باب عَلاَمَاتِ النُّبُوَّةِ فِي الإِسْلاَمِ 24
 
الحديث الخامس والثلاثون: حديث أنس في قصة ثابت بن قيس بن شماس. قوله: "أنبأني موسى بن أنس" كذا رواه من طريق أزهر عن ابن عون، وأخرجه أبو عوانة عن يحيى بن أبي طالب عن أزهر، وكذا أخرجه الإسماعيلي من رواية يحيى بن أبي طالب، ورواه عبد الله بن أحمد بن حنبل عن يحيى بن معين عن أزهر فقال: "عن ابن عون عن ثمامة بن عبد الله بن أنس" بدل موسى بن أنس، أخرجه أبو نعيم عن الطبراني عنه وقال: لا أدري ممن الوهم قلت: لم أره في مسند أحمد، وقد أخرجه الإسماعيلي من طريق ابن المبارك عن ابن عون عن موسى بن أنس قال: "لما نزلت: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ} قعد ثابت بن قيس في بيته" الحديث، وهذا صورته مرسل إلا أنه يقوي أن الحديث لابن عون عن موسى لا عن ثمامة. قوله: "افتقد ثابت بن قيس" أي ابن شماس خطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ووقع عند مسلم من وجه آخر عن أنس قال: "كان ثابت بن قيس بن شماس خطيب الأنصار". قوله: "فقال رجل" وقع في رواية لمسلم من طريق حماد عن ثابت عن أنس "فسأل النبي صلى الله عليه وسلم سعد بن معاذ فقال: يا أبا عمرو ما شأن ثابت اشتكى؟ فقال سعد: إنه كان لجاري وما علمت له بشكوى" واستشكل ذلك الحفاظ بأن نزول الآية المذكورة كان في زمن الوقود بسبب الأقرع بن حابس وغيره وكان ذلك في سنة تسع كما سيأتي في التفسير وسعد بن معاذ مات قبل ذلك في بني قريظة سنة خمس، ويمكن الجمع بأن الذي نزل في قصة ثابت مجرد رفع الصوت والذي نزل في قصة الأقرع أول السورة وهو قوله: {لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} وقد نزل من هذه السورة سابقا أيضا قوله: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا} فقد تقدم في كتاب الصلح من حديث أنس وفي آخره أنها نزلت في قصة عبد الله بن أبي ابن سلول. وفي السياق "وذلك قبل أن يسلم عبد الله" وكان إسلام عبد الله بعد وقعة بدر، وقد روى الطبري وابن مردويه من طريق زيد بن الحباب "حدثني أبو ثابت بن ثابت بن قيس قال: لما نزلت هذه الآية قعد ثابت يبكي، فمر به عاصم بن عدي فقال: ما يبكيك؟ قال: أتخوف أن تكون هذه الآية نزلت في، فقال له رسول الله: أما ترضى أن تعيش حميدا" الحديث، وهذا لا يغاير أن يكون الرسول إليه من النبي صلى الله عليه وسلم سعد بن معاذ. وروى ابن المنذر في تفسيره من طريق سعيد بن
(6/620)

بشير عن قتادة عن أنس في هذه القصة "فقال سعد بن عبادة يا رسول الله هو جاري" الحديث، وهذا أشبه بالصواب لأن سعد بن عبادة من قبيلة ثابت بن قيس فهو أشبه أن يكون جاره من سعد بن معاذ لأنه من قبيلة أخرى. قوله: "أنا أعلم لك علمه" كذا للأكثر. وفي رواية حكاها الكرماني "ألا" بلام بدل النون وهي للتنبيه، وقوله: "أعلم لك" أي لأجلك وقوله: "علمه" أي خبره. قوله: "كان يرفع صوته" كذا ذكره بلفظ الغيبة وهو التفات، وكان السياق يقتضي أن يقول: كنت ارفع صوتي. قوله: "فأتى الرجل فأخبره أنه قال كذا وكذا" أي مثل ما قال ثابت أنه