باب مَا لَقِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ مِنْ الْمُشْرِكِينَ بِمكَّةَ
 
3852- حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا بَيَانٌ وَإِسْمَاعِيلُ قَالاَ سَمِعْنَا قَيْسًا يَقُولُ سَمِعْتُ خَبَّابًا يَقُولُ
(7/164)

"أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُتَوَسِّدٌ بُرْدَةً وَهُوَ فِي ظِلِّ الْكَعْبَةِ وَقَدْ لَقِينَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ شِدَّةً فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلاَ تَدْعُو اللَّهَ فَقَعَدَ وَهُوَ مُحْمَرٌّ وَجْهُهُ فَقَالَ "لَقَدْ كَانَ مَنْ قَبْلَكُمْ لَيُمْشَطُ بِمِشَاطِ الْحَدِيدِ مَا دُونَ عِظَامِهِ مِنْ لَحْمٍ أَوْ عَصَبٍ مَا يَصْرِفُهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ وَيُوضَعُ الْمِنْشَارُ عَلَى مَفْرِقِ رَأْسِهِ فَيُشَقُّ بِاثْنَيْنِ مَا يَصْرِفُهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ وَلَيُتِمَّنَّ اللَّهُ هَذَا الأَمْرَ حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ مَا يَخَافُ إلاَّ اللَّهَ" زَادَ بَيَانٌ "وَالذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ"
3854- حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ الأَسْوَدِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ "قَرَأَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّجْمَ فَسَجَدَ فَمَا بَقِيَ أَحَدٌ إِلاَّ سَجَدَ إِلاَّ رَجُلٌ رَأَيْتُهُ أَخَذَ كَفًّا مِنْ حَصًا فَرَفَعَهُ فَسَجَدَ عَلَيْهِ وَقَالَ هَذَا يَكْفِينِي فَلَقَدْ رَأَيْتُهُ بَعْدُ قُتِلَ كَافِرًا بِاللَّهِ"
3854- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: "بَيْنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَاجِدٌ وَحَوْلَهُ نَاسٌ مِنْ قُرَيْشٍ جَاءَ عُقْبَةُ بْنُ أَبِي مُعَيْطٍ بِسَلَى جَزُورٍ فَقَذَفَهُ عَلَى ظَهْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يَرْفَعْ رَأْسَهُ فَجَاءَتْ فَاطِمَةُ عَلَيْهَا السَّلاَم فَأَخَذَتْهُ مِنْ ظَهْرِهِ وَدَعَتْ عَلَى مَنْ صَنَعَ فَقال النبي صلى الله عليه وسلم: "اللَّهُمَّ عَلَيْكَ الْمَلاَ مِنْ قُرَيْشٍ أَبَا جَهْلِ بْنَ هِشَامٍ وَعُتْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ وَشَيْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ وَأُمَيَّةَ بْنَ خَلَفٍ أَوْ أُبَيَّ بْنَ خَلَفٍ شُعْبَةُ الشَّاكُّ فَرَأَيْتُهُمْ قُتِلُوا يَوْمَ بَدْرٍ فَأُلْقُوا فِي بِئْرٍ غَيْرَ أُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ أَوْ أُبَيٍّ تَقَطَّعَتْ أَوْصَالُهُ فَلَمْ يُلْقَ فِي الْبِئْرِ"
3855- حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ أَوْ قَالَ حَدَّثَنِي الْحَكَمُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ أَمَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبْزَى قَالَ سَلْ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنْ هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ مَا أَمْرُهُمَا [الأنعام 151,الإسراء 33]: {وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ} [93 