. قوله: "لا تخافوا الضيعة" بفتح المعجمة وسكون التحتانية أي الهلاك، وفي حديث أبي جهم "لا تخافي أن ينفد الماء" وفي رواية علي بن الوازع عن أيوب عند الفاكهي "لا تخافي على أهل هذا الوادي ظمأ فإنها عين يشرب بها ضيفان الله" زاد في حديث أبي جهم "فقالت بشرك الله بخير". قوله: "فإن هذا بيت الله" في رواية الكشميهني: "فإن هاهنا بيت الله". قوله: "يبني هذا الغلام" كذا فيه بحذف المفعول. وفي رواية الإسماعيلي: "يبنيه" زاد ابن إسحاق في روايته: "وأشار لها إلى البيت وهو يومئذ مدرة حمراء فقال: هذا بيت الله العتيق، واعلمي أن إبراهيم وإسماعيل يرفعانه". قوله: "وكان البيت مرتفعا من الأرض كالرابية" بالموحدة ثم المثناة، وروى ابن أبي حاتم من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص قال: "لما كان زمن الطوفان رفع البيت، وكان الأنبياء يحجونه ولا يعلمون مكانه حتى بوأه الله لإبراهيم وأعلمه مكانه" وروى البيهقي في "الدلائل" من طريق أخرى عن عبد الله بن عمرو مرفوعا: "بعث الله جبريل إلى آدم فأمره ببناء البيت فبناه آدم، ثم أمره بالطواف به وقيل له أنت أول الناس وهذا أول بيت وضع للناس" وروى عبد الرزاق عن ابن جريج عن عطاء "أن آدم أول من بنى البيت،
(6/402)

وقيل: بنته الملائكة قبله" وعن وهب بن منبه "أول من بناه شيث بن آدم" والأول أثبت، وسيأتي مزيد لذلك آخر شرح هذا الحديث. قوله: "فكانت" أي هاجر "كذلك" أي على الحال الموصوفة، وفيه إشعار بأنها كانت تغتذي بماء زمزم فيكفيها عن الطعام والشراب. قوله: "حتى مرت بهم رفقة" بضم الراء وسكون الفاء ثم قاف وهم الجماعة المختلطون سواء كانوا في سفر أم لا. قوله: "من جرهم" هو ابن قحطان بن عامر بن شالخ بن أرفخشد بن سام بن نوح، وقيل ابن يقطن، قال ابن إسحاق "وكان جرهم وأخوه قطورا أول من تكلم بالعربية عند تبلبل الألسن، وكان رئيس جرهم مضاض بن عمرو ورئيس قطورا السميدع ويطلق على الجميع جرهم" وفي رواية عطاء بن السائب "وكانت جرهم يومئذ بواد قريب من مكة، وقيل: إن أصلهم من العمالقة". قوله: "مقبلين من طريق كداء فنزلوا في أسفل مكة" وقع في جميع الروايات بفتح الكاف والمد، واستشكله بعضهم بأن كداء بالفتح والمد في أعلى مكة، وأما الذي في أسفل مكة فبالضم والقصر، يعني فيكون الصواب هنا بالضم والقصر، وفيه نظر لأنه لا مانع أن يدخلوها من الجهة العليا وينزلوا من الجهة السفلى. قوله: "فرأوا طائرا عائفا" بالمهملة والفاء هو الذي يحوم على الماء ويتردد ولا يمضي عنه. قوله: "فأرسلوا جريا" بفتح الجيم وكسر الراء وتشديد التحتانية أي رسولا، وقد يطلق على الوكيل وعلى الأجير، قيل: سمي بذلك لأنه يجري مجرى مرسله أو موكله، أو لأنه يجري مسرعا في حوائجه، وقوله: "جريا أو جريين" شك من الراوي "هل أرسلوا واحدا أو اثنين. وفي رواية إبراهيم بن نافع "فأرسلوا رسولا" ويحتمل الزيادة على الواحد ويكون الأفراد باعتبار الجنس لقوله: "فإذا هم بالماء" بصيغة الجمع، ويحتمل أن يكون الإفراد باعتبار المقصود بالإرسال