باب غَزْوَةِ الطَّائِفِ فِي شَوَّالٍ سَنَةَ ثَمَانٍ قَالَهُ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ 5
 
4329- حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ أَنَّ صَفْوَانَ بْنَ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ أَخْبَرَهُ "أَنَّ يَعْلَى كَانَ يَقُولُ لَيْتَنِي أَرَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ يُنْزَلُ عَلَيْهِ قَالَ فَبَيْنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْجِعْرَانَةِ وَعَلَيْهِ ثَوْبٌ قَدْ أُظِلَّ بِهِ مَعَهُ فِيهِ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِهِ إِذْ جَاءَهُ أَعْرَابِيٌّ عَلَيْهِ جُبَّةٌ مُتَضَمِّخٌ بِطِيبٍ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ تَرَى فِي رَجُلٍ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ فِي جُبَّةٍ بَعْدَمَا تَضَمَّخَ بِالطِّيبِ فَأَشَارَ عُمَرُ إِلَى يَعْلَى بِيَدِهِ أَنْ تَعَالَ فَجَاءَ يَعْلَى فَأَدْخَلَ رَأْسَهُ فَإِذَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُحْمَرُّ الْوَجْهِ يَغِطُّ كَذَلِكَ سَاعَةً ثُمَّ سُرِّيَ عَنْهُ فَقَالَ أَيْنَ الَّذِي يَسْأَلُنِي عَنْ الْعُمْرَةِ آنِفًا فَالْتُمِسَ الرَّجُلُ فَأُتِيَ بِهِ فَقَالَ: أَمَّا الطِّيبُ الَّذِي بِكَ فَاغْسِلْهُ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ وَأَمَّا الْجُبَّةُ فَانْزِعْهَا ثُمَّ اصْنَعْ فِي عُمْرَتِكَ كَمَا تَصْنَعُ فِي حَجِّك " .
الحديث الخامس قوله: "حدثنا إسماعيل" هو ابن إبراهيم المعروف بابن علية، ويعلى هو ابن أمية التميمي، وقد تقدم شرح حديثه مستوفى في أبواب العمرة.
4330- حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ يَحْيَى عَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَاصِمٍ قَالَ: "لَمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ حُنَيْنٍ قَسَمَ فِي النَّاسِ فِي الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَلَمْ يُعْطِ الأَنْصَارَ شَيْئًا فَكَأَنَّهُمْ وَجَدُوا إِذْ لَمْ يُصِبْهُمْ مَا أَصَابَ النَّاسَ فَخَطَبَهُمْ فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ أَلَمْ أَجِدْكُمْ ضُلاَلًا فَهَدَاكُمْ اللَّهُ بِي وَكُنْتُمْ مُتَفَرِّقِينَ فَأَلَّفَكُمْ اللَّهُ بِي وَعَالَةً فَأَغْنَاكُمْ اللَّهُ بِي كُلَّمَا قَالَ شَيْئًا قَالُوا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمَنُّ قَالَ مَا يَمْنَعُكُمْ أَنْ تُجِيبُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "كُلَّمَا قَالَ شَيْئًا قَالُوا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمَنُّ قَالَ لَوْ شِئْتُمْ قُلْتُمْ جِئْتَنَا كَذَا وَكَذَا أَتَرْضَوْنَ أَنْ يَذْهَبَ النَّاسُ بِالشَّاةِ وَالْبَعِيرِ وَتَذْهَبُونَ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى رِحَالِكُمْ لَوْلاَ الْهِجْرَةُ لَكُنْتُ امْرَأً مِنْ الأَنْصَارِ وَلَوْ سَلَكَ النَّاسُ وَادِيًا وَشِعْبًا لَسَلَكْتُ وَادِيَ الأَنْصَارِ وَشِعْبَهَا، الأَنْصَارُ شِعَارٌ وَالنَّاسُ دِثَارٌ إِنَّكُمْ سَتَلْقَوْنَ بَعْدِي أُثْرَةً فَاصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوْنِي عَلَى الْحَوْض" .
