باب {يَعْكِفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ} [138 الأعراف].
 
{مُتَبَّرٌ}: خُسْرَانٌ. {وَلِيُتَبِّرُوا}: يُدَمِّرُوا. {مَا عَلَوْا}: مَا غَلَبُوا
3406- حدثنا يحيى بن بكير حدثنا الليث عن يونس عن بن شهاب عن أبي سلمة بن عبد الرحمن أن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: "كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نجني الكباث وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: عليكم بالأسود منه فإنه أطيبه . قالوا أكنت ترعى الغنم؟ قال: وهل من نبي إلا وقد رعاها؟".
[الحديث 3406 – طرفه في: 5453]
قوله: "باب يعكفون على أصنام لهم. متبر خسران، وليتبروا: يدمروا ما علوا ما غلبوا" ثم ساق حديث جابر "كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نجني الكباث، وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: عليكم بالأسود منه فإنه أطيبه، قالوا:
(6/438)

أكنت ترعى الغنم؟ قال: وهل من نبي إلا وقد رعاها" والكباث بفتح الكاف والموحدة الخفيفة وآخره مثلثة هو ثمر الأراك ويقال ذلك للنضيج منه، كذا نقله النووي عن أهل اللغة. وقال أبو عبيد: هو ثمر الأراك إذا يبس وليس له عجم. وقال القزاز: هو الغض من ثمر الأراك، وإنما قال له الصحابة "أكنت ترعى الغنم" لأن في قوله لهم عليكم بالأسود منه دلالة على تمييزه بين أنواعه، والذي يميز بين أنواع ثمر الأراك غالبا من يلازم رعي الغنم على ما ألفوه. وقوله في الترجمة: "باب يعكفون على أصنام لهم" أي تفسير ذلك، والمراد تفسير قوله تعالى: {وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرائيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ} ولم يفسر المؤلف من الآية إلا قوله تعالى فيها: {إِنَّ هَؤُلاءِ مُتَبَّرٌ مَا هُمْ فِيهِ} فقال: إن تفسير متبر خسران، وهذا أخرجه الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال في قوله: {إِنَّ هَؤُلاءِ مُتَبَّرٌ مَا هُمْ فِيهِ} قال: خسران، والخسران تفسير التتبير الذي اشتق منه المتبر. وأما قوله: {وَلِيُتَبِّرُوا} ليدمروا فذكره استطرادا، وهو تفسير قتادة أخرجه الطبري من طريق سعيد عنه في قوله: {وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيراً} قال: ليدمروا ما غلبوا عليه تدميرا. وأما حديث جابر في رعي الغنم فمناسبته للترجمة غير ظاهرة. وقال شيخنا ابن الملقن في شرحه: قال بعض شيوخنا لا مناسية، قال شيخنا: بل هي ظاهرة لدخول عيسى فيمن رعى الغنم، كذا رأيت في النسخة، وكأنه سبق قلم وإنما هو موسى لا عيسى، وهذا مناسب لذكر المتن في أخبار موسى، وأما مناسبة الترجمة للحديث فلا، والذي يهجس في خاطري أنه كان بين التفسير المذكور وبين الحديث بياض أخلي للحديث يدخل في الترجمة ولترجمة تصلح لحديث جابر، ثم وصل ذلك كما في نظائره. ومناسبة حديث جابر لقصص موسى من جهة عموم قوله: "وهل من نبي إلا وقد رعاها؟" فدخل فيه موسى كما أشار إليه شيخنا، بل وقع في بعض طرق هذا الحديث: "ولقد بعث موسى وهو يرعى الغنم" وذلك فيما أخرجه النسائي في التفسير من طريق أبي إسحاق عن نصر بن حزن قال: "افتخر الإبل والشاء، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: بعث موسى وهو راعي غنم" الحديث، ورجال إسناده ثقات، ويؤيد هذا الذي قلت أنه وقع في رواية النسفي "باب" بغير ترجمة وساق فيه حديث جابر ولم يذكر ما قبله، وكأنه حذف الباب الذي فيه التفاسير الموقوفة كما هو الأغلب من عادته واقتصر على الباب الذي فيه الحديث المرفوع، وقد تكلف بعضهم وجه المناسبة - وهو الكرماني - فقال وجه المناسبة بينهما أن بني إسرائيل كانوا مستضعفين جهالا ففضلهم الله على العالمين. وسياق الآية يدل عليه - أي فيما يتعلق ببني إسرائيل - فكذلك الأنبياء كانوا أولا مستضعفين بحيث أنهم كانوا يرعون الغنم انتهى. والذي قاله الأئمة أن الحكمة في رعاية الأنبياء للغنم ليأخذوا أنفسهم بالتواضع، وتعتاد قلوبهم بالخلوة، ويترقوا من سياستها إلى سياسة الأمم، وقد تقدم إيضاح هذا في أوائل الإجارة، ولم يذكر المصنف من الآيات بالعبارة والإشارة إلا قوله: {مُتَبَّرٌ مَا هُمْ فِيهِ} ولا شك أن قوله: {وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ} إنما ذكر بعد هذا فكيف يحمل على أنه أشار إليه دون ما قبله فالمعتمد ما ذكرته. ونقل الكرماني عن الخطابي قال: أراد أن الله لم يضع النبوة في أبناء الدنيا والمترفين منهم، وإنما جعلها في أهل التواضع كرعاة الشاء وأصحاب الحرف. قلت: وهذه أيضا مناسبة للمتن لا لخصوص الترجمة، وقد نقل القطب الحلبي هذا عن الخطابي ثم قال: وينظر في وجه مناسبة هذا الحديث للترجمة.
(6/439)

باب { و إذ قال موسى لقومه إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة }
...