باب لَيْسَ مِنْ رَجُلٍ ادَّعَى لِغَيْرِ أَبِيهِ وَهُوَ يَعْلَمُهُ إِلاَّ كَفَرَ
 
3508- حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ عَنْ الْحُسَيْنِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ قَالَ حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ يَعْمَرَ أَنَّ أَبَا الأَسْوَدِ الدِّيلِيَّ حَدَّثَهُ عَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ "لَيْسَ مِنْ رَجُلٍ ادَّعَى لِغَيْرِ أَبِيهِ وَهُوَ يَعْلَمُهُ إِلاَّ كَفَرَ وَمَنْ ادَّعَى قَوْمًا لَيْسَ لَهُ فِيهِمْ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ".
[الحديث 3508 – طرفه في: 6045]
(6/539)

3509- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَيَّاشٍ حَدَّثَنَا حَرِيزٌ قَالَ حَدَّثَنِي عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّصْرِيُّ قَالَ سَمِعْتُ وَاثِلَةَ بْنَ الأَسْقَعِ يَقُولُ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ الْفِرَى أَنْ يَدَّعِيَ الرَّجُلُ إِلَى غَيْرِ أَبِيهِ أَوْ يُرِيَ عَيْنَهُ مَا لَمْ تَرَ أَوْ يَقُولُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا لَمْ يَقُلْ".
3510- حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ أَبِي جَمْرَةَ قَالَ سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَقُولُ قَدِمَ وَفْدُ عَبْدِ الْقَيْسِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا: "يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا مِنْ هَذَا الْحَيِّ مِنْ رَبِيعَةَ قَدْ حَالَتْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ كُفَّارُ مُضَرَ فَلَسْنَا نَخْلُصُ إِلَيْكَ إِلاَّ فِي كُلِّ شَهْرٍ حَرَامٍ فَلَوْ أَمَرْتَنَا بِأَمْرٍ نَأْخُذُهُ عَنْكَ وَنُبَلِّغُهُ مَنْ وَرَاءَنَا قَالَ آمُرُكُمْ بِأَرْبَعٍ وَأَنْهَاكُمْ عَنْ أَرْبَعٍ الإِيمَانِ بِاللَّهِ شَهَادَةِ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَإِقَامِ الصَّلاَةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ وَأَنْ تُؤَدُّوا إِلَى اللَّهِ خُمْسَ مَا غَنِمْتُمْ وَأَنْهَاكُمْ عَنْ الدُّبَّاءِ وَالْحَنْتَمِ وَالنَّقِيرِ وَالْمُزَفَّتِ".
3511- حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ حَدَّثَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ: "أَلاَ إِنَّ الْفِتْنَةَ هَا هُنَا يُشِيرُ إِلَى الْمَشْرِقِ مِنْ حَيْثُ يَطْلُعُ قَرْنُ الشَّيْطَانِ".
قوله: "باب" كذا هو بلا ترجمة وهو كالفصل من الباب الذي قبله، ووجه تعلقه به من الحديثين الأولين ظاهر وهو الزجر عن الادعاء إلى غير الأب الحقيقي، لأن اليمن إذا ثبت نسبهم إلى إسماعيل فلا ينبغي لهم أن ينسبوا إلى غيره، وأما الحديث الثالث فله تعلق بأصل الباب وهو أن عبد القيس ليسوا من مضر، وأما الرابع فللإشارة إلى ما وقع في بعض طرقه من الزيادة بذكر ربيعة ومضر. فأما حديث أبي ذر فقوله في الإسناد "عن الحسين" هو ابن واقد المعلم، ووقع في رواية مسلم: "حدثنا حسين المعلم". وقوله: "عن أبي ذر" في رواية الإسماعيلي: "حدثني أبو ذر" وفي الإسناد ثلاثة من التابعين في نسق، وقوله: "ليس من رجل" من زائدة، والتعبير بالرجل للغالب وإلا فالمرأة كذلك حكمها. قوله: "ادعى لغير أبيه وهو يعلمه إلا كفر بالله" كذا وقع هنا كفر بالله ولم يقع قوله: "بالله" في غير رواية أبي ذر ولا في رواية مسلم ولا الإسماعيلي وهو أولى، وإن ثبت ذاك فالمراد من استحل ذلك مع علمه بالتحريم، وعلى الرواية المشهورة فالمراد كفر النعمة، وظاهر اللفظ غير مراد وإنما ورد على سبيل التغليظ والزجر لفاعل ذلك، أو المراد بإطلاق الكفر أن فاعله فعل فعلا شبيها بفعل أهل الكفر، وقد تقدم تقرير هذه المسألة في كتاب الإيمان، وقوله: "ومن ادعى قوما ليس له فيهم نسب فليتبوأ مقعده من النار" في رواية مسلم والإسماعيلي: "ومن ادعى ما ليس له فليس منا، وليتبوأ مقعده من النار" وهو أعم مما تدل عليه رواية البخاري، على أن لفظة "نسب" وقعت في رواية الكشميهني دون غيره ومع حذفها يبقى متعلق الجار والمجرور محذوفا فيحتاج إلى تقدير، ولفظ نسب أولى ما قدر لوروده في بعض الروايات. وقوله: "فليتبوأ" أي ليتخذ منزلا من النار، وهو إما دعاء أو خبر بلفظ الأمر، ومعناه هذا جزاؤه إن جوزي، وقد يعفى عنه، وقد
(6/540)

