باب إِسْلاَمُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
 
3863- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ مَا زِلْنَا أَعِزَّةً مُنْذُ أَسْلَمَ عُمَرُ
3864- حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ قَالَ حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ فَأَخْبَرَنِي جَدِّي زَيْدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ "بَيْنَمَا هُوَ فِي الدَّارِ خَائِفًا إِذْ جَاءَهُ الْعَاصِ بْنُ وَائِلٍ السَّهْمِيُّ أَبُو عَمْرٍو عَلَيْهِ حُلَّةُ حِبَرَةٍ وَقَمِيصٌ مَكْفُوفٌ بِحَرِيرٍ وَهُوَ مِنْ بَنِي سَهْمٍ وَهُمْ حُلَفَاؤُنَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَقَالَ لَهُ مَا بَالُكَ قَالَ زَعَمَ قَوْمُكَ أَنَّهُمْ سَيَقْتُلُونِي إِنْ أَسْلَمْتُ قَالَ لاَ سَبِيلَ إِلَيْكَ بَعْدَ أَنْ قَالَهَا أَمِنْتُ فَخَرَجَ الْعَاصِ فَلَقِيَ النَّاسَ قَدْ سَالَ بِهِمْ الْوَادِي فَقَالَ أَيْنَ تُرِيدُونَ فَقَالُوا نُرِيدُ هَذَا ابْنَ الْخَطَّابِ الَّذِي صَبَا قَالَ لاَ سَبِيلَ إِلَيْهِ فَكَرَّ النَّاسُ"
[الحديث 3864- طرفه في: 3865]
3865- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ سَمِعْتُهُ قَالَ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا "لَمَّا أَسْلَمَ عُمَرُ اجْتَمَعَ النَّاسُ عِنْدَ دَارِهِ وَقَالُوا صَبَا عُمَرُ وَأَنَا غُلاَمٌ فَوْقَ ظَهْرِ بَيْتِي فَجَاءَ رَجُلٌ عَلَيْهِ قَبَاءٌ مِنْ دِيبَاجٍ فَقَالَ قَدْ صَبَا عُمَرُ فَمَا ذَاكَ فَأَنَا لَهُ جَارٌ قَالَ فَرَأَيْتُ النَّاسَ تَصَدَّعُوا عَنْهُ فَقُلْتُ مَنْ هَذَا قَالُوا الْعَاصِ بْنُ وَائِلٍ"
3866- حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ قَالَ حَدَّثَنِي عُمَرُ أَنَّ سَالِمًا حَدَّثَهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ "مَا سَمِعْتُ عُمَرَ لِشَيْءٍ قَطُّ يَقُولُ إِنِّي لاَظُنُّهُ كَذَا إِلاَّ كَانَ كَمَا يَظُنُّ بَيْنَمَا عُمَرُ جَالِسٌ إِذْ مَرَّ بِهِ رَجُلٌ جَمِيلٌ فَقَالَ لَقَدْ أَخْطَأَ ظَنِّي أَوْ إِنَّ هَذَا عَلَى دِينِهِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَوْ لَقَدْ كَانَ كَاهِنَهُمْ عَلَيَّ الرَّجُلَ فَدُعِيَ لَهُ فَقَالَ لَهُ ذَلِكَ فَقَالَ مَا رَأَيْتُ كَالْيَوْمِ اسْتُقْبِلَ بِهِ رَجُلٌ مُسْلِمٌ قَالَ فَإِنِّي أَعْزِمُ عَلَيْكَ إِلاَّ مَا أَخْبَرْتَنِي قَالَ كُنْتُ كَاهِنَهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ قَالَ فَمَا أَعْجَبُ مَا جَاءَتْكَ بِهِ جِنِّيَّتُكَ قَالَ بَيْنَمَا أَنَا يَوْمًا فِي السُّوقِ جَاءَتْنِي أَعْرِفُ فِيهَا الْفَزَعَ فَقَالَتْ أَلَمْ تَرَ الْجِنَّ وَإِبْلاَسَهَا وَيَأْسَهَا مِنْ بَعْدِ إِنْكَاسِهَا وَلُحُوقَهَا بِالْقِلاَصِ وَأَحْلاَسِهَا قَالَ عُمَرُ صَدَقَ بَيْنَمَا أَنَا نَائِمٌ عِنْدَ آلِهَتِهِمْ إِذْ جَاءَ رَجُلٌ بِعِجْلٍ فَذَبَحَهُ فَصَرَخَ بِهِ صَارِخٌ لَمْ أَسْمَعْ صَارِخًا قَطُّ أَشَدَّ صَوْتًا مِنْهُ يَقُولُ يَا جَلِيحْ أَمْرٌ نَجِيحْ رَجُلٌ فَصِيحْ يَقُولُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ فَوَثَبَ الْقَوْمُ قُلْتُ لاَ أَبْرَحُ حَتَّى أَعْلَمَ مَا وَرَاءَ هَذَا ثُمَّ نَادَى يَا جَلِيحْ أَمْرٌ نَجِيحْ رَجُلٌ فَصِيحْ يَقُولُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ فَقُمْتُ فَمَا نَشِبْنَا أَنْ قِيلَ هَذَا نَبِيٌّ"
(7/177)

3867- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا يَحْيَى حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ حَدَّثَنَا قَيْسٌ قَالَ سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ زَيْدٍ
يَقُولُ لِلْقَوْمِ "لَوْ رَأَيْتُنِي مُوثِقِي عُمَرُ عَلَى الإِسْلاَمِ أَنَا وَأُخْتُهُ وَمَا أَسْلَمَ وَلَوْ أَنَّ أُحُدًا انْقَضَّ لِمَا صَنَعْتُمْ بِعُثْمَانَ لَكَانَ مَحْقُوقًا أَنْ يَنْقَضَّ"
قوله: "باب إسلام عمر بن الخطاب" قد تقدم نسبه في مناقبه. قوله: "أنبأنا سفيان" هو الثوري. قوله: "ما زلنا أعزة منذ أسلم عمر" زاد الإسماعيلي من طريق أبي داود الحفري عن سفيان في حديث ذكره أي من كلام ابن مسعود، وقد تقدم في مناقب عمر الإلمام بشيء من ذلك. قوله: "فأخبرني جدي" ظاهر السياق أنه معطوف على شيء تقدم، وقد رواه الإسماعيلي من طريق ابن وهب هذه فقال فيها عن ابن وهب" أخبرني عمر بن محمد". قوله: "وعليه حلة حبر" بكسر المهملة وفتح الموحدة وهو برد مخطط بالوشي. وفي رواية حبرة بزيادة هاء. قوله: "أن أسلمت" بفتح الألف وتخفيف النون أي لأجل إسلامي. قوله: "لا سبيل عليك بعد أن قالها" أي الكلمة المذكورة، وهي قوله: "لا سبيل عليك". قوله: "أمنت" بفتح الهمزة وكسر الميم وسكون النون وضم المثناة أي حصل الأمان في نفسي بقوله ذلك، ووقع في رواية الأصيلي بمد الهمزة، وهو خطأ فإنه كان قد أسلم قبل ذلك، ذكر عياض أن في رواية الحميدي بالقصر أيضا لكنه بفتح المثناة، وهو خطأ أيضا لأنه يصير من كلام العاص بن وائل، وليس كذلك بل هو من كلام عمر، يريد أنه أمن لما قال له العاص بن وائل تلك المقالة، ويؤيده الحديث الذي بعده. قوله: "اجتمع الناس عند داره" في رواية الكشميهني: "اجتمع الناس إليه". قوله: "وأنا غلام"في رواية أخرى أنه" كان ابن خمس سنين" وإذا كان كذلك خرج منه أن إسلام عمر كان بعد المبعث بست سنين أو بسبع، لأن ابن عمر كما سيأتي في المغازي كان يوم أحد ابن أربع عشرة سنة وذلك بعد المبعث بست عشرة سنة فيكون مولده بعد المبعث بسنتين. قوله: "على ظهر بيتي" قال الداودي هو غلط والمحفوظ "ظهر بيتنا" وتعقبه ابن التين بأن ابن عمر أراد أنه الآن بيته أي عند مقالته تلك، وكان قبل ذلك لأبيه. ولا يخفى عدم الاحتياج إلى هذا التأويل، وإنما نسب ابن عمر البيت إلى نفسه مجازا، أو مراده المكان الذي كان يأوي فيه سواء كان ملكه