باب . حديث أبرص و أعمى و أقرع في بني إسرائيل
 
...
51 - حَدِيثُ أَبْرَصَ وَأَعْمَى وَأَقْرَعَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ
3464- حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَاصِمٍ حَدَّثَنَا هَمَّامٌ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي عَمْرَةَ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ حَدَّثَهُ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ح وحَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَجَاءٍ أَخْبَرَنَا هَمَّامٌ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي عَمْرَةَ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حَدَّثَهُ
(6/500)

أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "إِنَّ ثَلاَثَةً فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ أَبْرَصَ وَأَقْرَعَ وَأَعْمَى بَدَا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَبْتَلِيَهُمْ فَبَعَثَ إِلَيْهِمْ مَلَكًا فَأَتَى الأَبْرَصَ فَقَالَ أَيُّ شَيْءٍ أَحَبُّ إِلَيْكَ قَالَ لَوْنٌ حَسَنٌ وَجِلْدٌ حَسَنٌ قَدْ قَذِرَنِي النَّاسُ قَالَ فَمَسَحَهُ فَذَهَبَ عَنْهُ فَأُعْطِيَ لَوْنًا حَسَنًا وَجِلْدًا حَسَنًا فَقَالَ أَيُّ الْمَالِ أَحَبُّ إِلَيْكَ قَالَ الإِبِلُ أَوْ قَالَ الْبَقَرُ هُوَ شَكَّ فِي ذَلِكَ إِنَّ الأَبْرَصَ وَالأَقْرَعَ قَالَ أَحَدُهُمَا الإِبِلُ وَقَالَ الْآخَرُ الْبَقَرُ فَأُعْطِيَ نَاقَةً عُشَرَاءَ فَقَالَ يُبَارَكُ لَكَ فِيهَا وَأَتَى الأَقْرَعَ فَقَالَ أَيُّ شَيْءٍ أَحَبُّ إِلَيْكَ قَالَ شَعَرٌ حَسَنٌ وَيَذْهَبُ عَنِّي هَذَا قَدْ قَذِرَنِي النَّاسُ قَالَ فَمَسَحَهُ فَذَهَبَ وَأُعْطِيَ شَعَرًا حَسَنًا قَالَ فَأَيُّ الْمَالِ أَحَبُّ إِلَيْكَ قَالَ الْبَقَرُ قَالَ فَأَعْطَاهُ بَقَرَةً حَامِلًا وَقَالَ يُبَارَكُ لَكَ فِيهَا وَأَتَى الأَعْمَى فَقَالَ أَيُّ شَيْءٍ أَحَبُّ إِلَيْكَ قَالَ يَرُدُّ اللَّهُ إِلَيَّ بَصَرِي فَأُبْصِرُ بِهِ النَّاسَ قَالَ فَمَسَحَهُ فَرَدَّ اللَّهُ إِلَيْهِ بَصَرَهُ قَالَ فَأَيُّ الْمَالِ أَحَبُّ إِلَيْكَ قَالَ الْغَنَمُ فَأَعْطَاهُ شَاةً وَالِدًا فَأُنْتِجَ هَذَانِ وَوَلَّدَ هَذَا فَكَانَ لِهَذَا وَادٍ مِنْ إِبِلٍ وَلِهَذَا وَادٍ مِنْ بَقَرٍ وَلِهَذَا وَادٍ مِنْ غَنَمٍ ثُمَّ إِنَّهُ أَتَى الأَبْرَصَ فِي صُورَتِهِ وَهَيْئَتِهِ فَقَالَ رَجُلٌ مِسْكِينٌ تَقَطَّعَتْ بِيَ الْحِبَالُ فِي سَفَرِي فَلاَ بَلاَغَ الْيَوْمَ إِلاَّ بِاللَّهِ ثُمَّ بِكَ أَسْأَلُكَ بِالَّذِي أَعْطَاكَ اللَّوْنَ الْحَسَنَ وَالْجِلْدَ الْحَسَنَ وَالْمَالَ بَعِيرًا أَتَبَلَّغُ عَلَيْهِ فِي سَفَرِي فَقَالَ لَهُ إِنَّ الْحُقُوقَ كَثِيرَةٌ فَقَالَ لَهُ كَأَنِّي أَعْرِفُكَ أَلَمْ تَكُنْ أَبْرَصَ يَقْذَرُكَ النَّاسُ فَقِيرًا فَأَعْطَاكَ اللَّهُ فَقَالَ لَقَدْ وَرِثْتُ لِكَابِرٍ عَنْ كَابِرٍ فَقَالَ إِنْ كُنْتَ كَاذِبًا فَصَيَّرَكَ اللَّهُ إِلَى مَا كُنْتَ وَأَتَى الأَقْرَعَ فِي صُورَتِهِ وَهَيْئَتِهِ فَقَالَ لَهُ مِثْلَ مَا قَالَ لِهَذَا فَرَدَّ عَلَيْهِ مِثْلَ مَا رَدَّ عَلَيْهِ هَذَا فَقَالَ إِنْ كُنْتَ كَاذِبًا فَصَيَّرَكَ اللَّهُ إِلَى مَا كُنْتَ وَأَتَى الأَعْمَى فِي صُورَتِهِ فَقَالَ رَجُلٌ مِسْكِينٌ وَابْنُ سَبِيلٍ وَتَقَطَّعَتْ بِيَ الْحِبَالُ فِي سَفَرِي فَلاَ بَلاَغَ الْيَوْمَ إِلاَّ بِاللَّهِ ثُمَّ بِكَ أَسْأَلُكَ بِالَّذِي رَدَّ عَلَيْكَ بَصَرَكَ شَاةً أَتَبَلَّغُ بِهَا فِي سَفَرِي فَقَالَ قَدْ كُنْتُ أَعْمَى فَرَدَّ اللَّهُ بَصَرِي وَفَقِيرًا فَقَدْ أَغْنَانِي فَخُذْ مَا شِئْتَ فَوَاللَّهِ لاَ أَجْهَدُكَ الْيَوْمَ بِشَيْءٍ أَخَذْتَهُ لِلَّهِ فَقَالَ أَمْسِكْ مَالَكَ فَإِنَّمَا ابْتُلِيتُمْ فَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْكَ وَسَخِطَ عَلَى صَاحِبَيْكَ".
[الحديث 3464 – طرفه في: 6653]
قوله: "حديث أبرص وأقرع وأعمى" هكذا ترجم لهذا الحديث في أثناء ذكر بني إسرائيل، وهو الحديث الثاني عشر. قوله: "حدثنا أحمد بن إسحاق" هو السرماري بفتح المهملة ويجوز كسرها وبعدها راء ساكنة نسبة إلى سرمارة من قرى بخارى، الزاهد المجاهد وهو من أقران البخاري، مات سنة اثنتين وأربعين ومائتين. قوله في السند الثاني "وحدثني محمد حدثنا عبد الله بن رجاء" يقال إن محمدا هذا هو الذهلي، ويقال إنه المصنف نفسه كما قيل في الحديث الذي قبله، ويؤيد ذلك أنه روى عن عبد الله بن رجاء في اللقطة وعدة مواضع بغير واسطة، لكن جزم أبو ذر بأنه عند المصنف عن محمد غير منسوب عن عبد الله بن رجاء وجوز أنه الذهلي وساقه عن الجوزقي
(6/501)

