باب حَدِيثُ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ
 
3826- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ حَدَّثَنَا فُضَيْلُ بْنُ سُلَيْمَانَ حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ حَدَّثَنَا سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا "أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَقِيَ زَيْدَ بْنَ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ بِأَسْفَلِ بَلْدَحٍ قَبْلَ أَنْ يَنْزِلَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْوَحْيُ فَقُدِّمَتْ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُفْرَةٌ فَأَبَى أَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا ثُمَّ قَالَ زَيْدٌ إِنِّي لَسْتُ آكُلُ مِمَّا تَذْبَحُونَ عَلَى أَنْصَابِكُمْ وَلاَ آكُلُ إِلاَّ مَا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَأَنَّ زَيْدَ بْنَ عَمْرٍو كَانَ يَعِيبُ عَلَى قُرَيْشٍ ذَبَائِحَهُمْ وَيَقُولُ الشَّاةُ خَلَقَهَا اللَّهُ وَأَنْزَلَ لَهَا مِنْ السَّمَاءِ الْمَاءَ وَأَنْبَتَ لَهَا مِنْ الأَرْضِ ثُمَّ تَذْبَحُونَهَا عَلَى غَيْرِ اسْمِ اللَّهِ إِنْكَارًا لِذَلِكَ وَإِعْظَامًا لَهُ".
[الحديث 3826- طرفه في: 5499]
3827- قَالَ مُوسَى حَدَّثَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَلاَ أَعْلَمُهُ إِلاَّ تَحَدَّثَ بِهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ "أَنَّ زَيْدَ بْنَ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ خَرَجَ إِلَى الشَّأْمِ يَسْأَلُ عَنْ الدِّينِ وَيَتْبَعُهُ فَلَقِيَ عَالِمًا مِنْ الْيَهُودِ فَسَأَلَهُ عَنْ دِينِهِمْ فَقَالَ إِنِّي لَعَلِّي أَنْ أَدِينَ دِينَكُمْ فَأَخْبِرْنِي فَقَالَ لاَ تَكُونُ عَلَى دِينِنَا حَتَّى تَأْخُذَ بِنَصِيبِكَ مِنْ غَضَبِ اللَّهِ قَالَ زَيْدٌ مَا أَفِرُّ إِلاَّ مِنْ غَضَبِ اللَّهِ وَلاَ أَحْمِلُ مِنْ غَضَبِ اللَّهِ شَيْئًا أَبَدًا وَأَنَّى أَسْتَطِيعُهُ فَهَلْ تَدُلُّنِي عَلَى غَيْرِهِ قَالَ مَا أَعْلَمُهُ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ حَنِيفًا قَالَ زَيْدٌ وَمَا الْحَنِيفُ قَالَ دِينُ إِبْرَاهِيمَ لَمْ يَكُنْ يَهُودِيًّا وَلاَ نَصْرَانِيًّا وَلاَ يَعْبُدُ إِلاَّ اللَّهَ فَخَرَجَ زَيْدٌ فَلَقِيَ عَالِمًا مِنْ النَّصَارَى فَذَكَرَ مِثْلَهُ فَقَالَ لَنْ تَكُونَ عَلَى دِينِنَا حَتَّى تَأْخُذَ بِنَصِيبِكَ مِنْ لَعْنَةِ اللَّهِ قَالَ مَا أَفِرُّ إِلاَّ مِنْ لَعْنَةِ اللَّهِ وَلاَ أَحْمِلُ مِنْ لَعْنَةِ اللَّهِ وَلاَ مِنْ غَضَبِهِ شَيْئًا أَبَدًا وَأَنَّى أَسْتَطِيعُ فَهَلْ تَدُلُّنِي عَلَى غَيْرِهِ قَالَ مَا أَعْلَمُهُ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ حَنِيفًا قَالَ وَمَا الْحَنِيفُ قَالَ دِينُ إِبْرَاهِيمَ لَمْ يَكُنْ يَهُودِيًّا وَلاَ نَصْرَانِيًّا وَلاَ يَعْبُدُ إِلاَّ اللَّهَ فَلَمَّا رَأَى زَيْدٌ قَوْلَهُمْ فِي إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلاَم خَرَجَ فَلَمَّا بَرَزَ رَفَعَ يَدَيْهِ فَقَالَ اللَّهُمَّ إِنِّي أَشْهَدُ أَنِّي عَلَى دِينِ إِبْرَاهِيمَ"
(7/142)

3828- وَقَالَ اللَّيْثُ كَتَبَ إِلَيَّ هِشَامٌ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَتْ "رَأَيْتُ
زَيْدَ بْنَ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ قَائِمًا مُسْنِدًا ظَهْرَهُ إِلَى الْكَعْبَةِ يَقُولُ يَا مَعَاشِرَ قُرَيْشٍ وَاللَّهِ مَا مِنْكُمْ عَلَى دِينِ إِبْرَاهِيمَ غَيْرِي وَكَانَ يُحْيِي الْمَوْءُودَةَ يَقُولُ لِلرَّجُلِ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَقْتُلَ ابْنَتَهُ لاَ تَقْتُلْهَا أَنَا أَكْفِيكَهَا مَئُونَتَهَا فَيَأْخُذُهَا فَإِذَا تَرَعْرَعَتْ قَالَ لِأَبِيهَا إِنْ شِئْتَ دَفَعْتُهَا إِلَيْكَ وَإِنْ شِئْتَ كَفَيْتُكَ مَئُونَتَهَا"
"باب حديث زيد بن عمرو بن نفيل" هو ابن عم عمر بن الخطاب بن نفيل، وقد تقدم نسبه في ترجمته.