أم لا، وأيضا فإنه إن أراد نسبته إليه حال مقالته تلك لم يصح، لأن بني عدي بن كعب رهط عمر لما هاجروا استولى غيرهم على بيوتهم كما ذكره ابن إسحاق وغيره فلم يرجعوا فيها، وأيضا فإن ابن عمر لم ينفرد بالإرث من عمر فتحتاج دعوى أن يكون اشترى حصص غيره إلى نقل، فيتعين الذي قلته. قوله: "فما ذاك" أي فلا بأس، أو لا قتل أو لا يعترض له. وقوله: "أنا له جار" أي أجرته من أن يظلمه ظالم، وقوله: "تصدعوا" أي تفرقوا عنه. فقوله: "قالوا العاص بن وائل" زاد ابن أبي عمر في روايته عن سفيان قال: "فعجبت من عزته" وكذا عند الإسماعيلي من وجهين عن سفيان. وفي رواية عبد الله بن داود عن عمر بن محمد عند الإسماعيلي: "فقلت لعمر: من الذي ردهم عنك يوم أسلمت؟ قال: يا بني، ذاك العاص بن وائل" أي ابن هاشم بن سعيد بالتصغير بن سهم القرشي السهمي، مات على كفره قبل الهجرة بمدة، والعاص بمهملتين من العوص لا من العصيان، والصاد مرفوعة ويجوز كسرها، وقيل: إنه من العصيان فهو بالكسر جزما، ويجوز إثبات الياء كالقاضي، ويؤيده كتاب عمر إلى عمرو وهو عامله على مصر "إلى العاصي ابن العاصي" وأطلق عليه ذلك لكونه خالف شيئا مما كان أمره به في ولايته على مصر لما ظهر له
(7/178)

من المصلحة. الحديث الرابع, قوله: "حدثني عمر" هو ابن محمد بن زيد، وهو شيخ ابن وهب في الحديث الثاني، ووهم من زعم أنه عمر بن الحارث كالكلاباذي فقد وقع في رواية الإسماعيلي عن عمر بن محمد. قوله: "ما سمعت عمر يقول لشيء إني لأظنه كذا إلا كان" أي عن شيء، واللام قد تأتي بمعنى عن كقوله: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كَانَ خَيْراً مَا سَبَقُونَا إِلَيْهِ} . قوله: "إلا كان كما يظن" هو موافق لما تقدم في مناقبه أنه كان محدثا بفتح الدال، وتقدم شرحه. قوله: "إذ مر به رجل جميل" هو سواد - بفتح المهملة وتخفيف الواو وآخره مهملة - ابن قارب بالقاف والموحدة، وهو سدوسي أو دوسي. وقد أخرج ابن أبي خيثمة وغيره من طريق أبي جعفر الباقر قال: "دخل رجل يقال له سواد بن قارب السدوسي على عمر، فقال. يا سواد أنشدك الله، هل تحسن من كهانتك شيئا" فذكر القصة. وأخرج الطبراني والحاكم وغيرهما من طريق محمد بن كعب القرظي قال: "بينما عمر قاعد في المسجد" فذكر مثل سياق أبي جعفر وأتم منه، وهما طريقان مرسلان يعضد أحدهما الآخر. وأخرج البخاري في تاريخه والطبراني من طريق عباد بن عبد الصمد عن سعيد بن جبير قال: "أخبرني سواد بن قارب قال: كنت نائما" فذكر قصته الأولى دون قصته مع عمر. وهذا إن ثبت ذلك على تأخر وفاته، لكن عبادا ضعيف. ولابن شاهين من طريق أخرى ضعيفة عن أنس قال: "دخل رجل من دوس يقال له سواد بن قارب على النبي صلى الله عليه وسلم: "فذكر قصته أيضا، وهذه الطرق يقوى بعضها ببعض، وله طرق أخرى سأذكر ما فيها من فائدة. قوله: "لقد أخطأ ظني" في رواية ابن عمر عند البيهقي" لقد كنت ذا فراسة، وليس لي الآن رأي إن لم يكن هذا الرجل ينظر في الكهانة". قوله: "أو" بسكون