باب لو كنت متخذا خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا 7
 
يذكرا فيه أبا سعيد، قال: ورواه زيد بن أبي أنيسة عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة، وكذلك قال نصر بن علي عن عبد الله بن داود، قال والصواب من روايات الأعمش عن أبي صالح عن أبي سعيد لا عن أبي هريرة، قال: وقد رواه عاصم عن أبي صالح فقال عن أبي هريرة والصحيح عن أبي صالح عن أبي سعيد انتهى، وقد سبق إلى ذلك علي ابن المديني فقال في "العلل": رواه الأعمش عن أبي صالح عن أبي سعيد، ورواه عاصم عن أبي صالح عن أبي هريرة، قال والأعمش أثبت في أبي صالح من عاصم، فعرف من كلامه أن من قال فيه عن أبي صالح عن أبي هريرة فقد شذ، وكأن سبب ذلك شهرة أبي صالح بالرواية عن أبي هريرة فيسبق إليه الوهم ممن ليس بحافظ، وأما الحفاظ فيميزون ذلك. ورواية زيد بن أبي أنيسة التي أشار إليها الدار قطني أخرجها الطبراني في "الأوسط" قال: ولم يروه عن الأعمش إلا زيد بن أبي أنيسة، ورواه شعبة وغيره عن الأعمش فقالوا: "عن أبي سعيد" انتهى. وأما رواية عاصم فأخرجها النسائي في "الكبرى" والبزار في مسنده وقال: ولم يروه عن عاصم إلا زائدة، وممن رواه عن الأعمش فقال: "عن أبي سعيد" أبو بكر بن عياش عند عبد بن حميد، ويحيى بن عيسى الرملي عند أبي عوانة، وأبو الأحوص عند ابن أبي خيثمة، وإسرائيل عند تمام الرازي. وأما ما حكاه الدار قطني عن رواية أبي عوانة فقد وقع لي من رواية مسدد وأبي كامل وشيبان عنه على الشك، قال في روايته: "عن أبي سعيد أو أبي هريرة" وأبو عوانة كان يحدث من حفظه فربما وهم، وحديثه من كتابه أثبت، ومن لم يشك أحق بالتقديم ممن شك، والله أعلم. وقد أمليت على هذا الموضع جزءا مفردا لخصت مقاصده هنا بعون الله تعالى. "تكملة": اختلف في ساب الصحابي، فقال عياض: ذهب الجمهور إلى أنه يعزر، وعن بعض المالكية يقتل، وخص بعض الشافعية ذلك بالشيخين والحسنين فحكى القاضي حسين في ذلك وجهين، وقواه السبكي في حق من كفر الشيخين، وكذا من كفر من صرح النبي صلى الله عليه وسلم بإيمانه أو تبشيره بالجنة إذا تواتر الخبر بذلك عنه لما تضمن من تكذيب رسول الله صلى الله عليه وسلم. الحديث: قوله: "عن شريك بن أبي نمر" هو ابن عبد الله، وأبو نمر جده. قوله: "خرج ووجه ها هنا" كذا للأكثر بفتح الواو وتشديد الجيم أي توجه أو وجه نفسه. وفي رواية الكشميهني بسكون الجيم بلفظ الاسم مضافا إلى الظرف أي جهة كذا. قوله: "حتى دخل بئر أريس" بفتح الألف وكسر الراء بعدها تحتانية ساكنة ثم مهملة: بستان بالمدينة معروف يجوز فيه الصرف وعدمه، وهو بالقرب من قباء. وفي بئرها سقط خاتم النبي صلى الله عليه وسلم من إصبع عثمان رضي الله عنه. قوله: "وتوسط قفها" بضم القاف وتشديد الفاء هو الداكة التي تجعل حول البئر، وأصله ما غلظ من الأرض وارتفع، والجمع قفاف. ووقع في رواية عثمان بن غياث عن أبي عثمان عند مسلم: "بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في حائط من حوائط المدينة وهو متكئ ينكت بعود معه بين الماء والطين". قوله: "فقلت لأكونن بوابا للنبي صلى الله عليه وسلم اليوم" ظاهره أنه اختار ذلك وفعله من تلقاء نفسه، وقد صرح بذلك في رواية محمد بن جعفر عن شريك في الأدب فزاد فيه: "ولم يأمرني" قال ابن التين: فيه أن المرء يكون بوابا للإمام وإن لم يأمره، كذا قال. وقد وقع في رواية أبي عثمان الآتية في مناقب عثمان عن أبي موسى "أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل حائطا وأمره بحفظ باب الحائط" ووقع في رواية عبد الرحمن بن حرملة عن سعيد بن المسيب في هذا الحديث: "فقال: يا أبا موسى املك علي الباب، فانطلق فقضى حاجته وتوضأ، ثم جاء فقعد على قف البئر" أخرجه أبو عوانة في صحيحه والروياني في مسنده. وفي رواية الترمذي من طريق أبي عثمان عن أبي موسى "فقال لي: يا أبا موسى املك علي الباب فلا يدخلن علي أحد"