وهو والد سعيد بن زيد أحد العشرة؛ وكان ممن طلب التوحيد وخلع الأوثان وجانب الشرك، لكنه مات قبل المبعث، فروى محمد بن سعد والفاكهي من حديث عامر بن ربيعة حليف بني عدي بن كعب قال: "قال لي زيد بن عمرو: إني خالفت قومي، واتبعت ملة إبراهيم وإسماعيل وما كانا يعبدان، وكانا يصليان إلى هذه القبلة، وأنا أنتظر نبيا من بني إسماعيل يبعث، ولا أراني أدركه، وأنا أومن به وأصدقه وأشهد أنه نبي، وإن طالت بك حياة فأقره مني السلام. قال عامر: فلما أسلمت أعلمت النبي صلى الله عليه وسلم بخبره قال: فرد عليه السلام وترحم عليه، قال: ولقد رأيته في الجنة يسحب ذيولا" وروى البزار والطبراني من حديث سعيد بن زيد قال: "خرج زيد بن عمرو وورقة بن نوفل يطلبان الدين، حتى أتيا الشام، فتنصر ورقة وامتنع زيد، فأتى الموصل فلقي راهبا فعرض عليه النصرانية فامتنع" وذكر الحديث نحو حديث ابن عمر الآتي في ترجمته وفيه: "قال سعيد بن زيد فسألت أنا وعمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن زيد فقال: غفر الله له ورحمه، فإنه مات على دين إبراهيم"، وروى الزبير بن بكار من طريق هشام بن عروة قال: "بلغنا أن زيدا كان بالشام، فبلغه مخرج النبي صلى الله عليه وسلم؛ فأقبل يريده فقتل بمضيعة من أرض البلقاء" وقال ابن إسحاق: لما توسط بلاد لخم قتلوه، وقيل: إنه مات قبل المبعث بخمس سنين عند بناء قريش الكعبة. قوله: "بأسفل بلدح" هو مكان في طريق التنعيم بفتح الموحدة والمهملة بينهما لام ساكنة وآخره مهملة، ويقال هو واد. قوله: "فقدمت" بضم القاف. قوله: "إلى النبي صلى الله عليه وسلم" كذا للأكثر. وفي رواية الجرجاني" فقدم إليه النبي صلى الله عليه وسلم سفرة" قال عياض: الصواب الأول، قلت: رواية الإسماعيلي توافق رواية الجرجاني، وكذا أخرجه الزبير بن بكار والفاكهي وغيرهما. وقال ابن بطال: كانت السفرة لقريش قدموها للنبي صلى الله عليه وسلم فأبى أن يأكل منها فقدمها النبي صلى الله عليه وسلم لزيد بن عمرو فأبى أن يأكل منها وقال مخاطبا لقريش الذين قدموها أولا: "إنا لا نأكل ما ذبح على أنصابكم" انتهى. وما قاله محتمل، لكن لا أدري من أين له الجزم بذلك، فإني لم أقف عليه في رواية أحد. وقد تبعه ابن المنير في ذلك وفيه ما فيه. قوله: "على أنصابكم" بالمهملة جمع نصب بضمتين وهي أحجار كانت حول الكعبة يذبحون عليها للأصنام، قال الخطابي: كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يأكل مما يذبحون عليها للأصنام، ويأكل ما عدا ذلك وإن كانوا لا يذكرون اسم الله عليه، لأن الشرع لم يكن نزل بعد، بل لم ينزل الشرع بمنع أكل ما لم يذكر اسم الله عليه إلا بعد المبعث بمدة طويلة. قلت: وهذا الجواب أولى مما ارتكبه ابن بطال، وعلى تقدير أن يكون حارثة ذبح على الحجر المذكور فإنما يحمل على أنه إنما ذبح عليه لغير الأصنام، وأما قوله تعالى: {وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ} فالمراد به ما ذبح عليها للأصنام، ثم قال الخطابي: وقيل: لم ينزل على النبي صلى الله عليه وسلم في تحريم ذلك شيء. قلت: وفيه نظر، لأنه كان قبل المبعث فهو من تحصيل الحاصل: وقد وقع في حديث سعيد بن زيد الذي قدمته وهو عند أحمد" وكان ابن
(7/143)

