باب {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً} الْآيَةَ [67 البقرة]
 
قَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ: الْعَوَانُ النَّصَفُ بَيْنَ الْبِكْرِ وَالْهَرِمَةِ. {فَاقِعٌ}: صَافٍ. {لاَ ذَلُولٌ}: لَمْ يُذِلَّهَا الْعَمَلُ
(6/439)

{تُثِيرُ الأَرْضَ}: لَيْسَتْ بِذَلُولٍ تُثِيرُ الأَرْضَ وَلاَ تَعْمَلُ فِي الْحَرْثِ. {مُسَلَّمَةٌ}: مِنْ الْعُيُوبِ. {لاَ شِيَةَ}: بَيَاضٌ. {صَفْرَاءُ}: إِنْ شِئْتَ سَوْدَاءُ، وَيُقَالُ صَفْرَاءُ كَقَوْلِهِ {جِمَالاَتٌ صُفْرٌ}. {فَادَّارَأْتُمْ}: اخْتَلَفْتُمْ.
قوله: "باب {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً} الْآيَةَ" لم يذكر فيه سوى شيء من التفسير عن أبي العالية، وقصة البقرة أوردها آدم بن أبي إياس في تفسيره قال: حدثنا أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن أبي العالية في قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً} الْآيَةَ قال: كان رجل من بني إسرائيل غنيا ولم يكن له ولد وكان له قريب وارث فقتله ليرثه ثم ألقاه على مجمع الطريق، وأتى موسى فقال إن قريبي قتل وأتى إلي أمر عظيم، وإني لا أجد أحدا يبين لي قاتله غيرك يا نبي الله، فنادى موسى في الناس: من كان عنده علم من هذا فليبينه، فلم يكن عندهم علم، فأوحى الله إليه: قل لهم فليذبحوا بقرة، فعجبوا وقالوا: كيف نطلب معرفة من قتل هذا القتيل فنؤمر بذبح بقرة؟ وكان ما قصه الله تعالى: {قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لا فَارِضٌ وَلا بِكْرٌ} يعني لا هرمة ولا صغيرة {عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ} أي نصف بين البكر والهرمة {قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا لَوْنُهَا قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا} أي صاف {تسُرُّ النَّاظِرِينَ} أي تعجبهم {قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ} الآية {قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لا ذَلُولٌ} أي لم يذلها العمل {تُثِيرُ الْأَرْضَ} يعني ليست بذلول فتثير الأرض {وَلا تَسْقِي الْحَرْثَ} يقول: ولا تعمل في الحرث {مُسَلَّمَةٌ} أي من العيوب، {لا شِيَةَ فِيهَا} أي لا بياض {قَالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ} قال ولو أن القوم حين أمروا بذبح بقرة استرضوا أي بقرة كانت لأجزأت عنهم، ولكنهم شددوا فشدد عليهم، ولولا أنهم استثنوا فقالوا {وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ} لما اهتدوا إليها أبدا. فبلغنا أنهم لم يجدوها إلا عند عجوز، فأغلت عليهم في الثمن، فقال لهم موسى: أنتم شددتم على أنفسكم فأعطوها ما سألت، فذبحوها، فأخذوا عظما منها فضربوا به القتيل فعاش، فسمى لهم قاتله، ثم مات مكانه فأخذ قاتله، وهو قريبه الذي كان يريد أن يرثه فقتله الله على أسوأ عمله. وأخرج ابن جرير هذه القصة مطولة من طريق العوفي عن ابن عباس، ومن طريق السدي كذلك. وأخرجها هو وابن أبي حاتم وعبد بن حميد بإسناد صحيح عن محمد بن سيرين عن عبيدة بن عمرو السلماني أحد كبار التابعين. وأما قوله: "صفراء: إن شئت سوداء ويقال صفراء كقوله جمالات صفر" فهو قول أبي عبيدة، قال في قوله تعالى: {صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا}: إن شئت صفراء وإن شئت سوداء كقوله: {جِمَالاَتٌ صُفْرٌ} أي سود، والمعنى أن الصفرة يمكن حملها على معناها المشهور وعلى معنى السواد كما في قوله: {جِمَالاَتٌ صُفْرٌ} فإنها فسرت بأنها صفر تضرب إلى سواد. وقد روي عن الحسن أنه أخذ أنها سوداء من قوله: {فَاقِعٌ لَوْنُهَا}. وقوله: {فَادَّارَأْتُمْ} اختلفتم هو قول أبي عبيدة أيضا: وهو من التدارؤ وهو التدافع.
(6/440)

باب وفاة موسى ، و ذكره بعد
...