باب عَلاَمَاتِ النُّبُوَّةِ فِي الإِسْلاَمِ 5
 
إلى أبي طلحة فأخبرته، فدخل على أم سليم فقال: هل من شيء" الحديث. وفي رواية محمد بن كعب عن أنس عند أبي نعيم "جاء أبو طلحة إلى أم سليم فقال: أعندك شيء، فإني مررت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقرئ أصحاب الصفة سورة النساء وقد ربط على بطنه حجرا من الجوع". قوله: "فأخرجت أقراصا من شعير" في رواية محمد بن سيرين عن أنس عند أحمد قال: "عمدت أم سليم إلى نصف مد من شعير فطحنته" وعند المصنف من هذا الوجه ومن غيره عن أنس أن أمه أم سليم "عمدت إلى مد من شعير جرشته ثم عملته" وفي رواية عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أنس عند أحمد ومسلم: "أتى أبو طلحة بمد من شعير فأمر به فصنع طعاما" ولا منافاة بين ذلك لاحتمال أن تكون القصة تعددت وأن بعض الرواة حفظ ما لم يحفظ الآخر، ويمكن الجمع بأن يكون الشعير في الأصل كان صاعا فأفردت بعضه لعيالهم وبعضه للنبي صلى الله عليه وسلم، ويدل على التعدد ما بين العصيدة والخبز المفتوت الملتوت بالسمن من المغايرة، وقد وقع لأم سليم في شيء صنعته للنبي صلى الله عليه وسلم لما تزوج زينب بنت جحش قريب من هذه القصة من تكثير الطعام وإدخال عشرة عشرة كما سيأتي في مكانه في الوليمة من كتاب النكاح. ووقع عند أحمد في رواية ابن سيرين عن أنس "عمدت أم سليم إلى نصف مد من شعير فطحنته، ثم عمدت إلى عكة فيها شيء من سمن فاتخذت منه خطيفة" الحديث والخطيفة هي العصيدة وزنا ومعنى، وهذا بعينه يأتي للمصنف في الأطعمة. قوله: "ولائتني ببعضه" أي لفتني به يقال لاث العمامة على رأسه أي عصبها، والمراد أنها لفت بعضه على رأسه وبعضه على إبطه. ووقع في الأطعمة للمصنف عن إسماعيل بن أبي أويس عن مالك في هذا الحديث: "فلفت الخبز ببعضه ودست الخبز تحت ثوبي وردتني ببعضه" تقول دس الشيء يدسه دسا إذا أدخله في الشيء بقهر وقوة. قوله: "فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم آرسلك أبو طلحة فقلت نعم قال بطعام قلت نعم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لمن معه قوموا" ظاهره أن النبي صلى الله عليه وسلم فهم أن أبا طلحة استدعاه إلى منزله فلذلك قال لمن عنده قوموا، وأول الكلام يقتضي أن أم سليم وأبا طلحة أرسلا الخبز مع أنس، فيجمع بأنهما أرادا بإرسال الخبز مع أنس أن يأخذه النبي صلى الله عليه وسلم فيأكله، فلما وصل أنس ورأى كثرة الناس حول النبي صلى الله عليه وسلم استحيى وظهر له أن يدعو النبي صلى الله عليه وسلم ليقوم معه وحده إلى المنزل فيحصل مقصودهم من إطعامه، ويحتمل أن يكون ذلك عن رأي من أرسله، عهد إليه إذا رأى كثرة الناس أن يستدعي النبي صلى الله عليه وسلم وحده خشية أن لا يكفيهم ذلك الشيء هو ومن معه، وقد عرفوا إيثار النبي صلى الله عليه وسلم وأنه لا يأكل وحده، وقد وجدت أن أكثر الروايات تقتضي أن أبا طلحة استدعى النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الواقعة، ففي رواية سعد بن سعيد عن أنس "بعثني أبو طلحة إلى النبي صلى الله عليه وسلم لأدعوه وقد جعل له طعاما" وفي رواية عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أنس "أمر أبو طلحة أم سليم أن تصنع للنبي صلى الله عليه وسلم لنفسه خاصة، ثم أرسلتني إليه" وفي رواية يعقوب بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس "فدخل أبو طلحة على أمي فقال: هل من شيء؟ فقالت: نعم، عندي كسر من خبز، فإن جاءنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وحده أشبعناه، وإن جاء أحد معه قل عنهم" وجميع ذلك عند مسلم. وفي رواية مبارك بن فضالة المذكورة أن أبا طلحة قال: "اعجنيه وأصلحيه عسى أن ندعو رسول الله صلى الله عليه وسلم فيأكل عندنا، ففعلت، فقالت: ادع رسول الله صلى الله عليه وسلم" وفي رواية يعقوب بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس عند أبي نعيم وأصله عند مسلم: "فقال لي أبو طلحة: يا أنس اذهب فقم قريبا من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا قام فدعه حتى يتفرق أصحابه، ثم ابتعه حتى إذا قام على عتبة بابه فقل له: إن أبي يدعوك". وفي رواية عمرو بن عبد الله بن أبي طلحة عند أبي يعلى عن أنس "قال لي أبو