(7/36)

فيجمع بينهما بأنه لما حدث نفسه بذلك صادف أمر النبي صلى الله عليه وسلم بأن يحفظ عليه الباب، وأما قوله: "ولم يأمرني" فيريد أنه لم يأمره أن يستمر بوابا، وإنما أمره بذلك قدر ما يقضي حاجته ويتوضأ ثم استمر هو من قبل نفسه، وسيأتي له توجيه آخر في خبر الواحد، فبطل أن يستدل به لما قاله ابن التين، والعجب أنه نقل ذلك بعد عن الداودي وهذا من مختلف الحديث، وكأنه خفي عليه وجه الجمع الذي قررته. ثم إن قول أبي موسى هذا لا يعارض قول أنس أنه صلى الله عليه وسلم لم يكن له بواب كما سبق في كتاب الجنائز لأن مراد أنس أنه لم يكن له بواب مرتب لذلك على الدوام. قوله: "فدفع الباب" في رواية أبي بكر "فجاء رجل يستأذن". قوله: "يبشرك بالجنة" زاد أبو عثمان في روايته: "فحمد الله" وكذا قال في عمر. قوله: "وقد تركت أخي يتوضأ ويلحقني" كان لأبي موسى أخوان أبو رهم وأبو بردة، وقيل إن له أخا آخر اسمه محمد، وأشهرهم أبو بردة واسمه عامر، وقد خرج عنه أحمد في مسنده حديثا. قوله: "فإذا إنسان يحرك الباب" فيه حسن الأدب في الاستئذان، قال ابن التين. ويحتمل أن يكون هذا قبل نزول قوله: {لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا} . قلت: وما أبعد ما قال، فقد وقع في رواية عبد الرحمن بن حرملة" فجاء رجل فاستأذن" وسيأتي في آخر مناقب عمر من طريق أبي عثمان النهدي عن أبي موسى بلفظ: "فجاء رجل فاستفتح" فعرف أن قوله: "يحرك الباب": إنما حركه مستأذنا لا دافعا له ليدخل بغير إذن. قوله: "فقال: عثمان، فقلت: على رسلك، فجئت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته، فقال: ائذن له" في رواية أبي عثمان "ثم جاء آخر يستأذن فسكت هنية ثم قال ائذن له". قوله: "وبشرك رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة على بلوى تصيبك" في رواية أبي عثمان "فحمد الله ثم قال: الله المستعان" وفي رواية عند أحمد "فجعل يقول: اللهم صبرا، حتى جلس" وفي رواية عبد الرحمن بن حرملة "فدخل وهو يحمد الله ويقول: اللهم صبرا" ووقع في حديث زيد بن أرقم عند البيهقي في" الدلائل" قال: "بعثني النبي صلى الله عليه وسلم فقال: انطلق حتى تأتي أبا بكر فقل له: إن النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ عليك السلام ويقول لك: أبشر بالجنة. ثم انطلق إلى عمر كذلك، ثم انطلق إلى عثمان كذلك وزاد: بعد بلاء شديد. قال فانطلق فذكر أنه وجدهم على الصفة التي قال له وقال: أين نبي الله؟ قلت في مكان كذا وكذا، فانطلق إليه. وقال في عثمان فأخذ بيدي حتى أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إن زيدا قال لي كذا، والذي بعثك بالحق ما تغنيت ولا تمنيت ولا مسست ذكري بيميني منذ بايعتك، فأي بلاء يصيبني؟ قال هو ذاك" قال البيهقي إسناده ضعيف، فإن كان محفوظا احتمل أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم أرسل زيد بن أرقم قبل أن يجيء أبو موسى، فلما جاءوا كان أبو موسى قد قعد على الباب فراسلهم على لسانه بنحو ما أرسل به إليهم زيد بن أرقم والله أعلم. قلت: ووقع نحو قصة أبي موسى لبلال وذلك فيما أخرجه أبو داود من طريق إسماعيل بن جعفر عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن نافع بن عبد الحارث الخزاعي قال: "دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم حائطا من حوائط المدينة فقال لبلال: أمسك علي الباب، فجاء أبو بكر يستأذن" فذكر نحوه. وأخرجه الطبراني في" الأوسط" من حديث أبي سعيد نحوه. وهذا إن صح حمل على التعدد. ثم ظهر لي أن فيه وهما من بعض رواته، فقد أخرجه أحمد عن يزيد بن هارون عن محمد بن عمرو وفي حديثه أن نافع بن عبد الحارث هو الذي كان يستأذن، وهو وهم أيضا، فقد رواه أحمد من طريق موسى بن عقبة عن أبي سلمة عن نافع فذكره وفيه: "فجاء أبو بكر فاستأذن فقال لأبي موسى فيما أعلم ائذن له" وأخرجه النسائي من طريق أبي الزناد عن أبي سلمة عن نافع بن عبد الحارث عن أبي موسى وهو الصواب، فرجع الحديث إلى أبي
