باب صِفَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ 8
 
هل خضب النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: إنما كان شيء في صدغيه" الصدغ بضم المهملة وإسكان الدال بعدها معجمة ما بين الأذن والعين، ويقال ذلك أيضا للشعر المتدلي من الرأس في ذلك المكان، وهذا مغاير للحديث السابق أن الشعر الأبيض كان في عنفقته، ووجه الجمع ما وقع عند مسلم من طريق سعيد عن قتادة عن أنس قال: "لم يخضب رسول الله وإنما كان البياض في عنفقته وفي الصدغين، وفي الرأس نبذ" أي متفرق، وعرف من مجموع ذلك أن الذي شاب من عنفقته أكثر مما شاب من غيرها، ومراد أنس أنه لم يكن في شعره ما يحتاج إلى الخضاب، وقد صرح بذلك في رواية محمد بن سيرين قال: "سألت أنس بن مالك: أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم خضب؟ قال: لم يبلغ الخضاب" ولمسلم من طريق حماد عن ثابت عن أنس "لو شئت أن أعد شمطات كن في رأسه لفعلت" زاد ابن سعد والحاكم "ما شانه بالشيب" ولمسلم من حديث جابر بن سمرة "فقد شمط مقدم رأسه ولحيته، وكان إذا ادهن لم يتبين، فإذا لم يدهن تبين" وأما ما رواه الحاكم وأصحاب السنن من حديث أبي رمثة قال: "أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وعليه بردان أخضران، وله شعر قد علاه الشيب، وشيبه أحمر مخضوب بالحناء" فهو موافق لقول ابن عمر "رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخضب بالصفرة" وقد تقدم في الحج وغيره، والجمع بينه وبين حديث أنس أن يحمل نفي أنس على غلبة الشيب حتى يحتاج إلى خضابه ولم يتفق أنه رآه وهو مخضب، ويحمل حديث من أثبت الخضب على أنه فعله لإرادة بيان الجواز ولم يواظب عليه. وأما ما تقدم عن أنس وأخرجه الحاكم من حديث عائشة قالت: "ما شانه الله ببيضاء" فمحمول على أن تلك الشعرات البيض لم يتغير بها شيء من حسنه صلى الله عليه وسلم، وقد أنكر أحمد إنكار أنس أنه خضب، وذكر حديث ابن عمر أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يخضب بالصفرة وهو في الصحيح، ووافق مالك أنسا في إنكار الخضاب وتأول ما ورد في ذلك. الحديث الثامن: حديث البراء. قوله: "بعيد ما بين المنكبين" أي عريض أعلى الظهر، ووقع في حديث أبي هريرة عند ابن سعد "رحب الصدر". قوله: "له شعر يبلغ شحمة أذنه" في رواية الكشميهني: "أذنيه" بالتثنية. وفي رواية الإسماعيلي: "تكاد جمته تصيب شحمة أذنيه". قوله: "وقال يوسف بن أبي إسحاق" هو يوسف بن إسحاق ابن أبي إسحاق نسبه إلى جده. قوله: "إلى منكبيه" أي زاد في روايته عن جده أبي إسحاق عن البراء في هذا الحديث له شعر يبلغ شحمة أذنيه إلى منكبيه، وطريق يوسف هذه أوردها المصنف قبل هذا بحديث لكنه اختصرها، قال ابن التين تبعا للداودي: قوله: "يبلغ شحمة أذنيه" مغاير لقوله: "إلى منكبيه" وأجيب بأن المراد أن معظم شعره كان عند شحمة أذنه، وما استرسل منه متصل إلى المنكب. أو يحمل على حالتين. وقد وقع نظير ذلك في حديث أنس عند مسلم من رواية قتادة عنه أن شعره "كان بين أذنيه وعاتقه" وفي حديث حميد عنه "إلى أصناف أذنيه" ومثله عند الترمذي من رواية ثابت عنه، وعند ابن سعد من رواية حماد عن ثابت عنه "لا يجاوز شعره أذنيه" وهو محمول على ما قدمته، أو على أحوال متغايرة. وروى أبو داود من طريق هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: "كان شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم فوق الوفرة ودون الجمة" وفي حديث هند بن أبي هالة في صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم عند الترمذي وغيره: "فلا يجاوز شعره شحمة أذنيه إذا هو وفره" أي جعله وفرة، فهذا القيد يؤيد الجمع المتقدم. وروى أبو داود والترمذي من حديث أم هانئ قالت: "رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وله أربع غدائر" ورجاله ثقات. الحديث التاسع: حديث البراء أيضا. قوله: "حدثنا زهير" هو ابن معاوية وأبو إسحاق هو السبيعي. قوله: "سئل البراء" في رواية الإسماعيلي من طريق أحمد بن يونس عن زهير "حدثنا أبو إسحاق عن البراء قال له رجل". قوله:
(6/572)