باب بَيْنَا امْرَأَةٌ تُرْضِعُ ابْنَهَا ب |
المكسورة - بكر، واسم أبيه عمرو وقيل قيس، وليس له في البخاري سوى هذا الحديث. قوله: "كان في بني إسرائيل رجل" لم أقف على اسمه ولا على اسم أحد من الرجال ممن ذكر في القصة، زاد مسلم من طريق هشام عن قتادة عند مسلم: "فسأل عن أعلم أهل الأرض فدل على راهب". قوله: "فأتى راهبا" فيه إشعار بأن ذلك كان بعد رفع عيسى عليه السلام، لأن الرهبانية إنما ابتدعها أتباعه كما نص عليه في القرآن. قوله: "فقال: له توبة؟" بحذف أداة الاستفهام، وفيه تجريد أو التفات، لأن حق السياق أن يقول: ألي توبة؟ ووقع في رواية هشام "فقال إنه قتل تسعة وتسعين نفسا فهل له من توبة" وزاد: "ثم سأل عن أعلم أهل الأرض فدل على رجل عالم وقال فيه ومن يحول بينه وبين التوبة". قوله: "فقال له رجل ائت قرية كذا وكذا" زاد في رواية هشام "فإن بها أناسا يعبدون الله فاعبد الله معهم، ولا ترجع إلى أرضك فإنها أرض سوء، فانطلق حتى إذا كان نصف الطريق أتاه ملك الموت"، ووقعت لي تسمية القريتين المذكورتين من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص مرفوعا في "المعجم الكبير للطبراني" قال فيه إن اسم الصالحة نصرة واسم القرية الأخرى كفرة. قوله: "فناء" بنون ومد أي بعد، أو المعنى مال أو نهض مع تثاقل، فعلى هذا فالمعنى فمال إلى الأرض التي طلبها، هذا هو المعروف في هذا الحديث، وحكى بعضهم فيه فنأى بغير مد قبل الهمز، وبإشباعها بوزن سعى تقول نأى ينأي نأيا بعد، وعلى هذا فالمعنى فبعد على الأرض التي خرج منها. ووقع في رواية هشام عن قتادة ما يشعر بأن قوله: "فناء بصدره" إدراج، فإنه قال في آخر الحديث: "قال قتادة قال الحسن: ذكر لنا أنه لما أتاه الموت ناء بصدره". قوله: "فاختصمن فيه" في رواية هشام من الزيادة "فقالت ملائكة الرحمة جاء تائبا مقبلا بقلبه إلى الله. وقالت ملائكة العذاب إنه لم يعمل خيرا قط، فأتاه ملك في صورة آدمي فجعلوه بينهم فقال: قيسوا ما بين الأرضين أيهما كان أدني فهو لها". قوله: "فأوحى الله إلى هذه أن تباعدي" أي إلى القرية التي خرج منها "وإلى هذه أن تقربي" أي القرية التي قصدها. وفي رواية هشام "فقاسوه فوجدوه أدنى إلى الأرض التي أراد". قوله: "أقرب بشبر فغفر له" في رواية معاذ عن شعبة "فجعل من أهلها" وفي رواية هشام "فقبضته ملائكة الرحمة" وفي الحديث مشروعية التوبة من جميع الكبائر حتى من قتل الأنفس، ويحمل على أن الله تعالى إذا قبل توبة القاتل تكفل برضا خصمه. وفيه أن المفتي قد يجيب بالخطأ، وغفل من زعم أنه إنما قتل الأخير على سبيل التأول لكونه أفتاه بغير علم لأن السياق يقتضي أنه كان غير عالم بالحكم حتى استمر يستفتي، وأن الذي أفتاه استبعد أن تصح توبته بعد قتله لم ذكر أنه قتله بغير حق، وأنه إنما قتله بناء على العمل بفتواه لأن ذلك اقتضى عنده أن لا نجاة له فيئس من الرحمة، ثم تداركه الله فندم على ما صنع فرجع يسأل. وفيه إشارة إلى قلة فطنة الراهب، لأنه كان من حقه التحرز ممن اجترأ على القتل حتى صار له عادة بأن لا يواجهه بخلاف مراده وأن يستعمل معه المعاريض مداراة عن نفسه، هذا لو كان الحكم عنده صريحا في عدم قبول توبة القاتل فضلا عن أن الحكم لم يكن عنده إلا مظنونا. وفيه أن الملائكة الموكلين ببني آدم يختلف اجتهادهم في حقهم بالنسبة إلى من يكتبونه مطيعا أو عاصيا، وأنهم يختصمون في ذلك حتى يقضي الله بينهم، وفيه فضل التحول من الأرض التي يصيب الإنسان فيها المعصية لما يغلب بحكم العادة على مثل ذلك إما لتذكره لأفعاله الصادرة قبل ذلك والفتنة بها وأما لوجود من كان يعينه على ذلك ويحضه عليه، ولهذا قال له الأخير: ولا ترجع إلى أرضك فإنها أرض سوء، ففيه إشارة إلى أن التائب ينبغي له مفارقة الأحوال التي اعتادها في زمن المعصية، والتحول منها كلها
