باب إِتْيَانِ الْيَهُودِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَحِينَ قَدِمَ الْمَدِينَةَ
 
هَادُوا: صَارُوا يَهُودًا. وَأَمَّا قَوْلُهُ هُدْنَا: تُبْنَا هَائِدٌ: تَائِبٌ
3941- حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا قُرَّةُ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "لَوْ آمَنَ بِي عَشَرَةٌ مِنْ الْيَهُودِ لآمَنَ بِي الْيَهُودُ"
3942- حَدَّثَنِي أَحْمَدُ أَوْ مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ الْغُدَانِيُّ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ أُسَامَةَ أَخْبَرَنَا أَبُو عُمَيْسٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ دَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ وَإِذَا أُنَاسٌ مِنْ الْيَهُودِ يُعَظِّمُونَ عَاشُورَاءَ وَيَصُومُونَهُ فَقال النبي صلى الله عليه وسلم: "نَحْنُ أَحَقُّ بِصَوْمِهِ فَأَمَرَ بِصَوْمِهِ"
3943- حَدَّثَنَا زِيَادُ بْنُ أَيُّوبَ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ حَدَّثَنَا أَبُو بِشْرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ لَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ وَجَدَ الْيَهُودَ يَصُومُونَ عَاشُورَاءَ فَسُئِلُوا عَنْ ذَلِكَ فَقَالُوا هَذَا الْيَوْمُ الَّذِي أَظْفَرَ اللَّهُ فِيهِ مُوسَى وَبَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى فِرْعَوْنَ وَنَحْنُ نَصُومُهُ تَعْظِيمًا لَهُ فَقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نَحْنُ أَوْلَى بِمُوسَى مِنْكُمْ ثُمَّ أَمَرَ بِصَوْمِهِ"
3944- حَدَّثَنَا عَبْدَانُ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ عَنْ يُونُسَ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَسْدِلُ شَعْرَهُ وَكَانَ الْمُشْرِكُونَ يَفْرُقُونَ رُءُوسَهُمْ وَكَانَ أَهْلُ الْكِتَابِ يَسْدِلُونَ رُءُوسَهُمْ وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحِبُّ مُوَافَقَةَ أَهْلِ الْكِتَابِ فِيمَا لَمْ يُؤْمَرْ فِيهِ بِشَيْءٍ
(7/274)

ثُمَّ فَرَقَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأْسَهُ"
3945- حَدَّثَنِي زِيَادُ بْنُ أَيُّوبَ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ أَخْبَرَنَا أَبُو بِشْرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ هُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ جَزَّءُوهُ أَجْزَاءً فَآمَنُوا بِبَعْضِهِ وَكَفَرُوا بِبَعْضِهِ"
[الحديث 3945- طرفاه في:4706,4705]
قوله: "باب إتيان اليهود النبي صلى الله عليه وسلم حين قدم المدينة" وذكر ابن عائذ من طريق عروة أن أول من أتاه منهم أبو ياسر بن أخطب أخو حيي بن أخطب فسمع منه" فلما رجع قال لقومه: أطيعوني فإن هذا النبي الذي كنا ننتظر. فعصاه أخوه وكان مطاعا فيهم، فاستحوذ عليه الشيطان فأطاعوه على ما قال. وروى أبو سعيد في "شرف المصطفى" من طريق سعيد بن جبير" جاء ميمون بن يامين وكان رأس اليهود إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله ابعث إليهم فاجعلني حكما فإنهم يرجعون إلي، فأدخله داخلا، ثم أرسل إليهم فأتوه فخاطبوه فقال: اختاروا رجلا يكون حكما بيني وبينكم، قالوا قد رضينا ميمون بن يامين. فقال: اخرج إليهم