باب {وَإِنْ خِفْتُمْ أَنْ لاَ تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى}
 
4573- حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى أَخْبَرَنَا هِشَامٌ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ أَخْبَرَنِي هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا "أَنَّ رَجُلاً كَانَتْ لَهُ يَتِيمَةٌ فَنَكَحَهَا وَكَانَ لَهَا عَذْقٌ وَكَانَ يُمْسِكُهَا عَلَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ لَهَا مِنْ نَفْسِهِ شَيْءٌ فَنَزَلَتْ فِيهِ {وَإِنْ خِفْتُمْ أَنْ لاَ تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى} أَحْسِبُهُ قَالَ كَانَتْ شَرِيكَتَهُ فِي ذَلِكَ الْعَذْقِ
(8/238)

وَفِي مَالِه"
4574- حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ "أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَأَلَ عَائِشَةَ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {وَإِنْ خِفْتُمْ أَنْ لاَ تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى} فَقَالَتْ يَا ابْنَ أُخْتِي هَذِهِ الْيَتِيمَةُ تَكُونُ فِي حَجْرِ وَلِيِّهَا تَشْرَكُهُ فِي مَالِهِ وَيُعْجِبُهُ مَالُهَا وَجَمَالُهَا فَيُرِيدُ وَلِيُّهَا أَنْ يَتَزَوَّجَهَا بِغَيْرِ أَنْ يُقْسِطَ فِي صَدَاقِهَا فَيُعْطِيَهَا مِثْلَ مَا يُعْطِيهَا غَيْرُهُ فَنُهُوا عَنْ أَنْ يَنْكِحُوهُنَّ إِلاَّ أَنْ يُقْسِطُوا لَهُنَّ وَيَبْلُغُوا لَهُنَّ أَعْلَى سُنَّتِهِنَّ فِي الصَّدَاقِ فَأُمِرُوا أَنْ يَنْكِحُوا مَا طَابَ لَهُمْ مِنْ النِّسَاءِ سِوَاهُنَّ قَالَ عُرْوَةُ قَالَتْ عَائِشَةُ وَإِنَّ النَّاسَ اسْتَفْتَوْا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ هَذِهِ الآيَةِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قَالَتْ عَائِشَةُ وَقَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى فِي آيَةٍ أُخْرَى {وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ} رَغْبَةُ أَحَدِكُمْ عَنْ يَتِيمَتِهِ حِينَ تَكُونُ قَلِيلَةَ الْمَالِ وَالْجَمَالِ قَالَتْ فَنُهُوا أَنْ يَنْكِحُوا عَنْ مَنْ رَغِبُوا فِي مَالِهِ وَجَمَالِهِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ إِلاَّ بِالْقِسْطِ مِنْ أَجْلِ رَغْبَتِهِمْ عَنْهُنَّ إِذَا كُنَّ قَلِيلاَتِ الْمَالِ وَالْجَمَال"
قوله: "باب {وَإِنْ خِفْتُمْ أَنْ لاَ تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى} سقطت هذه الترجمة لغير أبي ذر، ومعنى "خفتم" ظننتم، ومعنى "تقسطوا" تعدلوا، وهو من أقسط يقال قسط إذا جار وأقسط إذا عدل، وقيل الهمزة فيه للسلب أي أزال القسط، ورجحه ابن التين بقوله تعالى: {ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ} لأن أفعل في أبنية المبالغة لا تكون في المشهور إلا من الثلاثي، نعم حكى السيرافي في جواز التعجب بالرباعي، وحكى غيره أن أقسط من الأضداد، والله أعلم. قوله: "أخبرنا هشام" هو ابن يوسف، وهذه الترجمة من لطائف أنواع الإسناد، وهي ابن جريج عن هشام، وهشام الأعلى هو ابن عروة والأدنى ابن يوسف. قوله: "إن رجلا كانت له يتيمة فنكحها" هكذا قال هشام عن ابن جريج فأوهم أنها نزلت في شخص معين، والمعروف عن هشام بن عروة التعميم، وكذلك أخرجه الإسماعيلي من طريق حجاج بن محمد عن ابن جريج ولفظه: "أنزلت في الرجل يكون عنده اليتيمة إلخ" وكذا هو عند المصنف في الرواية التي تلي هذه من طريق ابن شهاب عن عروة، وفيه شيء آخر نبه عليه الإسماعيلي وهو قوله: "فكان لها عذق فكان يمسكها عليه" فإن هذا نزل في التي يرغب عن نكاحها، وأما التي يرغب في نكاحها فهي التي يعجبه مالها وجمالها فلا يزوجها لغيره ويريد أن يتزوجها بدون صداق مثلها، وقد وقع في رواية ابن شهاب التي بعد هذه التنصيص على القصتين، ورواية حجاج بن محمد سالمة من هذا الاعتراض فإنه قال فيها "أنزلت في الرجل يكون عنده اليتيمة وهي ذات مال إلخ" وكذا أخرجه المصنف في أواخر هذه السورة من طريق أبي أسامة، وفي النكاح من طريق وكيع كلاهما عن هشام. قوله: "عذق" بفتح العين المهملة وسكون المعجمة: النخلة، وبالكسر الكباسة والقنو، وهو من النخلة كالعنقود من الكرمة، والمراد هنا الأول. وأغرب الداودي ففسر العذق في حديث عائشة هذا بالحائط. قوله: "وكان يمسكها عليه" أي لأجله. وفي رواية الكشميهني: "فيمسك بسببه" قوله: "أحسبه قال: كانت شريكته في ذلك العذق" هو شك من هشام بن يوسف، ووقع مبينا مجزوما به في رواية أبي أسامة ولفظه: "هو الرجل يكون
(8/239)

عنده اليتيمة هو وليها وشريكته في ماله حتى في العذق فيرغب أن ينكحها ويكره أن يزوجها رجلا فيشركه في ماله فيعضلها، فنهوا عن ذلك" ورواية ابن شهاب شاملة للقصتين، وقد تقدمت في الوصايا من رواية شعيب عنه. قوله: "اليتيمة" أي التي مات أبوها. قوله: "في حجر وليها" أي الذي يلي مالها. قوله: "بغير أن يقسط في صداقها" في النكاح من رواية عقيل عن ابن شهاب "ويريد أن ينتقص من صداقها" . قوله: "فيعطيها مثل ما يعطينها غيره" هو معطوف على معمول بغير أي يريد أن يتزوجها بغير أن يعطيها مثل ما يعطيها غيره، أي ممن يرغب في نكاحها سواه، ويدل على هذا قوله بعد ذلك "فنهول عن ذلك إلا أن يبلغوا بهن أعلى سنتهن في الصداق" وقد تقدم في الشركة من رواية يونس عن ابن شهاب بلفظ: "بغير أن يقسط في صداقها فيعطيها مثل ما يعطيها غيره" . قوله: "فأمروا أن ينكحوا ما طاب لهم من النساء سواهن" أي بأي مهر توافقوا عليه، وتأويل عائشة هذا جاء عن ابن عباس مثله أخرجه الطبري، وعن مجاهد مناسبة ترتب قوله: "فانكحوا ما طاب لكم من النساء" على قوله: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَنْ لاَ تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى} شيء آخر، قال في معنى قوله تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَنْ لاَ تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى} أي إذا كنتم تخافون أن لا تعدلوا في مال اليتامى فتحرجتم أن لا تلوها فتحرجوا من الزنا وانكحوا ما طاب لكم من النساء، وعلى تأويل عائشة يكون المعنى وإن خفتم أن لا تقسطوا في نكاح اليتامى. قوله: "قال عروة قالت عائشة" هو معطوف على الإسناد المذكور وإن كان بغير أداة عطف. وفي رواية عقيل وشعيب المذكورين "قالت عائشة فاستفتى الناس" إلخ. قوله: "بعد هذه الآية" أي بعد نزول هذه الآية بهذه القصة. وفي رواية عقيل "بعد ذلك" . قوله: "فأنزل الله {وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ} قالت عائشة وقول الله تعالى في آية أخرى {وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ} كذا وقع في رواية صالح وليس ذلك في آية أخرى وإنما هو في نفس الآية وهي قوله: {وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ} ووقع في رواية شعيب وعقيل" فأنزل الله تعالى: {وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ} إلى قوله: {وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ} ثم ظهر لي أنه سقط من رواية البخاري شيء اقتضى هذا الخطأ، ففي صحيح مسلم والإسماعيلي والنساء واللفظ له من طريق يعقوب بن إبراهيم بن سعد عن أبيه بهذا الإسناد في هذا الموضع" فأنزل الله {وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ اللَّاتِي لا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ} فذكر الله أن يتلى عليكم في الكتاب الآية الأولى وهي قوله: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} قالت عائشة: وقول الله في الآية الأخرى {وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ} رغبة أحدكم إلخ كذا أخرجه مسلم من طريق يونس عن ابن شهاب، وتقدم للمصنف أيضا في الشركة من طريق يونس عن ابن شهاب مقرونا بطريق صالح بن كيسان المذكورة هنا، فوضح بهذا في رواية صالح أن في الباب اختصارا، وقد تكلف له بعض الشراح فقال: معنى قوله: "في آية أخرى" أي بعد قوله: {وَإِنْ خِفْتُمْ} وما أوردناه أوضح والله أعلم.
" تنبيه " : أغفل المزي في الأطراف عزو هذه الطريق أي طريق صالح عن ابن شهاب إلى كتاب التفسير واقتصر على عزوها إلى كتاب الشركة. قوله: "وترغبون أن تنكحوهن، رغبة أحدكم عن يتيمته" فيه تعيين أحد الاحتمالين في قوله: "وترغبون" لأن رغب يتغير معناه بمتعلقه يقال رغب فيه إذا أراده ورغب عنه إذا لم يرده، لأنه يحتمل أن تحذف في وأن تحذف عن، وقد تأوله سعيد بن جبير على المعنيين فقال: نزلت في الغنية والمعدمة، والمروي هنا عن عائشة أوضح في أن الآية الأولى نزلت في الغنية، وهذه الآية نزلت في المعدمة. قوله: "فنهوا" أي نهوا
(8/240)

عن نكاح المرغوب فيها لجمالها ومالها لأجل زهدهم فيها إذا كانت قليلة المال والجمال، فينبغي أن يكون نكاح اليتيمتين على السواء في العدل، وفي الحديث اعتبار مهر المثل في المحجورات وأن غيرهن يجوز نكاحها بدون ذلك، وفيه أن للولي أن يتزوج من هي تحت حجره لكن يكون العاقد غيره، وسيأتي البحث فيه في النكاح، وفيه جواز تزويج اليتامى قبل البلوغ لأنهن بعد البلوغ لا يقال لهن يتيمات إلا أن يكون أطلق استصحابا لحالهن، وسيأتي البحث فيه أيضا في كتاب النكاح.
(8/241)