باب غَزْوَةِ مُؤْتَةَ مِنْ أَرْضِ الشَّأْمِ 2
 
4262- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ وَاقِدٍ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلَالٍ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ "أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَعَى زَيْدًا وَجَعْفَرًا وَابْنَ رَوَاحَةَ لِلنَّاسِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَهُمْ خَبَرُهُمْ فَقَالَ أَخَذَ الرَّايَةَ زَيْدٌ فَأُصِيبَ ثُمَّ أَخَذَ جَعْفَرٌ فَأُصِيبَ ثُمَّ أَخَذَ ابْنُ رَوَاحَةَ فَأُصِيبَ - وَعَيْنَاهُ تَذْرِفَانِ - حَتَّى أَخَذَ الرَّايَةَ سَيْفٌ مِنْ سُيُوفِ اللَّهِ حَتَّى فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ "
4263- حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ قَالَ سَمِعْتُ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ قَالَ أَخْبَرَتْنِي عَمْرَةُ قَالَتْ سَمِعْتُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا تَقُولُ "لَمَّا جَاءَ قَتْلُ ابْنِ حَارِثَةَ وَجَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَوَاحَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ جَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعْرَفُ فِيهِ الْحُزْنُ قَالَتْ عَائِشَةُ وَأَنَا أَطَّلِعُ مِنْ صَائِرِ الْبَابِ تَعْنِي مِنْ شَقِّ الْبَابِ فَأَتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ أَيْ رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ نِسَاءَ جَعْفَرٍ قَالَ وَذَكَرَ بُكَاءَهُنَّ فَأَمَرَهُ أَنْ يَنْهَاهُنَّ قَالَ فَذَهَبَ الرَّجُلُ ثُمَّ أَتَى فَقَالَ قَدْ نَهَيْتُهُنَّ وَذَكَرَ أَنَّهُ لَمْ يُطِعْنَهُ قَالَ فَأَمَرَ أَيْضًا فَذَهَبَ ثُمَّ أَتَى فَقَالَ وَاللَّهِ لَقَدْ غَلَبْنَنَا فَزَعَمَتْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " فَاحْثُ فِي أَفْوَاهِهِنَّ مِنْ التُّرَابِ قَالَتْ عَائِشَةُ فَقُلْتُ أَرْغَمَ اللَّهُ أَنْفَكَ فَوَاللَّهِ مَا أَنْتَ تَفْعَلُ وَمَا تَرَكْتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْعَنَاءِ"
الحديث الثاني حديث أنس قوله: "حدثنا أحمد بن واقد" هو أحمد بن عبد الملك بن واقد الحراني. قوله: "نعى
(7/512)

زيدا" أي أخبرهم بقتله، وذكر موسى بن عقبة في المغازي أن يعلى بن أمية قدم بخبر أهل موتة فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن شئت فأخبرني وإن شئت أخبرك . قال فأخبرني. فأخبره خبرهم. فقال: والذي بعثك بالحق ما تركت من حديثهم حرفا لم تذكره" وعند الطبراني من حديث أبى اليسر الأنصاري "أن أبا عامر الأشعري هو الذي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بمصابهم". قوله: "ثم أخذ جعفر فأصيب" كذا هنا بحذفه المفعول، والمراد الراية. ووقع في "علامات النبوة" عند أبي ذر بهذا الإسناد بلفظ: "ثم أخذها". قوله: "وعيناه تذرفان" بذال معجمة وراء مكسورة أي تدفعان الدموع. قوله: "حتى أخذها سيف من سيوف الله، حتى فتح الله عليهم" في حديث أبي قتادة "ثم أخذ اللواء خالد بن الوليد، ولم يكن من الأمراء، وهو أمير نفسه" ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم. "اللهم إنه سيف من سيوفك فأنت تنصره" فمن يومئذ سمي سيف الله. وفي حديث عبد الله بن جعفر "ثم أخذها سيف من سيوف الله خالد بن الوليد ففتح الله عليهم" وتقدم حديث الباب في الجهاد من وجه آخر عن أيوب "فأخذها خالد بن الوليد من غير إمرة" والمراد نفي كونه كان منصوصا عليه، وإلا فقد ثبت أنهم اتفقوا عليه، وزاد قيه "وما يسرهم أنهم عندنا" أي لما رأوا من فضل الشهادة. وزاد في حديث عبد الله بن جعفر "ثم أمهل آل جعفر ثلاثا ثم أتاهم فقال: لا تبكوا على أخي بعد اليوم، ثم قال: ائتوني ببني أخي. فجيء بنا كأننا أفراخ، فدعا الحلاق فحلق رءوسنا ثم قال: أما محمد فشبيه عمنا أبي طالب، وأما عبد الله فشبيه خلقي وخلقي. ثم دعا لهم" وفي الحديث جواز الإعلام بموت الميت ولا يكون ذلك من النعي المنهي عنه. وقد تقدم تقرير ذلك في الجنائز. وفيه جواز تعليق الإمارة بشرط، وتولية عدة أمراء بالترتيب. وقد اختلف هل تنعقد الولاية الثانية في الحال أو لا؟ والذي يظهر أنها في الحال تنعقد، ولكن بشرط الترتيب. وقيل. تنعقد لواحد لا بعينه، وتتعين لمن عينها الإمام على الترتيب. وقيل: تنعقد للأول فقط، وأما الثاني فبطريق الاختيار. واختيار الإمام مقدم على غيره لأنه أعرف بالمصلحة العامة. وفيه جواز التأمر في الحرب بغير تأمير، قال الطحاوي: هذا أصل يؤخذ منه أن على المسلمين أن يقدموا رجلا إذا غاب الإمام يقوم مقامه إلى أن يحضر. وفيه جواز الاجتهاد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وفيه علم ظاهر من أعلام النبوة، وفضيلة ظاهرة لخالد بن الوليد ولمن ذكر من الصحابة. واختلف أهل النقل في المراد بقوله: "حتى فتح الله عليه" هل كان هناك قتال فيه هزيمة للمشركين، أو المراد بالفتح انحيازه بالمسلمين حتى رجعوا سالمين؟ ففي رواية ابن إسحاق عن محمد بن جعفر عن عروة "فحاش خالد الناس ودافع وانحاز وانحيز عنه، ثم انصرف بالناس" وهذا يدل على الأول، ويؤيده ما تقدم من بلاغ سعيد بن أبي هلال في الحديث الأول. وذكر ابن سعد عن أبي عامر "أن المسلمين انهزموا لما قتل عبد الله بن رواحة حتى لم أر اثنين جميعا، ثم اجتمعوا على خالد" وعند الواقدي من طريق عبد الله بن الحارث بن فضيل عن أبيه قال: "لما أصبح خالد بن الوليد جعل مقدمته ساقة، وميمنته ميسرة، فأنكر العدو حالهم وقالوا: جاءهم مدد، فرعبوا وانكشفوا منهزمين". وعنده من حديث جابر قال: "أصيب بمؤتة ناس من المشركين وغنم المسلمون بعض أمتعة المشركين" وفي مغازي أبي الأسود عن عروة "فحمل خالد على الروم فهزموهم" وهذا يدل على الثاني. أو يمكن الجمع بأن يكونوا هزموا جانبا من المشركين وخشي خالد أن يتكاثر الكفار عليهم، فقد قيل إنهم كانوا أكثر من مائة ألف، فانحاز بهم حتى رجع بهم إلى المدينة. وهذا السند وإن كان ضعيفا من جهة الانقطاع، والآخر من جهة ابن لهيعة الراوي عن أبي الأسود، وكذلك الواقدي، فقد وقع في المغازي لموسى بن عقبة - وهي
(7/513)

أصح المغازي كما تقدم - ما نصه "ثم أخذه - يعني اللواء - عبد الله بن رواحة فقتل، ثم اصطلح المسلمون على خالد بن الوليد فهزم الله العدو وأظهر المسلمين" قال العماد بن كثير: يمكن الجمع بأن خالدا لما جاز المسلمين وبات، ثم أصبح وقد غير هيئة العسكر كما تقدم، وتوهم العدو أنهم قد جاء لهم مدد، حمل عليهم خالد حينئذ فولوا فلم يتبعهم، ورأى الرجوع بالمسلمين هي الغنيمة الكبرى. ثم وجدت في "مغازي ابن عائذ" بسند منقطع أن خالدا لما أخذ الراية قاتلهم قتالا شديدا حتى انحاز الفريقان عن غير هزيمة، وقفل المسلمون فمروا على طريقهم بقرية بها حصن كانوا في ذهابهم قتلوا من المسلمين رجلا، فحاصروهم، حتى فتح الله عليهم عنوة، وقتل خالد بن الوليد مقاتلتهم، فسمي ذلك المكان نقيع الدم إلى اليوم. قوله: "حدثنا عبد الوهاب" هو ابن عبد المجيد الثقفي، ويحيى بن سعيد هو الأنصاري. قوله: "لما جاء قتل ابن رواحة" يحتمل أن يكون المراد مجيء الخبر على لسان القاصد الذي حضر من عند الجيش، ويحتمل أن يكون المراد مجيء الخبر على لسان جبريل كما يدل عليه حديث أنس الذي قبله. قوله: "جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم" زاد البيهقي من طريق المقدمي عن عبد الوهاب في المسجد. قوله: "يعرف فيه الحزن" أي لما جعل الله فيه من الرحمة، ولا ينافي ذلك الرضا بالقضاء، ويؤخذ منه أن ظهور الحزن على الإنسان إذا أصيب بمصيبة لا يخرجه عن كونه صابرا راضيا إذا كان قلبه مطمئنا، بل قد