باب {لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ} الْآيَةَ وَيُذْكَرُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ {لاَ تَعْضُلُوهُنَّ} لاَ تَقْهَرُوهُنَّ {حُوبًا} إِثْمًا {تَعُولُوا} تَمِيلُوا {نِحْلَةً} النِّحْلَةُ الْمَهْرُ
 
4579- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ حَدَّثَنَا أَسْبَاطُ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا الشَّيْبَانِيُّ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ الشَّيْبَانِيُّ وَذَكَرَهُ أَبُو الْحَسَنِ السُّوَائِيُّ وَلاَ أَظُنُّهُ ذَكَرَهُ إِلاَّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ} قَالَ كَانُوا إِذَا مَاتَ الرَّجُلُ كَانَ أَوْلِيَاؤُهُ أَحَقَّ بِامْرَأَتِهِ إِنْ شَاءَ بَعْضُهُمْ تَزَوَّجَهَا وَإِنْ شَاءُوا زَوَّجُوهَا وَإِنْ شَاءُوا لَمْ يُزَوِّجُوهَا فَهُمْ أَحَقُّ بِهَا مِنْ أَهْلِهَا فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ فِي ذَلِك"
[الحديث 4579- طرفه في: 6948]
قوله: "باب قوله: {لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ} الآية" سقط "باب" وما بعد "كرها" لغير أبي ذر، وقوله: "كرها" مصدر في موضع الحال، قرأها حمزة والكسائي بالضم والباقون بالفتح. قوله: "ويذكر عن ابن عباس: لا تعضلوهن لا تقهروهن" في رواية الكشميهني: "تنتهروهن" بنون بعدها مثناة من الانتهار، وهي رواية القابسي أيضا، وهذه الرواية وهم والصواب ما عند الجماعة. وهذا الأثر وصله الطبري وابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله: "لا تعضلوهن" لا تقهروهن {لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ} يعني الرجل تكون له المرأة وهو كاره لصحبتها ولها عليه مهر فيضرها لتفتدي وأسند عن السدي والضحاك نحوه. وعن مجاهد أن المخاطب بذلك أولياء المرأة كالعضل المذكور
(8/245)

في سورة البقرة، ثم ضعف ذلك ورجح الأول. قوله: "حوبا إثما" وصله ابن أبي حاتم بإسناد صحيح عن داود بن أبي هند عن عكرمة عن ابن عباس في قوله تعالى: {إِنَّهُ كَانَ حُوباً} قال: إثما عظيما. ووصله الطبري من طريق مجاهد والسدي والحسن وقتادة مثله. والجمهور على ضم الحاء، وعن الحسن بفتحها. قوله: "تعولوا تميلوا" وصله سعيد بن منصور بإسناد صحيح عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله: "ذلك أدنى أن لا تعولوا" قال أن لا تميلوا. ورويناه في "فوائد أبي بكر الآجري" بإسناد آخر صحيح إلى الشعبي عن ابن عباس، ووصله الطبري من طريق الحسن ومجاهد وعكرمة والنخعي والسدي وقتادة وغيرهم مثله، وأنشد في رواية عكرمة لأبي طالب من أبيات "بميزان صدق وزنه غير عائل" وجاء مثله مرفوعا صححه ابن حبان من حديث عائشة، وروى ابن المنذر عن الشافعي "أن لا تعولوا" أن لا يكثر عيالكم، وأنكره المبرد وابن داود والثعلبي وغيرهم، لكن قد جاء عن زيد بن أسلم نحو ما قال الشافعي أسنده الدار قطني، وإن كان الأول أشهر، واحتج من رده أيضا من حيث المعنى بأنه أحل من ملك اليمين ما شاء الرجل بلا عدد، ومن لازم ذلك كثرة العيال، وإنما ذكر النساء وما يحل منهن، فالجور والعدل يتعلق بهن. وأيضا فإنه لو كان المراد كثرة العيال لكان أعال يعيل من الرباعي. وأما تعولوا فمن الثلاثي، لكن نقل الثعلبي عن أبي عمرو الدوري قال وكان من أئمة اللغة قال: هي لغة حمير. ونقل عن طلحة ابن مصرف أنه قرأ: {أن لا تعيلوا}. قوله: "نحلة فالنحلة المهر" كذا لأبي ذر، ولغيره بغير فاء "قال الإسماعيلي: إن كان ذلك من تفسير البخاري ففيه نظر، فقد قيل فيه غير ذلك، وأقرب الوجوه أن النحلة ما يعطونه من غير عوض وقيل المراد نحلة ينتحلونها أي يتدينون بها ويعتقدون ذلك. قلت: والتفسير الذي ذكره البخاري قد وصله ابن أبي حاتم والطبري من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله تعالى: {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً} قال: النحلة المهر. وروى الطبري عن قتادة قال: نحلة أي فريضة. ومن طريق عبد الرحمن بن زيد بن أسلم قال: النحلة في كلام العرب الواجب، قال: ليس ينبغي لأحد أن ينكح إلا بصداق. كذا قال. والنحلة في كلام العرب العطية لا كما قال ابن زيد، ثم قال الطبري: وقيل إن المخاطب بذلك أولياء النساء، كان الرجل إذا زوج امرأة أخذ صداقها دونها فنهوا عن ذلك. ثم أسنده إلى سيار عن أبي صالح بذلك، واختار الطبري القول الأول، واستدل له.
" تنبيه " : محل هذه التفاسير من قوله: "حوبا" إلى آخرها في أول السورة، وكأنه من بعض نساخ الكتاب كما قدمناه غير مرة، وليس هذا خاصا بهذا الموضع ففي التفسير في غالب السور أشباه هذا. قوله: "حدثنا أسباط بن محمد" هو بفتح الهمزة وسكون المهملة بعدها موحدة، كوفي ثقة، ليس له في البخاري سوى هذا الحديث. وأورده في كتاب الإكراه عن حسين بن منصور عنه أيضا. وقد قال الدوري عن ابن معين: كان يخطئ عن سفيان، فذكره لأجل ذلك ابن الجوزي في الضعفاء، لكن قال: كان ثبتا فيما يروى عن الشيباني ومطرف. وذكره العقيلي وقال: ربما وهم في الشيء. وقد أدركه البخاري بالسن لأنه مات في أول سنة مائتين. قوله: "قال الشيباني" سماه في كتاب الإكراه سليمان بن فيروز. قوله: "وذكره أبو الحسن السوائي، ولا أظنه ذكره إلا عن ابن عباس" حاصله أن للشيباني فيه طريقين إحداهما موصولة وهي عكرمة عن ابن عباس، والأخرى مشكوك في وصلها وهي أبو الحسن السوائي عن ابن عباس. والشيباني هو أبو إسحاق، والسوائي بضم المهملة وتخفيف الواو ثم ألف ثم همزة واسمه عطاء، ولم أقف له على ذكر إلا في هذا الحديث. قوله: "كانوا إذا مات الرجل" في رواية السدي تقييد
(8/246)

