باب لو كنت متخذا خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا 4
 
من؟ قالت: عمر، قلت: ثم من؟ قالت: أبو عبيدة بن الجراح، قلت: ثم من؟ فسكتت" أخرجه الترمذي وصححه فيمكن أن يفسر بعض الرجال الذي أبهموا في حديث الباب بأبي عبيدة. وأخرج أحمد وأبو داود والنسائي بسند صحيح عن النعمان بن بشير قال: "استأذن أبو بكر على النبي صلى الله عليه وسلم، فسمع صوت عائشة عاليا وهي تقول: والله لقد علمت أن عليا أحب إليك من أبي" الحديث، فيكون علي ممن أبهمه عمرو بن العاص، وهو أيضا وإن كان في الظاهر يعارض حديث عمرو لكن يرجح حديث عمرو أنه من قول النبي صلى الله عليه وسلم وهذا من تقريره، ويمكن الجمع باختلاف جهة المحبة: فيكون في حق أبي بكر على عمومه بخلاف علي، ويصح حينئذ دخوله فيمن أبهمه عمرو، ومعاذ الله أن نقول كما تقول الرافضة من إبهام عمرو فيما روى لما كان بينه وبين علي رضي الله عنهما، فقد كان النعمان مع معاوية على علي ولم يمنعه ذلك من التحديث بمنقبة علي، ولا ارتياب في أن عمرا أفضل من النعمان، والله أعلم. الحديث: حديث أبي هريرة في قصة الذئب الذي كلم الراعي، وفي قصة البقرة التي كلمت من حملها، وقد تقدم الكلام على ما في إسناده في ذكر بني إسرائيل. قوله: "بينما راع في غنمه عدا عليه الذئب" الحديث لم أقف على اسم هذا الراعي، وقد أورد المصنف الحديث في ذكر بني إسرائيل، وهو مشعر بأنه عنده ممن كان قبل الإسلام، وقد وقع كلام الذئب لبعض الصحابة في نحو هذه القصة، فروى أبو نعيم في"الدلائل" من طريق ربيعة بن أوس عن أنيس بن عمرو عن أهبان بن أوس قال: "كنت في غنم لي، فشد الذئب على شاة منها، فصحت عليه فأقعى الذئب على ذنبه يخاطبني وقال: من لها يوم تشتغل عنها؟ تمنعني رزقا رزقنيه الله تعالى، فصفقت بيدي وقلت: والله ما رأيت شيئا أعجب من هذا، فقال: أعجب من هذا، هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم بين هذه النخلات يدعو إلى الله، قال فأتى أهبان إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره وأسلم" فيحتمل أن يكون أهبان لما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك كان أبو بكر وعمر حاضرين، ثم أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك وأبو بكر وعمر غائبين، فلذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: "فإني أومن بذلك وأبو بكر وعمر" وقد تقدمت هذه الزيادة في هذه القصة من وجه آخر عن أبي سلمة في المزارعة وفيه: "قال أبو سلمة: وما هما يومئذ في القوم" أي عند حكاية النبي صلى الله عليه وسلم ذلك. ويحتمل أن يكون صلى الله عليه وسلم قال ذلك لما اطلع عليه من غلبة صدق إيمانهما وقوة يقينهما، وهذا أليق بدخوله في مناقبهما. قوله: "يوم السبع" قال عياض: يجوز ضم الموحدة وسكونها، إلا أن الرواية بالضم. وقال الحربي: هو بالضم والسكون وجزم بأن المراد به الحيوان المعروف. وقال ابن العربي: هو بالإسكان والضم تصحيف، كذا قال. وقال ابن الجوزي: هو بالسكون والمحدثون يروونه بالضم وعلى هذا - أي الضم - فالمعنى إذا أخذها السبع لم يقدر على خلاصها منه فلا يرعاها حينئذ غيري، أي إنك تهرب منه وأكون أنا قريبا منه أرعى ما يفضل لي منها. وقال الداودي: معناه من لها يوم يطرقها السبع - أي الأسد - فتفر أنت منه فيأخذ منها حاجته وأتخلف أنا لا راعي لها حينئذ غيري، وقيل: إنما يكون ذلك عند الاشتغال بالفتن فتصير الغنم هملا فتنهبها السباع فيصير الذئب كالراعي لها لانفراده بها. وأما بالسكون فاختلف في المراد به فقيل: هو اسم الموضع الذي يقع فيه الحشر يوم القيامة، وهذا نقله الأزهري في"تهذيب اللغة" عن ابن الأعرابي، ويؤيده أنه وقع في بعض طرقه عن محمد بن عمرو بن علقمة عن أبي سلمة عن أبي هريرة "يوم القيامة" وقد تعقب هذا بأن الذئب حينئذ لا يكون راعيا للغنم ولا تعلق له بها، وقيل: هو اسم يوم عيد كان لهم في الجاهلية يشتغلون فيه باللهو واللعب فيغفل الراعي عن غنمه فيتمكن الذئب من الغنم، وإنما قال: "ليس لها راع غيري" مبالغة في تمكنه منها، وهذا