عن مكي بن عبدان عن الذهلبي بطوله، وكذلك جزم أبو نعيم وساقه من طريق موسى بن العباس عن محمد بن يحيى، وسيأتي في التوحيد حديث آخر أخرجه البخاري بهذين السندين سواء إلى أبي هريرة، وليس في البخاري لإسحاق بن أبي طلحة عن عبد الرحمن بن أبي عمرة سوى هذين الحديثين. قوله: "عن إسحاق بن عبد الله" هو ابن أبي طلحة صرح به شيبان في روايته عن همام عند مسلم والإسماعيلي. قوله: "بدا لله" بتخفيف الدال المهملة بغير همز أي سبق في علم الله فأراد إظهاره، وليس المراد أنه ظهر له بعد أن كان خافيا لأن ذلك محال في حق الله تعالى، وقد أخرجه مسلم عن شيبان بن فروخ عن همام بهذا الإسناد بلفظ: "أراد الله أن يبتليهم"، فلعل التغيير فيه من الرواة، مع أن في الرواية أيضا نظرا لأنه لم يزل مريدا والمعنى أظهر الله ذلك فيهم. وقيل: معنى أراد قضى. وقال صاحب "المطالع" ضبطناه على متقني شيوخنا بالهمز أي ابتدأ الله أن يبتليهم، قال: ورواه كثير من الشيوخ بغير همز وهو خطأ انتهى. وسبق إلى التخطئة أيضا الخطابي، وليس كما قال لأنه موجه كما ترى، وأولى ما يحمل عليه أن المراد قضى الله أن يبتليهم، وأما البدء الذي يراد به تغير الأمر عما كان عليه فلا. قوله: "قذرني الناس" بفتح القاف والذال المعجمة المكسورة أي اشمأزوا من رؤيتي. وفي رواية حكاها الكرماني "قذروني الناس" وهي على لغة أكلوني البراغيث. قوله: "فمسحه" أي مسح على جسمه. قوله: "فقال وأي المال" في رواية الكشميهني بحذف الواو. قوله: "الإبل، أو قال البقر، هو شك في ذلك أن الأبرص والأقرع قال أحدهما الإبل وقال الآخر البقر" وقع عند مسلم عن شيبان بن فروخ عن همام التصريح بأن الذي شك في ذلك هو إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة راوي الحديث. قوله: "فأعطي ناقة عشراء" أي الذي تمنى الإبل، والعشراء بضم العين المهملة وفتح الشين المعجمة مع المد هي الحامل التي أتى عليها في حملها عشرة أشهر من يوم طرقها الفحل، وقيل: يقال لها ذلك إلى أن تلد وبعدما تضع، وهي من أنفس المال. قوله: "يبارك لك فيها" كذا وقع "يبارك" بضم أوله. وفي رواية شيبان "بارك الله" بلفظ الفعل الماضي وإبراز الفاعل. قوله: "فمسحه" أي مسح على عينيه. قوله: "شاة والدا" أي ذات ولد ويقال حامل. قوله: "فأنتج هذان" أي صاحب الإبل والبقر "وولد هذا" أي صاحب الشاة، وهو بتشديد اللام، وأنتج في مثل هذا شاذ والمشهور في اللغة نتجت الناقة بضم النون ونتج الرجل الناقة أي حمل عليها الفحل، وقد سمع أنتجت الفرس إذا ولدت فهي نتوج. قوله: "ثم إنه أتى الأبرص في صورته" أي في الصورة التي كان عليها لما اجتمع به وهو أبرص ليكون ذلك أبلغ في إقامة الحجة عليه. قوله: "رجل مسكين" زاد شيبان وابن سبيل "تقطعت به الحبال في سفره" في رواية الكشميهني: "بي الحبال في سفري" والحبال بكسر المهملة بعدها موحدة خفيفة جمع حبل أي الأسباب التي يقطها في طلب الرزق، وقيل العقبات، وقيل الحبل هو المستطيل من الرمل. ولبعض رواة مسلم: "الحيال" بالمهملة والتحتانية جمع حيلة، أي لم يبق لي حيلة، ولبعض رواة البخاري "الجبال" بالجيم والموحدة وهو تصحيف. قال ابن التين قول الملك له "رجل مسكين إلخ" أراد أنك كنت هكذا، وهو من المعاريض والمراد به ضرب المثل ليتيقظ المخاطب. قوله: "أتبلغ عليه" في رواية الكشميهني: "أتبلغ به" وأتبلغ بالغين المعجمة من البلغة وهي الكفاية والمعنى أتوصل به إلى مرادي. قوله: "لقد ورثت لكابر عن كابر" في رواية الكشميهني: "كابرا عن كابر" وفي رواية شيبان "إنما ورثت هذا المال كابرا عن كابر" أي كبير عن كبير في العز والشرف. قوله: "فقال إن كنت
(6/502)