يقال إن من كان ينزعج بالمصيبة ويعالج نفسه على الرضا والصبر أرفع رتبة ممن لا يبالي بوقوع المصيبة أصلا، أشار إلى ذلك الطبري وأطال في تقريره. قوله: "وأنا أطلع من صائر الباب، تعني من شق الباب" ووقع في رواية القابسي "من صائر الباب بشق الباب: "وللنسفي" شق" بغير موحدة والأول أصوب هنا، وشق بالكسر وبالفتح أيضا، يقال بالفتح هو الموضع الذي ينظر منه كالكوة، وبالكسر الناحية. وهذه الرواية تدل على أن في الرواية التي تقدمت في الجنائز بلفظ: "من صائر الباب شق الباب: "إدراجا، وأنه تفسير من بعض رواته. وذكر ابن التين وغيره أن الذي وقع في الحديث بلفظ: "صائر" تغيير والصواب "صير" بكسر المهملة وتحتانية ساكنة ثم راء، قال الجوهري: الصير شق الباب، وفي الحديث: "من نظر من صير باب ففقئت عينه فهي هدر" قال أبو عبيد: لم أسمع هذا الحرف إلا في هذا الحديث. قوله: "فأتاه رجل" لم أقف على اسمه. قوله: "إن نساء جعفر" يحتمل أن يريد زوجاته، ويحتمل أن يريد من ينسب إليه من النساء في الجملة، وهذا الثاني هو المعتمد لأنا لا نعرف لجعفر زوجة غير أسماء بنت عميس. قوله: "فذكر بكاءهن" في رواية الكشميهني: "وذكر" بواو. قوله: "فأمره أن يأتيهن" كذا رأيت في أصل أبي ذر، فإن كان مضبوطا ففيه حذف تقديره فنهاهن، وأظنه محرفا فإن الذي في سائر الروايات "فأمره أن ينهاهن" وهو الوجه، وكذا وقع في الجنائز: قوله: "وذكر أنه لم يطعنه" في رواية الكشميهني: "وذكر أنهن" وهو أوجه. قوله: "لقد غلبننا" أي في عدم الامتثال لقوله، وذلك إما لأنه لم يصرح لهن بنهي الشارع عن ذلك فحملن أمره على أنه يحتسب عليهن من قبل نفسه، أو حملن الأمر على التنزيه فتمادين على ما هن فيه، أو لأنهن لشدة المصيبة لم يقدرن على ترك البكاء. والذي يظهر أن النهي إنما وقع عن قدر زائد على محض البكاء كالنوح ونحو ذلك، فلذلك أمر الرجل بتكرار النهي. واستبعده بعضهم من جهة أن الصحابيات لا يتمادين بعد تكرار النهي على أمر محرم، ولعلهن تركن النوح ولم يتركن البكاء، وكان غرض الرجل حسم المادة ولم يطعنه، لكن قوله: "فاحث في أفواههن من التراب" يدل على أنهن تمادين على الأمر الممنوع، ويجوز في الثاء المثلثة من
(7/514)

قوله: "فاحث" الضم والكسر لأنه يقال حثى يحثو ويحثى. قوله: "من العناء" يفتح العين المهملة وبالنون والمد هو التعب، ووقع في رواية العذري عند مسلم: "من الغي" بغين معجمة وتحتانية ثقيلة، وللطبراني مثله لكن بعين مهملة ومراد عائشة أن الرجل لا يقدر على ذلك، فإذا كان لا يقدر فقد أتعب نفسه ومن يخاطبه في شيء لا يقدر على إزالته ولعل الرجل لم يفهم من الأمر المحتم. وقال القرطبي لم يكن الأمر للرجل بذلك على حقيقته، لكن تقديره إن أمكنك فإن ذلك يسكنهن إن فعلته وأمكنك، وإلا فالملاطفة أولى. وفي الحديث جواز معاقبة من نهي عن منكر فتمادى عليه بما يليق به. وقال النووي: معنى كلام عائشة إنك قاصر عن القيام بما أمرت به من الإنكار فينبغي أن تخبر النبي صلى الله عليه وسلم بقصورك عن ذلك ليرسل غيرك وتستريح أنت من العناء. ووقع عند ابن إسحاق من وجه آخر صحيح عن عائشة في آخره: "قالت عائشة: وعرفت أنه لا يقدر أن يحثي في أفواههن التراب. قالت: وربما ضر التكلف أهله" وفي حديث عائشة من الفوائد بيان ما هو الأولى بالمصاب من الهيئات، ومشروعية الانتصاب للعزاء على هيئته، وملازمة الوقار والتثبت. وفيه جواز نظر من شأنه الاحتجاب من شق الباب، وأما عكسه فممنوع. وفيه إطلاق الدعاء بلفظ لا يقصد الداعي إيقاعه بالمدعو به، لأن قول عائشة "أرغم الله أنفك" أي ألصقه بالتراب. ولم ترد حقيقة هذا، وإنما جرت عادة العرب بإطلاق هذه اللفظة في موضع الشماتة بمن يقال له، ووجه المناسبة في قوله: "احث في أفواههن" دون أعينهن مع أن الأعين محل البكاء الإشارة إلى أن النهي لم يقع عن مجرد البكاء، بل عن قدر زائد عليه من صياح أو نياحة. والله أعلم.