فقال: أشهد أنه رسول الله، فأبوا أن يصدقوه. وذكر ابن إسحاق أن النبي صلى الله عليه وسلم وادع اليهود لما قدم المدينة وامتنعوا من اتباعه، فكتب بينهم كتابا، وكانوا ثلاث قبائل: قينقاع والنضير وقريظة، فنقض الثلاثة العهد طائفة بعد طائفة، فمن على بني قينقاع وأجلى بني النضير واستأصل بني قريظة، وسيأتي بيان ذلك كله مفصلا إن شاء الله تعالى. وذكر ابن إسحاق أيضا عن الزهري" سمعت رجلا من مزينة يحدث سعيد بن المسيب عن أبي هريرة أن أحبار يهود اجتمعوا في بيت المدراس حين قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة فقالوا: غدا انطلقوا إلى هذا الرجل فاسألوه عن حد الزاني" فذكر الحديث. قوله: "هادوا صاروا يهودا، وأما قوله: هدنا تبنا هائد تائب" قال أبو عبيدة في قوله تعالى: {وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ} هو هنا من الذين تهودوا فصاروا يهودا: وقال في قوله تعالى: {إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ} أي تبنا إليك، ثم ذكر فيه خمسة أحاديث: قوله: "حدثنا قرة" هو ابن خالد، ومحمد هو ابن سيرين والإسناد كله بصريون. قوله: "لو آمن بي عشرة من اليهود لأمن بي اليهود" في رواية الإسماعيلي: "لم يبق يهودي إلا أسلم" وكذا أخرجه أبو سعيد في "شرف المصطفى" وزاد في آخره قال: "قال كعب هم الذين سماهم الله في سورة المائدة" فعلى هذا فالمراد عشرة مختصة وإلا فقد آمن به أكثر من عشرة، وقيل المعنى لو آمن بي في الزمن الماضي كالزمن الذي قبل قدوم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة أو حال قدومه، والذي يظهر أنهم الذين كانوا حينئذ رؤساء في اليهود ومن عداهم كان تبعا لهم، فلم يسلم منهم إلا القليل كعبد الله بن سلام وكان من المشهورين بالرياسة في اليهود عند قدوم النبي صلى الله عليه وسلم، ومن بني النضير أبو ياسر بن أخطب وأخوه حيي بن أخطب وكعب بن الأشرف ورافع بن أبي الحقيق، ومن بني قينقاع عبد الله بن حنيف وفنحاص ورفاعة بن زيد، ومن بني قريظة الزبير بن باطيا وكعب بن أسد وشمويل بن زيد، فهؤلاء لم يثبت إسلام أحد منهم، وكان كل منهم رئيسا في اليهود ولو أسلم لاتبعه جماعة منهم، فيحتمل أن يكونوا المراد. وقد روى أبو نعيم في "الدلائل" من وجه آخر الحديث بلفظ: "لو آمن بي الزبير بن باطيا وذووه من رؤساء يهود لأسلموا كلهم" وأغرب السهيلي فقال: لم يسلم من أحبار اليهود إلا اثنان يعني عبد الله بن سلام وعبد الله بن صوريا، كذا قال، ولم أر لعبد الله بن صوريا إسلاما من طريق صحيحة، وإنما نسبه السهيلي في موضع آخر لتفسير
(7/275)

النقاش، وسيأتي في "باب أحكام أهل الذمة" من كتاب المحاربين شيء يتعلق بذلك ووقع عند ابن حبان قصة إسلام جماعة من الأحبار كزيد بن سعفة مطولا. وروى البيهقي أن يهوديا سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ سورة يوسف فجاء ومعه نفر من اليهود فأسلموا كلهم، لكن يحتمل أن لا يكونوا أحبارا، وحديث ميمون بن يامين قد تقدم في الباب. وأخرج يحيى بن سلام في تفسيره من وجه آخر عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة هذا الحديث فقال: "قال كعب إنما الحديث اثنا عشر لقول الله تعالى: {وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً} فسكت أبو هريرة" قال ابن سيرين: أبو هريرة عندنا أولى من كعب، قال يحيى بن سلام وكعب أيضا صدوق لأن