باب صِفَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ 12
 
من كراهة النفس للدواء، كذا قال، وقد أخرج الحاكم هذا الحديث من طريق معمر عن الزهري بهذا الإسناد مطولا وأوله "ما لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم مسلما بذكر - أي بصريح اسمه - ولا ضرب بيده شيئا قط إلا أن يضرب بها في سبيل الله، ولا سئل في شيء قط فمنعه إلا أن يسأل مأثما، ولا انتقم لنفسه من شيء إلا أن تنتهك حرمات الله فيكون لله ينتقم" الحديث. وهذا السياق سوى صدر الحديث عند مسلم من طريق هشام بن عروة عن أبيه به، وأخرجه الطبراني في "الأوسط" من حديث أنس وفيه: "وما انتقم لنفسه إلا أن تنتهك حرمة الله، فإن انتهكت حرمة الله كان أشد الناس غضبا لله" وفي الحديث الحث على ترك الأخذ بالشيء العسر، والاقتناع باليسر، وترك الإلحاح فيما لا يضطر إليه. ويؤخذ من ذلك الندب إلى الأخذ بالرخص ما لم يظهر الخطأ، والحث على العفو إلا في حقوق الله تعالى، والندب إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومحل ذلك ما لم يفض إلى ما هو أشد منه. وفيه ترك الحكم للنفس وإن كان الحاكم متمكنا من ذلك بحيث يؤمن منه الحيف على المحكوم عليه، لكن لحسم المادة والله أعلم. الحديث الثامن عشر: حديث أنس أخرجه من طريق حماد بن زيد، وأخرجه مسلم بمعناه من رواية سليمان بن المغيرة عن ثابت عنه. قوله: "ما مسست" بمهملتين الأولى مكسورة ويجوز فتحها والثانية ساكنة، وكذا القول في ميم شممت. قوله: "ولا ديباجا" هو من عطف الخاص على العام، لأن الديباج نوع من الحرير، وهو بكسر المهملة وحكي فتحها. وقال أبو عبيدة الفتح مولد أي ليس بعربي. قوله: "ألين من كف رسول الله صلى الله عليه وسلم" قيل هذا يخالف ما وقع في حديث أنس الآتي في كتاب اللباس "أنه كان ضخم اليدين" وفي رواية له "والقدمين" وفي رواية له "شثن القدمين والكفين" وفي حديث هند بن أبي هالة الذي أخرجه الترمذي في صفة النبي صلى الله عليه وسلم فإن فيه أنه "كان شثن الكفين والقدمين" أي غليظهما في خشونة وهكذا وصفه علي من عدة طرق عنه عند الترمذي والحاكم وابن أبي خيثمة وغيرهم، وكذا في صفة عائشة له عند ابن أبي خيثمة، والجمع بينهما أن المراد اللين في الجلد والغلظ في العظام فيجتمع له نعومة البدن وقوته، أو حيث وصف باللين واللطافة حيث لا يعمل بهما شيئا كان بالنسبة إلى أصل الخلقة، وحيث وصف بالغلظ والخشونة فهو بالنسبة إلى امتهانهما بالعمل، فإنه يتعاطى كثيرا من أموره بنفسه صلى الله عليه وسلم، وسيأتي مزيد لهذا في كتاب اللباس إن شاء الله تعالى. وفي حديث معاذ عند الطبراني والبزار "أردفني النبي صلى الله عليه وسلم خلفه في سفر، فما مسست شيئا قط ألين من جلده صلى الله عليه وسلم". قوله: "أو عرفا" بفتح المهملة وسكون الراء بعدها فاء، وهو شك من الراوي، ويدل عليه قوله بعد "أطيب من ريح أو عرف" والعرف الريح الطيب. ووقع في بعض الروايات بفتح الراء والقاف، و"أو" على هذا للتنويع والأول هو المعروف، فقد تقدم في الصيام من طريق حميد عن أنس "مسكة ولا عنبرة أطيب رائحة من ريح رسول الله صلى الله عليه وسلم" وقوله: "عنبرة" ضبط بوجهين: أحدهما بسكون النون بعدها موحدة، والآخر بكسر الموحدة بعدها تحتانية، والأول معروف، والثاني طيب معمول من أخلاط يجمعها الزعفران، وقيل هو الزعفران نفسه. ووقع عند البيهقي "ولا شممت مسكا ولا عنبرا ولا عبيرا" ذكرهما جميعا وقد تقدم شيء من هذا في الحديث العاشر. وقوله: "من ريح أو عرف" بخفض ريح بغير تنوين لأنه في حكم المضاف كقول الشاعر: "بين ذراعي وجبهة الأسد" ووقع في أول الحديث عند مسلم: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أزهر اللون، كأن عرقه اللؤلؤ، إذا مشى يتكفأ، وما مسست إلخ". الحديث التاسع عشر: حديث أبو سعيد أورده من طريقين: قوله: "عن عبد الله بن أبي عتبة" بضم المهملة وسكون المثناة
(6/576)