لما نزلت: {لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ} جلس في بيته وقال: أنا من أهل النار. وفي رواية لمسلم: "فقال ثابت: أنزلت هذه الآية ولقد علمتم أني من أرفعكم صوتا". قوله: "فقال موسى بن أنس" هو متصل بالإسناد المذكور إلى موسى، لكن ظاهره أن باقي الحديث مرسل، وقد أخرجه مسلم متصلا بلفظ: "قال فذكر ذلك سعد للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: بل هو من أهل الجنة". قوله: "ببشارة عظيمة" هي بكسر الموحدة وحكي ضمها. قوله: "ولكن من أهل الجنة" قال الإسماعيلي: إنما يتم الغرض بهذا الحديث أي من إيراده في "باب علامة النبوة" بالحديث الآخر أي الذي مضى في كتاب الجهاد في "باب التحنط عند القتال" فإن فيه أنه قتل باليمامة شهيدا يعني وظهر بذلك مصداق قوله صلى الله عليه وسلم أنه من أهل الجنة لكونه استشهد. قلت: ولعل البخاري أشار إلى ذلك إشارة لأن مخرج الحديثين واحد والله أعلم. ثم ظهر لي أن البخاري، أشار إلى ما في بعض طرق حديث نزول الآية المذكورة وذلك فيما رواه ابن شهاب عن إسماعيل ابن محمد بن ثابت قال: "قال ثابت بن قيس بن شماس: يا رسول الله إني أخشى أن أكون قد هلكت، فقال: وما ذاك؟ قال نهانا الله أن نرفع أصواتنا فوق صوتك وأنا جهير" الحديث، وفيه: "فقال له عليه الصلاة والسلام: أما ترضى أن تعيش سعيدا وتقتل شهيدا وتدخل الجنة" وهذا مرسل قوي الإسناد أخرجه ابن سعد عن معن بن عيسى عن مالك عنه، وأخرجه الدار قطني في "الغرائب" من طريق إسماعيل بن أبي أويس عن مالك كذلك، ومن طريق سعيد بن كثير عن مالك فقال فيه: "عن إسماعيل عن ثابت بن قيس" وهو مع ذلك مرسل لأن إسماعيل لم يلحق ثابتا، وأخرجه ابن مردويه من طريق صالح بن أبي الأخضر عن الزهري فقال: "عن محمد بن ثابت بن قيس أن ثابتا" فذكر نحوه، وأخرجه ابن جرير من طريق عبد الرزاق عن معمر عن الزهري معضلا ولم يذكر فوقه أحدا وقال في آخره: "فعاش حميدا وقتل شهيدا يوم مسيلمة" وأصرح من ذلك ما روى ابن سعد بإسناد صحيح أيضا من مرسل عكرمة قال: "لما نزلت: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ} الآية قال ثابت بن قيس: كنت أرفع صوتي فأنا من أهل النار، فقعد في بيته" فذكر الحديث نحو حديث أنس وفي آخره: "بل هو من أهل الجنة. فلما كان يوم اليمامة انهزم المسلمون فقال ثابت: أف لهؤلاء ولما يعبدون، وأف لهؤلاء ولما يصنعون، قال ورجل قائم على ثلمة فقتله وقتل" وروى ابن أبي حاتم في تفسيره من طريق سليمان بن المغيرة عن ثابت عن أنس في قصة ثابت بن قيس فقال في آخرها "قال أنس: فكنا نراه يمشي بين أظهرنا ونحن نعلم أنه من أهل الجنة، فلما كان يوم اليمامة كان في بعضنا بعض الانكشاف، فأقبل وقد تكفن وتحنط فقاتل حتى قتل" وروى ابن المنذر في تفسيره من طريق عطاء الخراساني قال: "حدثتني بنت ثابت بن قيس قالت: لما أنزل الله هذه الآية دخل ثابت بيته فأغلق بابه - فذكر القصة مطولة وفيها قول النبي صلى الله عليه وسلم: "تعيش حميدا وتموت شهيدا" وفيها "فلما كان يوم اليمامة ثبت حتى قتل".
(6/621)