باب عَلاَمَاتِ النُّبُوَّةِ فِي الإِسْلاَمِ 9
 

وضيفانه بعد أن صلى العشاء مع النبي صلى الله عليه وسلم فدار بينهم وبينه ما ذكر في الحديث. ووقع في رواية أبي داود من رواية الجريري عن أبي عثمان أو أبي السليل عن عبد الرحمن بن أبي بكر قال: "نزل بنا أضياف، وكان أبو بكر يتحدث عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال: لا أرجع إليك حتى تفرغ من ضيافة هؤلاء" ونحوه يأتي في الأدب من طريق أخرى عن الجريري عن أبي عثمان بلفظ: "أن أبا بكر تضيف رهطا، فقال لعبد الرحمن: دونك أضيافك، فإني منطلق إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فأفرغ من قراهم قبل أن أجيء" وهذا يدل على أن أبا بكر أحضرهم إلى منزله وأمر أهله أن يضيفوهم ورجع هو إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ويدل عليه صريح قوله في حديث الباب: "وإن أبا بكر جاء بثلاثة". قوله: "قالت له امرأته ما حبسك من أضيافك؟" في رواية الكشميهني: "عن أضيافك" وكذا هو في الصلاة ورواية مسلم. قوله: "أو ضيفك" شك من الراوي، والمراد به الجنس لأنهم ثلاثة، واسم الضيف يطلق على الواحد وما فوقه. وقال الكرماني: أو هو مصدر يتناول المثنى والجمع، كذا قال وليس بواضح. قوله: "أو عشيتهم" في رواية الكشميهني: "أو ما عشيتهم" بزيادة ما النافية، وكذا في رواية مسلم والإسماعيلي، والهمزة للاستفهام والواو للعطف على مقدر بعد الهمزة، وفي بعضها عشيتهم بإشباع الكسرة. قوله: "قد عرضوا عليهم" بفتح العين والراء والفاعل محذوف أي الخدم أو الأهل أو نحو ذلك، "فغلبوهم" أي أن آل أبي بكر عرضوا على الأضياف العشاء فأبوا فعالجوهم فامتنعوا حتى غلبوهم. وفي الرواية التي في الصلاة "قد عرضوا" بضم أوله وتشديد الراء أي أطعموا من العراضة وهي الهدية، قاله عياض، قال وهو في الرواية بتخفيف الراء، وحكى ابن قرقول أن القياس بتشديد الراء وبه جزم الجوهري. وقال الكرمان موجها للتخفيف: أي عرض الطعام عليهم، فحذف الجار ووصل الفعل فهو من القلب كعرضت الناقة على الحوض. ووقع في الصلاة "قد عرضنا عليهم فامتنعوا" وحكى ابن التين أنه وقع في بعض الروايات عرصوا بصاد مهملة، قال ولا أعرف لها وجها ووجهها غيره أنها من قولهم عرص إذا نشط، فكأنه يريد أنهم نشطوا في العزيمة عليهم، ولا يخفى تكلفه. وفي رواية الجريري "فانطلق عبد الرحمن فأتاهم بما عنده فقال: اطعموا، قالوا: أين رب منزلنا؟ قال: اطعموا. قالوا: ما نحن بآكلين حتى يجيء. قال: اقبلوا عنا قراكم، فإنه إن جاء ولم تطعموا لنلقين منه - أي شرا - فأبوا" وفي رواية مسلم: "ألا تقبلوا عنا قراكم؟" ضبطه عياض عن الأكثر بتخفيف اللام على استفتاح الكلام، قال القرطبي: ويلزم عليه أن تثبت النون في "تقبلون" إذ لا موجب لحذفها، وضبطها ابن أبي جعفر بتشديد اللام وهو الوجه. قوله: "قال فذهبت فاختبأت" أي خوفا من خصام أبي بكر له وتغيظه عليه. وفي رواية الجريري "فعرفت أنه يجد علي" أي يغضب "فلما جاء تغيبت عنه، فقال: يا عبد الرحمن، فسكت. ثم قال: يا عبد الرحمن، فسكت". قوله: "فقال يا غنثر فجدع وسب" في رواية الجريري فقال: يا غنثر أقسمت عليك إن كنت تسمع صوتي لما جئت، قال فخرجت فقلت والله ما لي ذنب، هؤلاء أضيافك فسلهم. قالوا صدقك قد أتانا. وقوله: "فجدع وسب" أي دعا عليه بالجدع وهو قطع الأذن أو الأنف أو الشفة، وقيل: المراد به السب، والأول أصح. وفي رواية الجريري "فجزع" بالزاي بدل الدال أي نسبه إلى الجزع بفتحتين وهو الخوف، وقيل: المجازعة المخاصمة فالمعنى خاصم، قال القرطبي: ظن أبو بكر أن عبد الرحمن فرط في حق الأضياف، فلما تبين له الحال أدبهم بقوله كلوا لا هنيئا، وسب أي شتم. وحذف المفعول للعلم به. قوله: "غنثر" بضم المعجمة وسكون النون وفتح المثلثة، هذه الرواية المشهورة، وحكي ضم المثلثة، وحكى عياض عن