النساء]: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً} فَسَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ فَقَالَ لَمَّا أُنْزِلَتْ الَّتِي فِي الْفُرْقَانِ قَالَ مُشْرِكُو أَهْلِ مَكَّةَ فَقَدْ قَتَلْنَا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ وَدَعَوْنَا مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَقَدْ أَتَيْنَا الْفَوَاحِشَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ [الفرقان 70] {إِلاَّ مَنْ تَابَ وَآمَنَ} الْآيَةَ فَهَذِهِ لِأُولَئِكَ وَأَمَّا الَّتِي فِي النِّسَاءِ[93] الرَّجُلُ إِذَا عَرَفَ الإِسْلاَمَ وَشَرَائِعَهُ ثُمَّ قَتَلَ فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ فَذَكَرْتُهُ لِمُجَاهِدٍ فَقَالَ إِلاَّ مَنْ نَدِمَ"
[الحديث 3855- أطرافه في: 4766,4765,4764,4763,4762,4590]
3856- حَدَّثَنَا عَيَّاشُ بْنُ الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ حَدَّثَنِي الأَوْزَاعِيُّ حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ قَالَ حَدَّثَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ قَالَ سَأَلْتُ ابْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَخْبِرْنِي بِأَشَدِّ شَيْءٍ
(7/165)

صَنَعَهُ الْمُشْرِكُونَ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "بَيْنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي فِي حِجْرِ الْكَعْبَةِ إِذْ أَقْبَلَ عُقْبَةُ بْنُ أَبِي مُعَيْطٍ فَوَضَعَ ثَوْبَهُ فِي عُنُقِهِ فَخَنَقَهُ خَنْقًا شَدِيدًا فَأَقْبَلَ أَبُو بَكْرٍ حَتَّى أَخَذَ بِمَنْكِبِهِ وَدَفَعَهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: {أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ} الْآيَةَ [28 غافر] تَابَعَهُ ابْنُ إِسْحَاقَ حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ عُرْوَةَ عَنْ عُرْوَةَ قُلْتُ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو وَقَالَ عَبْدَةُ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ قِيلَ لِعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو عَنْ أَبِي سَلَمَةَ حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ"
قوله: "باب ما لقي النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه من المشركين بمكة" أي من وجه الأذى، وذكر فيه أحاديث في المعنى، وقد تقدم في "ذكر الملائكة" من بدء الخلق حديث عائشة أنها" قالت للنبي صلى الله عليه وسلم هل أتى عليك يوم كان أشد من يوم أحد؟ قال: لقد لقيت من قومك، وكان أشد ما لقيت: منهم " فذكر قصته بالطائف. وروى أحمد والترمذي وابن حبان من طريق حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لقد أوذيت في الله وما يؤذي أحد، وأخفت في الله وما يخاف أحد" الحديث. وأخرج ابن عدي من حديث جابر رفعه: "ما أوذي أحد ما أوذيت" ذكره في ترجمة يوسف بن محمد بن المنكدر عن أبيه عن جابر، ويوسف ضعيف، وقد استشكل بما جاء من صفات ما أوذي به الصحابة كما سيأتي لو ثبت، وهو محمول على معنى حديث أنس، وقيل معناه أنه أوحي إليه ما أوذي به من قبله فتأذى بذلك زيادة على ما آذاه قومه به، وروى ابن إسحاق من حديث ابن عباس