الواو "على دين قومه في الجاهلية"1 أي مستمر على عبادة ما كانوا يعبدون. قوله: "أو" بسكون الواو أيضا "لقد كان كاهنهم" أي كان كاهن قومه. وحاصله أن عمر ظن شيئا مترددا بين شيئين أحدهما يتردد بين شيئين كأنه قال: هذا الظن إما خطأ أو صواب فإن كان صوابا فهذا الآن إما باق على كفره وإما كان كاهنا. وقد أظهر الحال القسم الأخير، وكأنه ظهرت له من صفة مشيه أو غير ذلك قرينة أثرت له ذلك الظن، فالله أعلم. قوله: "علي" بالتشديد "الرجل" بالنصب أي أحضروه إلي وقربوه مني. قوله: "فقال له ذلك" أي ما قاله في غيبته من التردد. وفي رواية محمد بن كعب" فقال له فأنت على ما كنت عليه من كهانتك" فغضب، وهذا من تلطف عمر، لأنه اقتصر على أحسن الأمرين. قوله: "ما رأيت كاليوم" أي رأيت شيئا مثل ما رأيت اليوم. قوله: "استقبل" بضم التاء على البناء للمجهول. قوله: "رجل مسلم" في رواية النسفي وأبي ذر "رجلا مسلما" ورأيته مجودا بفتح تاء "استقبل" على البناء للفاعل وهو محذوف تقديره أحد، وضبطه الكرماني استقبل بضم التاء وأعرب رجلا مسلما على أنه مفعول رأيت، وعلى هذا فالضمير في قوله: "به" يعود على الكلام، ويدل عليه السياق، وبينه البيهقي في رواية مرسلة" قد جاء الله بالإسلام، فما لنا ولذكر الجاهلية". قوله: "فإني أعزم عليك" أي ألزمك. وفي رواية محمد بن كعب" ما كنا عليه من الشرك أعظم مما كنت عليه من كهانتك". قوله: "إلا أخبرتني" أي ما أطلب منك إلا الإخبار. قوله: "كنت كاهنهم في الجاهلية" الكاهن الذي يتعاطى الخبر من الأمور المغيبة، وكانوا في الجاهلية كثيرا، فمعظمهم كان يعتمد على تابعة من الجن، وبعضهم كان يدعي معرفة ذلك بمقدمات أسباب يستدل بها على
ـــــــ
1 الذي في المتن "على دينه في الجاهلية
(7/179)

مواقعها من كلام من يسأله، وهذا الأخير يسمى العراف بالمهملتين، وسيأتي حكم ذلك واضحا في كتاب الطب، وتقدم طرف منه في آخر البيوع. ولقد تلطف سواد في الجواب إذ كان سؤال عمر عن حاله في كهانته إذ كان من أمر الشرك، فلما ألزمه أخبره بآخر شيء وقع له لما تضمن من الإعلام بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم وكان سببا لإسلامه. قوله: "ما أعجب" بالضم و "ما" استفهامية. قوله: "جنيتك" بكسر الجيم والنون الثقيلة أي الواحدة من الجن كأنه أنت تحقيرا، ويحتمل أن يكون عرف أن تابع سواد منهم كان أنثى، أو هو كما يقال تابع الذكر يكون أنثى وبالعكس. قوله: "أعرف فيها الفزع" بفتح الفاء والزاي أي الخوف. وفي رواية محمد بن كعب" إن ذلك كان وهو بين النائم واليقظان". قوله: "ألم تر الجن وإبلاسها" بالموحدة والمهملة والمراد به اليأس ضد الرجاء. وفي رواية أبي جعفر "عجبت للجن وإبلاسها" وهو أشبه بإعراب بقية الشعر، ومثله لمحمد بن كعب لكن قال:"وتحساسها" بفتح المثناة وبمهملات، أي أنها فقدت أمرا فشرعت تفتش عليه. قوله: "ويأسها من بعد إنكاسها" اليأس بالتحتانية ضد الرجاء والإنكاس الانقلاب، قال ابن قارس: معناه أنها يئست من