باب صِفَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ 4
 
قوله: "باب صفة النبي صلى الله عليه وسلم" أي خلقه وخلقه. وأورد فيه أربعة وعشرين حديثا: الأول: حديث أبي بكر المشتمل على أن الحسن بن علي كان يشبه جده صلى الله عليه وسلم. قوله: "عن ابن أبي مليكة" في رواية الإسماعيلي: "أخبرني" وفي أخرى "حدثني ابن أبي مليكة". قوله: "عن عقبة بن الحارث" في رواية الإسماعيلي: "أخبرني عقبة بن الحارث". قوله: "صلى أبو بكر رضي الله عنه العصر ثم خرج يمشي" زاد الإسماعيلي في رواية: "بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بليال، وعلي يمشي إلى جانبه". قوله: "بأبي" فيه حذف تقديره أفديه بأبي، ووقع في رواية الإسماعيلي: "وارتجز فقال: وابأبي، شبيه بالنبي" وفي تسمية هذا رجزا نظر، لأنه ليس بموزون، وكأنه أطلق على السجع رجزا. ووقع من بعض الرواة تغيير وتصحيف رواية الأصل، ولعلها كانت "وابأبي وابأبي" كما دلت عليه رواية الإسماعيلي
(6/567)

المذكورة، فهذا يكون من مجزوء الرجز، لكن قوله: "شبيه بالنبي" يحتاج إلى شيء قبله، فلعله كان شخص أو أنت شبيه بالنبي صلى الله عليه وسلم أو نحو ذلك، وأما الثالث فموزون. قوله: "وعلي يضحك" في رواية الإسماعيلي: "وعلي يتبسم" أي رضا بقول أبي بكر وتصديقا له. وقد وافق أبا بكر على أن الحسن كان يشبه النبي صلى الله عليه وسلم أبو جحيفة كما سيأتي في الحديث الذي بعده، ووقع في حديث أنس كما سيأتي في المناقب أن الحسين بن علي كان أشبههم بالنبي صلى الله عليه وسلم، وسيأتي وجه التوفيق بينهما في المناقب إن شاء الله تعالى، وأذكر فيه من شاركهما في ذلك إن شاء الله تعالى. وفي الحديث فضل أبي بكر ومحبته لقرابة النبي صلى الله عليه وسلم، وسيأتي في المناقب قوله: "لقرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب إلي أن أصل من قرابتي" وفيه ترك الصبي المميز يلعب، لأن الحسن إذ ذاك كان ابن سبع سنين، وقد سمع من النبي صلى الله عليه وسلم وحفظ عنه، ولعبه محمول على ما يليق بمثله في ذلك الزمان من الأشياء المباحة، بل على ما فيه تمرين وتنشيط ونحو ذلك. والله أعلم. الحديث الثاني: حديث أبي جحيفة أورده من طريقين. وإسماعيل هو ابن أبي خالد، وابن فضيل بالتصغير هو محمد. قوله: "كان أبيض قد شمط" بفتح المعجمة وكسر الميم أي صار سواد شعره مخالطا لبياضه وقد بين في الرواية التي تلي هذا أن موضع الشمط كان في العنفقة ويؤيد ذلك حديث عبد الله بن بسر المذكور بعده، والعنفقة ما بين الذقن والشفة السفلى سواء كان عليها شعر أم لا. وتطلق على الشعر أيضا. وعند مسلم من رواية زهير "عن أبي إسحاق عن أبي جحيفة رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذه منه بيضاء - وأشار إلى عنفقته - قيل مثل من أنت يومئذ؟ قال: أبري النبل وأريشها". قوله: "وأمر لنا" أي له ولقومه من بني سواءة - بضم المهملة وتخفيف الواو والمد والهمز وآخره هاء تأنيث - ابن عامر بن صعصعة، وكان أمر لهم بذلك على سبيل جائزة الوفد. قوله: "قلوصا" بفتح القاف، هي الأنثى من الإبل، وقيل: الشابة، وقيل: الطويلة القوائم. وقوله: "فقبض النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن نقبضها" فيه إشعار بأن ذلك كان قرب وفاته صلى الله عليه وسلم، وقد شهد أبو جحيفة ومن معه من قومه حجة الوداع كما في الرواية التي بعد هذه، فالذي يظهر أن أبا بكر وفي لهم بالوعد المذكور كما صنع بغيرهم. ثم وجدت ذلك منقولا صريحا، ففي رواية الإسماعيلي من طريق محمد بن فضيل بالإسناد المذكور "فذهبنا نقبضها فأتانا موته فلم يعطونا شيئا، فلما قام أبو بكر قال: من كانت له عند رسول الله صلى الله عليه وسلم عدة فليجيء، فقمت إليه فأخبرته فأمر لنا بها" وقد تقدم البحث في هذه المسألة في الهبة. الحديث الثالث: حديث أبي جحيفة أيضا. قوله: "عن وهب أبي جحيفة" هو اسم أبي جحيفة، وهو مشهور بكنيته أكثر من اسمه، وكان يقال له أيضا وهب الله ووهب الخير. قوله: "ورأيت بياضا من تحت شفته السفلى العنفقة" بالكسر على أنه بدل من الشفة، وبالنصب على أنه بدل من قوله: "بياضا"، ووقع عند الإسماعيلي من طريق عبيد الله بن موسى عن إسرائيل بهذا الإسناد "من تحت شفته السفلى مثل موضع إصبع العنفقة" وإصبع في هذه الرواية بالتنوين، وإعراب العنفقة كالذي قبله. وفي رواية شبابة بن سوار عن إسرائيل عنده "رأيت النبي صلى الله عليه وسلم شابت عنفقته". الحديث الرابع: وهو من ثلاثياته. قوله: "حدثنا عصام بن خالد" هو أبو إسحاق الحمصي الحضرمي من كبار شيوخ البخاري، وليس له عنه في الصحيح غيره. وأما حريز فهو بفتح المهملة وتقدم قريبا أنه من صغار التابعين. قوله: "أرأيت النبي صلى الله عليه وسلم" يحتمل أن يكون "أرأيت" بمعنى أخبرني و"النبي" بالرفع على أنه اسم كان، والتقدير: أخبرني أكان النبي صلى الله عليه وسلم شيخا؟ ويحتمل أن يكون "أرأيت" استفهاما منه هل رأى النبي صلى الله عليه وسلم؟ ويكون "النبي" بالنصب على المفعولية. وقوله: "كان شيخا"
(6/568)