باب مَنَاقِبِ عَمَّارٍ وَحُذَيْفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا
 
3742حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ عَنْ الْمُغِيرَةِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ قَالَ قَدِمْتُ الشَّأْمَ فَصَلَّيْتُ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ قُلْتُ اللَّهُمَّ يَسِّرْ لِي جَلِيسًا صَالِحًا فَأَتَيْتُ قَوْمًا فَجَلَسْتُ إِلَيْهِمْ فَإِذَا شَيْخٌ قَدْ جَاءَ حَتَّى جَلَسَ إِلَى جَنْبِي قُلْتُ مَنْ هَذَا قَالُوا أَبُو الدَّرْدَاءِ فَقُلْتُ إِنِّي دَعَوْتُ اللَّهَ أَنْ يُيَسِّرَ لِي جَلِيسًا صَالِحًا فَيَسَّرَكَ لِي قَالَ مِمَّنْ أَنْتَ قُلْتُ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ قَالَ أَوَلَيْسَ عِنْدَكُمْ ابْنُ أُمِّ عَبْدٍ صَاحِبُ النَّعْلَيْنِ وَالْوِسَادِ وَالْمِطْهَرَةِ وَفِيكُمْ الَّذِي أَجَارَهُ اللَّهُ مِنْ الشَّيْطَانِ يَعْنِي عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوَلَيْسَ فِيكُمْ صَاحِبُ سِرِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي لاَ يَعْلَمُهُ أَحَدٌ غَيْرُهُ ثُمَّ قَالَ كَيْفَ يَقْرَأُ عَبْدُ اللَّهِ {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى} فَقَرَأْتُ عَلَيْهِ {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى وَالذَّكَرِ وَالأُنْثَى} قَالَ: وَاللَّهِ لَقَدْ أَقْرَأَنِيهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ فِيهِ إِلَى فِيَّ"
3743-حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ مُغِيرَةَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ "ذَهَبَ عَلْقَمَةُ إِلَى الشَّأْمِ،
(7/90)

فَلَمَّا دَخَلَ الْمَسْجِدَ قَالَ اللَّهُمَّ يَسِّرْ لِي جَلِيسًا صَالِحًا فَجَلَسَ إِلَى أَبِي الدَّرْدَاءِ فَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ مِمَّنْ أَنْتَ قَالَ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ قَالَ أَلَيْسَ فِيكُمْ أَوْ مِنْكُمْ صَاحِبُ السِّرِّ الَّذِي لاَ يَعْلَمُهُ غَيْرُهُ يَعْنِي حُذَيْفَةَ قَالَ قُلْتُ بَلَى قَالَ أَلَيْسَ فِيكُمْ أَوْ مِنْكُمْ الَّذِي أَجَارَهُ اللَّهُ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْنِي مِنْ الشَّيْطَانِ يَعْنِي عَمَّارًا قُلْتُ بَلَى قَالَ أَلَيْسَ فِيكُمْ أَوْ مِنْكُمْ صَاحِبُ السِّوَاكِ وَالْوِسَادِ أَوْ السِّرَارِ قَالَ بَلَى قَالَ كَيْفَ كَانَ عَبْدُ اللَّهِ يَقْرَأُ {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى} قُلْتُ "وَالذَّكَرِ وَالأُنْثَى" قَالَ مَا زَالَ بِي هَؤُلاَءِ حَتَّى كَادُوا يَسْتَنْزِلُونِي عَنْ شَيْءٍ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ".
قوله: "باب مناقب عمار وحذيفة" أما عمار فهو ابن ياسر، يكنى أبا اليقظان العنسي بالنون، وأمه سمية بالمهملة مصغر، أسلم هو وأبوه قديما، وعذبوا لأجل الإسلام، وقتل أبو جهل أمه فكانت أول شهيد في الإسلام ومات أبوه قديما، وعاش هو إلى أن قتل بصفين مع علي رضي الله عنهم، وكان قد ولي شيئا من أمور الكوفة لعمر فلهذا نسبه أبو الدرداء إليها. وأما حذيفة فهو ابن اليمان بن جابر بن عمرو العبسي بالموحدة حليف بني عبد الأشهل من الأنصار، وأسلم هو وأبوه اليمان كما سيأتي، وولي حذيفة بعض أمور الكوفة لعمر، وولي إمرة المدائن، ومات بعد قتل عثمان بيسير بها، وكان عمار من السابقين الأولين، وحذيفة من القدماء في الإسلام أيضا إلا أنه متأخر فيه عن عمار، وإنما جمع المصنف بينهما في الترجمة لوقوع الثناء عليهما من أبي الدرداء في حديث واحد وقد أفرد ذكر ابن مسعود، وإن كان ذكر معهما لوجوده ما يوافق شرطه غير ذلك من مناقبه، وقد أفرد ذكر حذيفة في أواخر المناقب، وهو مما يؤيد ما سنذكره أنه لم يهذب ترتيب من ذكره من أصحاب هذه المناقب، ويحتمل أن يكون إفراده بالذكر لأنه أراد ذكر ترجمة والده اليمان.قوله: "عن إبراهيم عن علقمة مال: قدمت الشام" في رواية شعبة التي بعد هذه عن إبراهيم قال: "ذهب علقمة إلى الشام" وهذا الثاني صورته مرسل، لكن قال في أثنائه" قال: قلت: بلى" فاقتضى أنه موصول، ووقع في التفسير من وجه آخر عن إبراهيم عن علقمة قال: "قدمت الشام في نفر من أصحاب ابن مسعود، فسمع بنا أبو الدرداء فأتانا".قوله: "حتى يجلس إلى جنبي" أي يجعل غاية مجيئه جلوسه، وعبر بلفظ المضارع مبالغة، زاد الإسماعيلي في روايته: "فقلت: الحمد لله، إني لأرجو أن يكون الله استجاب دعوتي". قوله: "قالوا أبو الدرداء" لم أقف على اسم القائل. قوله: "قال أو ليس عندكم ابن أم عبد" يعني عبد الله بن مسعود، ومراد أبي الدرداء بذلك أنه فهم منهم أنهم قدموا في طلب العلم، فبين لهم أن عندهم من العلماء من لا يحتاجون معهم إلى غيرهم، ويستفاد منه أن المحدث لا يرحل عن بلده حتى يستوعب ما عند مشايخها. قوله: "صاحب النعلين" أي نعلي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان ابن مسعود يحملهما ويتعاهدهما. قوله: "والوساد" في رواية شعبة" صاحب السواك - بالكاف - أو السواد" بالدال ووقع في رواية الكشميهني هنا" الوساد" ورواية غيره أوجه، والسواد السرار براءين يقال ساودته سوادا أي ساررته سرارا، وأصله أدنى السواد وهو الشخص من السواد. قوله: "والمطهرة" في رواية السرخسي "والمطهر" بغير هاء، وأغرب الداودي فقال: معناه أنه لم يكن يملك من الجهاز غير هذه الأشياء الثلاثة، كذا قال، وتعقب ابن التين كلامه فأصاب، وقد روى مسلم عن ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له
(7/91)

