باب أَيْنَ رَكَزَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرَّايَةَ يَوْمَ الْفَتْحِ 3
 
4286- حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ قَزَعَةَ حَدَّثَنَا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ "أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ مَكَّةَ يَوْمَ الْفَتْحِ وَعَلَى رَأْسِهِ الْمِغْفَرُ فَلَمَّا نَزَعَهُ جَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ: ابْنُ خَطَلٍ مُتَعَلِّقٌ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ فَقَالَ: "اقْتُلْهُ" قَالَ مَالِكٌ وَلَمْ يَكُنْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا نُرَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ يَوْمَئِذٍ مُحْرِمًا"
4287- حَدَّثَنَا صَدَقَةُ بْنُ الْفَضْلِ أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: "دَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ يَوْمَ الْفَتْحِ وَحَوْلَ الْبَيْتِ سِتُّونَ وَثَلاَثُ مِائَةِ نُصُبٍ فَجَعَلَ
(8/15)

يَطْعُنُهَا بِعُودٍ فِي يَدِهِ وَيَقُولُ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ جَاءَ الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ"
4288- حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أ"َنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا قَدِمَ مَكَّةَ أَبَى أَنْ يَدْخُلَ الْبَيْتَ وَفِيهِ الْآلِهَةُ فَأَمَرَ بِهَا فَأُخْرِجَتْ فَأُخْرِجَ صُورَةُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ فِي أَيْدِيهِمَا مِنْ الأَزْلاَمِ فَقال النبي صلى الله عليه وسلم: " قَاتَلَهُمْ اللَّهُ لَقَدْ عَلِمُوا مَا اسْتَقْسَمَا بِهَا قَطُّ" ثُمَّ دَخَلَ الْبَيْتَ فَكَبَّرَ فِي نَوَاحِي الْبَيْتِ وَخَرَجَ وَلَمْ يُصَلِّ فِيهِ تَابَعَهُ مَعْمَرٌ عَنْ أَيُّوبَ وَقَالَ وُهَيْبٌ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم"
الحديث الرابع، قوله: "يحيى بن قزعة" بفتح القاف والزاي بعدها مهملة. قوله: "عن ابن شهاب" في رواية يحيى بن عبد الحميد عن مالك "حدثني ابن شهاب" أخرجه الدار قطني. وفي رواية أحمد عن أبي أحمد الزبيري عن مالك عن ابن شهاب "أن أنس بن مالك أخبره" . قوله: "المغفر" في رواية أبي عبيد القاسم بن سلام عن يحيى بن بكير عن مالك "مغفر من حديد" قال الدار قطني: تفرد به أبو عبيد وهو في "الموطا" ليحيى بن بكير مثل الجماعة، ورواه عن مالك جماعة من أصحابه خارج الموطأ بلفظ: "مغفر من حديد" ثم ساقه من رواية عشرة عن مالك كذلك، وكذلك هو عند ابن عدي من رواية أبي أويس عن ابن شهاب، وعند الدار قطني من رواية شبابة بن سوار عن مالك، وفي هذا الحديث: "من رأى منكم ابن خطل فليقتله" ومن رواية زيد بن الحباب عن مالك بهذا الإسناد "وكان ابن خطل يهجو رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشعر" . قوله: "فقال اقتله" زاد الوليد بن مسلم عن مالك في آخره: "فقتل" أخرجه ابن عائذ وصححه ابن حبان، واختلف في قاتله، وقد جزم ابن إسحاق بأن سعيد بن حريث وأبا برزة الأسلمي اشتركا في قتله، وحكى الواقدي فيه أقوالا: منها أن قاتله شريك بن عبدة العجلاني، ورجح أنه أبو برزة، وقد بينت ما فيه من الاختلاف في كتاب الحج مع بقية شرح هذا الحديث في "باب دخول مكة بغير إحرام" من أبواب العمرة بما يغني عن إعادته. واستدل بقتل ابن خطل وهو متعلق بأستار الكعبة على أن الكعبة لا تعيذ من وجب عليه القتل، وأنه يجوز قتل من وجب عليه القتل في الحرم. وفي الاستدلال بذلك نظر لأن المخالفين تمسكوا بأن ذلك إنما وقع في الساعة التي أحل للنبي صلى الله عليه وسلم فيها القتال بمكة، وقد صرح بأن حرمتها عادت كما كانت، والساعة المذكورة وقع عند أحمد من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أنها استمرت من صبيحة يوم الفتح إلى العصر. وأخرج عمر بن شبة في "كتاب مكة" من حديث السائب بن يزيد قال: "رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم استخرج من تحت أستار الكعبة عبد الله بن خطل فضربت عنقه صبرا بين زمزم ومقام إبراهيم وقال: "لا يقتلن قرشي بعد هذا صبرا" ورجاله ثقات إلا أن في أبي معشر مقالا، والله أعلم. قوله: "عن ابن أبي نجيح" في رواية الحميدي في التفسير عن ابن عيينة حدثنا ابن أبي نجيح وهو عبد الله واسم أبي نجيح يسار، وتقدم في الملازمة عن علي بن عبد الله عن سفيان "حدثنا ابن أبي نجيح" ولابن عيينة في هذا الحديث إسناد آخر أخرجه الطبراني من طريق عبد الغفار بن داود عن ابن عيينة عن جامع بن أبي راشد عن أبي وائل عن ابن مسعود. قوله: "عن أبي معمر" هو عبد الله بن سخبرة. قوله: "عن عبد الله" هو ابن مسعود. قوله: "ستون وثلاثمائة نصب"
(8/16)

