باب [42 آل عمران]: {وَإِذْ قَالَتْ الْمَلاَئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ . يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ . ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلاَمَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ}. يُقَالُ: {يَكْفُلُ}: يَضُمُّ كَفَلَهَا ضَمَّهَا مُخَفَّفَةً لَيْسَ مِنْ كَفَالَةِ الدُّيُونِ وَشِبْهِهَا
 
3432- حَدَّثَنِي أَحْمَدُ ابْنُ أَبِي رَجَاءٍ حَدَّثَنَا النَّضْرُ عَنْ هِشَامٍ قَالَ أَخْبَرَنِي أَبِي قَالَ سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَعْفَرٍ قَالَ سَمِعْتُ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "خَيْرُ نِسَائِهَا مَرْيَمُ ابْنَةُ عِمْرَانَ وَخَيْرُ نِسَائِهَا خَدِيجَةُ".
[الحديث 3432 – طرفه في: 3815]
قوله: "باب {وَإِذْ قَالَتْ الْمَلاَئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ} الآية إلى قوله: {أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ} ، يقال يكفل يضم كفلها ضمها مخففة، ليس من كفالة الديون وشبهها" أشار بقوله: "مخففة" إلى قراءة الجمهور، وقرأها الكوفيون "كفلها" بالتشديد أي كفلها الله زكريا، وفي قراءتهم زكريا بالقصر إلا أن أبا بكر بن عياش قرأه بالمد فاحتاج إلى أن يقرأ زكرياء بفتح الهمزة. وقال أبو عبيدة في قوله تعالى: {وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا} يقال كفلها بفتح الفاء وكسرها أي ضمها. وفي قوله: {أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ} أي يضم انتهى. وكسر الفاء هو في قراءة بعض التابعين. واستدل بقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ} على أنها كانت نبية وليس بصريح في ذلك، وأيد بذكرها مع الأنبياء في
(6/470)

سورة مريم، ولا يمنع وصفها بأنها صديقة فقد وصف يوسف بذلك. وقد نقل عن الأشعري أن في النساء عدة نبيات، وحصرهن ابن حزم في ست، حواء وسارة وهاجر وأم موسى وآسية ومريم. وأسقط القرطبي سارة وهاجر، ونقله في "التمهيد" عن أكثر الفقهاء. وقال القرطبي: الصحيح أن مريم نبية. وقال عياض: الجمهور على خلافه. ونقل النووي في "الأذكار" أن الإمام(1) نقل الإجماع على أن مريم ليست نبية. وعن الحسن: ليس في النساء نبية ولا في الجن. وقال السبكي الكبير: لم يصح عندي في هذه المسألة شيء، ونقله السهيلي في آخر "الروض" عن أكثر الفقهاء. قوله: "حدثنا النضر" هو ابن شميل، وهشام هو ابن عروة بن الزبير، وعبد الله بن جعفر أي ابن أبي طالب. قال الدار قطني: رواه أصحاب هشام بن عروة عنه هكذا؛ وخالفهم ابن جريج وابن إسحاق فروياه عن هشام عن أبيه عن عبد الله بن الزبير عن عبد الله بن جعفر زاد في الإسناد عبد الله بن الزبير، والصواب إسقاطه، والله أعلم. قوله: "خير نسائها مريم" أي نساء أهل الدنيا في زمانها، وليس المراد أن مريم خير نسائها لأنه يصير كقولهم زيد أفضل إخوانه، وقد صرحوا بمنعه، فهو كما لو قيل فلان أفضل الدنيا. وقد رواه النسائي من حديث ابن عباس بلفظ: "أفضل نساء أهل الجنة" فعلى هذا فالمعنى خير نساء أهل الجنة مريم. وفي رواية: "خير نساء العالمين" وهو كقوله تعالى: {وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ} وظاهره أن مريم أفضل من جميع النساء وهذا لا يمتنع عند من يقول إنها نبية. وأما من قال ليست بنبية فيحمله على عالمي زمانها، وبالأول جزم الزجاج وجماعة واختاره القرطبي؛ ويحتمل أيضا أن يراد نساء بن إسرائيل أو نساء تلك الأمة أو "من" فيه مضمرة والمعنى أنها من جملة النساء الفاضلات، ويدفع ذلك حديث أبي موسى المتقدم بصيغة الحصر أنه لم يكمل من النساء غيرها وغير آسية. قوله: "وخير نسائها خديجة" أي نساء هذه الأمة قال القاضي أبو بكر بن العربي: خديجة أفضل نساء الأمة مطلقا لهذا الحديث، وقد تقدم في آخر قصة موسى حديث أبي موسى في ذكر مريم وآسية وهو يقتضي فضلهما على غيرهما من النساء، ودل هذا الحديث على أن مريم أفضل من آسية وأن خديجة أفضل نساء هذه الأمة، وكأنه لم يتعرض في الحديث الأول لنساء هذه الأمة حيث قال: ولم يكمل من النساء، أي من نساء الأمة الماضية، إلا إن حملنا الكمال على النبوة فيكون على إطلاقه. وعند النسائي بإسناد صحيح عن ابن عباس "أفضل نساء أهل الجنة خديجة وفاطمة ومريم وآسية" وعند الترمذي بإسناد صحيح عن أنس "حسبك من نساء العالمين" فذكرهن. وللحاكم من حديث حذيفة "إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاه ملك فبشره أن فاطمة سيده نساء أهل الجنة" وسيأتي مزيد لذلك في ترجمة خديجة من مناقب الصحابة.
ـــــــ
(1) يعني إمام الحرمين كما يأتي بعد صحيفتين
(6/471)

باب قوله تعالى { إذ قالت الملائكة يامريم ـ إلى قوله ـ قائما يقول له كن فيكون }
...