(6/597)

بعض شيوخه فتح أوله مع فتح المثلثة، وحكاه الخطابي بلفظ: "عنتر" بلفظ اسم الشاعر المشهور وهو المهملة والمثناة المفتوحتين بينهما النون الساكنة، وروى عن أبي عمر عن ثعلب أن معناه الذباب، وأنه سمي بذلك لصوته فشبهه به حيث أراد تحقيره وتصغيره. وقال غيره: معنى الرواية المشهورة الثقيل الوخم وقيل: الجاهل وقيل: السفيه وقيل اللئيم، وهو مأخوذ من الغثر ونونه زائدة، وقيل: هو ذباب أزرق شبهه به لتحقيره كما تقدم. قوله: "وقال كلوا" زاد في الصلاة "لا هنيئا" وكذا في رواية مسلم أي لا أكلتم هنيئا وهو دعاء عليهم، وقيل خبر أي لم تتهنئوا في أول نضجه، ويستفاد من ذلك جواز الدعاء على من لم يحصل منه الإنصاف ولا سيما عند الحرج والتغيظ، وذلك أنهم تحكموا على رب المنزل بالحضور معهم ولم يكتفوا بولده مع إذنه لهم في ذلك، وكأن الذي حملهم على ذلك رغبتهم في التبرك بمؤاكلته، ويقال إنه إنما خاطب بذلك أهله لا الأضياف، وقيل: لم يرد الدعاء وإنما أخبر أنهم فاتهم الهناء به إذا لم يأكلوه في وقته. قوله: "وقال لا أطعمه أبدا" في رواية مسلم وكذا هو في الصلاة "فقال: والله لا أطعمه أبدا" وفي رواية الجريري "فقال فإنما انتظرتموني، والله لا أطعمه أبدا، فقال الآخر والله لا نطعمه" وفي رواية أبي داود من هذا الوجه "فقال أبو بكر فما منعكم؟ قالوا: مكانك. قال والله لا أطعمه أبدا. ثم اتفقا فقال: لم أر في الشر كالليلة، ويلكم ما أنتم؟ لم تقبلون عنا قراكم. هات طعامك، فوضع فقال: بسم الله الأول من الشيطان فأكل وأكلوا" قال ابن التين: لم يخاطب أبو بكر أضيافه بذلك إنما خاطب أهله، والرواية التي ذكرتها ترد عليه. ووقع في رواية مسلم: "ألا تقبلون" وهو بتشديد اللام للأكثر، ولبعضهم بتخفيفها. قوله: "وايم الله" همزته همزة وصل عند الجمهور وقيل: يجوز القطع، وهو مبتدأ وخبره محذوف أي أيم الله قسمي، وأصله أيمن الله فالهمزة حينئذ همزة قطع لكنها لكثرة الاستعمال خففت فوصلت، وحكي فيها لغات: أيمن الله مثلثة النون، ومن الله مختصرة من الأولى مثلثة النون أيضا، وأيم الله كذلك، وم الله كذلك، بكسر الهمزة أيضا، وأم الله. قال ابن مالك: وليس الميم بدلا من الواو ولا أصلها من خلافا لمن زعم ذلك. ولا أيمن، جمع يمين خلافا للكوفيين، وسيأتي تمام هذا في كتاب الأيمان والنذور. قوله: "ألا ربا" أي زاد، وقوله: "من أسفلها" أي الموضع الذي أخذت منه. قوله: "فنظر أبو بكر فإذا شيء أو أكثر" والتقدير فإذا هي شيء أي قدر الذي كان، كذا عند والمصنف هنا، ووقع في الصلاة "فإذا هي - أي الجفنة - كما هي" أي كما كانت أولا أو أكثر، وكذلك في رواية مسلم والإسماعيلي وهو الصواب. قوله: "يا أخت بني فراس" زاد في الصلاة "ما هذا" وخاطب أبو بكر بذلك امرأته أم رومان، وبنو فراس بكسر الفاء وتخفيف الراء وآخره مهملة ابن غنم بن مالك بن كنانة. وقال النووي: التقدير ما من هي من بني فراس وفيه نظر، والعرب تطلق على من كان منتسبا إلى قبيلة أنه أخوهم كما تقدم في العلم "ضمام أخو بني سعد بن بكر" وقد تقدم أن أم رومان من ذرية الحارث بن غنم وهو أخو فراس بن غنم فلعل أبا بكر نسبها إلى بني فراس لكونهم أشهر من بني الحارث ويقع في النسب كثير من ذلك، وينسبون أحيانا إلى أخي جدهم، أو المعنى يا أخت القوم المنتسبين إلى بني فراس، ولا شك أن الحارث أخو فراس فأولاد كل منهما إخوة للآخرين لكونهم في درجتهم، وحكى عياض أنه قيل في أم رومان إنها من بني فراس بن غنم لا من بني الحارث وعلى هذا فلا حاجة إلى هذا التأويل، ولم أر في كتاب ابن سعد لها نسبا إلا إلى بني الحارث بن غنم ساق
(6/598)