باب عَلاَمَاتِ النُّبُوَّةِ فِي الإِسْلاَمِ 27
 

الحديث الثامن والثلاثون: حديث ابن عباس في قصة الأعرابي الذي أصابته الحمى فقال: "حمى تفور على شيخ كبير" الحديث، وسيأتي شرحه في كتاب الطب، ووجه دخوله في هذا الباب أن في بعض طرقه زيادة تقتضي إيراده في علامات النبوة، أخرجه الطبراني وغيره من رواية شرحبيل والد عبد الرحمن فذكر نحو حديث ابن عباس، وفي آخره: "فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أما إذا أبيت فهي كما تقول قضاء الله كائن، فما أمسى من الغد إلا ميتا" وبهذه الزيادة يظهر دخول هذا الحديث في هذا الباب. وعجبت للإسماعيلي كيف نبه على مثل ذلك في قصة ثابت بن قيس وأغفله هنا. ووقع في "ربيع الأبرار" أن اسم هذا الأعرابي قيس، فقال في "باب الأمراض والعلل" دخل النبي صلى الله عليه وسلم على قيس بن أبي حازم يعوده، فذكر القصة. ولم أر تسميته لغيره، فهذا إن كان محفوظا فهو غير قيس بن أبي حازم أحد المخضرمين، لأن صاحب القصة مات في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وقيس لم ير النبي صلى الله عليه وسلم في حال إسلامه فلا صحبة له، ولكن أسلم في حياته، ولأبيه صحبة وعاش بعده دهرا طويلا. حديث أنس في الذي أسلم ثم ارتد فدفن فلفظته الأرض. قوله: "كان رجل نصرانيا" لم أقف على اسمه، لكن في رواية مسلم من طريق ثابت عن أنس "كان منا رجل من بني النجار". قوله: "فعاد نصرانيا" في رواية ثابت: "فانطلق هاربا حتى لحق بأهل الكتاب فرفعوه". قوله: "ما يدري محمد إلا ما كتبت له" في رواية الإسماعيلي: "كان يقول ما أرى يحسن محمد إلا ما كنت أكتب له" وروى ابن حبان من طريق محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة نحوه. قوله: "فأماته الله" في رواية ثابت "فما لبث أن قصم الله عنقه فيهم". قوله: "لما هرب منهم" في رواية الإسماعيلي: "لما لم يرض دينهم". قوله: "لفظته الأرض" بكسر الفاء أي طرحته ورمته، وحكي فتح الفاء. قوله: في آخره "فألقوه" في رواية ثابت "فتركوه منبوذا".
3618- حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ يُونُسَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ وَأَخْبَرَنِي ابْنُ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إِذَا هَلَكَ كِسْرَى فَلاَ كِسْرَى بَعْدَهُ وَإِذَا هَلَكَ قَيْصَرُ فَلاَ قَيْصَرَ بَعْدَهُ وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَتُنْفِقُنَّ كُنُوزَهُمَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ".
3619- حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ رَفَعَهُ قَالَ: "إِذَا هَلَكَ كِسْرَى فَلاَ كِسْرَى بَعْدَهُ وَذَكَرَ وَقَالَ لَتُنْفَقَنَّ كُنُوزُهُمَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ".
الحديث الأربعون: حديث أبي هريرة "إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده". قوله: "كسرى" بكسر الكاف ويجوز الفتح، وهو لقب لكل من ولي مملكة الفرس، وقيصر لقب لكل من ولي مملكة الروم، قال ابن الأعرابي: الكسر أفصح في كسرى، وكان أبو حاتم يختاره، وأنكر الزجاج الكسر على ثعلب واحتج بأن النسبة إليه كسروي بالفتح، ورد عليه ابن فارس بأن النسبة قد يفتح فيها ما هو في الأصل مكسور أو مضموم كما قالوا في بني تغلب بكسر اللام تغلبي بفتحها، وفي سلمة كذلك، فليس فيه حجة على تخطئة الكسر، والله أعلم. وقد استشكل هذا مع بقاء مملكة الفرس لأن آخرهم قتل في زمان عثمان، واستشكل أيضا مع بقاء مملكة الروم وأجيب عن ذلك بأن المراد لا يبقى كسرى بالعراق ولا قيصر بالشام، وهذا منقول عن الشافعي قال: وسبب
(6/625)