استراق السمع بعد أن كانت قد ألفته، فانقلبت عن الاستراق قد يئست من السمع. ووقع في شرح الداودي بتقديم السين على الكاف، وفسره بأنه المكان الذي ألفته، قال: ووقع في رواية: "من بعد إيناسها" أي أنها كانت أنست بالاستراق، ولم أر ما قاله في شيء من الروايات، وقد شرح الكرماني على اللفظ الأول الذي ذكره الداودي وقال: الإنساك جمع نسك، والمراد به العبادة، ولم أر هذا القسيم في غير الطريق التي أخرجها البخاري. وزاد في رواية الباقر ومحمد بن كعب وكذا عند البيهقي موصولا من حديث البراء بن عازب بعد قوله: "وأحلاسها ":
تهوي إلى مكة تبغي الهدى ... ما مؤمنوها مثل أرجاسها
فاسم إلى الصفوة من هاشم ... واسم بعينيك إلى رأسها
وفي روايتهم أن الجني عاوده ثلاث ليال ينشده هذه الأبيات مع تغير قوافيها، فجعل بدل قوله إبلاسها "تطلابها" أوله مثناة، وتارة" تجآرها" بجيم وهمزة، وبدل قوله أحلاسها "أقتابها" بقاف ومثناة جمع قتب، وتارة" أكوارها" وبدل قوله. ما مؤمنوها مثل أرجاسها" ليس قداماها كأذنابها" وتارة" ليس ذوو الشر كأخيارها" وبدل قوله: رأسها" نابها" وتارة قال: "ما مؤمنو الجن ككفارها". وعندهم من الزيادة أيضا أنه في كل مرة يقول له" قد بعث محمد، فانهض إليه ترشد"، وفي الرواية المرسلة قال: "فارتعدت فرائصي حتى وقعت"، وعندهم جميعا أنه لما أصبح توجه إلى مكة فوجد النبي صلى الله عليه وسلم قد هاجر، فأتاه فأنشده أبياتا يقول فيها:
أتاني رئى بعد ليل وهجعة ... ولم يك فيما قد بلوت بكاذب
ثلاث ليال قوله كل ليلة ... أتاك نبي من لؤي بن غالب
يقول في آخرها:
فكن لي شفيعا يوم لا ذو شفاعة ... سواك بمغن عن سواد بن قارب
وفي آخر الرواية المرسلة" فالتزمه عمر وقال: لقد كنت أحب أن أسمع هذا منك". قوله: "ولحوقها بالقلاص وأحلاسها" القلاص بكسر القاف وبالمهملة جمع قلص بضمتين وهو جمع قلوص وهي الفتية من النياق، والأحلاس جمع حلس بكسر أوله وسكون ثانيه وبالمهملتين وهو ما يوضع على ظهور الإبل تحت الرحل. ووقع هذا القسيم
(7/180)

غير موزون. وفي رواية الباقر" ورحلها العيس بأحلاسها" وهذا موزون، والعيس بكسر أوله وسكون التحتانية وبالمهملتين: الإبل. قوله: "قال عمر: صدق، بينما أنا عند آلهتهم" ظاهر هذا أن الذي قص القصة الثانية هو عمر. وفي رواية ابن عمر وغيره أن الذي قصها هو سواد بن قارب، ولفظ ابن عمر عند البيهقي قال: "لقد رأى عمر رجلا - فذكر القصة - قال فأخبرني عن بعض ما رأيت، قال: إني ذات ليلة بواد إذ سمعت صائحا يقول: يا جليح، خبر نجيح، رجل فصيح، يقول لا إله إلا الله. عجبت للجن وإبلاسها" فذكر القصة، ثم ساق من طريق أخرى مرسلة قال: "مر عمر برجل فقال: لقد كان هذا كاهنا" الحديث وفيه: "فقال عمر أخبرني، فقال: نعم، بينا أنا جالس إذ قالت لي: ألم تر إلى الشياطين وإبلاسها" الحديث: "قال عمر: الله أكبر، فقال: أتيت مكة فإذا برجل عند تلك الأنصاب" فذكر قصة العجل، وهذا يحتمل فيه ما احتمل في حديث الصحيح أن يكون القائل" أتيت مكة" هو