سورة آلِ عِمْرَانَ
 
تُقَاةٌ وَتَقِيَّةٌ وَاحِدَةٌ صِرٌّ بَرْدٌ شَفَا حُفْرَةٍ مِثْلُ شَفَا الرَّكِيَّةِ وَهْوَ حَرْفُهَا تُبَوِّئُ تَتَّخِذُ مُعَسْكَرًا الْمُسَوَّمُ الَّذِي لَهُ سِيمَاءٌ بِعَلاَمَةٍ أَوْ بِصُوفَةٍ أَوْ بِمَا كَانَ رِبِّيُّونَ الْجَمِيعُ وَالْوَاحِدُ رِبِّيٌّ تَحُسُّونَهُمْ تَسْتَأْصِلُونَهُمْ قَتْلًا غُزًّا وَاحِدُهَا غَازٍ سَنَكْتُبُ سَنَحْفَظُ نُزُلاً ثَوَابًا وَيَجُوزُ وَمُنْزَلٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ كَقَوْلِكَ أَنْزَلْتُهُ وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَالْخَيْلُ الْمُسَوَّمَةُ الْمُطَهَّمَةُ الْحِسَانُ قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى الرَّاعِيَةُ الْمُسَوَّمَةُ وَقَالَ ابْنُ جُبَيْرٍ وَحَصُورًا لاَ يَأْتِي النِّسَاءَ وَقَالَ عِكْرِمَةُ مِنْ فَوْرِهِمْ مِنْ غَضَبِهِمْ يَوْمَ بَدْرٍ وَقَالَ مُجَاهِدٌ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنْ الْمَيِّتِ مِنْ النُّطْفَةِ تَخْرُجُ مَيِّتَةً وَيُخْرِجُ مِنْهَا الْحَيَّ الإِبْكَارُ أَوَّلُ الْفَجْرِ وَالْعَشِيُّ مَيْلُ الشَّمْسِ أُرَاهُ إِلَى أَنْ تَغْرُب"
قوله: "سورة آل عمران - بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} كذا لأبي ذر ولم أر البسملة لغيره. قوله: "صر: برد" هو تفسير أبي عبيدة، قال في قوله تعالى: {كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ} : الصر شدة البرد. قوله: "شفا حفرة مثل شفا الركية" بفتح الراء كسر الكاف وتشديد التحتانية "وهو حرفها" كذا للأكثر بفتح المهملة وسكون الراء وللنسفي بضم
(8/207)