(7/27)

نقله الإسماعيلي عن أبي عبيدة، وقيل: هو من سبعت الرجل إذا ذعرته، أي من لها يوم الفزع؟ أو من أسبعته إذا أهملته، أي من لها يوم الإهمال. قال الأصمعي: السبع الهمل، وأسبع الرجل أغنامه إذا تركها تصنع ما تشاء، ورجح هذا القول النووي. وقيل: يوم الأكل، يقال سبع الذئب الشاة إذا أكلها. وحكى صاحب "المطالع" أنه روي بسكون التحتانية آخر الحروف وفسره بيوم الضياع، يقال أسبعت وأضيعت بمعنى، وهذا نقله ابن دحية عن إسماعيل القاضي عن علي بن المديني عن معمر بن المثنى، وقيل: المراد بيوم السبع يوم الشدة كما روي عن ابن عباس أنه سئل عن مسألة فقال: أجرأ من سبع، يريد أنها من المسائل الشداد التي يشتد فيها الخطب على المفتي، والله أعلم. قوله: "وبينما رجل يسوق بقرة" تقدم الكلام عليه في المزارعة، ووقع عند ابن حبان من طريق محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة في آخره في القصتين" فقال الناس آمنا بما آمن به رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وفي الحديث جواز التعجب من خوارق العادات، وتفاوت الناس في المعارف. حديث أبي هريرة في رؤيا النزع من القليب، وسيأتي شرحه في التعبير إن شاء الله تعالى. الحديث: حديث ابن عمر في الزجر عن جر الثوب خيلاء، وسيأتي شرحه في كتاب اللباس، وفيه فضيلة ظاهرة لأبي بكر لشحه على دينه، ولشهادة النبي صلى الله عليه وسلم بما ينافي ما يكره. قوله: "فقلت لسالم" هو مقولة موسى بن عقبة، وسيأتي هناك الإشارة إلى تسوية ابن عمر بين الثوب والإزار في الحكم. الحديث: حديث أبي هريرة فيمن أنفق زوجين أي شيئين. قوله: "من شيء من الأشياء" أي من أصناف المال. قوله: "في سبيل الله" أي في طلب ثواب الله، وهو أعم من الجهاد وغيره من العبادات. قوله: "دعي من أبواب يعني الجنة" كذا وقع هنا وكأن لفظة "الجنة" سقطت من بعض الرواة فلأجل مراعاة المحافظة على اللفظ زاد: "يعني"، وقد تقدم في الصيام من وجه آخر عن الزهري بلفظ: "من أبواب الجنة" بغير تردد. ومعنى الحديث أن كل عامل يدعى من باب ذلك العمل، وقد جاء ذلك صريحا من وجه آخر عن أبي هريرة "لكل عامل باب من أبواب الجنة يدعى منه بذلك العمل" أخرجه أحمد وابن شيبة بإسناد صحيح. قوله: "يا عبد الله هذا خير" لفظ: "خير" بمعنى فاضل لا بمعنى أفضل وإن كان اللفظ قد يوهم ذلك، ففائدته زيادة ترغيب السامع في طلب الدخول من ذلك الباب، وتقدم في أوائل الجهاد بيان الداعي من وجه آخر عن أبي هريرة ولفظه: "دعاه خزنة الجنة كل خزنة باب" أي خزنة كل باب "أي فل هلم"، ولفظة "فل" لغة في فلان، وهي بالضم، وكذا ثبت في الرواية، وقيل إنها ترخيمها فعلى هذا فتفتح اللام. قوله: "فمن كان من أهل الصلاة دعي من باب الصلاة" وقع في الحديث ذكر أربعة أبواب من أبواب الجنة، وتقدم في أوائل الجهاد" وإن أبواب الجنة ثمانية" وبقي من الأركان الحج فله باب بلا شك، وأما الثلاثة الأخرى فمنها باب الكاظمين الغيظ والعافين عن الناس رواه أحمد بن حنبل عن روح بن عبادة عن أشعث عن الحسن مرسلا "إن لله بابا في الجنة لا يدخله إلا من عفا عن مظلمة" ومنها الباب الأيمن وهو باب المتوكلين الذي يدخل منه من لا حساب عليه ولا عذاب، وأما الثالث فلعله باب الذكر فإن عند الترمذي ما يومئ إليه، ويحتمل أن يكون باب العلم والله أعلم، ويحتمل أن يكون بالأبواب التي يدعى منها أبواب من داخل أبواب الجنة الأصلية لأن الأعمال الصالحة أكثر عددا من ثمانية، والله أعلم. قوله: "فقال أبو بكر ما على هذا الذي يدعى من تلك الأبواب من ضرورة" زاد في الصيام "فهل يدعى أحد من تلك الأبواب كلها" وفي الحديث إشعار بقلة من يدعى من تلك الأبواب كلها، وفيه إشارة إلى أن المراد ما يتطوع به من الأعمال المذكورة