"إذنك علي أن ترفع الحجاب وتسمع سوادي" أي سراري، وهي خصوصية لابن مسعود، وسيأتي في مناقبه قريبا حديث أبي موسى" قدمت أنا وأختي من اليمن، فمكثنا حينا لا نرى إلا أن عبد الله بن مسعود رجل من أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم، لما نرى من دخوله ودخول أمه" والصواب ما قال غير الداودي أن المراد الثناء عليه بخدمة النبي صلى الله عليه وسلم وأنه لشدة ملازمته له لأجل هذه الأمور ينبغي أن يكون عنده من العلم ما يستغني طالبه به عن غيره. قوله: "أفيكم" بهمزة الاستفهام. وفي رواية الكشميهني: "وفيكم" بواو العطف. وفي رواية شعبة "أليس فيكم أو منكم" بالشك في الموضعين. قوله: "الذي أجاره الله من الشيطان، يعني على لسان نبيه" في رواية شعبة" أجاره الله على لسان نبيه يعني من الشيطان" وزاد في رواية شعبة" يعني عمارا" وزعم ابن التين أن المراد بقوله: "على لسان نبيه" قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ويح عمار يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار" وهو محتمل، ويحتمل أن يكون المراد بذلك حديث عائشة مرفوعا: "ما خير عمار بين أمرين إلا اختار أرشدهما" أخرجه الترمذي، ولأحمد من حديث ابن مسعود مثله أخرجهما الحاكم، فكونه يختار أرشد الأمرين دائما يقتضي أنه قد أجبر من الشيطان الذي من شأنه الأمر بالغي، وروى البزار من حديث عائشة "سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: مليء إيمانا إلى مشاشه " يعني عمارا وإسناده صحيح، ولابن سعد في"الطبقات" من طريق الحسن قال: "قال عمار: نزلنا منزلا فأخذت قربتي ودلوي لأستقي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: سيأتيك من يمنعك من الماء، فلما كنت على رأس الماء إذا رجل أسود كأنه مرس، فصرعته" فذكر الحديث، وفيه قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ذاك الشيطان" فلعل ابن مسعود أشار إلى هذه القصة، ويحتمل أن تكون الإشارة بالإجازة المذكورة إلى ثباته على الإيمان لما أكرهه المشركون على النطق بكلمة الكفر، فنزلت فيه: {إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْأِيمَانِ} وقد جاء في حديث آخر" إن عمارا مليء إيمانا إلى مشاشه" أخرجه النسائي بسند صحيح، والمشاش بضم الميم ومعجمتين الأولى خفيفة، وهذه الصفة لا تقع إلا ممن أجاره الله من الشيطان، وقد تقدم شرح الحديث الذي أشار إليه ابن التين في "باب التعاون في بناء المسجد" مستوفى ولله الحمد. قوله: "أو ليس فيكم صاحب سر النبي صلى الله عليه وسلم الذي لا يعلم أحد غيره" كذا فيه بحذف المفعول. وفي رواية الكشميهني: "الذي لا يعلمه" والمراد بالسر ما أعلمه به النبي صلى الله عليه وسلم من أحوال المنافقين. قوله: "ثم قال: كيف يقرأ عبد الله" يعني ابن مسعود، وسيأتي الكلام على ما يتعلق بهذا القدر من القراءة في تفسير {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى} إن شاء الله تعالى حيث أورده المصنف وفيه زيادة فيما يتعلق به على ما هنا. "تنبيه": توارد أبو هريرة في وصف المذكورين مع أبي الدرداء بما وصفهم به وزاد عليه، فروى الترمذي من طريق خيثمة بن عبد الرحمن قال: "أتيت المدينة فسألت الله أن يسر لي جليسا صالحا، فيسر لي أبا هريرة فقال: ممن أنت؟ قلت: من الكوفة، جئت ألتمس الخير، قال: أليس منكم سعد بن مالك مجاب الدعوة، وابن مسعود صاحب طهور رسول الله صلى الله عليه وسلم ونعليه، وحذيفة صاحب سره، وعمار الذي أجاره الله من الشيطان على لسان نبيه، وسلمان صاحب الكتابين".
(7/92)

باب مناقب أبي عبيدة بن الجراح وباب ذكر مصعب بن عمير
...