باب {يُوصِيكُمْ اللَّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ}
 
4577- حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى حَدَّثَنَا هِشَامٌ أَنَّ ابْنَ جُرَيْجٍ أَخْبَرَهُمْ قَالَ أَخْبَرَنِي ابْنُ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: "عَادَنِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ فِي بَنِي سَلِمَةَ مَاشِيَيْنِ فَوَجَدَنِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لاَ أَعْقِلُ شَيْئًا فَدَعَا بِمَاءٍ فَتَوَضَّأَ مِنْهُ ثُمَّ رَشَّ عَلَيَّ فَأَفَقْتُ فَقُلْتُ مَا تَأْمُرُنِي أَنْ أَصْنَعَ فِي مَالِي يَا رَسُولَ اللَّهِ فَنَزَلَتْ {يُوصِيكُمْ اللَّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ}
قوله: "باب {يُوصِيكُمْ اللَّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ} سقط لغير أبي ذر "باب" و "في أولاكم" والمراد بالوصية هنا بيان قسمة الميراث. قوله: "أخبرنا هشام" هو ابن يوسف، وابن المنكدر هو محمد. قوله: "عن جابر" في رواية شعبة عن ابن المنكدر "سمعت جابرا" وتقدمت في الطهارة. قوله: "عادني النبي صلى الله عليه وسلم" سيأتي ما يتعلق بذلك في كتاب المرضى قبيل كتاب الطب. قوله: "في بني سلمة" بفتح المهملة وكسر اللام هم قوم جابر، وهم بطن من الخزرج. قوله: "لا أعقل" زاد الكشميهني: "شيئا" . قوله: "ثم رش على" بينت في الطهارة الرد على من زعم أنه رش عليه من الذي فضل، وسيأتي في الاعتصام التصريح بأنه صب عليه نفس الماء الذي توضأ به. قوله: "فقلت ما تأمرني أن أصنع في مالي" في رواية شعبة المذكورة "فقلت يا رسول الله لمن الميراث، إنما يرثني كلالة" وسيأتي بيان ذلك في الفرائض. قوله: {فنزلت يوصيكم الله في أولادكم" هكذا وقع في رواية ابن جريج، وقيل إنه وهم في ذلك وأن الصواب أن الآية التي نزلت في قصة جابر هذه الآية الأخيرة من النساء وهي {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ} لأن جابرا يومئذ لم يكن له ولد ولا والد، والكلالة من لا ولد له ولا والد، وقد أخرجه مسلم عن عمرو الناقد، والنسائي عن محمد بن منصور كلاهما عن ابن عيينة عن ابن المنكدر فقال في هذا الحديث:"حتى نزلت عليه آية الميراث: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ} ولمسلم أيضا من طريق شعبة عن ابن المنكدر قال في آخر هذا الحديث: "فنزلت آية الميراث، فقلت لمحمد بن المنكدر: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ} ؟ قال: هكذا أنزلت: {وقد تفطن البخاري بذلك فترجم في أول الفرائض" قوله: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ} - إلى قوله: {وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ} ثم ساق حديث جابر المذكور عن قتيبة عن ابن عيينة وفي آخره: "حتى نزلت آية الميراث" ولم يذكر ما زاده الناقد، فأشعر بأن الزيادة عنده مدرجة من كلام ابن عيينة. وقد أخرجه أحمد عن ابن عيينة مثل رواية الناقد وزاد في آخره: "كان ليس له ولد وله أخوات" وهذا من كلام ابن عيينة أيضا، وقد اضطرب فيه فأخرجه
(8/243)

ابن خزيمة عن عبد الجبار بن العلاء عنه بلفظ: "حتى نزلت آية الميراث: {إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ} وقال مرة "حتى نزلت آية الكلالة" وأخرجه عبد بن حميد، الترمذي عنه عن يحيى بن آدم عن ابن عيينة بلفظ: "حتى نزلت {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ} وأخرجه الإسماعيلي من طريق إسحاق بن أبي إسرائيل عنه فقال في آخره:"حتى نزلت آية الميراث: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ} "فمراد البخاري بقوله في الترجمة" إلى قوله: {واللهُ عليم حليم} الإشارة إلى أن مراد جابر من آية الميراث قوله: "إن كان رجل يورث كلالة" وأما الآية الأخرى وهي قوله: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ} فسيأتي في آخر تفسير هذه السورة أنها من آخر ما نزل، فكأن الكلالة لما كانت مجملة في آية المواريث استفتوا عنها فنزلت الآية الأخيرة. ولم ينفرد ابن جريج بتعين الآية المذكورة، فقد ذكرها ابن عيينة أيضا على الاختلاف عنه، وكذا أخرجه الترمذي والحاكم من طريق عمرو بن أبي قيس عن ابن المنكدر، وفيه نزلت: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ} وقد أخرجه البخاري أيضا عن ابن المديني وعن الجعفي مثل رواية قتيبة بدون الزيادة وهو المحفوظ، كذا أخرجه مسلم من طريق سفيان الثوري عن ابن المنكدر بلفظ: "حتى نزلت آية الميراث" فالحاصل أن المحفوظ عن ابن المنكدر أنه قال: "آية الميراث أو آية الفرائض" والظاهر أنها "يوصيكم الله" كما صرح به في رواية ابن جريج ومن تابعه، وأما من قالها إنها "يستفتونك" فعمدته أن جابرا لم يكن له حينئذ ولد وإنما يورث كلالة فكان المناسب لقصته نزول الآية الأخيرة، لكن ليس ذلك بلازم، لأن الكلالة مختلف في تفسيرها: فقيل هي اسم المال الموروث، وقيل اسم الميت، قيل اسم الإرث، وقيل ما تقدم. فلما لم يعين تفسيرها بمن لا ولد له ولا والد لم يصح الاستدلال لما قدمته أنها نزلت في آخر الأمر وآية المواريث نزلت قبل ذلك كما أخرج أحمد وأصحاب السنن وصححه الحاكم من طريق عبد الله بن محمد بن عقيل عن جابر قال: "جاءت امرأة سعد بن الربيع فقالت: " يا رسول الله هاتان ابنتا سعد بن الربيع قتل أبوهما معك في أحد، إن عمهما أخذ مالهما. قال: يقضي الله في ذلك" . فنزلت آية الميراث. فأرسل إلى عمها فقال: أعط ابنتا سعد الثلثين وأمهما الثمن فما بقي فهو لك" وهذا ظاهر في تقدم نزولها. نعم وبه احتج من قال إنها لم تنزل في قصة جابر إنما نزلت في قصة ابنتا سعد بن الربيع، وليس ذلك بلازم إذ لا مانع أن تنزل في الأمرين معا. ويحتمل أن يكون نزول أولها في قصة البنتين وآخرها وهي قوله: "وإن كان رجل يورث كلالة" في قصة جابر، ويكون مراد جابر فنزلت: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ} أي ذكر الكلالة المتصل بهذه الآية والله أعلم. وإذا تقرر جميع ذلك ظهر أن ابن جريج لم يهم كما جزم به الدمياطي ومن تبعه، وأن من وهمه هو الواهم والله أعلم. وسيأتي بقية ما يتعلق بشرح هذا الحديث في الفرائض إن شاء الله تعالى
(8/244)