والجمع باعتبار من يتبعه من خادم ونحوه. قوله: "فألفى ذلك" بالفاء أي وجد "أم إسماعيل" بالنصب على المفعولية "وهي تحب الأنس" بضم الهمزة ضد الوحشة، ويجوز الكسر أي تحب جنسها. قوله: "وشب الغلام" أي إسماعيل. وفي حديث أبي جهم "ونشأ إسماعيل بين ولدانهم". قوله: "وتعلم العربية منهم" فيه إشعار بأن لسان أمه وأبيه لم يكن عربيا، وفيه تضعيف لقول من روى أنه أول من تكلم بالعربية، وقد وقع ذلك من حديث ابن عباس عند الحاكم في "المستدرك" بلفظ: "أول من نطق بالعربية إسماعيل" وروى الزبير بن بكار في النسب من حديث علي بإسناد حسن قال: "أول من فتق الله لسانه بالعربية المبينة إسماعيل" وبهذا القيد يجمع بين الخبرين فتكون أوليته في ذلك بحسب الزيادة في البيان لا الأولية المطلقة فيكون بعد تعلمه أصل العربية من جرهم ألهمه الله العربية الفصيحة المبينة فنطق بها، ويشهد لهذا ما حكاه ابن هشام عن الشرقي بن قطامي "إن عربية إسماعيل كانت أفصح من عربية يعرب بن قحطان وبقايا حمير وجرهم" ويحتمل أن تكون الأولية في الحديث مقيدة بإسماعيل بالنسبة إلى بقية إخوته من ولد إبراهيم فإسماعيل أول من نطق بالعربية من ولد إبراهيم. وقال ابن دريد في "كتاب الوشاح" أول من نطق بالعربية يعرب بن قحطان ثم إسماعيل. قلت: وهذا لا يوافق من قال إن العرب كلها من ولد إسماعيل وسيأتي الكلام فيه في أوائل السيرة النبوية. قوله: "وأنفسهم" بفتح الفاء بلفظ أفعل التفضيل من النفاسة أي كثرت رغبتهم فيه، ووقع عند الإسماعيلي: "وأنسهم" بغير فاء من الأنس. وقال الكرماني: أنفسهم أي رغبتهم في مصاهرته لنفاسته عندهم. وقال ابن الأثير: أنفسهم، عطفا على قوله: تعلم العربية أي رغبهم فيه إذ صار نفيسا عندهم. قوله: "زوجوه امرأة منهم" حكى الأزرقي عن ابن إسحاق أن اسمها عمارة بنت سعد بن أسامة، وفي حديث جهم
(6/403)

أنها بنت صدى ولم يسمها، وحكى السهيلي أن اسمها جدي بنت سعد، وعند عمر بن شبة أن اسمها حبي بنت أسعد بن عملق، وعند الفاكهي عن ابن إسحاق أنه خطبها إلى أبيها فزوجها منه. قوله: "وماتت" هاجر أي في خلال ذلك. قوله: "فجاء إبراهيم بعدما تزوج إسماعيل" في رواية عطاء بن السائب "فقدم إبراهيم وقد ماتت هاجر". قوله: "يطالع تركته" بكسر الراء أي يتفقد حال ما تركه هناك، وضبطها بعضهم بالسكون وقال: التركة بالكسر بيض النعام ويقال لها التريكة، قيل لها ذلك لأنها حين تبيض تترك بيضها وتذهب ثم تعود تطلبه فتحضن ما وجدت سواء كان هو أم غيره، وفيها ضرب الشاعر المثل بقوله:
كتاركة بيضها بالعراء ... وحاضنة بيض أخرى صباحا
