باب بَيْنَا امْرَأَةٌ تُرْضِعُ ابْنَهَا ج
 
قتيبة: قد يغلط في بعض الصفات قوم من المسلمين فلا يكفرون بذلك؛ ورده ابن الجوزي وقال: جحده صفة القدرة كفر اتفاقا، وإنما قيل إن معنى قوله: "لئن قدر الله علي" أي ضيق وهي قوله: {وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ} أي ضيق، وأما قوله: "لعلي أضل الله" فمعناه لعلي أفوته، يقال ضل الشيء إذا فات وذهب، وهو كقوله: {لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسَى} ولعل هذا الرجل قال ذلك من شدة جزعه وخوفه كما غلط ذلك الآخر فقال أنت عبدي وأنا ربك، ويكون قوله: "لئن قدر علي" بتشديد الدال أي قدر علي أن يعذبني ليعذبني، أو على أنه كان مثبتا للصانع وكان في زمن الفترة فلم تبلعه شرائط الإيمان، وأظهر الأقوال أنه قال ذلك في حال دهشته وغلبة الخوف عليه حتى ذهب بعقله لما يقول، ولم يقله قاصدا لحقيقة معناه بل في حالة كان فيها كالغافل والذاهل والناسي الذي لا يؤاخذ بما يصدر منه، وأبعد الأقوال قول من قال إنه كان في شرعهم جواز المغفرة للكافر. قوله: "فأمر الله الأرض فقال اجمعي ما فيك منه ففعلت" وفي حديث سلمان الفارسي عند أبي عوانة في صحيحه "فقال الله له كن فكان كأسرع من طرفة العين" وهذا جميعه كما قال ابن عقيل إخبار عما سيقع له يوم القيامة، وليس كما قال بعضهم إنه خاطب روحه، فإن ذلك لا يناسب قوله: "فجمعه الله" لأن التحريق والتفريق إنما وقع على الجسد وهو الذي يجمع ويعاد عند البعث. قوله: "وقال غيره خشيتك" الغير المذكور هو عبد الرزاق، كذا رواه عن معمر بلفظ: "خشيتك" بدل مخافتك، وأخرجه أحمد عن عبد الرزاق بهذا، وقد وقع في حديث أبى سعيد "مخافتك"، وفي حديث حذيفة "خشيتك". قوله في آخر حديث أبي سعيد "فتلقاه رحمته" في رواية الكشميهني فتلافاه قال ابن التين: أما تلقاه بالقاف فواضح. لكن المشهور تعديته بالباء وقد جاء هنا بغير تعدية، وعلى هذا فالرحمة منصوبة على المفعولية، ويحتمل أن يكون ذكر الرحمة وهي على هذا بالرفع، قال وأما "تلافاه" بالفاء فلا أعرف له وجها إلا أن يكون أصله فتلففه أي غشاه، فلما اجتمعت ثلاث فاءات أبدلت الأخيرة ألفا مثل "دساها" كذا قال ولا يخفى تكلفه، والذي يظهر أنه من الثلاثي، والقول فيه كالقول في التلقي. وقد وقع في حديث سلمان "مما تلافاه عندها أن غفر له". حديث عبد الله وهو ابن عمر في التي ربطت الهرة ولم أقف على اسمها، لكن تقدم أنها سوداء وأنها حميرية وأنها من بني إسرائيل، وأنه لا تنافي بين ذلك، وتقدم شرحه في أواخر بدء الخلق. قوله: "عن أبي مسعود" هذا هو المحفوظ ورواه إبراهيم بن سعد عن منصور عن عبد الملك فقال: "عن ربعي بن خراش عن حذيفة" حكاه الدار قطني في "العلل" قال: ورواه أبو مالك الأشجعي أيضا عن ربعي عن حذيفة، قلت: روايته عند أحمد، وليس ببعيد أن يكون ربعي سمعه من أبي مسعود ومن حذيفة جميعا. قوله: "إن مما أدرك الناس من كلام النبوة" الناس بالرفع في جميع الطرق ويجوز النصب أي مما بلغ الناس، وقوله: "من كلام النبوة" أي مما اتفق عليه الأنبياء، أي أنه مما ندب إليه الأنبياء ولم ينسخ فيما نسخ من شرائعهم، لأنه أمر أطبقت عليه العقول، وزاد أبو داود وأحمد وغيرهما: "النبوة الأولى" أي التي قبل نبينا صلى الله عليه وسلم. قوله: "فاصنع ما شئت" هو أمر بمعنى الخبر، أو هو للتهديد أي اصنع ما شئت فإن الله يجزيك، أو معناه انظر إلى ما تريد أن تفعله فإن كان مما لا يستحي منه فافعله وإن كان مما يستحي منه فدعه، أو المعنى أنك إذا لم تستح من الله من شيء يجب أن لا تستحي منه من أمر الدين فافعله ولا تبال بالخلق، أو المراد الحث على الحياء والتنويه بفضله، أي لما لم يجز صنع جميع ما شئت لم يجز ترك الاستحياء. الحديث الثاني والثلاثون:
(6/523)