عمر أو صاحب القصة. قوله: "عند آلهتهم" أي أصنامهم. قوله: "إذ جاء رجل" لم أقف على اسمه" لكن عند أحمد من وجه آخر أنه ابن عبس، فأخرج من طريق مجاهد عن شيخ أدرك الجاهلية يقال له ابن عبس قال: "كنت أسوق بقرة لنا، فسمعت من جوفها" فذكر الرجز قال: "فقدمنا فوجدنا النبي صلى الله عليه وسلم قد بعث" ورجاله ثقات، وهو شاهد قوي لما في رواية ابن عمر وأن الذي حدث بذلك هو سواد بن قارب، وسأذكر بعد هذا ما يقوي أن الذي سمع ذلك هو عمر فيمكن أن يجمع بينهما بتعدد ذلك لهما. قوله: "يا جليح" بالجيم والمهملة بوزن عظيم ومعناه الوقح المكافح بالعداوة، قال ابن التين: يحتمل أن يكون نادى رجلا بعينه، ويحتمل أن يكون أراد من كان بتلك الصفة قلت: ووقع في معظم الروايات التي أشرت إليها "يا آل ذريح" بالذال المعجمة والراء وآخره مهملة، وهم بطن مشهور في العرب. قوله: "رجل فصيح" من الفصاحة. وفي رواية الكشميهني بتحتانية أوله بدل الفاء من الصياح ووقع في حديث ابن عبس "قول فصيح رجل يصيح". قوله: "يقول لا إله إلا أنت" وفي رواية الكشميهني: "لا إله إلا الله" وهو الذي في بقية الروايات. قوله: "فما نشبنا" بكسر المعجمة وسكون الموحدة أي لم نتعلق بشيء من الأشياء حتى سمعنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قد خرج، يريد أن ذلك كان بقرب مبعث النبي صلى الله عليه وسلم. "تنبيهان": أحدهما: ذكر ابن التين أن الذي سمعه سواد بن قارب من الجني كان من أثر استراق السمع، وفي جزمه بذلك نظر، والذي يظهر أن ذلك كان من أثر منع الجن من استراق السمع، ويبين ذلك ما أخرجه المصنف في الصلاة ويأتي في تفسير سورة الجن عن ابن عباس" أن النبي صلى الله عليه وسلم لما بعث منع الجن من استراق السمع، فضربوا المشارق والمغارب يبحثون عن سبب ذلك، حتى رأوا النبي صلى الله عليه وسلم يصلي بأصحابه صلاة الفجر" الحديث. "التنبيه الثاني": لمح المصنف بإيراد هذه القصة في" باب إسلام عمر" بما جاء عن عائشة وطلحة عن عمر من أن هذه القصة كانت سبب إسلامه، فروى أبو نعيم في "الدلائل" أن أبا جهل" جعل لمن يقتل محمدا مائة ناقة، قال عمر: فقلت له: يا أبا الحكم آلضمان صحيح؟ قال: نعم. قال فتقلدت سيفي أريده، فمررت على عجل وهم يريدون أن يذبحوه، فقمت أنظر إليهم، فإذا صائح يصيح من جوف العجل: يا آل ذريح، أمر نجيح، رجل يصيح بلسان فصيح. قال عمر: فقلت في نفسي إن هذا الأمر ما يراد به إلا أنا، قال فدخلت على أختي فإذا عندها سعيد بن زيد" فذكر القصة في سبب إسلامه بطولها. وتأمل ما في إيراده حديث سعيد بن زيد الذي بعد هذا. قوله: "انقض" بنون وقاف، وللكشميهني بفاء بدل القاف في الموضعين، ولأبي نعيم في "المستخرج" بالفاء والراء
(7/181)

ومعانيها متقاربة، والله أعلم. "تنبيه": جعل ابن إسحاق إسلام عمر بعد هجرة الحبشة، ولم يذكر انشقاق القمر، فاقتضى صنيع المصنف أنه وقع في تلك الأيام. وقد ذكر ابن إسحاق من وجه آخر أن إسلام عمر كان عقب هجرة الحبشة الأولى.
(7/182)