وذكر الصحابة فقال: "والله كانوا ليضربون أحدهم ويجيعونه ويعطشونه حتى ما يقدر أن يستوي جالسا من شدة الضر، حتى يقولوا له: اللات والعزى إلهك من دون الله، فيقول: نعم" وروى ابن ماجه وابن حبان من طريق زر بن مسعود قال أول من أظهر إسلامه سبعة: رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبو بكر، وعمار، وأمه سمية، وصهيب، وبلال، والمقداد. فأما رسول الله صلى الله عليه وسلم فمنعه الله بعمه، وأما أبو بكر فمنعه الله بقومه، وأما سائرهم فأخذهم المشركون فألبسوهم أدراع الحديد وأوقفوهم في الشمس" الحديث. وأجيب بأن جميع ما أوذي به أصحابه كان يتأذى هو به لكونه بسببه. واستشكل أيضا بما أوذي به الأنبياء من القتل كما في قصة زكريا وولده يحيى. ويجاب بأن المراد هنا غر إزهاق الروح. قوله: "حدثنا بيان" هو ابن بشر، وإسماعيل هو ابن أبي خالد، وقيس هو ابن أبي حازم، وخباب بالمعجمة والموحدتين الأولى ثقيلة. قوله: "بردة" كذا للأكثر بالتنوين، وللكشميهني بالهاء والأول أرجح فقد تقدم في" علامات النبوة" من وجه آخر بلفظ: "بردة له". قوله: "ألا تدعو الله لنا" زاد في الرواية التي في المبعث "ألا تستنصر لنا". قوله: "فقعد وهو محمر وجهه" أي من أثر النوم، ويحتمل أن يكون من الغضب وبه جزم ابن التين. قوله: "لقد كان من قبلكم ليمشط بمشاط الحديد" كذا للأكثر بكسر الميم، وللكشميهني: "أمشاط" هو جمع مشط بكسر الميم وبضمها، يقال مشاط وأمشاط كرماح وأرماح، وأنكر ابن دريد الكسر في المفرد، والأشهر في الجمع مشاط ورماح. قوله: "ما دون عظامه من لحم أو عصب" في الرواية الماضية ما دون لحمه من عظم أو عصب. قوله: "ويوضع الميشار" بكسر الميم وسكون التحتانية بهمز وبغير همز، تقول وشرت الخشبة وأشرتها، ويقال فيه بالنون وهي أشهر في الاستعمال
(7/166)

ووقع في الرواية الماضية" يحفر له في الأرض فيجعل فيها فيجاء بالمنشار" قال ابن التين: كان هؤلاء الذين فعل بهم ذلك أنبياء أو أتباعهم، قال: وكان في الصحابة من لو فعل به ذلك لصبر، إلى أن قال: وما زال خلق من الصحابة وأتباعهم فمن بعدهم يؤذون في الله، ولو أخذوا بالرخصة لساغ لهم. قوله: "وليتمن الله هذا الأمر" بالنصب، وفي الرواية الماضية "والله ليتمن هذا الأمر" بالرفع، والمراد بالأمر الإسلام. قوله: "زاد بيان: والذئب على غنمه" هذا يشعر بأن في الرواية الماضية إدراجا، فإنه أخرجها من طريق يحيى القطان عن إسماعيل وحده وقال في آخرها "ما يخاف إلا الله والذئب على غنمه"، وقد أخرجه الإسماعيلي من طريق محمد بن الصباح بن أسلم وعبدة بن عبد الرحيم كلهم عن ابن عيينة به مدرجا، وطريق الحميدي أصح، وقد وافقه ابن أبي عمر أخرجه الإسماعيلي من طريقه مفصلا أيضا. "تنبيه": قوله: "والذئب" هو بالنصب عطفا على المستثنى منه لا المستثنى، كذا جزم به الكرماني، ولا يمتنع أن يكون عطفا على المستثنى، والتقدير: ولا يخاف إلا الذئب على غنمه، لأن مساق الحديث إنما هو للأمن من عدوان بعض الناس على بعض كما كانوا في الجاهلية، لا للأمن من عدوان الذئب فإن ذلك إنما يكون في آخر الزمان عند نزول عيسى. حديث ابن مسعود قرأ النبي صلى الله عليه وسلم النجم فسجد" سبق الكلام عليه في سجود القرآن من كتاب الصلاة، ويأتي بقيته في تفسير سورة النجم، وقد تقدم هناك تسمية الذي لم يسجد، وزعم الواقدي أن ذلك