قال ابن التين: هذا يشعر بأن الذبيح إسحاق لأن المأمور بذبحه كان عندما بلغ السعي، وقد قال في هذا الحديث: "إن إبراهيم ترك إسماعيل رضيعا وعاد إليه وهو متزوج" فلو كان هو المأمور بذبحه لذكر في الحديث أنه عاد إليه في خلال ذلك بين زمان الرضاع والتزويج، وتعقب بأنه ليس في الحديث نفي هذا المجيء، فيحتمل أن يكون جاء وأمر بالذبح ولم يذكر في الحديث. قلت: وقد جاء ذكر مجيئه بين الزمانين في خبر آخر، ففي حديث أبي جهم "كان إبراهيم يزور هاجر كل شهر على البراق يغدو غدوة فيأتي مكة ثم يرجع فيقيل في منزله بالشام" وروى الفاكهي من حديث علي بإسناد حسن نحوه وأن إبراهيم كان يزور إسماعيل وأمه على البراق، فعلى هذا فقوله: "فجاء إبراهيم بعدما تزوج إسماعيل" أي بعد مجيئه قبل ذلك مرارا والله أعلم. قوله: "فقالت خرج يبتغي لنا" أي يطلب لنا الرزق. وفي رواية ابن جريج "وكان عيش إسماعيل الصيد يخرج فيتصيد" وفي حديث أبي جهم "وكان إسماعيل يرعى ماشيته ويخرج متنكبا قوسه فيرمي الصيد" وفي حديث ابن إسحاق "وكانت مسارحه التي يرعى فيها السدرة إلى السر من نواحي مكة". قوله: "ثم سألها عن عيشهم" زاد في رواية عطاء بن السائب "وقال هل عندك ضيافة". قوله: "فقالت: نحن بشر، نحن في ضيق وشدة، فشكت إليه" في حديث أبي جهم "فقال لها: هل من منزل؟ قالت: لا ها الله إذن، قال: فكيف عيشكم؟ قال: فذكرت جهدا فقالت: أما الطعام فلا طعام، وأما الشاء فلا تحلب إلا المصر - أي الشخب - وأما الماء فعلى ما ترى من الغلظ" انتهى. والشخب بفتح المعجمة وسكون الخاء المعجمة ثم موحدة السيلان. قوله: "جاءنا شيخ كذا وكذا" في رواية عطاء بن السائب كالمستخفة بشأنه. قوله: "عتبة بابك" بفتح المهملة والمثناة والموحدة كناية عن المرأة، وسماها بذلك لما فيها من الصفات الموافقة لها وهو حفظ الباب وصون ما هو داخله وكونها محل الوطء. ويستفاد منه أن تغيير عتبة الباب يصح أن يكون من كنايات الطلاق كأن يقول مثلا غيرت عتبة بابي أو عتبة بابي مغيرة وينوي بذلك الطلاق فيقع، أخبرت بذلك عن شيخنا الإمام البلقيني، وتمامه التفريع على شرع من قبلنا إذا حكاه النبي صلى الله عليه وسلم ولم ينكره. قوله: "وتزوج منهم امرأة أخرى" ذكر الواقدي وتبعه المسعودي ثم السهيلي أن اسمها سامة بنت مهلهل بن سعد، وقيل: اسمها عاتكة، ورأيت في نسخة قديمة من "كتاب مكة، لعمر بن شبة" أنها بشامة بنت مهلهل بن سعد بن عوف وهي مضبوطة بشامة بموحدة ثم معجمة خفيفة قال: وقيل اسمها جدة بنت الحارث بن مضاض، وحكى ابن سعد عن ابن إسحاق أن اسمها رعلة بنت مضاض بن عمرو الجرهمية، وعن ابن الكلبي أنها رعلة بنت يشجب بن يعرب بن لوذان بن جرهم، وذكر الدار قطني في "المختلف" أن اسمها السيدة بنت مضاض وحكاه السهيلي أيضا. وفي حديث أبي جهم "ونظر إسماعيل
(6/404)

إلى بنت مضاض بن عمرو فأعجبته فخطبها إلى أبيها فتزوجها" وحكى محمد بن سعد الجواني أن اسمها هالة بنت الحارث وقيل: الحنفاء وقيل سلمى، فحصلنا من اسمها على ثمانية أقوال ومن أبيها على أربعة. قوله: "نحن بخير وسعة" في حديث أبي جهم "نحن في خير عيش بحمد الله، ونحن في لبن كثير ولحم كثير وماء طيب". قوله: "ما طعامكم؟ قالت اللحم، قال: فما شرابكم؟ قالت الماء" في حديث أبي جهم ذكر اللبن مع اللحم والماء. قوله: "اللهم بارك لهم في اللحم والماء" في رواية إبراهيم بن نافع "اللهم بارك لهم في طعامهم وشرابهم، قال قال أبو القاسم صلى الله عليه وسلم بركة بدعوة إبراهيم " وفيه حذف تقديره في طعام أهل مكة وشرابهم بركة. قوله: "فهما لا يخلو عليهما أحد بغير مكة إلا لم يوافقاه" في رواية الكشميهني: "لا يخلوان" بالتثنية. قال ابن القوطية: خلوت بالشيء واختليت إذا لم أخلط به غيره، ويقال أخلى الرجل اللبن إذا لم يشرب غيره. وفي حديث أبي جهم "ليس أحد يخلو على اللحم والماء بغير مكة إلا اشتكى بطنه" وزاد في حديثه وكذا في حديث عطاء بن السائب نحوه "فقالت أنزل رحمك الله فاطعم وأشرب. قال: إني لا أستطيع النزول. قالت: فإني أراك أشعث أفلا أغسل رأسك وأدهنه؟ قال: بلى إن شئت. فجاءته بالمقام، وهو يومئذ أبيض مثل المهاة، وكان في بيت إسماعيل ملقى فوضع قدمه اليمنى وقدم إليها شق رأسه وهو على دابته فغسلت شق رأسه الأيمن، فلما فرغ حولت له المقام حتى وضع قدمه اليسرى وقدم إليها برأسه فغسلت شق رأسه الأيسر، فالأثر الذي في المقام من ذلك ظاهر فيه موضع العقب والأصبع" وعند الفاكهي من وجه آخر عن ابن جريج عن رجل عن سعيد بن جبير عن ابن عباس "إن سارة داخلتها غيرة، قال لها إبراهيم: لا أنزل حتى أرجع إليك" ونحوه في رواية عطاء بن السائب عند عمر بن شبة. قوله: "هل أتاكم من أحد" في رواية عطاء أن السائب "فلما جاء إسماعيل وجد ريح أبيه فقال لامرأته: هل جاءك أحد؟ قالت نعم شيخ أحسن الناس وجها وأطيبهم ريحا". قوله: "يثبت عتبة بابه" زاد في حديث أبي جهم "فإنها صلاح المنزل". قوله: "أن أمسكك" زاد في حديث أبي جهم "ولقد كنت علي كريمة وقد ازددت علي كرامة، فولدت لإسماعيل عشرة ذكور" زاد معمر في روايته: "فسمعت رجلا يقول: كان إبراهيم يأتي على البراق" يعنى في كل مرة. وفي رواية عمر بن شبة "وأعجب إبراهيم بجدة بنت الحارث فدعا لها بالبركة". قوله: "يبري" بفتح أوله وسكون الموحدة، والنبل بفتح النون وسكون الموحدة السهم قبل أن يركب فيه نصله وريشه، وهو السهم العربي. ووقع عند الحاكم من رواية إبراهيم بن نافع في هذا الحديث: "يصلح بيتا له" وكأنه تصحيف، والذي في البخاري هو الموافق لغيرها من الروايات. قوله: "دوحة" هي التي نزل إسماعيل وأمه تحتها أول قدومهما كما تقدم. ووقع في رواية إبراهيم بن نافع من وراء زمزم. قوله: "فصنعا كما يصنع الوالد بالولد والولد بالوالد" يعني من الاعتناق والمصافحة وتقبيل اليد ونحو ذلك. وفي رواية معمر قال سمعت رجلا يقول: بكيا حتى أجابهما الطير، وهذا إن ثبت يدل على أنه تباعد لقاؤهما. قوله: "إن الله أمرني بأمر" في رواية إبراهيم بن نافع "إن ربك أمرني أن أبني له بيتا" ووقع في حديث أبي جهم عند الفاكهي "أن عمر إبراهيم كان يومئذ مائة سنة وعمر إسماعيل ثلاثين سنة". قوله: "وتعينني؟ قال وأعينك" في رواية الكشميهني: "فأعينك" بالفاء. وفي رواية إبراهيم بن نافع "إن الله قد أمرني أن تعينني عليه قال إن أفعل" بنصب اللام قال ابن التين: يحتمل أن يقال أمره الله أن يبني أولا وحده ثم أمره أن يعينه إسماعيل، قال فيكون الحديث الثاني متأخرا بعد الأول. قلت: ولا يخفى تكلفه، بل الجمع بينهما ممكن بأن يكون
(6/405)

أم