باب كَيْفَ آخَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ أَصْحَابِهِ
 
وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ آخَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنِي وَبَيْنَ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ لَمَّا قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ وَقَالَ أَبُو جُحَيْفَةَ آخَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ سَلْمَانَ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ
3937-حدثنا محمد بن يوسف حدثنا سفيان عن حميد عن أنس رضي الله عنه قال "قدم عبالرحمن بن عوف فآخى النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبين سعد بن الربيع الأنصاري, فعرض عليه أن يناصفه أهله وماله فقال عبد الرحمن: بارك الله لك في أهلك ومالك, دلني على السوق. فربح شيئا من أقط وسمن , فرأه النبي صلى الله عليه وسلم بعد أيام وعليه وضر من صفرة فقال النبي صلى الله عليه وسلم: مهيم ياعبد الرحمن؟ قال: تزوجت إمرأة من الأنصار , قال: فما سقت فيها؟ فقال: وزن نواة من ذهب. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أولم ولو بشاة "
قوله: "باب كيف آخى النبي صلى الله عليه وسلم بين أصحابه" تقدم في مناقب الأنصار" باب آخى النبي صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين والأنصار" قال ابن عبد البر كانت المؤاخاة مرتين: مرة بين المهاجرين خاصة وذلك بمكة، ومرة بين المهاجرين والأنصار فهي المقصودة هنا.وذكر ابن سند بأسانيد الواقدي إلى جماعة من التابعين قالوا: لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة آخى بين المهاجرين، وآخى بين المهاجرين والأنصار على المواساة، وكانوا يتوارثون، وكانوا تسنين نفسا بعضهم من المهاجرين وبعضهم من الأنصار، وقيل كانوا مائة، فلما نزل: {وَأُولُو الْأَرْحَامِ} بطلت المواريث بينهم بتلك المؤاخاة. قلت: وسيأتي في الفرائض من حديث ابن عباس" لما قدموا المدينة كان يرث المهاجري الأنصاري دون ذوي رحمه بالأخوة التي آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما، فنزلت: وعند أحمد من رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده نحوه، قال السهيلي: آخى بين أصحابه ليذهب عنهم وحشة الغربة ويتأنسوا من مفارقة الأهل والعشيرة ويشد بعضهم أزر بعض، فلما عز الإسلام واجتمع الشمل وذهبت الوحشة أبطل المواريث وجعل المؤمنين كلهم إخوة وأنزل {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} يعني في التوادد وشمول الدعوة، واختلفوا في ابتدائها: فقيل بعد الهجرة بخمسة أشهر، وقيل؛ بتسعة، وقيل: وهو يبني المسجد، وقيل. قبل بنائه، وقيل: بسنة وثلاثة أشهر قبل
(7/270)