(6/589)

طلحة: اذهب فادع رسول الله صلى الله عليه وسلم" وعند المصنف من رواية ابن سيرين في الأطعمة عن أنس "ثم بعثني إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتيته وهو في أصحابه فدعوته" وعند أحمد من رواية النضر بن أنس عن أبيه "قالت لي أم سليم: اذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقل له إن رأيت أن تغدى عندنا فافعل" وفي رواية عمرو بن يحيى المازني عن أبيه عن أنس عند البغوي "فقال أبو طلحة اذهب يا بني إلى النبي صلى الله عليه وسلم فادعه. قال فجئته فقلت له: إن أبي يدعوك" الحديث. وفي رواية محمد بن كعب "فقال يا بني اذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فادعه، ولا تدع معه غيره ولا تفضحني". قوله: "آرسلك أبو طلحة" بهمزة ممدودة للاستفهام. وفي رواية محمد بن كعب "فقال للقوم انطلقوا فانطلقوا وهم ثمانون رجلا" وفي رواية يعقوب "فلما قلت له إن أبي يدعوك قال لأصحابه: يا هؤلاء تعالوا، ثم أخذ بيدي فشدها، ثم أقبل بأصحابه حتى إذا دنوا أرسل يدي فدخلت، وأنا حزين لكثرة من جاء معه". قوله: "فقال أبو طلحة يا أم سليم قد جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس وليس عندنا ما نطعمهم" أي قدر ما يكفيهم "فقالت: الله ورسوله أعلم" كأنها عرفت أنه فعل ذلك عمدا ليظهر الكرامة في تكثير ذلك الطعام، ودل ذلك على فطنة أم سليم ورجحان عقلها. وفي رواية مبارك بن فضالة "فاستقبله أبو طلحة فقال: يا رسول الله ما عندنا إلا قرص عملته أم سليم" وفي رواية سعد بن سعيد "فقال أبو طلحة: "إنما صنعت لك شيئا" ونحوه في رواية ابن سيرين. وفي رواية عمرو بن عبد الله "فقال أبو طلحة: إنما هو قرص فقال: إن الله سيبارك فيه" ونحوه في رواية عمرو بن يحيى المازني. وفي رواية يعقوب "فقال أبو طلحة: يا رسول الله إنما أرسلت أنسا يدعوك وحدك، ولم يكن عندنا ما يشبع من أرى، فقال: ادخل فإن الله سيبارك فيما عندك" وفي رواية النضر بن أنس عن أبيه "فدخلت على أم سليم وأنا مندهش" وفي رواية عبد الرحمن بن أبي ليلى أن أبا طلحة قال: "يا أنس فضحتنا" وللطبراني في الأوسط "فجعل يرميني بالحجارة". قوله: "فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هلمي يا أم سليم ما عندك" كذا لأبي ذر عن الكشميهني، ولغيره: "هلم" وهي لغة حجازية، هلم عندهم لا يؤنث ولا يثنى ولا يجمع، ومنه قوله تعالى: {وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا} والمراد بذلك طلب ما عندهما. قوله: "وعصرت أم سليم عكة فأدمته" أي صيرت ما خرج من العكة له إداما، والعكة بضم المهملة وتشديد الكاف إناء من جلد مستدير يجعل فيه السمن غالبا والعسل. وفي رواية مبارك بن فضالة "فقال هل من سمن؟ فقال أبو طلحة: قد كان في العكة سمن، فجاء بها فجعلا يعصرانها حتى خرج، ثم مسح رسول الله صلى الله عليه وسلم به سبابته ثم مسح القرص فانتفخ وقال: بسم الله، فلم يزل يصنع ذلك والقرص ينتفخ حتى رأيت القرص في الجفنة يتميع" وفي رواية سعد بن سعيد "فمسها رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعا فيها بالبركة" وفي رواية النضر بن أنس "فجئت بها ففتح رباطها ثم قال: بسم الله، اللهم أعظم فيها البركة " وعرف بهذا المراد بقوله: "وقال فيها ما شاء الله أن يقول". قوله: "ثم قال ائذن لعشرة فأذن لهم" ظاهره أنه صلى الله عليه وسلم دخل منزل أبي طلحة وحده وصرح بذلك في رواية عبد الرحمن بن أبي ليلى ولفظه: "فلما انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الباب فقال لهم اقعدوا ودخل" وفي رواية يعقوب "أدخل علي ثمانية؛ فما زال حتى دخل عليه ثمانون رجلا ثم دعاني ودعا أمي وأبا طلحة فأكلنا حتى شبعنا" انتهى. وهذا يدل على تعدد القصة، فإن أكثر الروايات فيها أنه أدخلهم عشرة عشرة سوى هذه فقال إنه أدخلهم ثمانية ثمانية، فالله أعلم. قوله: "فأكلوا" في رواية مبارك بن فضالة "فوضع يده وسط القرص وقال: كلوا بسم الله، فأكلوا من حوالي القصعة حتى شبعوا" وفي رواية بكر بن عبد الله "فقال لهم كلوا من بين
(6/590)