كاذبا فصيرك الله" أورده بلفظ الفعل الماضي لأنه أراد المبالغة في الدعاء عليه. قوله: "فخذ ما شئت" زاد شيبان "ودع ما شئت". قوله: "لا أجهدك اليوم بشيء أخذته لله" كذا في البخاري بالمهملة والميم، كذا قال عياض إن رواة البخاري لم تختلف في ذلك، وليس كما قال، والمعنى لا أحمدك على ترك شيء تحتاج إليه من مالي، كما قال الشاعر وليس على طول الحياة تندم أي فوت طول الحياة. وفي رواية كريمة وأكثر روايات مسلم: "لا أجهدك" بالجيم والهاء أي لا أشق عليك في رد شيء تطلبه مني أو تأخذه، قال عياض: لم يتضح هذا المعنى لبعض الناس فقال لعله "لا أحدك" بمهملة وتشديد الدال بغير ميم أي لا أمنعك، قال: وهذا تكلف انتهى. ويحتمل أن يكون قوله: "أحمدك" بتشديد الميم أي لا أطلب منك الحمد، من قولهم فلان يتحمد على فلان أي يمتن عليه، أي لا أمتن عليك. قوله: "فإنما ابتليتم" أي امتحنتم. قوله: "فقد رضي عنك" بضم أوله على البناء للمجهول في رضي وسخط. قال الكرماني ما محصله: كان مزاج الأعمى أصح من مزاج رفيقيه، لأن البرص مرض يحصل من فساد المزاج وخلل الطبيعة وكذلك القرع، بخلاف العمى فإنه لا يستلزم ذلك بل قد يكون من أمر خارج فلهذا حسنت طباع الأعمى وساءت طباع الآخرين. وفي الحديث جواز ذكر ما اتفق لمن مضى ليتعظ به من سمعه ولا يكون ذلك غيبة فيهم، ولعل هذا هو السر في ترك تسميتهم، ولم يفصح بما اتفق لهم بعد ذلك، والذي يظهر أن الأمر فيهم وقع كما قال الملك. وفيه التحذير من كفران النعم والترغيب في شكرها والاعتراف بها وحمد الله عليها، وفيه فضل الصدقة والحث على الرفق بالضعفاء وإكرامهم وتبليغهم مآربهم، وفيه الزجر عن البخل، لأنه حمل صاحبه على الكذب، وعلى جحد نعمة الله تعالى.
(6/503)

باب { أم حسبت أن أصحاب الكهف و الرقيم }
...