(7/28)

لا واجباتها لكثرة من يجتمع له العمل بالواجبات كلها، بخلاف التطوعات فقل من يجتمع له العمل بجميع أنواع التطوعات، ثم من يجتمع له ذلك إنما يدعى من جميع الأبواب على سبيل التكريم له، وإلا فدخوله إنما يكون من باب واحد، ولعله باب العمل الذي يكون أغلب عليه والله أعلم. وأما ما أخرجه مسلم عن عمر "من توضأ ثم قال أشهد أن لا إله إلا الله" الحديث وفيه: "فتحت له أبواب الجنة يدخل من أيها شاء" فلا ينافي ما تقدم وإن كان ظاهره أنه يعارضه، لأنه يحمل على أنها تفتح له على سبيل التكريم، ثم عند دخوله لا يدخل إلا من باب العلم الذي يكون أغلب عليه كما تقدم، والله أعلم. "تنبيه": الإنفاق في الصلاة والجهاد والعلم والحج ظاهر، وأما الإنفاق في غيرها فمشكل، ويمكن أن يكون المراد بالإنفاق في الصلاة فيما يتعلق بوسائلها من تحصيل آلاتها من طهارة وتطهير ثوب وبدن ومكان، والإنفاق في الصيام بما يقويه على فعله وخلوص القصد فيه، والإنفاق في العفو عن الناس يمكن أن يقع بترك ما يجب له من حق، والإنفاق في التوكل بما ينفقه على نفسه في مرضه المانع له من التصرف في طلب المعاش مع الصبر على المصيبة، أو ينفق على من أصابه مثل ذلك طلبا للثواب، والإنفاق في الذكر على نحو من ذلك، والله أعلم. وقيل المراد بالإنفاق في الصلاة والصيام بذل النفس فيهما، فإن العرب تسمي ما يبذله المرء من نفسه نفقة كما يقال أنفقت في طلب العلم عمري وبذلت فيه نفسي، وهذا معنى حسن. وأبعد من قال المراد بقوله: زوجين النفس والمال لأن المال في الصلاة والصيام ونحوهما ليس بظاهر إلا بالتأويل المتقدم، وكذلك من قال النفقة في الصيام تقع بتفطير الصائم والإنفاق عليه، لأن ذلك يرجع إلى باب الصدقة. قوله: "وأرجو أن تكون منهم" قال العلماء:الرجاء من الله ومن نبيه واقع، وبهذا التقرير يدخل الحديث في فضائل أبي بكر.ووقع في حديث ابن عباس عند ابن حبان في نحو هذا الحديث التصريح بالوقوع لأبي بكر ولفظه: "قال أجل وأنت هو يا أبا بكر" وفي الحديث من الفوائد أن من أكثر من شيء عرف به، وأن أعمال البر قل أن تجتمع جميعها لشخص واحد على السواء، وأن الملائكة يحبون صالحي بني آدم ويفرحون بهم، فإن الإنفاق كلما كان أكثر كان أفضل، وأن تمني الخير في الدنيا والآخرة مطلوب. حديث عائشة في الوفاة وقصة السقيفة، وسيأتي ما يتعلق بالوفاة في مكانها في أواخر المغازي، وأما السقيفة فتتضمن بيعة أبي بكر بالخلافة، وقد أوردها المصنف أيضا من طريق ابن عباس عن عمر في الحدود، وذكر شيئا منها في الأحكام من طريق أنس عن عمر أيضا، وأتمها رواية ابن عباس، وسأذكر هنا ما فيها من فائدة زائدة. قوله: "مات النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر بالسنح" تقدم ضبطه في أول الجنائز وأنه بسكون النون، وضبطه أبو عبيد البكري بضمها وقال: إنه منازل بني الحارث من الخزرج بالعوالي، وبينه وبين المسجد النبوي ميل. قوله: "قال إسماعيل" هو شيخ المصنف فيه وهو ابن أبي أويس، وقوله: "يعني بالعالية" أراد تفسير قول عائشة بالسنح. قوله: "ما كان يقع في نفسي إلا ذاك" يعني عدم موته صلى الله عليه وسلم حينئذ، وقد ذكر عمر مستنده في ذلك كما سأبينه في موضعه. قوله: "لا يذيقك الله الموتتين" تقدم شرحه في أوائل الجنائز، وقد تمسك به من أنكر الحياة في القبر، وأجيب عن أهل السنة المثبتين لذلك بأن المراد نفي الموت اللازم من الذي أثبته عمر بقوله: "وليبعثه الله في الدنيا ليقطع أيدي القائلين بموته" وليس فيه تعرض لما يقع في البرزخ، وأحسن من هذا الجواب أن يقال: إن حياته صلى الله عليه وسلم في القبر لا يعقبها موت بل يستمر حيا، والأنبياء أحياء في قبورهم، ولعل هذا هو الحكمة في تعريف الموتتين حيث قال لا يذيقك الله الموتتين أي المعروفتين المشهورتين الواقعتين لكل أحد غير الأنبياء،
(7/29)