[الحديث 4330- طرفه في: 7245]
الحديث السادس قوله: "حدثنا وهيب" هو ابن خالد. قوله: "عن عمرو بن يحيى" في رواية أحمد عن عفان عن وهيب "حدثنا عمرو بن يحيى" وهو المازني الأنصاري المدني. وفي رواية إسماعيل بن جعفر عند مسلم عن عمرو بن يحيى بن عمارة. قوله: "لما أفاء الله على رسوله يوم حنين" أي أعطاه غنائم الذين قاتلهم يوم حنين، وأصل الفيء الرد والرجوع، ومنه سمي الظل بعد الزوال فيئا لأنه رجع من جانب إلى جانب، فكأن أموال الكفار سميت فيئا لأنها كانت في الأصل للمؤمنين إذ الإيمان هو الأصل والكفر طارئ عليه، فإذا غلب
(8/47)

الكفار على شيء من المال فهو بطريق التعدي فإذا غنمه المسلمون منهم فكأنه رجع إليهم ما كان لهم، وقد قدمنا قريبا أنه صلى الله عليه وسلم أمر بحبس الغنائم بالجعرانة، فلما رجع من الطائف وصل إلى الجعرانة في خامس ذي القعدة، وكان السبب في تأخير القسمة ما تقدم في حديث المسور رجاء أن يسلموا، وكانوا ستة آلاف نفس من النساء والأطفال وكانت الإبل أربعة وعشرين ألفا والغنم أربعين ألف شاة. قوله: "قسم في الناس" حذف المفعول والمراد به الغنائم، ووقع في رواية الزهري عن أنس في الباب: "يعطي رجالا المائة من الإبل" . وقوله: "في المؤلفة قلوبهم" بدل بعض من كل، والمراد بالمؤلفة ناس من قريش أسلموا يوم الفتح إسلاما ضعيفا، وقيل كان فيهم من لم يسلم بعد كصفوان بن أمية. وقد اختلف في المراد بالمؤلفة قلوبهما الذين هم أحد المستحقين للزكاة فقيل: كفار يعطون ترغيبا في الإسلام، وقيل مسلمون لهم أتباع كفار ليتألفوهم، وقيل مسلمون أول ما دخلوا في الإسلام ليتمكن الإسلام من قلوبهم. وأما المراد بالمؤلفة هنا فهذا الأخير لقوله في رواية الزهري في الباب: "فإني أعطي رجالا حديثي عهد بكفر أتألفهم" . ووقع في حديث أنس الآتي في "باب قسم الغنائم في قريش" والمراد بهم من فتحت مكة وهم فيها. وفي رواية له "فأعطى الطلقاء والمهاجرين" والمراد بالطلقاء جمع طليق: من حصل من النبي صلى الله عليه وسلم المن عليه يوم فتح مكة من قريش وأتباعهم، والمراد بالمهاجرين من أسلم قبل فتح مكة وهاجر إلى المدينة. وقد سرد أبو الفضل بن طاهر في "المبهمات" له أسماء المؤلفة وهم "س" أبو سفيان بن حرب، وسهيل بن عمرو، وحويطب بن عبد العزى، "س" وحكيم بن حزام، وأبو السنابل بن بعكك، وصفوان بن أمية، وعبد الرحمن بن يربوع وهؤلاء من قريش، وعيينة بن حصين الفزاري والأقرع بن حابس التميمي وعمرو بن الأيهم التميمي، "س" والعباس بن مرداس السلمي، "س" ومالك بن عوف النضري، والعلاء بن حارثة الثقفي وفي ذكر الأخيرين نظر: فقبل إنهما جاءا طائعين من الطائف إلى الجعرانة، وذكر الواقدي في المؤلفة "س" معاوية ويزيد ابني أبي سفيان، وأسيد بن حارثة، ومخرمة بن نوفل، "س" وسعيد بن يربوع، "س" وقيس بن عدي "س" وعمرو بن وهب، "س" وهشام بن عمرو. وذكر ابن إسحاق من ذكرت عليه علامة سين وزاد: النضر بن الحارث، والحارث بن هشام، وجبير بن مطعم. وممن ذكره فمهم أبو عمر سفيان بن عبد الأسد، والسائب بن أبي السائب، ومطيع بن الأسود وأبو جهم بن حذيفة. وذكر ابن الجوزي فيهم زيد الخيل، وعلقمة بن علاثة، وحكيم بن طلق بن سفيان بن أمية وخالد بن قيس السهمي، وعمير بن مرداس. وذكر غيرهم فيهم قيس بن مخرمة، وأحيحة بن أمية بن خلف، وابن أبي شريق، وحرملة بن هوذة، وخالد بن هوذة، وعكرمة بن عامر العبدري، وشيبة بن عمارة، وعمرو بن ورقة، ولبيد بن ربيعة، والمغيرة بن الحارث، وهشام بن الوليد المخزومي. فهؤلاء زيادة على أربعين نفسا. قوله: "ولم يعط الأنصار شيئا" طاهر في أن العطية المذكورة كانت من جميع الغنيمة. وقال القرطبي في "المفهم" : الإجراء على أصول الشريعة أن العطاء المذكور كان من الخمس، ومنه كان أكثر عطاياه، وقد قال في هذه الغزوة للأعرابي: "ما لي مما أفاء الله عليكم إلا الخمس، والخمس مردود فيكم" أخرجه أبو داود والنسائي من حديث عبد الله بن عمرو، وعلى الأول فيكون ذلك مخصوصا بهذه الواقعة. وقد ذكر السبب في ذلك في رواية قتادة عن أنس في الباب حيث قال: " إن قريشا حديث عهد بجاهلية ومصيبة، وإني أردت أن أجيرهم وأتألفهم" . قلت: الأول هو المعتمد، وسيأتي ما يؤكده. والذي رجحه القرطبي جزم به الواقدي، ولكنه ليس بحجة إذا انفرد فكيف إذا خالف،
