باب مَرْجِعِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الأَحْزَابِ 4
 
يقصدونا محاربين، وهو كقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الماضي قريبا في أواخر غزوة الخندق "إلا أن نغزوهم ولا يغزوننا" قوله: "فأبقني له" أي للحرب، في رواية الكشميهني: "فأبقني لهم". قوله: "فافجرها" أي الجراحة. قوله: "فانفجرت من لبته" بفتح اللام وتشديد الموحدة هي موضع القلادة من الصدر، وهي رواية مسلم والإسماعيلي. وفي رواية الكشميهني: "من ليلته" وهو تصحيف. فقد رواه حماد بن سلمة عن هشام فقال في روايته: "فإذا لبته قد انفجرت من كلمه" أي من جرحه، أخرجه ابن خزيمة. وكان موضع الجرح ورم حتى اتصل الورم إلى صدره فانفجر من ثم. قوله: "فانفجرت" بين سبب ذلك في مرسل حميد بن هلال عند ابن سعد ولفظه: "أنه مرت به عنز وهو مضطجع فأصاب ظلفها موضع الجرح فانفجر حتى مات". قوله: "فلم يرعهم" بالمهملة أي أهل المسجد، أي لم يفزعهم. قوله: "وفي المسجد خيمة" هي جملة حالية. قوله: "خيمة من بني غفار" تقدم أن ابن إسحاق ذكر أن الخيمة كانت لرفيدة الأسلمية، فيحتمل أن تكون كان لها زوج من بني غفار. قوله: "يغذو" بغين وذال معجمتين أي يسيل. قوله: "فمات منها" في رواية ابن خزيمة في آخر هذه القصة "فإذا الدم له هدير" ووقع في رواية علقمة بن وقاص عن عائشة عند أحمد "فانفجر كلمه وكان قد برئ إلا مثل الخرص" وهو بضم المعجمة وسكون الراء ثم مهملة، وهو من حلي الأذن. ولمسلم من طريق عبدة بن سليمان عن هشام بن عروة" فما زال الدم يسيل حتى مات". قال فذلك حين يقول الشاعر:
ألا يا سعد سعد بني معاذ ... لما فعلت قريظة والنضير
لعمرك إن سعد بني معاذ ... غداة تحملوا لهم الصبور
تركتم قدركم لا شيء فيها ... وقدر القوم حامية تفور
وقد قال الكريم أبو حباث ... أقيموا قينقاع ولا تسيروا
وقد كانوا ببلدتهم ثفالا ... كما ثفلت بميطان الصخور
وقوله: "أبو حباث" بضم المهملة وتخفيف الموحدة وآخرها مثلثة هو عبد الله بن أبي رئيس الخزرج، وكان شفع في بني قينقاع فوهبهم النبي صلى الله عليه وسلم له وكانوا حلفاءه، وكانت قريظة حلفاء سعد بن معاذ فحكم بقتلهم فقال هذا الشاعر يوبخه بذلك. وقوله: "تركتم قدركم" أراد به ضرب المثل، وميطان موضع في بلاد مزينة من الحجاز كثير الأوعار، وأشار بذلك إلى أن بني قريظة كانوا في بلادهم راسخين من كثرة ما لهم من القوة والنجدة والمال، كما رسخت الصخور بتلك البلدة. وذكر ابن إسحاق أن هذه الأبيات لجبل بن جوال الثعلبي وهو بفتح الجيم والموحدة وأبوه بالجيم وتشديد الواو والثعلبي بمثلثة ومهملة ثم موحدة، ووقع عنده بدل قوله: "وقد قال الكريم" البيت:
وأما الخزرجي أبو حباث ... فقال لقينقاع لا تسيروا
وزاد فيها أبياتا منها:
أقيموا يا سراة الأوس فيها ... كأنكم من المخزاة غور
وأراد بذلك توبيخ سعد بن معاذ لأنه رئيس الأوس، وكان جبل بن جوال حينئذ كافرا. ولعل قصيدة كعب بن مالك التي قدمناها في غزوة بني النضير كانت جوابا لجبل، والله أعلم. وذكر ابن إسحاق لحسان بن ثابت قصيدة
(7/415)

على هذا الوزن والقافية يقول فيها:
تفاقد معشر نصروا قريشا ... وليس لهم ببلدتهم نصير
وهم أوتوا الكتاب فضيعوه ... فهم عمي عن التوراة بور
وهي من جملة قصيدته التي تقدم بعضها في غزوة بني النضير، وأجابه أبو سفيان بن الحارث عنها. وفي قصة بني قريظة من الفوائد وخبر سعد بن معاذ جواز تمني الشهادة، وهو مخصوص من عموم النهي عن تمني الموت. وفيها تحكيم الأفضل من هو مفضول. وفيها جواز الاجتهاد في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، وهي خلافية في أصول الفقه، والمختار الجواز سواء كان بحضور النبي صلى الله عليه وسلم أم لا، وإنما استبعد المانع وقوع الاعتماد على الظن مع إمكان القطع، ولا يضر ذلك، لأنه بالتقرير يصير قطعيا، وقد ثبت وقوع ذلك بحضرته صلى الله عليه وسلم كما في هذه القصة وقصة أبي بكر الصديق رضي الله عنه في قتيل أبي قتادة كما سيأتي في غزوة حنين وغير ذلك، وسيأتي مزيد له في كتاب الاعتصام إن شاء الله تعالى.
4123- حَدَّثَنَا الْحَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ قَالَ أَخْبَرَنِي عَدِيٌّ أَنَّهُ سَمِعَ الْبَرَاءَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لِحَسَّانَ اهْجُهُمْ أَوْ هَاجِهِمْ وَجِبْرِيلُ مَعَكَ "
4124- وَزَادَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ عَنْ الشَّيْبَانِيِّ عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يَوْمَ قُرَيْظَةَ لِحَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ اهْجُ الْمُشْرِكِينَ فَإِنَّ جِبْرِيلَ مَعَكَ "
الحديث السابع قوله: "عدي" هو ابن ثابت. قوله: "اهجهم أو هاجهم" بالشك، والثاني أخص من الأول. قوله: "وزاد إبراهيم بن طهمان" وصله النسائي وإسناده على شرط البخاري، وأبو إسحاق هو الشيباني واسمه سليمان، وزيادته في هذا الحديث معينة أن الأمر له بذلك وقع يوم قريظة، ووقع في حديث جابر رضي الله عنه عند ابن مردويه "لما كان يوم الأحزاب وردهم الله بغيظهم قال النبي صلى الله عليه وسلم: من يحمي أعراض المسلمين؟ فقام كعب وابن رواحة وحسان، فقال لحسان: اهجهم أنت فإنه سيعينك عليهم روح القدس " فهذا يؤيد زيادة الشيباني المذكورة، فإن يوم بني قريظة مسبب عن يوم الأحزاب والله أعلم. ولا مانع أن يتعدد وقوع الأمر له بذلك. وأورد ابن إسحاق لحسان في شأن بني قريظة عدة قصائد وقد تقدمت الإشارة إلى شيء من ذلك في الحديث الذي قبله.
(7/416)