(6/517) والاشتغال بغيرها، وفيه فضل العالم على العابد لأن الذي أفتاه أولا بأن لا توبة له غلبت عليه العبادة فاستعظم وقوع ما وقع من ذلك القاتل من استجرائه على قتل هذا العدد الكثير، وأما الثاني فغلب عليه العلم فأفتاه بالصواب ودله على طريق النجاة، قال عياض: وفيه أن التوبة تنفع من القتل كما تنفع من سائر الذنوب، وهو وإن كان شرعا لمن قبلنا وفي الاحتجاج به خلاف لكن ليس هذا من موضع الخلاف لأن موضع الخلاف إذا لم يرد في شرعنا تقريره وموافقته، أما إذا ورد فهو شرع لنا بلا خلاف، ومن الوارد في ذلك قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} وحديث عبادة بن الصامت ففيه بعد قوله ولا تقتلوا النفس وغير ذلك من المنهيات "فمن أصاب من ذلك شيئا فأمره إلى الله إن شاء عفا عنه وإن شاء عذبه" متفق عليه. قلت: ويؤخذ ذلك أيضا من جهة تخفيف الآصار عن هذه الأمة بالنسبة إلى من قبلهم من الأمم، فإذا شرع لهم قبول توبة القاتل فمشروعيتها لنا بطريق الأول، وسيأتي البحث في قوله تعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ} الآية في التفسير إن شاء الله تعالى، واستدل به على أن في بني آدم من يصلح للحكم بين الملائكة إذا تنازعوا، وفيه حجة لمن أجاز التحكيم، وأن من رضي الفريقان بتحكيمه فحكمه جائز عليهم، وسيأتي نقل الخلاف في ذلك في الحديث الذي يلي ما بعده، وفيه أن للحاكم إذا تعارضت عنده الأحوال وتعددت البينات أن يستدل بالقرائن على الترجيح. حديث أبي هريرة في قصة البقرة التي تكلمت: قوله: "عن الأعرج عن أبي سلمة" هو من رواية الأقران، وقد رواه الزهري أيضا عن أبي سلمة، وسيأتي مع شرحه مستوفى في المناقب. قوله: "بينا رجل يسوق بقرة" لم أقف على اسمه. قوله: "إذ ركبها فضربها فقالت إنا لم نخلق لهذا" استدل به على أن الدواب لا تستعمل إلا فيما جرت العادة باستعمالها فيه، ويحتمل أن يكون قولها إنما خلقنا للحرث للإشارة إلى معظم ما خلقت له، ولم ترد الحصر في ذلك لأنه غير مراد اتفاقا، لأن من أجل ما خلقت له أنها تذبح وتؤكل بالاتفاق، وقد تقدم قول ابن بطال في ذلك في كتاب المزارعة. قوله: "فإني أؤمن بهذا أنا وأبو بكر وعمر" هو محمول على أنه كان أخبرهما بذلك فصدقاه، أو أطلق ذلك لما طلع عليه من أنهما يصدقان بذلك إذا سمعاه ولا يترددان فيه. قوله: "وما هما ثم" بفتح المثلثة أي ليسا حاضرين، وهو من كلام الراوي، ولم يقع ذلك في رواية الزهري. قوله: "وبينا رجل" هو معطوف على الخبر الذي قبله بالإسناد المذكور. قوله: "إذ عدا الذئب" بالعين المهملة من العدوان. قوله: "هذا استنقذتها مني" في رواية الكشميهني: "استنقذها" بإبهام الفاعل. قوله: "حدثنا علي حدثنا سفيان عن مسعر" هذا يدل على أنه سمعه من شيخه مفرقا، والحاصل أن لسفيان فيه إسنادين: أحدهما أبو الزناد عن الأعرج، والآخر مسعر عن سعد بن إبراهيم، كلاهما عن أبي سلمة، وفي كل من الإسنادين رواية القرين عن قرينه، لأن الأعرج قرين أبي سلمة كما تقدم لأنه شاركه في أكثر شيوخه ولا سيما أبو هريرة، وإن كان أبو سلمة أكبر سنا من الأعرج وسفيان بن عيينة قرين مسعر، لأنه شاركه في أكثر شيوخه لا سيما سعد بن إبراهيم، وإن كان مسعر أكبر سنا من سفيان. حديث أبي هريرة أيضا: "اشترى رجل من رجل عقارا" لم أقف على اسمهما ولا على اسم أحد ممن ذكر في هذه القصة، لكن في "المبتدأ لوهب بن منبه" أن الذي تحاكما إليه هو داود النبي عليه السلام؛ وفي "المبتدأ لإسحاق بن بشر" أن ذلك وقع في زمن ذي القرنين من بعض قضاته فالله أعلم. وصنيع البخاري يقتضي ترجيح ما وقع عند وهب لكونه أورده في ذكر بني إسرائيل. قوله: "عقارا" العقار في اللغة المنزل والضيعة وخصه (6/518) |