(8/48)

وقيل إنما كان تصرف في الغنيمة لأن الأنصار كانوا انهزموا فلم يرجعوا حتى وقعت الهزيمة على الكفار فرد الله أمر الغنيمة لنبيه. وهذا معنى القول السابق بأنه خاص بهذه الواقعة، واختار أبو عبيد أنه كان من الخمس. وقال ابن القيم: اقتضت حكمة الله أن فتح مكة كان سببا لدخول كثير من قبائل العرب في الإسلام وكانوا يقولون: دعوه وقومه، فإن غلبهم دخلنا في دينه، وإن غلبوه كفونا أمره. فلما فتح الله عليه استمر بعضهم على ضلاله فجمعوا له وتأهبوا لحربه، وكان من الحكمة في ذلك أن يظهر أن الله نصر رسوله لا بكثرة من دخل في دينه من القبائل ولا بانكفاف قومه عن قتاله، ثم لما قدر الله عليه من غلبته إياهم قدر وقوع هزيمة المسلمين مع كثرة عددهم وقوة عددهم ليتبين لهم أن النصر الحق إنما هو من عنده لا بقوتهم، ولو قدر أن لا يغلبوا الكفار ابتداء لرجع من رجع منهم شامخ الرأس متعاظما، فقدر هزيمتهم ثم أعقبهم النصر ليدخلوا مكة كما دخلها النبي صلى الله عليه وسلم يوم الفتح متواضعا متخشعا، واقتضت حكمته أيضا أن غنائم الكفار لما حصلت ثم قسمت على من لم يتمكن الإيمان من قلبه لما بقي فيه من الطبع البشري في محبة المال فقسمه فيهم لتطمئن قلوبهم وتجتمع على محبته، لأنها جبلت على حب من أحسن إليها. ومنع أهل الجهاد من أكابر المهاجرين ورؤساء الأنصار مع ظهور استحقاقهم لجميعها لأنه لو قسم ذلك فيهم لكان مقصورا عليهم، بخلاف قسمته على المؤلفة لأن فيه استجلاب قلوب أتباعهم الذين كانوا يرضون إذا رضي رئيسهم، فلما كان ذلك العطاء سببا لدخولهم في الإسلام ولتقوية قلب من دخل فيه قبل تبعهم من دونهم في الدخول، فكان في ذلك عظيم المصلحة. ولذلك لم يقسم فيهم من أموال أهل مكة عند فتحها قليلا ولا كثيرا مع احتياج الجيوش إلى المال الذي يعينهم على ما هم فيه، فحرك الله قلوب المشركين لغزوهم، فرأى كثيرهم أن يخرجوا معهم بأموالهم ونسائهم وأبنائهم فكانوا غنيمة للمسلمين، ولو لم يقذف الله في قلب رئيسهم أن سوقه معه هو الصواب لكان الرأي ما أشار إليه دريد فخالفه فكان ذلك سببا لتصييرهم غنيمة للمسلمين، ثم اقتضت تلك الحكمة أن تقسم تلك الغنائم في المؤلفة ويوكل من قلبه ممتلئ بالإيمان إلى إيمانه. ثم كان من تمام التأليف رد من سبي منهم إليهم، فانشرحت صدورهم للإسلام فدخلوا طائعين راغبين، وجبر ذلك قلوب أهل مكة بما نالهم من النصر والغنيمة عما حصل لهم من الكسر والرعب فصرف عنهم شر من كان يجاورهم من أشد العرب من هوازن وثقيف بما وقع بهم من الكسرة وبما قيض لهم من الدخول في الإسلام، ولولا ذلك ما كان أهل مكة يطيقون مقاومة تلك القبائل مع شدتها وكثرتها. وأما قصة الأنصار وقول من قال منهم فقد اعتذر رؤساؤهم بأن ذلك كان من بعض أتباعهم، ولما شرح لهم صلى الله عليه وسلم ما خفي عليهم من الحكمة فيما صنع رجعوا مذعنين ورأوا أن الغنيمة العظمى ما حصل لهم من عود رسول الله إلى بلادهم، فسلوا عن الشاة والبعير، والسبايا من الأنثى والصغير، بما حازوه من الفوز العظيم، ومجاورة النبي الكريم لهم حيا وميتا. وهذا دأب الحكيم يعطي كل أحد ما يناسبه، انتهى ملخصا. قوله: "فكأنهم وجدوا إذ لم يصبهم ما أصاب الناس" كذا للأكثر مرة واحدة. وفي رواية أبي ذر "فكأنهم وجد إذ لم يصبهم ما أصاب الناس، أو كأنهم وجدوا إذ لم يصبهم ما أصاب الناس" أورده على الشك هل قال: "وجد" بضمتين جمع واحد أو "وجدوا" على أنه فعل ماض. ووقع له عن الكشميهني وحده "وجدوا" في الموضعين فصار تكرارا بغير فائدة، وكذا رأيته في أصل النسفي. ووقع في رواية مسلم كذلك. قال عياض: وقع في نسخة قي الثاني "أن لم يصبهم" يعني بفتح الهمزة وبالنون قال: وعلى هذا تظهر فائدة التكرار، وجوز الكرماني أن يكون الأول من الغضب والثاني من الحزن
(8/49)