بدر، وعند أبي سعيد في "شرف المصطفى" كان الإخاء بينهم في المسجد، وذكر محمد بن إسحاق المؤاخاة فقال: "قال رسول الله لأصحابه بعد أن هاجر: تآخوا أخوين ، فكان هو وعلي أخوين، وحمزة وزيد بن حارثة أخوين، وجعفر بن أبي طالب ومعاذ بن جبل أخوين" وتعقبه ابن هشام بأن جعفرا كان يومئذ بالحبشة، وفي هذا نظر، وقد تقدم. ووجهها العماد بن كثير بأنه أرصده لأخوته حتى يقدم، وفي تفسير سنيد: آخى بين معاذ وابن مسعود، وأبو بكر وخارجة بن زيد أخوين، وعمر وعتبان بن مالك أخوين، وقد تقدم في أوائل الصلاة قول عمر" كان لي أخ من الأنصار" وفسر بعتبان، ويمكن أن يكون أخوته له تراخت كما في أبي الدرداء وسلمان. ومصعب بن عمير وأبو أيوب أخوين، وأبو حذيفة بن عتبة وعباد بن بشر أخوين، ويقال بل عمار وثابت بن قيس لأن حذيفة إنما أسلم زمان أحد، وأبو ذر والمنذر بن عمرو أخوين، وتعقب بأن أبا ذر تأخرت هجرته، والجواب كما في جعفر، وحاطب بن أبي بلتعة وعويم بن ساعدة أخوين وسلمان وأبو الدرداء أخوين، وتعقب بأن سلمان تأخر إسلامه وكذا أبو الدرداء، والجواب ما تقدم في جعفر. وكان ابتداء المؤاخاة أوائل قدومه المدينة، واستمر يجددها بحسب من يدخل في الإسلام أو يحضر إلى المدينة، والإخاء بين سلمان وأبي الدرداء صحيح كما في الباب وعند ابن سعد وآخى بين أبي الدرداء وعوف بن مالك وسنده ضعيف، والمعتمد ما في الصحيح، وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن الربيع مذكور في هذا الباب، وسمى ابن عبد البر جماعة آخرين. وأنكر ابن تيمية في كتاب الرد على ابن المطهر الرافضي المؤاخاة بين المهاجرين وخصوصا مؤاخاة النبي صلى الله عليه وسلم لعلي قال: لأن المؤاخاة شرعت لإرفاق بعضهم ولتأليف قلوب بعضهم فلا معنى لمؤاخاة النبي صلى الله عليه وسلم لأحد منهم ولا لمؤاخاة مهاجري لمهاجري، وهذا رد للنص بالقياس وإغفال عن حكمة المؤاخاة لأن بعض المهاجرين كان أقوى من بعض بالمال والعشيرة والقوى فآخى بين الأعلى والأدنى ليرتفق الأدنى بالأعلى ويستعين الأعلى بالأدنى وبهذا تظهر مؤاخاته صلى الله عليه وسلم لعلي لأنه هو الذي كان يقوم به من عهد الصبا من قبل البعثة واستمر، وكذا مؤاخاة حمزة وزيد بن حارثة لأن زيدا مولاهم فقد ثبت أخوتهما وهما من المهاجرين، وسيأتي في عمرة القضاء قول زيد بن حارثة: إن بنت حمزة بنت أخي. وأخرج الحاكم وابن عبد البر بسند حسن عن أبي الشعثاء عن ابن عباس" آخى النبي صلى الله عليه وسلم بين الزبير وابن مسعود" وهما من المهاجرين. قلت: وأخرجه الضياء في المختارة من المعجم الكبير للطبراني وابن تيمية يصرح بأن أحاديث المختارة أصح وأقوى من أحاديث المستدرك، وقصة المؤاخاة الأولى أخرجها الحاكم من طريق جميع بن عمير عن ابن عمر" آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أبي بكر وعمر، وبين طلحة والزبير، وبين عبد الرحمن بن عوف وعثمان - وذكر جماعة قال - فقال علي: يا رسول الله إنك آخيت بين أصحابك فمن أخي؟ قال أنا أخوك" وإذا الضم هذا إلى ما تقدم تقوى به، وقد تقدم في "باب الكفالة" قبيل كتاب الوكالة الكلام على حديث: "لا حلف في الإسلام" بما يغني عن الإعادة، وقد سبق كلام السهيلي في حكمة ذلك الميراث، وسيأتي في الفرائد حديث ابن عباس" كان المهاجرون لما قدموا المدينة يرث المهاجري الأنصاري دون ذوي رحمه للأخوة". الحديث الأول: قوله: "وقال عبد الرحمن بن عوف: آخى النبي صلى الله عليه وسلم بيني وبين سعد بن الربيع" هو طرف من حديث تقدم موصولا في أوائل البيوع من طريق إبراهيم بن سعد عن أبيه وهو سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف عن جده قال: "قال عبد الرحمن بن عوف لما قدمنا المدينة آخى النبي صلى الله عليه وسلم بيني وبين سعد بن الربيع، فقال سعد: إني أكثر
(7/271)

الأنصار مالا فأقاسمك مالي" الحديث، وظن الشيخ عماد الدين بن كثير أن البخاري أشار بهذا التعليق إلى حديث أنس فقال: قصة عبد الرحمن لا تعرف مسندة عنه، وإنما أسندها البخاري وغيره عن أنس، قال: فلعل البخاري أراد أن أنسا حملها عن عبد الرحمن بن عوف انتهى. والذي ادعاه مردود لثبوته في الصحيح. الحديث الثاني: قوله: "وقال أبو جحيفة آخى النبي صلى الله عليه وسلم بين سلمان وأبي الدرداء" هو طرف من حديث وصله بتمامه في كتاب الصيام، والغرض منه التنبيه على تسمية من وقع الإخاء بينهم من المهاجرين والأنصار، فذكر هذا والذي بعده من إخاء سعد بن الربيع وعبد الرحمن بن عوف، ولمسلم من طريق ثابت عن أنس" آخى النبي صلى الله عليه وسلم بين أبى طلحة وأبي عبيدة" وتقدم في الإيمان حديث عمر" كان لي أخ من الأنصار وكنا نتناوب النزول" وذكر ابن إسحاق أنه عتبان بن مالك، وكان أبو بكر الصديق وحارثة بن زيد أخوين فيما ذكره ابن إسحاق أيضا. الحديث الثالث: حديث أنس في قصة إخاء سعد بن الربيع وعبد الرحمن بن عوف وسيأتي شرحه في كتاب النكاح
(7/272)


...