حديث ابن عمر "بينما رجل يجر إزاره من الخيلاء خسف به" سيأتي شرحه مستوفى في كتاب اللباس، وعبد الله هو ابن المبارك، وقد رواه عن يونس أيضا عبد الله بن وهب أخرجه النسائي وأبو عوانة في صحيحه. قوله: "تابعه عبد الرحمن بن خالد" أي ابن مسافر "عن الزهري" أي بهذا الإسناد، وطريق عبد الرحمن هذه وصلها المؤلف في كتاب اللباس. الحديث الثالث والثلاثون: حديث أبي هريرة في فضل يوم الجمعة، تقدم شرحه مستوفى في كتاب الجمعة. الحديث الرابع والثلاثون: حديث معاوية في النهي عن الوصل في الشعر. وقد تقدم في هذا الباب من وجه آخر. وتقدمت الإشارة إلى مكان شرحه. قوله: "تابعه غندر عن شعبة" وصله مسلم والنسائي من طريقه وأخرجه أحمد وابن أبي شيبة عن غندر - وهو محمد بن جعفر – به.
"خاتمة": اشتمل كتاب أحاديث الأنبياء وما بعده من ذكر بني إسرائيل من الأحاديث المرفوعة على مائتي حديث وتسعة أحاديث. المكرر منها فيه وفيما مضى مائة وسبعة وعشرون حديثا. والخالص اثنان وثمانون حديثا. المعلق منها ثلاثون طريقا، وسائرها موصول. وافقه مسلم على تخريجها سوى حديث عائشة: "الأرواح جنود" وحديث: "قال رجل رأيت السد" وهذان معلقان، وحديث أبي هريرة "يلقي إبراهيم أباه"، وحديث ابن عباس في قصة زمزم وبناء البيت بطوله، وحديثه في تعويذ الحسن والحسين، وحديث سبرة بن معبد، وحديث أبي الشموس، وحديث أبي ذر، وهذه الثلاثة معلقات، وحديث أم رومان في قصة الإفك، وحديث أبي هريرة "إنما سمي الخضر"، وحديث ابن مسعود في يونس عليه السلام، وحديث أبي هريرة "خفف على داود القرآن" وحديث عمر: "لا تطروني"، وحديث عائشة في كراهية الإتكاء على الخاصرة، وحديث عبد الله بن عمرو: "بلغوا عني"، وحديث أبي هريرة: "إن اليهود لا يصبغون"، وحديث عائشة في الطاعون، وحديث أبي مسعود في الحياة. وفيه من الآثار عن الصحابة فمن بعدهم ستة وثمانون أثرا. والله أعلم. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
(6/524)

كتاب المناقب