يتوب فيسقط عنه، وقد تقدم تقرير ذلك في كتاب الإيمان(1) في حديث: "من كذب علي" وفي الحديث تحريم الانتفاء من النسب المعروف والادعاء إلى غير، وقيد في الحديث بالعلم ولا بد منه في الحالتين إثباتا ونفيا لأن الإثم إنما يترتب على العالم بالشيء المتعمد له، وفيه جواز إطلاق الكفر على المعاصي لقصد الزجر كما قررناه، ويؤخذ من رواية مسلم تحريم الدعوى بشيء ليس هو للمدعي، فيدخل فيه الدعاوي الباطلة كلها مالا وعلما وتعلما ونسبا وحالا وصلاحا ونعمة وولاء وغير ذلك، ويزداد التحريم بزيادة المفسدة المترتبة على ذلك، واستدل به ابن دقيق العيد للمالكية في تصحيحهم الدعوى على الغائب بغير مسخر لدخول المسخر في دعوى ما ليس له وهو يعلم أنه ليس له، والقاضي الذي يقيمه أيضا يعلم أن دعواه باطلة، قال: وليس هذا القانون منصوصا في الشرع حتى يخص به عموم هذا الوعيد، وإنما المقصود إيصال الحق لمستحقه فترك مراعاة هذا القدر، وتحصيل المقصود من إيصال الحق لمستحقه أولى من الدخول تحت هذا الوعيد العظيم. قوله: "حدثنا علي بن عياش" بتحتانية ومعجمة. قوله: "حدثنا حريز" هو بفتح المهملة وكسر الراء وآخره زاي وهو ابن عثمان الحمصي من صغار التابعين، وهذا الإسناد من عوالي البخاري، وشيخه عبد الواحد بن عبد الله النصري بالنون المفتوحة بعدها صاد مهملة وهو دمشقي، واسم جده كعب بن عمير ويقال بسر بن كعب، وهو من بني نصر بن معاوية بن بكر بن هوازن، وهو من صغار التابعين، ففي الإسناد رواية القرين عن القرين، وقد ولي إمرة الطائف لعمر بن عبد العزيز، ثم ولي إمرة المدينة ليزيد بن عبد الملك، وكان محمود السيرة ومات سنة بضع ومائة، وليس له في البخاري سوى هذا الحديث الواحد. وقد رواه عنه أيضا زيد بن أسلم وهو أكبر منه سنا ولقاء للمشايخ. لكنه أدخل بين عبد الواحد وواثلة عبد الوهاب بن بخت رأيته في مستخرج ابن عبدان على الصحيحين من رواية هشام بن سعد عن زيد وهشام فيه مقال، وهذا عندي من المزيد في متصل الأسانيد، أو هو مقلوب كأنه عن زيد بن أسلم عن عبد الوهاب بن بخت عن عبد الواحد، والله أعلم. قوله: "إن من أعظم الفرا" بكسر الفاء مقصور وممدود وهو جمع فرية والفرية الكذب والبهت تقول فرى بفتح الراء فلان كذا إذا اختلق يفري بفتح أوله وافترى اختلق. قوله: "أو يري" بضم التحتانية أوله وكسر الراء أي يدعي أن عينيه رأتا في المنام شيئا ما رأتاه، ولأحمد وابن حبان والحاكم من وجه آخر عن واثلة "أن يفتري الرجل على عينيه فيقول رأيت ولم ير في المنام شيئا". قوله: "أو يقول" بفتح التحتانية أوله وضم القاف وسكون الواو. وفي رواية المستملي بفتح المثناة والقاف وتثقيل الواو المفتوحة. وفي الحديث تشديد الكذب في هذه الأمور الثلاثة وهي الخبر عن الشيء أنه رآه في المنام ولم يكن رآه، والادعاء إلى غير الأب، والكذب على النبي صلى الله عليه وسلم. فأما هذا الأخير فتقدم البحث فيه في كتاب العلم، وأما ما يتعلق بالمنام فيأتي في التعبير، وأما الادعاء فتقدم قريبا فيما قبله، وتقدم بيان الحكمة في التشديد فيه، والحكمة في التشديد في الكذب على النبي صلى الله عليه وسلم واضح فإنه إنما يخبر عن الله فمن كذب عليه كذب على الله عز وجل، وقد اشتد النكير على من كذب على الله تعالى في قوله تعالى: {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ} فسوى بين من كذب عليه وبين الكافر. وقال: {وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ} والآيات في ذلك متعددة، وقد تمسك بعض أهل الجهل بقوله تعالى: {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ}
ـــــــ
(1) صوابه "كتاب العلم".
(6/541)