(7/37)

موسى واتحدت القصة والله أعلم. وأشار صلى الله عليه وسلم بالبلوى المذكورة إلى ما أصاب عثمان في آخر خلافته من الشهادة يوم الدار، وقد ورد عنه صلى الله عليه وسلم أصرح من هذا فروى أحمد من طريق كليب بن وائل عن ابن عمر قال: "ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم فتنة، فمر رجل فقال: يقتل فيها هذا يومئذ ظلما. قال فنظرت فإذا هو عثمان" إسناده صحيح. قوله: "فجلس وجاهه" بضم الواو وبكسرها أي مقابله. قوله: "قال شريك" هو موصول بالإسناد الماضي. قوله: "قال سعيد بن المسيب: فأولتها قبورهم" فيه وقوع التأويل في اليقظة وهو الذي يسمى الفراسة والمراد اجتماع الصاحبين مع النبي صلى الله عليه وسلم في الدفن وانفراد عثمان عنهم في البقيع، وليس المراد خصوص صورة الجلوس الواقعة. وقد وقع في رواية عبد الرحمن بن حرملة عن سعيد بن المسيب "قال سعيد: فأولت ذلك انتباذ قبره من قبورهم" وسيأتي في الفتن بلفظ: "اجتمعت هاهنا وانفرد عثمان" ولو ثبت الخبر الذي أخرجه أبو نعيم عن عائشة في صفة القبور الثلاثة أبو بكر عن يمينه وعمر عن يساره لكان فيه تمام التشبيه، ولكن سنده ضعيف، وعارضه ما هو أصح منه. وأخرج أبو داود والحاكم من طريق القاسم بن محمد قال: "قلت لعائشة: يا أماه اكشفي لي عن قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبيه، فكشفت لي" الحديث وفيه: "فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا أبو بكر رأسه بين كتفيه، وعمر رأسه عند رجلي النبي صلى الله عليه وسلم". الحديث الثامن عشر: قوله: "حدثنا يحيى" هو ابن سعيد القطان وسعيد هو ابن أبي عروبة. قوله: "صعد أحدا" هو الجبل المعروف بالمدينة، ووقع في رواية لمسلم ولأبي يعلى من وجه آخر عن سعيد "حراء" والأول أصح، ولولا اتحاد المخرج لجوزت تعدد القصة، ثم ظهر لي أن الاختلاف فيه من سعيد. فإني وجدته في مسند الحارث بن أبي أسامة عن روح بن عبادة عن سعيد فقال فيه: "أحدا أو حراء" بالشك، وقد أخرجه أحمد من حديث بريدة بلفظ: "حراء" وإسناده صحيح، وأخرجه أبو يعلى من حديث سهل بن سعد بلفظ: "أحد" وإسناده صحيح، فقوى احتمال تعدد القصة، وتقدم في أواخر الوقف من حديث عثمان أيضا نحوه وفيه: "حراء". وأخرج مسلم من حديث أبي هريرة ما يؤيد تعدد القصة فذكر أنه كان على حراء ومعه المذكورون هنا وزاد معهم غيرهم، والله أعلم. قوله: "وأبو بكر وعمر" قال ابن التين: إنما رفع أبو بكر عطفا على الضمير المرفوع الذي في"صعد" وهو جائز اتفاقا لوجود الحائل وهو قوله: "أحدا" وهو بخلاف قوله الآتي في آخر الباب: "كنت وأبو بكر وعمر. وقوله: "اثبت" وقع في مناقب عمر "فضربه برجله وقال اثبت" بلفظ الأمر من الثبات وهو الاستقرار، وأحد منادى ونداؤه وخطابه يحتمل المجاز، وحمله على الحقيقة أولى. وقد تقدم شيء منه في قوله: "أحد جبل يحبنا ونحبه" ويؤيده ما وقع في مناقب عمر أنه ضربه برجله وقال اثبت. قوله: "فإنما عليك نبي وصديق وشهيدان" في رواية يزيد بن زريع عن سعيد الآتية في مناقب عمر "فما عليك إلا نبي أو صديق أو شهيد" و"أو" فيها للتنويع و"شهيد" للجنس. الحديث: قوله: "حدثنا أحمد بن سعيد أبو عبد الله" هو الرباطي واسم جده إبراهيم، وأما السرخسي فكنيته أبو جعفر، واسم جده صخر. قوله: "حدثنا صخر" هو ابن جويرية. قوله: "بينا أنا على بئر" أي في المنام كما تقدم التصريح به في هذا الباب من حديث أبي هريرة "بينا أنا نائم" وسبق من وجه آخر عن ابن عمر قبل مناقب الصحابة بباب "رأيت الناس مجتمعين في صعيد واحد" ويأتي في مناقب عمر بلفظ: "رأيت في المنام". قوله: "أنزع منها" أي أملأ الماء بالدلو. قوله: "فنزع ذنوبا أو ذنوبين" بفتح المعجمة وبالنون وآخره موحدة: الدلو الكبيرة إذا كان فيها الماء واتفق من شرح هذا الحديث على أن ذكر الذنوب إشارة إلى مدة
(7/38)