بضم النون والمهملة وقد تسكن، بعدها موحدة، هي واحدة الأنصاب، وهو ما ينصب للعبادة من دون الله تعالى. ووقع في رواية ابن أبي شيبة عن ابن عيينة "صنما" بدل "نصبا" . ويطلق النصب ويراد به الحجارة التي كانوا يذبحون عليها للأصنام وليست مرادة هنا، وتطلق الأنصاب على أعلام الطريق وليست مرادة هنا ولا في الآية. قوله: "فجعل يطعنها" بضم العين وبفتحها والأول أشهر. قوله: "بعود في يده ويقول: جاء الحق" في حديث أبي هريرة عند مسلم: "يطعن في عينيه بسية القوس" وفي حديث ابن عمر عند الفاكهي وصححه ابن حبان: "فيسقط الصنم ولا يمسه" ، وللفاكهي والطبراني من حديث ابن عباس "فلم يبق وثن استقبله إلا سقط على قفاه، مع أنها كانت ثابتة بالأرض، وقد شد لهم إبليس أقدامها بالرصاص" وفعل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك لإذلال الأصنام وعابديها، ولإظهار أنها لا تنفع ولا تضر، ولا تدفع عن نفسها شيئا. قوله: "حدثني إسحاق" هو ابن منصور، وعبد الصمد هو ابن عبد الوارث بن سعيد. قوله: "حدثني أبي" سقط من رواية الأصيلي ولا بد منه. قوله: "أبى أن يدخل البيت وفيه الآلهة، فأمر بها فأخرجت" وقع في حديث جابر عند ابن سعد وأبي داود "أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر عمر بن الخطاب وهو بالبطحاء أن يأتي الكعبة فيمحو كل صورة فيها، فلم يدخلها حتى محيت الصور، وكان عمر هو الذي أخرجها" والذي يظهر أنه محا ما كان من الصور مدهونا مثلا. وأخرج ما كان مخروطا. وأما حديث أسامة "أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل الكعبة فرأى صورة إبراهيم فدعا بماء فجعل يمحوها" وقد تقدم في الحج فهو محمول على أنه بقيت بقية خفي على من محاها أولا. وقد حكى ابن عائذ في المغازي عن الوليد بن مسلم عن سعيد بن عبد العزيز أن صورة عيسى وأمه بقيتا حتى رآهما بعض من أسلم من نصارى غسان فقال: إنكما لببلاد غربة، فلما هدم ابن الزبير البيت ذهبا فلم يبق لهما أثر. وقد أطنب عمر بن شبة في "كتاب مكة" في تخريج طريق هذا الحديث فذكر ما تقدم وقال: "حدثنا أبو عاصم عن ابن جريج سأل سليمان بن موسى عطاء: أدركت في الكعبة تماثيل؟ قال: نعم، أدركت تماثيل مريم في حجرها ابنها عيسى مزوقا، وكان ذلك في العمود الأوسط الذي يلي الباب. قال: فمتى ذهب ذلك؟ قال: في الحريق" وفيه عن ابن جريج "أخبرني عمرو بن دينار أنه بلغه أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بطمس الصور التي كانت في البيت" وهذا سند صحيح، ومن طريق عبد الرحمن بن مهران عن عمير مولى ابن عباس عن أسامة "أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل الكعبة فأمرني فأتيته بماء في دلو فجعل يبل الثوب ويضرب به على الصور ويقول: قاتل الله قوما يصورون ما لا يخلقون" قوله: "وخرج ولم يصل" تقدم شرحه في "باب من كبر في نواحي الكعبة" من كتاب الحج، وفيه الكلام على من أثبت صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في الكعبة ومن نفاها. قوله: "الأزلام" هي السهام التي كانوا يستقسمون بها الخير والشر، وعند ابن أبي شيبة من حديث جابر نحو حديث ابن مسعود وفيه: "فأمر بها فكبت لوجوهها" وفيه نحو حديث ابن عباس وزاد: "قاتلهم الله، ما كان إبراهيم يستقسم بالأزلام. ثم دعا بزعفران فلطخ تلك التماثيل" . وفي الحديث كراهية الصلاة في المكان الذي فيه صور لكونها مظنة الشرك، وكان غالب كفر الأمم من جهة الصور. قوله: "تابعه معمر عن أيوب" وصله أحمد عن عبد الرزاق عن معمر عن أيوب. قوله: "وقال وهيب حدثنا أيوب عن عكرمة عن النبي صلى الله عليه وسلم" يعني أنه أرسله. ووقع في نسخة الصغاني بإثبات ابن عباس في التعليق عن وهيب وهو خطأ، ورجحت الرواية الموصولة عند البخاري لاتفاق عبد الوارث ومعمر على ذلك عن أيوب.
(8/17)