وجاء في بعض طرق الحديث: "من كذب علي" وأما المنام فإنه لما كان جزءا من الوحي كان المخبر عنه بما لم يقع كالمخبر عن الله بما لم يلقه إليه، أو لأن الله يرسل ملك الرؤيا فيرى النائم ما شاء، فإذا أخبر عن ذلك بالكذب يكون كاذبا على الله وعلى الملك، كما أن الذي يكذب على النبي صلى الله عليه وسلم ينسب إليه شرعا لم يقله، والشرع غالبا إنما تلقاه النبي صلى الله عليه وسلم على لسان الملك فيكون الكاذب في ذلك كاذبا على الله وعلى الملك. الحديث الثالث: حديث ابن عباس "قدم وفد عبد القيس" تقدم الكلام عليه في كتاب الإيمان، ويأتي ما يتعلق بالأشربة منه في موضعه إن شاء الله تعالى. وقوله: "عن أبي جمرة" هو بالجيم، وقوله: "آمركم بأربعة وأنهاكم عن أربعة" في رواية الكشميهني: "بأربع" في الموضعين، والشيء إذا لم يذكر مميزه يجوز تذكيره وتأنيثه، ومناسبة هذا الحديث للترجمة من جهة أن جل العرب هم ربيعة ومضر، ولا خلاف في نسبتهم إلى إسماعيل. الحديث الرابع: حديث ابن عمر في أن الفتنة من قبل المشرق، وقد تقدم قريبا، ويأتي شرحه في كتاب الفتن أن شاء الله تعالى. ومناسبته للترجمة من جهة ذكر المشرق، وكلهم من مضر وربيعة كما تقدم قريبا. وفي بعض طرق هذا الحديث: "والإيمان يمان" ففيه إشارة إلى ذكر الأصول الثلاثة، فاثنان لا خلاف أنهم من بني إسماعيل وإنما الخلاف في الثالث.
(6/542)

باب ذكر أسلم و غفار و مزينة و جهينة و أشجع
...