ذلك بالجاهلية. وفي رواية الضحاك تخصيص ذلك بأهل المدينة، وكذلك أورده الطبري من طريق العوفي عن ابن عباس، لكن لا يلزم من كونه في الجاهلية أن لا يكون استمر في أول الإسلام إلى أن نزلت الآية، فقد جزم الواحدي أن ذلك كان في الجاهلية وفي أول الإسلام، وساق القصة مطولة، وكأنه نقله من تفسير الشعبي، ونقل عن تفسير مقاتل نحوه إلا أنه خالف في اسم ابن أبي قيس فالأول قال قيس ومقاتل قال حصين، روى الطبري من طريق ابن جريح عن عكرمة أنها نزلت في قصة خاصة قال: نزلت في كبشة بنت معن بن عاصم من الأوس وكانت تحت أبي قيس بن الأسلت فتوفي عنها، فجنح عليها ابنه، فجاءت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا نبي الله لا أنا ورثت زوجي ولا تركت فأنكح، فنزلت هذه الآية. وبإسناد حسن عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف عن أبيه قال: "لما توفي أبو قيس بن الأسلت أراد ابنه أن يتزوج امرأته، وكان ذلك لهم في الجاهلية فأنزل الله هذه الآية" . قوله: "كان أولياؤه أحق بامرأته" في رواية أبي معاوية عن الشيباني عن عكرمة وحده عن ابن عباس في هذا الحديث تخصيص ذلك بمن مات زوجها قبل أن يدخل بها. قوله: "إن شاء بعضهم تزوجها وإن شاءوا زوجوها وإن شاءوا لم يزوجوها وهم أحق بها من أهلها" في رواية أبي معاوية المذكورة "حبسها عصبته أن تنكح أحدا حتى تموت فيرثوها" قال الإسماعيلي: هذا مخالف لرواية أسباط. قلت ويمكن ردها إليها بأن يكون المراد أن تنكح إلا منهم أو بإذنهم، نعم هي مخالفة لها في التخصيص السابق، وقد روى الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس "كان الرجل إذا مات وترك امرأة ألقى عليها حميمه ثوبا فمنعها من الناس، فإن كانت جميلة تزوجها وإن كانت دميمة حبسها حتى تموت ويرثها" وروى الطبري أيضا من طريق الحسن والسدي وغيرهما: "كان الرجل يرث امرأة ذي قرابته فيعضلها حتى تموت أو ترد إليه الصداق" وزاد السدي "إن سبق الوارث فألقي عليها ثوبه كان أحق بها، وإن سبقت هي إلى أهلها فهي أحق بنفسها" .
(8/247)