كان في رمضان سنة خمس من المبعث. "تنبيه": كان حق هذا الحديث أن يذكر في "باب الهجرة إلى الحبشة" المذكور بعد قليل فسيأتي فيها أن سجود المشركين المذكور فيه سبب رجوع من هاجر الهجرة الأولى إلى الحبشة لظنهم أن المشركين كلهم أسلموا، فلما ظهر لهم خلاف ذلك هاجروا الهجرة الثانية. حديث ابن مسعود في قصة عقبة بن أبي معيط وإلقائه سلا الجزور على ظهر النبي صلى الله عليه وسلم وهو ساجد، وقد سبق الكلام عليه مستوفى في أواخر كتاب الوضوء. "تنبيه": كانت هذه القصة بعد الهجرة الثانية إلى الحبشة، لأن من جملة من دعى عليه عمارة بن الوليد أخو أبي جهل، وقد ذكر ابن إسحاق وغيره أن قريشا بعثوه مع عمرو بن العاص إلى النجاشي ليرد إليهم من هاجر إليه فلم يفعل، واستمر عمارة بالحبشة إلى أن مات. "تنبيه آخر": أغرب الشيخ عماد الدين بن كثير فزعم أن الحديث الوارد عن خباب عند مسلم وأصحاب السنن" شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حر الرمضاء فلم يشكنا" طرف من حديث الباب، وأن المراد أنهم شكوا ما يلقونه من المشركين من تعذيبهم بحر الرمضاء وغيره، فسألوه أن يدعو على المشركين فلم يشكهم، أي لم يزل شكواهم، وعدل إلى تسليتهم بمن مضى ممن قبلهم، ولكن وعدهم بالنصر انتهى. ويبعد هذا الحمل أن في بعض طرق حديث مسلم عند ابن ماجه: "الصلاة في الرمضاء" وعند أحمد "يعني الظهر وقال: إذا زالت الشمس فصلوا" وبهذا تمسك من قال إنه ورد في تعجيل الظهر، وذلك قبل مشروعية الإيراد، وهو المعتمد، والله أعلم. "تنبيه آخر": عبد الله المذكور هو ابن مسعود جزما، وذكر ابن التين أن الداودي قال: الظاهر أنه عبد الله بن مسعود لأنهم في الأكثر إنما يطلقون عبد الله غير منسوب عليه. قلت: وليس ذلك مطردا، وإنما يعرف ذلك من جهة الرواة، وبسط ذلك مقرر في علوم الحديث، وقد صنف فيه الخطيب كتابا حافلا سماه "المجمل لبيان المهمل" ووقع في شرح شيخنا ابن الملقن أن الداودي قال: لعله عبد الله بن عمرو لا ابن عمر، ثم تعقبه بأن البخاري صرح في كتاب الصلاة بأنه ابن مسعود،
(7/167)

قلت: ولم أر ما نسبه إلى الداودي في كلام غيره فالله أعلم. حديث ابن عباس في توبة القاتل، وسيأتي شرحه في تفسير سورة النساء إن شاء الله تعالى، والغرض منه الإشارة إلى أن صنع المشركين بالمسلمين من قتل وتعذيب وغير ذلك سقط عنهم بالإسلام. "تنبيه": قوله هنا" ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق" كذا وقع في الرواية، والذي في التلاوة {وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ} هكذا في سورة الفرقان [68] وهي التي ذكرت في بقية الحديث، فتعين أنها المراد في أوله، ويمكن الجواب عن ذلك والله أعلم. حديث عبد الله بن عمرو بن العاص وأبيه عمرو بن العاص على الاختلاف في ذلك. قوله: "حدثنا عياش ابن الوليد حدثنا الوليد بن مسلم" عياش شيخه بالتحتانية والمعجمة هو الرقام، وله شيخ آخر لا ينسبه في غالب ما يخرج عنه، قال الجياني: وقع هنا عند الأصيلي غير مقيد، وزعم بعضهم أنه العباس بن الوليد بن مربد وهو بالموحدة والمهملة، ثم نقل عن أبي زفر1 أن البخاري ومسلما ما أخرجا لابن مربد شيئا، قال: ولا أعلم له رواية عن الوليد بن مسلم. قوله: "حدثني يحيى بن أبي كثير عن محمد بن إبراهيم" في رواية علي بن المديني الآتية في تفسير غافر" حدثني محمد بن