زيد يقول: عذت بما عاذ به إبراهيم، ثم يخر ساجدا للكعبة، قال: فمر بالنبي صلى الله عليه وسلم وزيد بن حارثة وهما يأكلان من سفرة لهما فدعياه فقال: يا ابن أخي لا آكل مما ذبح على النصب، قال: فما رؤي النبي صلى الله عليه وسلم يأكل مما ذبح على النصب من يومه ذلك". وفي حديث زيد بن حارثة عند أبي يعلى والبزار وغيرهما قال: "خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما من مكة وهو مردفي، فذبحنا شاة على بعض الأنصاب فأنضجناها، فلقينا زيد بن عمرو" فذكر الحديث مطولا وفيه: "فقال زيد: إني لا آكل مما لم يذكر اسم الله عليه" قال الداودي: كان النبي صلى الله عليه وسلم قبل المبعث يجانب المشركين في عاداتهم، لكن لم يكن يعلم ما يتعلق بأمر الذبح، وكان زيد قد علم ذلك من أهل الكتاب الذين لقيهم. وقال السهيلي: فإن قيل فالنبي صلى الله عليه وسلم كان أولى من زيد بهذه الفضيلة، فالجواب أنه ليس في الحديث أنه صلى الله عليه وسلم أكل منها، وعلى تقدير أن يكون أكل فزيد إنما كان يفعل ذلك برأي يراه لا بشرع بلغه، وإنما كان عند أهل الجاهلية بقايا من دين إبراهيم، وكان في شرع إبراهيم تحريم الميتة لا تحريم ما لم يذكر اسم الله عليه، وإنما نزل تحريم ذلك في الإسلام، والأصح أن الأشياء قبل الشرع لا توصف بحل ولا بحرمة، مع أن الذبائح لها أصل في تحليل الشرع، واستمر ذلك إلى نزول القرآن، ولم ينقل أن أحدا بعد المبعث كف عن الذبائح حتى نزلت الآية. قلت: وقوله إن زيدا فعل ذلك برأيه أولى من قول الداودي إنه تلقاه عن أهل الكتاب، فإن حديث الباب بين فيما قال السهيلي، وإن ذلك قاله زيد باجتهاد لا بنقل عن غيره، ولا سيما وزيد يصرح عن نفسه بأنه لم يتبع أحدا من أهل الكتابين. وقد قال القاضي عياض في الملة المشهورة في عصمة الأنبياء قبل النبوة إنها كالممتنع لأن النواهي إنما تكون بعد تقرير الشرع، والنبي صلى الله عليه وسلم لم يكن متعبدا قبل أن يوحى إليه بشرع من قبله على الصحيح، فعلى هذا فالنواهي إذا لم تكن موجودة فهي معتبرة في حقه والله أعلم. فإن فرعنا على القول الآخر فالجواب عن قوله: "ذبحنا شاة على بعض الأنصاب" يعني الحجارة التي ليست بأصنام ولا معبودة، إنما هي من آلات الجزار التي يذبح عليها، لأن النصب في الأصل حجر كبير، فمنها ما يكون عندهم من جملة الأصنام فيذبحون له وعلى اسمه، ومنها ما لا يعبد بل يكون من آلات الذبح فيذبح الذابح عليه لا للصنم، أو كان امتناع زيد منها حسما للمادة. قوله: "فإن زيد بن عمرو" هو موصول بالإسناد المذكور. قوله: "قال موسى" هو ابن عقبة، والخبر موصول بالإسناد المذكور إليه، وقد شك فيه الإسماعيلي فقال: ما أدري هذه القصة الثانية من رواية الفضيل بن موسى أم لا.ثم ساقها مطولة من طريق عبد العزيز بن المختار عن موسى بن عقبة، وكذا أوردها الزبير بن بكار والفاكهي بالإسنادين معا. قوله: "لا أعلمه إلا يحدث به عن ابن عمر" قد ساق البخاري الحديث الأول في الذبائح من طريق عبد العزيز بن المختار عن موسى بغير شك، وساق الإسماعيلي هذا الثاني من رواية عبد العزيز المذكور بالشك أيضا فكان الشك فيه من موسى بن عقبة. قوله: "يسأل عن الدين" أي دين التوحيد. قوله: "ويتبعه" بتشديد المثناة بعدها موحدة. وللكشميهني بسكون الموحدة بعدها مثناة مفتوحة ثم عين معجمة أي يطلبه. قوله: "فلقي عالما من اليهود" لم أقف على اسمه، وفي حديث زيد بن حارثة المذكور" إن النبي صلى الله عليه وسلم قال لزيد بن عمرو: ما لي أرى قومك قد شنفوا عليك" أي أبغضوك، وهو بفتح الشين المعجمة وكسر النون بعدها فاء" قال خرجت أبتغي الدين فقدمت على الأحبار فوجدتهم يعبدون الله ويشركون به". قوله: "فلقي عالما من النصارى" لم أقف على اسمه أيضا، ووقع في حديث زيد بن حارثة" قال لي شيخ من أحبار الشام: إنك لتسألني عن دين ما أعلم أحدا