الجيم والراء والأول الصوب، والجرف الذي أضيف إليه شفا في الآية الأخرى غير شفا هنا، وقد قال أبو عبيدة في قوله تعالى:{شَفَا حُفْرَةٍ} شفا جرف، وهو يقتضي التسوية بينهما في الإضافة وإلا فمدلول جرف غير مدلول حفرة، فإن لفظ شفا يضاف إلى أعلى الشيء ومنه قوله: {شَفَا جُرُفٍ} وإلى أسفل الشيء منه "شفا حفرة" ويطلق شفا أيضا على القليل تقول ما بقي منه شيء غير شفا أي غير قليل، ويستعمل في القرب ومنه أشفى على كذا أي قرب منه. قوله: {تُبَوِّئُ} : تتخذ معسكرا "هو تفسير أبي عبيدة، قال في قوله: { وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ} أي تتخذ لهم مصاف ومعسكرا. وقال غيره: تبوئ تنزل، بوأه أنزله، وأصله من المباءة وهي المرجع. والمقاعد جمع مقعد وهو مكان القعود، وقد تقدم شيء من ذلك في غزوة أحد. قوله: "ربيون: الجموع، واحدها ربي" هو تفسير أبي عبيدة قال في قوله: { وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ} قال: الربيون الجماعة الكثيرة، واحدها ربي، وهو بكسر الراء في الواحد، والجمع قراءة الجمهور. وعن على وجماعة بضم الراء وهو من تغيير النسب في القراءتين إن كانت النسب إلى رب، وعليها قراءة ابن عباس ربيون بفتح الراء وقيل بل هو منسوب إلى الربة أي الجماعة وهو بضم الراء وبكسرها، فإن كان كذلك فلا تغيير والله أعلم. قوله: "تحسونهم: تستأصلونهم قتلا" وقع هذا بعد قوله: "واحدها ربي" وهو تفسير أبي عبيدة أيضا بلفظه وزاد: يقال حسسناهم من عند آخرهم أي استأصلناهم، وقد تقدم بيان ذلك في غزوة أحد. قوله: "غزا واحدها غاز: هو تفسير أبي عبيدة أيضا، قال في قوله: {أو كانوا غزاً} لا يدخلها رفع ولا جر لأن واحدها غاز، فخرجت مخرج قائل وقول انتهى. وقرأ الجمهور "غزا" بالتشديد جمع غاز وقياسه غزاة، لكن حملوا المعتل على الصحيح كما قال أبو عبيدة، وقرأ الحسن وغيره: "غزا" بالتخفيف فقيل خفف الزاي كراهية التثقيل، وقيل أصله غزاة وحذف الهاء. قوله: "سنكتب ما قالوا: سنحفظ" هو تفسير أبي عبيدة أيضا، لكنه ذكره بضم الياء التحتانية على البناء للمجهول وهي قراءة حمزة، وكذلك قرأ: {وقتلهم} بالرفع عطفا على الموصول لأنه منصوب المحل، وقراءة الجمهور بالنون للمتكلم العظيم، وقتلهم بالنصب على الموصول لأنه منصوب المحل، وتفسير الكتابة بالحفظ تفسير باللازم، وقد كثر ذلك في كلامهم كما مضى ويأتي. قوله: "نزلا: ثوابا: ويجوز ومنزل من عند الله كقولك أنزلته" هو قول أبي عبيدة أيضا بنصه، والنزل ما يهيأ للنزيل وهو الضيف، ثم اتسع فيه حتى سمى به الغداء وإن لم يكن للضيف. وفي نزل قولان: أحدهما مصدر والآخر أنه جمع نازل كقول الأعشى "أو تنزلون فإنا معشر نزل" أي نزول، وفي نصب نزلا في الآية أقوال: منها أنه منصوب على المصدر المؤكد لأنه معنى "لهم جنات" ننزلهم جنات نزلا، وعلى هذا يتخرج التأويل الأول لأن تقديره ينزلهم جنات رزقا وعطاء من عند الله. ومنها أنه حال من الضمير في "فيها" أي منزلة على أن نزلا مصدر بمعنى المفعول، وعليه يتخرج التأويل الثاني. قوله: {وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ} : المسوم الذي له سيماء بعلامة، أو بصوفة، أو بما كان. وقال مجاهد: الخيل المسومة المطهمة الحسان. وقال سعيد بن جبير وعبد الله بن عبد الرحمن بن أبزي: المسومة الراعية "أما التفسير الأول فقال أبو عبيدة: الخيل المسومة المعلمة بالسيماء. وقال أيضا في قوله: {مِنَ الْمَلائِكَةُ مُسَوِّمِينَ} أي معلمين. والمسموم الذي له سيماء بعلامة أو بصوفة أو بما كان. وأما قول مجاهد فرويناه في تفسير الثوري رواية أبي حذيفة عنه بإسناد صحيح، وكذا أخرجه عبد الرزاق عن الثوري. وأما قول ابن جبير فوصله أبو حذيفة أيضا بإسناد صحيح إليه. وأما قول
(8/208)

ابن أبزي فوصله الطبري من طريقه، وأورد مثله عن ابن عباس من طريق للعوفي عنه. وقال أبو عبيدة أيضا يجوز أن يكون معنى {مُسَوَّمَةً} مرعاة، من أسمتها فصارت سائمة. قوله: "وقال سعيد جبير: وحصورا لا يأتي النساء" وقع هذا بعد ذكر المسومة، وصله الثوري في تفسيره عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير به، وأصل الحصر الحبس والمنع، يقال لمن لا يأتي النساء أعم من أن يكون ذلك بطبعة كالعنين أو بمجاهدة نفسه، وهو الممدوح والمراد في وصف السيد يحيى عليه السلام. قوله: "وقال عكرمة: من فورهم غضبهم يوم بدر" وصله الطبري من طريق داود بن أبي هند عن عكرمة في قوله: {وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا} قال: فورهم ذلك كان يوم أحد غضبوا ليوم بدر بما لقوا، وأخرجه عبد بن حميد من وجه آخر عن عكرمة في قولهم "من فورهم هذا" قال من وجوههم هذا، وأصل الفور العجلة والسرعة، ومنه فارت القدر، يعبر به عن الغضب لأن الغضبان يسارع إلى البطش. قوله: "وقال مجاهد: يخرج الحي من الميت" النطفة تخرج ميتة ويخرج منها الحي" وصله عبد بن حميد من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله تعالى: {يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ} قال: الناس الأحياء من النطف الميتة والنطف الميتة من الناس الأحياء. قوله: "الإبكار أول الفجر، والعشي ميل الشمس إلى أن تغرب" وقع هذا أيضا عند غير أبي ذر، وقد تقدم شرحه في بدء الخلق
(8/209)



الموضوع التالي


باب {مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ} وَقَالَ مُجَاهِدٌ الْحَلاَلُ وَالْحَرَامُ {وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ} يُصَدِّقُ بَعْضُهُ بَعْضًا كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الْفَاسِقِينَ} وَكَقَوْلِهِ جَلَّ ذِكْرُهُ {وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ} وَكَقَوْلِهِ {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ} {زَيْغٌ} شَكٌّ {ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ} الْمُشْتَبِهَاتِ {وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ} يَعْلَمُونَ تأويله {يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ}