باب قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "اقْبَلُوا مِنْ مُحْسِنِهِمْ وَتَجَاوَزُوا عَنْ مُسِيئِهِمْ"
 
3799-حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى أَبُو عَلِيٍّ حَدَّثَنَا شَاذَانُ أَخُو عَبْدَانَ حَدَّثَنَا أَبِي أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ بْنُ الْحَجَّاجِ عَنْ هِشَامِ بْنِ زَيْدٍ قَالَ سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ مَرَّ أَبُو بَكْرٍ وَالْعَبَّاسُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا بِمَجْلِسٍ مِنْ مَجَالِسِ
(7/120)

الأَنْصَارِ وَهُمْ يَبْكُونَ فَقَالَ مَا يُبْكِيكُمْ قَالُوا ذَكَرْنَا مَجْلِسَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَّا فَدَخَلَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ بِذَلِكَ قَالَ فَخَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ عَصَبَ عَلَى رَأْسِهِ حَاشِيَةَ بُرْدٍ قَالَ فَصَعِدَ الْمِنْبَرَ وَلَمْ يَصْعَدْهُ بَعْدَ ذَلِكَ الْيَوْمِ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ "أُوصِيكُمْ بِالأَنْصَارِ فَإِنَّهُمْ كَرِشِي وَعَيْبَتِي وَقَدْ قَضَوْا الَّذِي عَلَيْهِمْ وَبَقِيَ الَّذِي لَهُمْ فَاقْبَلُوا مِنْ مُحْسِنِهِمْ وَتَجَاوَزُوا عَنْ مُسِيئِهِمْ"
[الحديث: 3799-طرفه في: 3801]
3800-حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يَعْقُوبَ حَدَّثَنَا ابْنُ الْغَسِيلِ سَمِعْتُ عِكْرِمَةَ يَقُولُ سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَقُولُ خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَيْهِ مِلْحَفَةٌ مُتَعَطِّفًا بِهَا عَلَى مَنْكِبَيْهِ وَعَلَيْهِ عِصَابَةٌ دَسْمَاءُ حَتَّى جَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ "أَمَّا بَعْدُ أَيُّهَا النَّاسُ فَإِنَّ النَّاسَ يَكْثُرُونَ وَتَقِلُّ الأَنْصَارُ حَتَّى يَكُونُوا كَالْمِلْحِ فِي الطَّعَامِ فَمَنْ وَلِيَ مِنْكُمْ أَمْرًا يَضُرُّ فِيهِ أَحَدًا أَوْ يَنْفَعُهُ فَلْيَقْبَلْ مِنْ مُحْسِنِهِمْ وَيَتَجَاوَزْ عَنْ مُسِيئِهِمْ"
3801-حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ سَمِعْتُ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "الأَنْصَارُ كَرِشِي وَعَيْبَتِي وَالنَّاسُ سَيَكْثُرُونَ وَيَقِلُّونَ فَاقْبَلُوا مِنْ مُحْسِنِهِمْ وَتَجَاوَزُوا عَنْ مُسِيئِهِمْ"
قوله: "باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: اقبلوا من محسنهم وتجاوزوا عن مسيئهم " يعني الأنصار. قوله: "حدثني محمد بن يحيى أبو علي" هو اليشكري المروزي الصائغ كان أحد الحفاظ، مات قبل البخاري بأربع سنين.قوله: "حدثنا شاذان أخو عبدان" هو عبد العزيز بن عثمان بن جبلة، وهو أصغر من أخيه عبدان، وقد أكثر البخاري عن عبدان وأدرك شاذان.قوله: "مر أبو بكر" أي الصديق "والعباس" أي ابن عبد المطلب، وكان ذلك في مرض النبي صلى الله عليه وسلم وهم يبكون.قوله: "فقال ما يبكيكم"؟ لم أقف على اسم الذي خاطبهم بذلك هل هو أبو بكر أو العباس، ويظهر لي أنه العباس.قوله: "ذكرنا مجلس النبي صلى الله عليه وسلم" أي الذي كانوا يجلسونه معه، وكان ذلك في مرض النبي صلى الله عليه وسلم فخشوا أن يموت من مرضه فيفقدوا مجلسه، فبكوا حزنا على فوات ذلك.قوله: "فدخل" كذا أفرد بعد أن ثنى، والمراد به من خاطبهم، وقد قدمت رجحان أنه العباس لكون الحديث من رواية ابنه وكأنه إنما سمع ذلك منه.قوله: "حاشية برد" في رواية المستملي حاشية بردة بزيادة هاء التأنيث.قوله: "أوصيكم بالأنصار" استنبط منه بعض الأئمة أن الخلافة لا تكون في الأنصار لأن من فيهم الخلافة يوصون ولا يوصى بهم، ولا دلالة فيه إذ لا مانع من ذلك.قوله: "كرشي وعيبتي" أي بطانتي وخاصتي قال القزاز: ضرب المثل بالكرش لأنه مستقر غذاء الحيوان الذي يكون فيه نماؤه، ويقال: لفلان كرش منثورة أي عيال كثيرة، والعيبة بفتح المهملة وسكون المثناة بعدها موحدة ما يحرز فيه الرجل نفيس ما عنده، يريد أنهم موضع سره وأمانته قال ابن دريد: هذا من كلامه صلى الله عليه وسلم الموجز الذي لم يسبق إليه.وقال غيره: الكرش بمنزلة المعدة للإنسان، والعيبة
(7/121)

مستودع الثياب والأول أمر باطن والثاني أمر ظاهر، فكأنه ضرب المثل بهما في إرادة اختصاصهم بأموره الباطنة والظاهرة، والأول أولى، وكل من الأمرين مستودع لما يخفى فيه.قوله: "وقد قضوا الذي عليهم وبقي الذي لهم" يشير إلى ما وقع لهم ليلة العقبة من المبايعة، فإنهم بايعوا على أن يوءووا النبي صلى الله عليه وسلم وينصروه على أن لهم الجنة، فوفوا بذلك.قوله: "حدثنا ابن الغسيل" هو عبد الرحمن بن سليمان بن عبد الله بن حنظلة الأنصاري، وحنظلة هو غسيل الملائكة، وعبد الرحمن المذكور يكنى أبا سليمان.قوله: "ملحفة" بكسر أوله.قوله: "متعطفا بها" أي متوشحا مرتديا، والعطاف الرداء سمي بذلك لوضعه على العطفين وهما ناحيتا العنق، ويطلق على الأردية معاطف.قوله: "وعليه عصابة" بكسر أوله وهي ما يشد به الرأس وغيرها، وقيل في الرأس بالتاء وفي غير الرأس يقال عصاب فقط، وهذا يرده قوله في الحديث الذي أخرجه مسلم: "عصب بطنه بعصابة".قوله: "دسماء" أي لكونها كلون الدسم وهو الدهن، وقيل: المراد أنها سوداء لكن ليست خالصة السواد، ويحتمل أن تكون اسودت من العرق أو من الطيب كالغالية.ووقع في الجمعة "دسمة" بكسر السين، وقد تبين من حديث أنس الذي قبله أنها كانت حاشية البرد، والحاشية غالبا تكون من لون غير لون الأصل، وقيل: المراد بالعصابة العمامة ومنه حديث المسح على العصائب.قوله: "حتى جلس على المنبر" تبين من حديث أنس الذي قبله سبب ذلك، وعرف أن ذلك كان في مرض موته صلى الله عليه وسلم وصرح به في علامات النبوة، وتقدم في الجمعة من هذا الوجه وزاد: "وكان آخر مجلس جلسه".قوله في حديث أنس "وإن الناس سيكثرن ويقلون" أي أن الأنصار يقلون، وفيه إشارة إلى دخول قبائل العرب والعجم في الإسلام وهم أضعاف أضعاف قبيلة الأنصار، فمهما فرض في الأنصار من الكثرة كالتناسل فرض في كل طائفة من أولئك، فهم أبدا بالنسبة إلى غيرهم قليل، ويحتمل أن يكون صلى الله عليه وسلم اطلع على أنهم يقلون مطلقا فأخبر بذلك فكان كما أخبر لأن الموجودين الآن من ذرية علي بن أبي طالب ممن يتحقق نسبه إليه أضعاف من يوجد من قبيلتي الأوس والخزرج ممن يتحقق نسبه وقس على ذلك، ولا التفات إلى كثرة من يدعي أنه منهم بغير برهان.وقوله: "حتى يكونوا كالملح في الطعام" في علامات النبوة "بمنزلة الملح في الطعام" أي في القلة، لأنه جعل غاية قلتهم الانتهاء إلى ذلك، والملح بالنسبة إلى جملة الطعام جزء يسير منه والمراد بذلك المعتدل. .قوله: "فمن ولي منكم أمرا يضر فيه أحدا أو ينفعه" قيل: فيه إشارة إلى أن الخلافة لا تكون في الأنصار.قلت: وليس صريحا في ذلك إذ لا يمتنع التوصية على تقدير أن يقع الجور، ولا التوصية للمتبوع سواء كان منهم أو من غيرهم.قوله: "ويتجاوزون عن مسيئهم" أي في غير الحدود وحقوق الناس
(7/122)