(7/144)

يعبد الله به إلا شيخا بالجزيرة. قال فقدمت عليه فقال: إن الذي تطلب قد ظهر ببلادك، وجميع من رأيتهم في ضلال" وفي رواية الطبراني من هذا الوجه" وقد خرج في أرضك نبي، أو هو خارج، فارجع وصدقه وآمن به. قال زيد: فلم أحس بشيء بعد". قلت: وهذا مع ما تقدم يدل على أن زيدا رجع إلى الشام فبعث النبي صلى الله عليه وسلم به فرجع ومات، والله أعلم. قوله: "وأنا أستطيع" أي والحال أن لي قدرة على عدم حمل ذلك، كذا للأكثر بتخفيف النون ضمير القائل. وفي رواية بتشديد النون بمعنى الاستبعاد، والمراد بغضب الله إرادة إيصال العقاب كما أن المراد بلعنة الله الإبعاد عن رحمته. قوله: "فلما برز" أي خارج أرضهم. قوله: "اللهم إني أشهدك أني على دين إبراهيم" بكسر الهمزة الأولى وفتح الثانية. وفي حديث سعيد بن زيد" فانطلق زيد وهو يقول: لبيك حقا حقا، تعبدا ورقا.ثم يخر فيسجد لله". قوله: "وقال الليث: كتب إلى هشام" أي ابن عروة، وهذا التعليق رويناه موصولا في حديث زغبة من رواية أبي بكر بن أبي داود عن عيسى بن حماد وهو المعروف بزغبة عن الليث. وأخرج ابن إسحاق عن هشام بن عروة هذا الحديث بتمامه، وأخرجه الفاكهي من طريق عبد الرحمن بن أبي الزناد والنسائي وأبو نعيم في "المستخرج" من طريق أبي أسامة كلهم عن هشام بن عروة. قوله: "ما منكم على دين إبراهيم غيري" زاد أبو أسامة في روايته: "وكان يقول: إلهي إله إبراهيم، وديني دين إبراهيم" وفي رواية ابن أبي الزناد" وكان قد ترك عبادة الأوثان، وترك أكل ما يذبح على النصب" في رواية ابن إسحاق" وكان يقول: اللهم لو أعلم أحب الوجوه إليك لعبدتك به، ولكني لا أعلمه. ثم يسجد على الأرض براحته". قوله: "وكان يحيي الموءودة" هو مجاز، والمراد بإحيائها إبقاؤها. وقد فسره في الحديث. ووقع في رواية ابن أبي الزناد" وكان يفتدي الموءودة أن تقتل" والموءودة مفعولة من وأد الشيء إذا أثقل، وأطلق عليها اسم الوأد اعتبارا بما أريد بها وإن لم يقع. وكان أهل الجاهلية يدفنون البنات وهن بالحياة، ويقال كان أصلها من الغيرة عليهن لما وقع لبعض العرب حيث سبى بنت آخر فاستفرشها، فأراد أبوها أن يفتديها منه فخيرها فاختارت الذي سباها، فحلف أبوها ليقتلن كل بنت تولد له، فتبع على ذلك. وقد شرحت ذلك مطولا في كتابي في"الأوائل" وأكثر من كان يفعل ذلك منهم من الإملاق كما قال الله تعالى: {وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ} وقصة زيد هذه تدل على هذا المعنى الثاني، فيحتمل أن يكون كل واحد من الأمرين كان سببا. قوله: "أكفيك مؤنتها" كذا لأبي ذر، ولغيره: "أكفيكها مؤنتها" زاد أبو أسامة في روايته: "وسئل النبي صلى الله عليه وسلم عن زيد فقال: يبعث يوم القيامة أمة وحده بيني وبين عيسى ابن مريم" وروى البغوي في "الصحابة" من حديث جابر نحو هذه الزيادة، وساق له ابن إسحاق أشعارا قالها في مجانبة الأوثان لا نطيل بذكرها.
(7/145)