باب صِفَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ 9
 
"مثل السيف؟ قال: لا، بل مثل القمر" كأن السائل أراد أنه مثل السيف في الطول، فرد عليه البراء فقال: "بل مثل القمر" أي في التدوير، ويحتمل أن يكون أراد مثل السيف في اللمعان والصقال؟ فقال: بل فوق ذلك، وعدل إلى القمر لجمعه الصفتين من التدوير واللمعان: ووقع في رواية زهير المذكورة "أكان وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم حديدا مثل السيف؟" وهو يؤيد الأول. وقد أخرج مسلم من حديث جابر بن سمرة "أن رجلا قال له: أكان وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل السيف؟ قال: لا بل مثل الشمس والقمر مستديرا" وإنما قال: "مستديرا" للتنبيه على أنه جمع الصفتين، لأن قوله: "مثل السيف" يحتمل أن يريد به الطول أو اللمعان، فرده المسئول ردا بليغا. ولما جرى التعارف في أن التشبيه بالشمس إنما يراد به غالبا الإشراق، والتشبيه بالقمر إنما يراد به الملاحة دون غيرهما، أتى بقوله: "وكان مستديرا" إشارة إلى أنه أراد التشبيه بالصفتين معا: الحسن والاستدارة. ولأحمد وابن سعد وابن حبان عن أبي هريرة "ما رأيت شيئا أحسن من رسول الله صلى الله عليه وسلم، كأن الشمس تجري في جبهته" قال الطيبي: شبه جريان الشمس في فلكها بجريان الحسن في وجهه صلى الله عليه وسلم، وفيه عكس التشبيه للمبالغة، قال: ويحتمل أن يكون من باب تناهي التشبيه جعل وجهه مقرا ومكانا للشمس. وروى يعقوب بن سفيان في تاريخه من طريق يونس بن أبي يعفور عن أبي إسحاق السبيعي عن امرأة من همدان قال: "حججت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت لها: شبهيه. قالت: كالقمر ليلة البدر، لم أر قبله ولا بعده مثله" وفي حديث الربيع بنت معوذ "لو رأيته لرأيت الشمس طالعة" أخرجه الطبراني والدارمي، وفي حديث يزيد الرقاشي المتقدم قريبا عن ابن عباس "جميل دوائر الوجه، قد ملأت لحيته من هذه إلى هذه حتى كادت تملأ نحره" وروى الذهلي في "الزهريات" من حديث أبي هريرة في صفته صلى الله عليه وسلم: "كان أسيل الخدين، شديد سواد الشعر، أكحل العينين، أهدب الأشفار" الحديث. وكأن قوله: "أسيل الخدين" هو الحامل على من سأل: أكان وجهه مثل السيف؟ ووقع في حديث علي عند أبي عبيد في الغريب "وكان في وجهه تدوير" قال أبو عبيد في شرحه: يريد أنه لم يكن في غاية من التدوير بل كان فيه سهولة، وهي أحلى عند العرب. الحديث العاشر: قوله: "حدثنا الحسن بن منصور البغدادي" هو أبو علي البغدادي الشطوي بفتح المعجمة ثم المهملة، لم يخرج عنه البخاري سوى هذا الموضع. قوله: "قال شعبة" هو متصل بالإسناد المذكور. قوله: "وزاد فيه عون عن أبيه أبي جحيفة" سيأتي هذا الحديث بزيادته من وجه آخر في آخر الباب، وقد تقدم ما يتعلق بذلك في أوائل الصلاة. قوله: "فإذا هي أبرد من الثلج وأطيب رائحة من المسك" وقع مثله في حديث جابر بن يزيد بن الأسود عن أبيه عند الطبراني بإسناد قوي، وفي حديث جابر بن سمرة عند مسلم في أثناء حديث قال: "فمسح صدري فوجدت ليده بردا - أو ريحا - كأنما أخرجها من جونة عطار" وفي حديث وائل بن حجر عند الطبراني والبيهقي "لقد كنت أصافح رسول الله صلى الله عليه وسلم - أو يمس جلدي جلده - فأتعرفه بعد في يدي وإنه لأطيب رائحة من المسك" وفي حديثه عند أحمد "أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بدلو من ماء، فشرب منه ثم مج في الدلو ثم في البئر ففاح منه مثل ريح المسك" وروى مسلم حديث أنس في جمع أم سليم عرقه صلى الله عليه وسلم وجعلها إياه في الطيب، وفي بعض طرقه: "وهو أطيب الطيب". وأخرج أبو يعلى والطبراني من حديث أبي هريرة في قصة الذي استعان به صلى الله عليه وسلم على تجهيز ابنته "فلم يكن عنده شيء، فاستدعى بقارورة فسلت له فيها من عرقه وقال له: مرها فلتطيب به، فكانت إذا تطيبت به شم أهل المدينة رائحة ذلك الطيب فسموا بيت المطيبين" وروى أبو
(6/573)