المعنى عشرة بعد الاثنين وهما عبد الله بن سلام ومخيريق، كذا قاله وهو معنوي. قوله: "حدثنا أحمد أو محمد بن عبيد الله" بالتصغير. وفي رواية السرخسي والمستملي: "ابن عبد الله" مكبر والأول أصح وأشهر، واسم جده سهيل وهو الغداني بضم المعجمة وتخفيف المهملة، شك البخاري في اسمه هنا، وقد ذكره في التاريخ فيمن اسمه أحمد بغير شك. قوله: "عن أبي موسى" وقع لبعضهم عن أبي مسعود وهو غلط. قوله: "دخل النبي" في رواية الكشميهني: "قدم" وقد تقدم الكلام عليه في الصيام. قوله: "لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وجد اليهود يصومون عاشوراء" استشكل هذا لأن قدومه صلى الله عليه وسلم إنما كان في ربيع الأول، وأجيب باحتمال أن يكون علمه بذلك تأخر إلى أن دخلت السنة الثانية، قال بعض المتأخرين يحتمل أن يكون صيامهم كان على حساب الأشهر الشمسية فلا يمتنع أن يقع عاشوراء في ربيع الأول ويرتفع الإشكال بالكلية، هكذا قرره ابن القيم في "الهدى" قال وصيام أهل الكتاب إنما هو بحساب سير الشمس. قلت: وما ادعاه من رفع الإشكال عجيب، لأنه يلزم منه إشكال آخر وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر المسلمين أن يصوموا عاشوراء بالحساب والمعروف من حال المسلمين في كل عصر في صيام عاشوراء أنه في المحرم لا في غيره من الشهور، نعم وجدت في الطبراني بإسناد جيد عن زيد بن ثابت قال: "ليس يوم عاشوراء باليوم الذي يقول الناس، إنما كان يوم تستر فيه الكعبة وتقلس فيه الحبشة، وكان يدور في السنة، وكان الناس يأتون فلانا اليهودي يسألونه، فلما مات أتوا زيد بن ثابت فسألوه" فعلى هذا فطريق الجمع أن تقول كان الأصل فيه ذلك، فلما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بصيام عاشوراء رده إلى حكم شرعه وهو الاعتبار بالأهلة فأخذ أهل الإسلام بذلك، لكن في الذي ادعاه أن أهل الكتاب يبنون صومهم على حساب الشمس نظر، فإن اليهود لا يعتبرون في صومهم إلا بالأهلة، هذا الذي شاهدناه منهم، فيحتمل أن يكون فيهم من كان يعتبر الشهور بحساب الشمس لكن لا وجود له الآن، كما انقرض الذين أخبر الله عنهم أنهم يقولون عزير ابن الله، تعالى الله عن ذلك. وفي الحديث إشكال آخر سبق الجواب عنه في كتاب الصيام. قوله: "فأمر بصومه" في رواية الكشميهني: "ثم أمر بصومه" "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسدل شعره" أي يرخيه. قوله: "عن عبيد الله بن عبد الله" هذا هو المحفوظ عن الزهري، ورواه مالك في "الموطأ" عن الزهري مرسلا لم يذكر من فوقه، وأغرب حماد بن خالد فرواه عن مالك عن الزهري عن أنس، قال أحمد بن حنبل: أخطأ فيه حماد بن خالد والمحفوظ عن الزهري" عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس". قوله: "ثم يفرقون" بفتح أوله وضم ثالثه. قوله: "ثم فرق النبي صلى الله عليه وسلم رأسه" بفتح الفاء والراء الخفيفة، وقد سبق شرحه في صفة النبي صلى الله عليه وسلم، وفيه دليل على أنه صلى الله عليه وسلم كان يوافق أهل الكتاب إذا خالفوا عبدة الأوثان أخذا بأخف الأمرين، فلما فتحت مكة
(7/276)

ودخل عباد الأوثان في الإسلام رجع إلى مخالفة باقي الكفار وهم أهل الكتاب. حديث ابن عباس "قال هم أهل الكتاب جزءوه أجزاء فآمنوا ببعضه وكفروا ببعضه" زاد الكشميهني: يعني قول الله تعالى: {الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ} .
(7/277)