الحديث أن قريشا كانوا يأتون الشام والعراق تجارا، فلما أسلموا خافوا انقطاع سفرهم إليهما لدخولهم في الإسلام، فقال النبي صلى الله عليه وسلم ذلك لهم تطييبا لقلوبهم وتبشيرا لهم بأن ملكهما سيزول عن الإقليمين المذكورين. وقيل: الحكمة في أن قيصر بقي ملكه وإنما ارتفع من الشام وما والاها وكسرى ذهب ملكه أصلا ورأسا أن قيصر لما جاءه كتاب النبي صلى الله عليه وسلم قبله وكاد أن يسلم كما مضى بسط ذلك في أول الكتاب، وكسرى لما أتاه كتاب النبي صلى الله عليه وسلم مزقه فدعا النبي صلى الله عليه وسلم أن يمزق ملكه كل ممزق فكان كذلك. قال الخطابي: معناه فلا قيصر بعده يملك مثل ما يملك، وذلك أنه كان بالشام وبها بيت المقدس الذي لا يتم للنصارى نسك إلا به، ولا يملك على الروم أحد إلا كان قد دخله إما سرا وإما جهرا، فانجلى عنها قيصر واستفتحت خزائنه ولم يخلفه أحد من القياصرة في تلك البلاد بعد، ووقع في الرواية التي في "باب الحرب خدعة" من كتاب الجهاد "هلك كسرى ثم لا يكون كسرى بعده، وليهلكن قيصر" قيل: والحكمة فيه أنه قال ذلك لما هلك كسرى بن هرمز كما سيأتي في حديث أبي بكرة في كتاب الأحكام قال: "بلغ النبي صلى الله عليه وسلم أن أهل فارس ملكوا عليهم امرأة" الحديث، وكان ذلك لما مات شيرويه بن كسرى فأمروا عليهم بنته بوران، وأما قيصر فعاش إلى زمن عمر سنة عشرين على الصحيح، وقيل مات في زمن النبي صلى الله عليه وسلم والذي حارب المسلمين بالشام ولده وكان يلقب أيضا قيصر، وعلى كل تقدير فالمراد من الحديث وقع لا محالة لأنهما لم تبق مملكتهما على الوجه الذي كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم كما قررته. قال القرطبي في الكلام على الرواية التي لفظها "إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده" وعلى الرواية التي لفظها "هلك كسرى ثم لا يكون كسرى بعده" بين اللفظين بون، ويمكن الجمع بأن يكون أبو هريرة سمع أحد اللفظين قبل أن يموت كسرى والآخر بعد ذلك، قال: ويحتمل أن يقع التغاير بالموت والهلاك، فقوله: "إذا هلك كسرى" أي هلك ملكه وارتفع، وأما قوله: "مات كسرى ثم لا يكون كسرى بعده" فالمراد به كسرى حقيقة اهـ. ويحتمل أن يكون المراد بقوله: "هلك كسرى" تحقق وقوع ذلك حتى عبر عنه بلفظ الماضي وإن كان لم يقع بعد للمبالغة في ذلك كما قال تعالى: {أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ} وهذا الجمع أولى لأن مخرج الروايتين متحد فحمله على التعدد على خلاف الأصل فلا يصار إليه مع إمكان هذا الجمع، والله أعلم. حديث جابر بن سمرة. قوله: "رفعه" تقدم في الجهاد، ووقع في رواية الإسماعيلي التي سأذكرها عن النبي صلى الله عليه وسلم، وكذا تقدم في فرض الخمس من رواية جرير عن عبد الملك بن عمير. قوله: "وإذا هلك قيصر فلا قيصر بعده" كذا ثبت لأبي ذر وسقط لغيره، ووقع في رواية الإسماعيلي من وجه آخر عن قبيصة شيخ البخاري فيه، ومن وجه آخر عن سفيان وهو الثوري مثل رواية الجماعة، قال: وكذا قال لم يذكر قيصر وقال كنوزهما. قوله: "وذكر وقال لتنفقن كنوزهما في سبيل الله" وقع في رواية النسفي "وذكره" وهو متجه كأنه يقول: وذكر الحديث، أي مثل الذي قبله، وأما على رواية الباقين ففيه حذف تقديره: وذكر كلاما أو حديثا، ولم تقع هذه الزيادة في رواية الإسماعيلي المذكورة.
3620- حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي حُسَيْنٍ حَدَّثَنَا نَافِعُ بْنُ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: "قَدِمَ مُسَيْلِمَةُ الْكَذَّابُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَعَلَ يَقُولُ إِنْ جَعَلَ لِي مُحَمَّدٌ الأَمْرَ مِنْ بَعْدِهِ تَبِعْتُهُ وَقَدِمَهَا فِي بَشَرٍ كَثِيرٍ مِنْ قَوْمِهِ فَأَقْبَلَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعَهُ ثَابِتُ بْنُ قَيْسِ بْنِ
(6/626)

شَمَّاسٍ وَفِي يَدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِطْعَةُ جَرِيدٍ حَتَّى وَقَفَ عَلَى مُسَيْلِمَةَ فِي أَصْحَابِهِ فَقَالَ لَوْ سَأَلْتَنِي هَذِهِ الْقِطْعَةَ مَا أَعْطَيْتُكَهَا وَلَنْ تَعْدُوَ أَمْرَ اللَّهِ فِيكَ وَلَئِنْ أَدْبَرْتَ ليَعْقِرَنَّكَ اللَّهُ وَإِنِّي لاَرَاكَ الَّذِي أُرِيتُ فِيكَ مَا رَأَيْتُ".
[الحديث 3620 – أطرافه في: 4373، 4378، 7033، 7461]