باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى [12-18 لقمان]: {وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنْ اشْكُرْ لِلَّهِ} إلى قوله: {إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ}. {وَلاَ تُصَعِّرْ} الإِعْرَاضُ بِالْوَجْهِ
 
3428- حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ الأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ لَمَّا نَزَلَتْ {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ} [82 الأنعام] قَالَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيُّنَا لَمْ يَلْبِسْ إِيمَانَهُ بِظُلْمٍ؟ فَنَزَلَتْ [13 لقمان]: {لاَ تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ}.
3429- حدثني إسحاق أخبرنا عيسى بن يونس حدثنا الأعمش عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله رضي الله عنه قال: "لما نزلت {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ} شق ذلك على المسلمين فقالوا يا رسول الله أينا لا يظلم نفسه؟ قال ليس ذلك إنما هو الشرك ألم تسمعوا ما قال لقمان لابنه وهو يعظه {يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ}.
(6/465)

قوله: "باب قول الله تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنْ اشْكُرْ لِلَّهِ} إلى قوله: {إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ}" اختلف في لقمان فقيل كان حبشيا، وقيل: كان نوبيا. واختلف هل كان نبيا؟ قال السهيلي: كان نوبيا من أهل أيلة، واسم أبيه عنقا بن شيرون. وقال غيره هو ابن باعور بن ناحر بن آزر فهو ابن أخي إبراهيم. وذكر وهب في "المبتدأ" أنه كان ابن أخت أيوب، وقيل: ابن خالته. وروى الثوري في تفسيره عن أشعث عن عكرمة عن ابن عباس قال: كان لقمان عبدا حبشيا نجارا. وفي "مصنف ابن أبي شيبة" عن خالد بن ثابت الربعي أحد التابعين مثله، وحكى أبو عبيد البكري في "شرح الأمالي" أنه كان مولى لقوم من الأزد، وروى الطبري من طريق يحيى بن سعيد الأنصاري عن سعيد بن المسيب كان لقمان من سودان مصر ذو مشافر، أعطاه الله الحكمة ومنعه النبوة. وفي "المستدرك" بإسناد صحيح عن أنس قال: كان لقمان عند داود وهو يسرد الدرع، فحصل لقمان يتعجب ويريد أن يسأله عن فائدته فتمنعه حكمته أن يسأل. وهذا صريح في أنه عاصر داود عليه السلام. وقد ذكره ابن الجوزي في "التلقيح" بعد إبراهيم قبل إسماعيل وإسحاق والصحيح أنه كان في زمن داود. وقد أخرج الطبري وغيره عن مجاهد أنه كان قاضيا على بني إسرائيل زمن داود عليه السلام، وقيل: إنه عاش ألف سنة، نقل عن ابن إسحاق وهو غلط ممن قاله، وكأنه اختلط عليه بلقمان بن عاد وقيل: إنه كان يفتي قبل بعث داود، وأغرب الواقدي فزعم أنه كان بين عيسى ونبينا عليهما الصلاة والسلام، وشبهته ما حكاه أبو عبيدة البكري أنه كان عبدا لبني الحسحاس بن الأزد والأكثر أنه كان صالحا. قال شعبة عن الحكم عن مجاهد كان صالحا ولم يكن نبيا، وقيل: كان نبيا أخرجه ابن أبي حاتم وابن جرير من طريق إسرائيل عن جابر عن عكرمة. قلت: وجابر هو الجعفي ضعيف، ويقال إن عكرمة تفرد بقوله كان نبيا، وقيل: كان لرجل من بني إسرائيل فأعتقه وأعطاه مالا يتجر فيه. وروى ابن أبي حاتم من طريق سعيد بن بشير عن قتادة أن لقمان خير بين الحكمة والنبوة فاختار الحكمة، فسئل عن ذلك فقال: خفت أن أضعف عن حمل أعباء النبوة. وفي سعيد بن بشير ضعف، وقد روى سعيد بن أبي عروبة عن قتادة في قوله تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ} قال التفقه في الدين ولم يكن نبيا، وقد تقدم تفسير المراد بالحكمة في أوائل كتاب العلم في شرح حديث ابن عباس "اللهم علمه الحكمة" وقيل كان خياطا وقيل: نجارا. وقوله: "وإذ قال لقمان لابنه" قال السهيلي: اسم ابنه باران بموحدة وراء مهملة، وقيل فيه بالدال في أوله، وقيل: اسمه أنعم، وقيل: شكور وقيل بابلي. قوله: "ولا تصعر: الإعراض بالوجه" هو تفسير لقوله تعالى: {وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ} وهو تفسير عكرمة أورده عنه الطبري، وأورد من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله: "ولا تصعر خدك للناس": لا تتكبر عليهم، قال الطبري: أصل الصعر - يعني بالمهملتين - داء يأخذ الإبل في أعناقها حتى تلفت أعناقها عن رءوسها، فيشبه به الرجل المتكبر المعرض عن الناس انتهى. وقوله: "تصعر" هي قراءة عاصم وابن كثير وأبي جعفر. وقال أبو عبيدة في "القراآت" له: حدثنا هشيم عن يونس عن الحسن أنه قرأها كذلك وقرأها الباقون "تصاعر" قال أبو عبيدة والأول أحب إلي لما في الثانية من المفاعلة، والغالب أنه من اثنين، وتكون الأولى أشمل في اجتناب ذلك. وقال الطبري: القراءتان مشهورتان ومعناهما صحيح والله أعلم. حديث ابن مسعود في نزول قوله تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ} وسيأتي شرحه في تفسير الأنعام أورده من وجهين، وإسحاق شيخه في الطريق الثانية هو ابن راهويه وبذلك جزم أبو نعيم في "المستخرج".
(6/466)

باب { و اضرب لهم مثلا أصحاب القرية } الآية
...