إبراهيم". قوله: "حدثني عروة" كذا قال الوليد بن مسلم، وخالفه أيوب بن خالد الحراني فقال: "عن الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير حدثني أبو سلمة قال: قلت لعبد الله بن عمرو" أخرجه الإسماعيلي، وقول الوليد أرجح. قوله: "سألت ابن عمرو" في رواية علي المذكورة"قلت لعبد الله بن عمرو". قوله: "بأشد شيء صنعه إلخ" هذا الذي أجاب به عبد الله بن عمرو ويخالف ما تقدم في "ذكر الملائكة" من حديث عائشة أنه صلى الله عليه وسلم قال لها " وكان أشد ما لقيت من قومك" فذكر قصته بالطائف مع ثقيف. والجمع بينهما أن عبد الله بن عمرو استند إلى ما رواه، ولم يكن حاضرا للقصة التي وقعت بالطائف. وقد روى الزبير بن بكار والدار قطني في "الأفراد" من طريق عبد الله بن عروة عن عروة" حدثني عمرو بن عثمان عن أبيه عثمان قال: أكثر ما نالت قريش من رسول الله صلى الله عليه وسلم أني رأيته يوما، قال: وذرفت عينا عثمان فذكر قصة يخالف سياقها حديث عبد الله بن عمرو هذا، فهذا الاختلاف ثابت على عروة في السند، لكن سنده ضعيف، فإن كان محفوظا حمل على التعدد، وليس ببعيد لما سأبينه. قوله: "يصلي في حجر الكعبة إذ أقبل عقبة بن أبي معيط فوضع ثوبه في عنقه فخنقه" في حديث عثمان المذكور "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يطوف بالبيت ويده في يد أبي بكر، وفي الحجر عقبة بن أبي معيط وأبو جهل وأمية بن خلف فمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسمعوه بعض ما يكره ثلاث مرات، فلما كان في الشوط الرابع ناهضوه، وأراد أبو جهل أن يأخذ بمجامع ثوبه فدفعته، ودفع أبو بكر أمية بن خلف، ودفع رسول الله صلى الله عليه وسلم عقبة" فهذا السياق مغاير لحديث عبد الله بن عمرو، وفي حديث عبد الله قول أبي بكر" أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله؟" وفي حديث عثمان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لهم " أما والله لا تنتهون حتى يحل بكم العقاب عاجلا، فأخذتهم الرعدة" الحديث، وهذا يقوي التعدد. قوله: "تابعه ابن إسحاق" قال: "حدثني يحيى بن عروة إلخ" وصله أحمد من طريق إبراهيم بن سعد والبزار من طريق بكر بن سليمان كلاهما عن ابن إسحاق بهذا السند، وفي أول سياقه من الزيادة قال: "حضرتهم وقد اجتمع أشرافهم في الحجر فذكروا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: ما رأينا مثل صبرنا عليه، سفه أحلامنا، وشتم آباءنا، وغير
ـــــــ
1 في هامش طبعة بولاق: في نسخة "عن أبي ذر"
(7/168)

ديننا، وفرق جماعتنا. فبينما هم في ذلك إذ أقبل، فاستلم الركن، فلما مر بهم غمزوه، وذكر أنه قال لهم في الثالثة" لقد جئتكم بالذبح" وأنهم قالوا له" يا أبا القاسم ما كنت جاهلا، فانصرف راشدا، فانصرف. فلما كان من الغد اجتمعوا فقالوا: ذكرتم ما بلغ منكم حتى إذا أتاكم بما تكرهون تركتموه، فبينما هم كذلك إذ طلع فقالوا: قوموا إليه وثبة رجل واحد، قال: فلقد رأيت رجلا منهم أخذ بمجامع ثيابه، وقام أبو بكر دونه وهو يبكي فقال: أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله؟ ثم انصرفوا عنه". قوله: "وقال عبدة عن هشام" أي ابن عروة "عن أبيه قيل لعمرو بن العاص" هكذا خالف هشام بن عروة أخاه يحيى بن عروة في الصحابي، فقال يحيى: "عبد الله بن عمرو" وقال هشام: "عمرو بن العاص" ويرجح رواية يحيى موافقة محمد بن إبراهيم التيمي عن عروة، على أن قول هشام غير مدفوع، لأن له أصلا من حديث عمرو بن العاص، بدليل رواية أبي سلمة عن عمرو الآتية عقب هذا، فيحتمل أن يكون عروة سأله مرة وسأل أباه أخرى، ويؤيده اختلاف السياقين، وقد ذكرت أن عبد الله بن عروة رواه عن أبيه بإسناد آخر عن عثمان فلا مانع من التعدد، نعم لم تتفق الرواة عن هشام على قوله: "عمرو بن العاص" فإن سليمان بن بلال وافق عبدة على ذلك، وخالفهما محمد بن فليح فقال: "عن هشام عن أبيه عن عبد الله بن عمرو" ذكره البيهقي. قوله: "وقال محمد بن عمرو عن أبي سلمة: حدثني عمرو بن العاص" وصله البخاري في "خلق أفعال العباد" من طريقه، وأخرجه أبو يعلى وابن حبان عنه من وجه آخر عن محمد بن عمرو ولفظه: "ما رأيت قريشا أرادوا قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا يوما أغروا به وهم في ظل الكعبة جلوس وهو يصلي عند المقام، فقام إليه عقبة فجعل رداءه في عنقه ثم جذبه لركبتيه وتصايح الناس، وأقبل أبو بكر يشتد حتى أخذ بضبع رسول الله صلى الله عليه وسلم من ورائه وهو يقول: أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله؟ ثم انصرفوا عنه، فلما قضى صلاته مر بهم فقال: والذي بيده ما أرسلت إليكم إلا بالذبح، فقال له أبو جهل: يا محمد ما كنت جهولا، فقال: أنت منهم". ويدل على التعدد أيضا ما أخرجه البيهقي في "الدلائل" من حديث ابن عباس عن فاطمة عليها السلام قالت: "اجتمع المشركون في الحجر فقالوا: إذا مر محمد ضربه كل رجل منا ضربة، فسمعت ذلك فأخبرته فقال: اسكتي يا بنية. ثم خرج فدخل عليهم، فرفعوا رءوسهم ثم نكسوا، قالت فأخذ قبضة من تراب فرمى بها نحوهم ثم قال: شاهت الوجوه، فما أصاب رجلا منهم إلا قتل يوم بدر كافرا" وقد أخرج أبو يعلى والبزار بإسناد صحيح عن أنس قال: "لقد ضربوا رسول الله صلى الله عليه وسلم مرة حتى غشي عليه، فقام أبو بكر فجعل ينادي: ويلكم أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله؟ فتركوه وأقبلوا على أبي بكر" وهذا من مراسيل الصحابة، وقد أخرجه أبو يعلى بإسناد حسن مطولا من حديث أسماء بنت أبي بكر أنهم" قالوا لها ما أشد ما رأيت المشركين بلغوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم: "؟ فذكر نحو سياق ابن إسحاق المتقدم قريبا وفيه: "فأتى الصريخ إلى أبي بكر فقال: أدرك صاحك، فخرج من عندنا وله غدائر أربع وهو يقول: ويلكم، أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله؟ فلهوا عنه، وأقبلوا إلى أبي بكر، فرجع إلينا أبو بكر فجعل لا يمس شيئا من غدائره إلا رجع معه". ولقصة أبي بكر هذه شاهد من حديث علي أخرجه البزار من رواية محمد بن علي عن أبيه أنه خطب فقال: "من أشجع الناس؟ فقالوا: أنت قال: أما أني ما بارزني أحد إلا أنصفت منه، ولكنه أبو بكر، لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذته قريش فهذا يجؤه وهذا يتلقاه ويقولون له أنت تجعل الآلهة إلها واحدا، فو الله ما دنا منا أحد إلا أبو بكر يضرب هذا ويدفع هذا ويقول: ويلكم أتقتلون
(7/169)

رجلا أن يقول ربي الله؟، ثم بكى علي ثم قال. أنشدكم الله أمؤمن آل فرعون أفضل أم أبو بكر؟ فسكت القوم، فقال علي: والله لساعة من أبي بكر خير منه، ذاك رجل يكتم إيمانه، وهذا يعلن بإيمانه".
(7/170)